«مصدر دبلوماسي»
مقالات مختارة – الناقد العراقي قاسم المشكور
يواجهنا سؤال افتراضي مفاده،إلى أي مدى يحق للروائي ان يستعين بملكة الخيال في تصوير وقائع عمله الروائي؟
في ظني المتواضع، أنّ السقف مفتوح على آخره في هذه الجزئية تحديداَ، اذا ما علمنا أنّ الرواية في عالم اليوم تؤدي ذات الوظيفة التي كانت تنهض بها الاسطورة من قبل، فقد غدت الرواية على الصعيد الفردي هي الفضاء الخيالي الذي يلوذ به الإنسان الفرد للحصول على فسحة زمنية تحرره من قيد الواقع الصلب، وهمومه القاسية، ولا غرو بعد ذلك إذا ما رفع الإنسان منسوب خياله ليبحر في عوالمه السحرية، فنحن كائنات منقوشة في ملكة الخيال، ولا يمكننا الاستمرار إلى ما لانهاية في تعاملنا الرتيب مع الواقع، فالخيال ليس شيئاَ منفصلاَ عن وجودنا، كما اننا لانشعر بأهميته إلاّ من خلال تعطيل مدركاتنا الحسية، فامر تجسد الخيال فينا بشكل موضوعي وخارج أنفسنا امر مستحيل، وهنا تبرز أهمية الفن الروائي الذي يجعلنا نكتشف العالم بعيون الطفل المبهرة، فنستغرق في مشاهد لذيذة ورطبة، بعد أن أضحت مهمة الفن الروائي أن يجعلنا ننظر إلى الوجود بعيون غير تقليدية، وهذا ما عمل عليه الروائي المبدع حسن علي أنواري في روايته المهمة(ناريا).
في تصوري، أن الروائي حسن تمكن وببراعة عالية من أنْ يحررنا كقراء من فضاء العقلانية العلمية الصارمة، ويدخلنا عنوة إلى فضاء روايته الساحر، عبر أحداث أسطورية متخيلة ساهمت في إنعاش خيالاتنا، وجعلنا نرتقي به، بعد أن منعه من الانزلاق في مهاوي الجمود، الأمر الذي تحولت بموجبه أحداث الرواية على ما تحمله من أحداث أسطورية متخيلة علاجاَ يقي من سقم الرتابة، فثمة جانب سحري مرتبط بفن الرواية يجعلنا نتقبل فكرة الهروب من الاضطرابات الذهانية التي يضج بها واقعنا المريض.
في رواية (ناريا) ثمة خطاب سياسي واعد يحض على الثورة، وينبذ الفوضى، بعد أن حدد الروائي على لسان بطله شروط الثورة، إلى الحد الذي غدت فيه هذه الشروط أهم من الثورة ذاتها مثلما يرى بطل الرواية (نسحو) المشغول دائما وابداَ بهموم (ناريا) عبر تدريسه الحكمة للشباب الثائر، ونسفه لأكاذيب (ينماخو).
لقد قدّم لنا الروائي حسن رواية خالية من المبالغات والأكاذيب على الرغم من أنْ اجواء الرواية تسمح له بمثل هذا الإجراء، بعد أنْ عمد إلى صناعة نهاية تقبل بموت البطل، بعد أن جعل موته سبباَ مباشرا في انطلاق شرارة الثورة.
امتازت الرواية بميزة رائعة، تلك هي احتكام الروائي إلى لغة رطبة، ومنضبطة، ودقيقة في تصويبه للمعاني، كما إن فيها غنى، وثراء، وخالية من الحشو، أو الزيادة، فيما كان السرد الروائي هو الآخر فيه قدر كبير من المرونة، مما جعله في غنى عن الإستعانة بتقنيات، وعناصر سردية تنجي القارئ من الملل الذي يصاحب غالباَ السرد المتواصل.
الرواية تحفل بمفاهيم فلسفية تخص الكيفية التي تقودنا في تعاملنا مع المفاهيم الحياتية المتعددة، سواء اتفقنا معها أم لا.
اشتغل الروائي على تقنية الراوي العليم، مما سهّل عليه مهمة سرده المتتابع، والطبيعي الخالي من التعقيدات التي تصاحب روايات ما بعد الحداثة،كما أن طريقة عرضه للأحداث فيها فطنة، وذكاء، وحرفية، وهي أقرب إلى السيناريو البصري، بعد أنْ فجرت الرواية كل الاستمراريات الموصولة بالماضي المُتخيل، وهو اسلوب متفرد في صناعته لشخصياته الإنسانية، هذا بالإضافة إلى قدرته الفائقة على صناعة أجواء مليئة بالتبصر المستديم مع الحياة.