“مصدر دبلوماسي”-
مارلين خليفة- (خاص)
استضافت كلية الآداب والعلوم الانسانية في جامعة القديس يوسف السفير الفرنسي في لبنان هرفيه ماغرو في حوار مع طلاب قسم التاريخ والعلاقات الدولية، حيث القى ماغرو مداخلة في قاعة “بوليفالانت”، تحدث فيها عن مساره العلمي والدبلوماسي قبل أن يجيب على اسئلة الطلاب بحضور انحصر برئيس الجامعة الأب سليم دكاش والاساتذة والطلاب.
تناول ماغرو في مستهلّ اللقاء مساره الدراسي حيث تخصص في العلوم السياسية ليدخل بعدها مباشرة في السلك الخارجي في وزارة الخارجية سالكا الطريق الثاني المختلف عن المدرسة الوطنية للادارة وهي ايضا طريق معتمدة للعاملين في الشأن العام.
جذب الشرق الاوسط وثقافته ولغاته ماغرو مذ كان يافعا، وشكلت معرفته باللغات المشرقية بطاقة دخول عززت موقعه كدبلوماسي عمل في السواد الاعظم من خدمته الدبلوماسية في ملفات الشرق الاوسط وشمال افريقيا، حتى حين كان مستشارا للسفير في واشنطن، تم اختياره بسبب تعمقه بمنطقة الشرق الاوسط.
في خضم مساره، زار لبنان مرتين او ثلاث مرات ليتوجه بعدها الى تركيا، ثم تولى مناصب دبلوماسية لأربع مرات في القدس ثم في قطر وبعدها في بيروت [منذ آب\اغسطس 2023].
تحدث ماغرو عن أهمية التاريخ معتبرا أنه الحاضر والمستقبل ايضا. واعطى مثالا عن السلطنة العثمانية وتأثير تفككها على المنطقة، وقال أن الاول من ايلول\ سيتمبر من العام 1920 شكل عنصرا رئيسيا في تاريخ لبنان وايضا في تاريخ العلاقة بين فرنسا ولبنان ووصف لبنان بأنه :” بوابة فرنسا الى هذه المنطقة من العالم”.
وصية ماكرون: لبنان يشكل اولوية لفرنسا وبقية أوروبا
في سياق حديثه عن لبنان، قال السفير ماغرو بأن ” العلاقة بين لبنان وفرنسا تشبه النقش في اللاوعي الجماعي، بحيث يشكل لبنان قاعدة رئيسية لفرنسا” (…). وروى أنه قبل أن يتولى منصبه كسفير في لبنان، أوصاه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الآتي:” إن لبنان يشكل أولوية بالنسبة الى فرنسا وبقية أوروبا، ولذا يترتب عليك كسفير أن تتصرف وفق هذا المنطق”. أضاف السفير ماغرو:” هذا الامر يشكل تحديا، هذا يعني بأن كلّ واحد منّا تتم متابعته من أعلى قمة في الدولة وخصوصا في لبنان، وليس الأمر مشابها في بقية دول العالم، لذا يمكن القول بأن لبنان هو في عمق استراتيجية فرنسا في هذه المنطقة من العالم ولبنان هو الاولوية بسبب هذا القرب”.
رئاسة الجمهورية واهمتيها
وتحدث في سياق الوضع الجيو-سياسي الراهن قائلا بأن لبنان ليس بحاجة الى أزمة كبيرة اخرى “التدمير سهل ولكن اعادة البناء اشد تعقيدا، والأزمات في دول الجوار تظهر لنا ذلك. ونحن نعتقد، على العكس من ذلك، أن استقرار لبنان وانتعاشه في السنوات المقبلة هو عامل أساسي للاستقرار العام”. أضاف:” لسوء الحظ، نحن بعيدون من ذلك اليوم. ومن دون التطرق إلى مسألة الحرب في غزة وانعكاساتها على الوضع في لبنان، هناك فراغ مؤسساتي له عواقب وخيمة على عمل الدولة اللبنانية. نحننرى بوضوح أنه مع تقاعد القادة السياسيين، وحتى القادة الإداريين تغيب السيطرة. ونرى أيضًا بوضوح أن هناك حاجة إلى إصلاحات كبيرة، وخصوصا في المجال الاقتصادي، ومن الواضح أنه إذا لم يكن لدينا رئيس لا يمكن الوصول الى الإصلاح وستستمر البلاد على ما هي عليه، أو حتى تغرق أكثر. ولهذا السبب أيضاً أراد رئيس الجمهورية [الفرنسية] منا أن ندعم ونحاول مساعدة لبنان على الخروج من هذا المأزق. ولهذا السبب عين مبعوثاً خاصاً هو جان-ايف لودريان، ولهذا السبب قبلنا تحدي العمل مع عدد معين من الدول الأخرى المهتمة بالوضع اللبناني” (…).
التعليم اولوية فرنسا في لبنان
وأشار السفير ماغرو في مداخلته: “لذلك، فإن الأولوية بالنسبة الينا اليوم هي منع انجرار لبنان إلى التصعيد المستمر في الجنوب والذي يؤثر الآن على جزء كبير من البلاد. ومن ثم، يجب أيضًا دعم السلطات اللبنانية في البحث عن مخرج للازمة المؤسساتية حتى تتمكن من اعادة إحياء الدولة والهيكليات المؤسساتية ولكن أيضًا الاقتصاد اللبناني” (…).
وأشار:” يمكننا أن نرى بوضوح أن هناك اليوم تهديد كبير بزعزعة الاستقرار، وهناك عدد معين من القيم التي نؤمن بها القيم العالمية التي يحملها الجميع ويتم التشكيك بها كل يوم في الدول الغربية”.
وقال متوجها الى الشباب:” لهذا السبب أيضا يظل التعليم بالنسبة الينا أولوية السفارة، لذا فإن 45 في المئة من مساعداتنا تتوجه الى التعليم سواء في المدارس الثانوية او الجامعات، لأن التعليم ثروة هذا البلد، إنه مستقبله. هذا لا يستحق القول. في جميع البلدان، الشباب هم مستقبل البلاد. سنستمر في دعم المدارس، سواء أ كانت مدارس خاصة أو حكومية أو جامعات لأنه يبدو لنا مرة أخرى أنها إحدى ركائز الحياة المعاصرة عملنا وأحد ركائز الدولة في مستقبل هذا البلد”.
الموقف الأولي للرئيس ماكرون من حرب اسرائيل ضد غزّة
أجاب السفير الفرنسي هرفيه ماغرو على اسئلة الطلاب وابرزها عن شرح موقف فرنسا في بداية الحرب على غزة ولم كان متماهيا مع الموقف الاسرائيلي؟
قال ماغرو:” يجب فهم السياق الكامل لهذا الموقف، فقد وقع عمل إرهابي واسع النطاق في 7 تشرين الاول\اكتوبر الفائت حيث تم اختطاف او قتل 42 مواطنا فرنسيا واختفى 2 أو 3 آخرين، ونحن لا نعرف مصيرهم. لذا فإن رد فعل رئيس الجمهورية شكل استجابة لمدى إلحاح الموقف في تلك اللحظة. كان ذلك لإظهار تضامننا مع البلد الذي تعرض لهجوم بهذه الطريقة. وثانيًا، كان الهدف أيضا إظهار التضامن مع بقية الفرنسيين من ذوي الضحايا.
بعد فهم ذلك يمكننا مناقشة ما اذا كان رد الفعل قويًا جدًا ام لا، حيث قتل 1200 شخص ولو حدث ذلك في لبنان أعتقد أن رد الفعل سيكون نفسه. علينا أن نأخذ ذلك في الاعتبار (…).
وأشار ماغرو الى أن الرئيس الفرنسي كان أول من قال بوضوح بأن الحل للمسألة الفلسطينية هو حل الدولتين وذلك بعد 5 أيام من وقوع حوادث 7 تشرين الاول\أكتوبر الفائت وهو زار اسرائيل ولكنه كان اول زعيم غربي يزور رام الله، وهو الزعيم الوحيد الذي تجرّأ وزار رام الله في توقيت شابته تساؤلات حول القضية الفلسطينية (…).
القرار 1701
ورد السفير ماغرو على سؤال وجهته زهراء الموسوي وهي من الجنوب تدرس العلاقات الدولية في السنة الاولى، سألت زهراء: “أتيت من الجنوب، وللأسف الجميع يرى ما يحدث هناك، تؤيد فرنسا تطبيق القرار 1701 من اجل تجنب التصعيد الشامل، بعيدا من المخاطر الحدودية في مواجهة اسرائيل كيف يمكن طمأنة اللبنانيين الى امنهم؟ وكيف نطمئن لبنان بأن “اليونيفيل” لا تزال مفيدة للمجتمع الدولي برمته؟
أجاب السفير ماغرو بأن استقرار لبنان يشكل بالنسبة الى فرنسا عنصرا رئيسيا في استراتيجيتها”. أضاف السفير ماغرو:” قبل اسبوعين، وبمناسبة زيارة وزير خارجيتنا [ستيفان سيجورنيه]، قدمنا للسلطات اللبنانية ما يشبه خارطة الطريق لمساعدتها على التفكير في كيفية تجنب التصعيد وفي حل مسألة جنوب لبنان على المدى الطويل.
هذه الوثيقة مقسمة الى اجزاء ثلاثة: وقف التصعيد، إذ ثمة حاجة بوقف اطلاق النار المتبادل، وهنا اشار ماغرو الى ان “حزب الله” هو الذي بدأ باطلاق النار على اسرائيل وليس العكس،
وقال “ان البعض قد يعتبر الامر مبررا ام لا كفعل تضامن ام لا، ولكن إسرائيل ليست هي التي بدأت بإطلاق النار على لبنان”. وأوضح:” لا يعني ذلك أننا سنبريء الإسرائيليين مما يفعلونه اليوم، لأننا نستطيع أن نرى بوضوح أنهم تجاوزوا الحدود، ولكن من اجل ان نعيد تصويب الامور، فلبنان هو الذي نفذ الهجمات الأولى على إسرائيل.
من الواضح أن ما يقلقنا هو أننا لا نلغي الحسابات الخاطئة من الجانبين، كانت تصريحات غير مقبولة من الجانب الاسرائيلي بأننا سنعيد لبنان الى العصر الحجري فيما الجانب الآخر توعد بأمور سيئة جدا تجعل اسرائيل تعيش بالخوف. إذن، لكلي الجانبين رؤية خطرة بالنسبة الينا (…).
لذا، فإن وقف التصعيد هو النقطة الأولى، لكن من الواضح أن ذلك لن يكون كافيا، النقطة الثانية هي تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 لأنه يقع في عمق الحل المقبل. يعتبر هذا القرار وثيقة قبلها الجانبان والمشكلة هي أنها لا تنفذ بما فيه الكفاية. ليس من فكرة لإعادة اختراع شيء ما، لأنه في كل مرة نعيد اختراع اللغة ندخل في خضم مفاوضات لا نهاية لها.
لذلك، نحن ببساطة نبني على ما هو موجود بالفعل ونحاول أن نرى كيف يمكننا تنفيذه بسهولة أكبر، هذه هي الطريقة التي نتبعها لتعزيز القوات المسلحة اللبنانية حتى تكون قادرة على القيام بعملها في الجنوب.لأنه كما تعلمون، في البداية، كان أحد الطلبات هو إنشاء منطقة عازلة.
قلنا على الفور، منطقة عازلة في لبنان ترتب انشاء منطقة عازلة في اسرائيل لأن الدولتان ذات سيادة.
وبالتالي، فإن فكرة إعادة نشر الجيش اللبناني هي وسيلة للقول إننا نعيد خلق التوازن بين البلدين.
إن انسحاب الجماعات المسلحة ليس انسحاباً لإنشاء منطقة عازلة بحدود 100 كيلومتر بل هو ببساطة انسحاب يسمح للجيش اللبناني بأن يأخذ مكانه ويؤكد سيادة لبنان.
إذن، هذا هو جوهر التفكير بشأن اليونيفيل وتعزيز الجيش اللبناني. وهذا هو تنفيذ القرار 1701. وذكّر السفير ماغرو بأن فرنسا هي حاملة القلم في مجلس الامن الدولي بشأن القرار 1701، أي انها هي التي تكتب القرار 1701 وهي التي تتفاوض حوله سنويا وهذا يعني أننا نتمتع هنا أيضاً ببعض الشرعية للعمل والحديث عن القرار 1701″.
أما العنصر الثالث في خريطة الطريق فهو حل مسألة الحدود البرية. “لأننا نعتقد أن الحدود البحرية قد تمت تسويتها، كما هو الحال الآن. ولحسن الحظ، كانت مفاجأة جميلة لكثير من الناس في ذلك الوقت. الآن بعد أن قمنا بحل مسألة الحدود البحرية، ليس هناك سبب يدعونا إلى التوقف. وإذا أردنا حلاً طويل الأمد لهذا الصراع، فيجب علينا حل مسألة الحدود.
بالنسبة لنا، موقفنا واضح: لن يكون هناك أمن لإسرائيل من دون الأمن في لبنان. ولن يكون هناك أمن في لبنان من دون أمن إسرائيل. وما نعتقد أنه يمكننا تقديمه إلى المناقشة الحالية هو على وجه التحديد أننا نقف إلى جانب لبنان للعمل على تحقيق هذا التوازن الذي يجب تحقيقه.
وبعد ذلك هناك مبعوثون آخرون، وأنتم تعلمون أن هناك آاموس هوكشتاين، وهو مبعوث الولايات المتحدة، الذي اختار استراتيجيتنا. لكننا لسنا في منافسة مع الولايات المتحدة.
ونعلم جيداً أن العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، أخيراً، ستكون حاسمة في التسوية.
إلا أن ما نريد أن نأتي به، على العكس من ذلك، هو أن يكون هناك من هو إلى جانب لبنان وليس في مواجهة لبنان، ولهذا السبب قررنا طرح هذا الاقتراح على الطاولة، بينما قال الأميركيون: “دعونا ننتظر وقف إطلاق النار قبل أن نقترح شيئا”.
لذلك، نحن نعلم أنهم يعملون على شيء قريب جدًا مما اقترحناه، لأن ما طرحناه على الطاولة هو شيء أعتقد أن الدبلوماسية يمكن أن تضعه على الطاولة” (…).
إننا نقول: “الوضع خطر، لذا دعونا نظهر أن الحل السياسي موجود”.
هناك حل سياسي موجود، لكن هذا لا يعني أننا قلنا أن الحرب وشيكة، ونحن احدى الدول القليلة التي لم تدع رعاياها لمغادرة لبنان ولو كانت الحرب وشيكة لكنا قد طلبنا من الفرنسيين مغادرة لبنان. ولكن ما نقوله، من ناحية أخرى، هو أن الخطر كبير، وهذا هو بيت القصيد. ومن الأفضل التدخل في المراحل الأولى عندما تكون المخاطر كبيرة قبل أن تخرج الأمور عن مسارها. هذا هو الموضوع” (…).