“مصدر دبلوماسي”
ارتفع منسوب التوترات في جنوب لبنان مع اشتداد عمليات القصف المتبادل بين إسرائيل وحزب الله، حيث قال الحزب بأنه أطلق في هجومه الأخير 62 صاروخا باتجاه قاعدة مراقبة جوية في جبل ميرون وسجل إصابات مباشرة، في حين يقول الجيش الإسرائيلي بأنه أصاب الخلية التي أطلقت الصواريخ. في حديثه من بيروت، أعرب الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل عن قلقه من احتمال انتشار حرب حماس في جميع أنحاء المنطقة، وأشار إلى ضرورة أن يتجنب لبنان الانجرار إلى الصراع بين إسرائيل وحماس. وسيكون هذا الموضوع محور زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الرابعة إلى المنطقة حيث عبر أيضاً عن مخاوف الولايات المتحدة الاميركية من توسع رقعة الصراع وقال في عمان غداة لقائه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إن غزة “جزء لا يتجزأ من الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ العام 1967 ويجب أن تكون جزءًا من الدولة الفلسطينية المستقبلية، ويتفق المجتمع الدولي بأسره على حل الدولتين باعتباره الحل الوحيد القابل للتطبيق الذي يمكن أن يحقق السلام والأمن لإسرائيل” وفلسطين.” يناقش برنامج “صباح الخير اوستراليا” الذي تقدمه بترا طوق الهندي وفارس حسن عبر راديو “أس بي أس عربي 24 “في سيدني\ اوستراليا التفاصيل مع ناشرة موقع “مصدر دبلوماسي” والكاتبة في الشؤون الدبلوماسية مارلين خليفة.
هنا النص الكامل للمقابلة التي تمّ اجراؤها مباشرة اليوم الاثنين في 8 كانون الثاني ديسمبر.
مقدمة: إلى أين يتجه الشرق الأوسط الذي بات على صفيح ساخن؟ وهل نتنياهو قادر على توسيع جبهاته الخارجية فيما تشتعل جبهته الداخلية المعارضة؟ كل التفاصيل مع ضيفتنا ناشرة “موقع مصدر دبلوماسي” الكاتبة في الشؤون الدبلوماسية مارلين خليفة.
فارس حسن: بداية وقبل التطرق إلى الزيارات الدبلوماسية الغربية وجولة وزيرالخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وتصريحات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله دعينا نتحدث عن عملية استهداف الشيخ صالح العاروري في معقل “حزب الله” في الضاحية الجنوبية لبيروت، البعض يرى بأنها حملت رسائل مباشرة للحزب بالرغم من التصريحات والتسريبات في وسائل اعلام غربية واميركية من أن الاستهداف ليس للبنان وليس لحزب الله، بل لحماس في بيروت. كيف تقرأين هذه العملية بداية؟
مارلين خليفة: تعتبر عملية اغتيال الشيخ صالح العاروري الذي يعدّ الشخصية السياسية الثانية في “حركة حماس” ويضطلع بأدوار عسكرية مهمة جدا وخصوصا في الضفة الغربية، وهو شخصية ذات علاقات اقليمية واسعة وخصوصا مع ايران، إذ كلما يزور وزير خارجية ايران الدكتور حسين اميرعبد اللهيان لبنان يجتمع به، كما أن له لقاءات دورية مع أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، تعتبر منعطفا مهما جدا في الحرب الدائرة في غزة منذ 93 يوما بين حركة حماس وإسرائيل، بالاضافة الى الحرب الدائرة في جنوب لبنان والتي تدرجت تصاعديا منذ فترة ليست بقصيرة.
تتسم هذه العملية بالخطورة، فهي تمّت في الضاحية الجنوبية لبيروت وضربت عمق الضاحية الجنوبية في بئر العبد وذلك للمرة الأولى منذ انتهاء حرب تموز2006، لذا يمكن اعتبارها رسالة نارية ومعنوية موجهة إلى “حزب الله” كما انها رسالة إلى حركة “حماس”، وهي تتوافق مع التهديدات الإسرائيلية العلنية وآخرها كان قبل يوم من العملية، إذ صرّح رئيس الموساد الاسرائيلي عن أن العمليات الاسرائيلية في تصفية الرؤوس التي ساهمت في عملية “طوفان الاقصى” سوف تكون في كل مكان.
وبحسب المعلومات المتداولة، فإنّ العاروري كان من بين الشخصيات الثلاثة في حركة “حماس” التي كانت على علم بعملية “طوفان الاقصى” التي تمت في 7 تشرين الاول اكتوبر الماضي، وبالتالي فهي رسالة لـ”حزب الله” ولـ”حماس” في آن معا ولجميع الشخصيات المنضوية او التي كانت على علم بعملية “طوفان الاقصى” والتي ساهمت بالاعداد لهذه العملية المباغتة والتي شكّلت فاجعة للكيان الاسرئيلي والتي لا نزال نرى تداعياتها المستمرة منذ 93 يوما.
لكن هنا تجدر الاشارة إلى ما ذكرته حول ضرب قاعدة ميرون شمالا وهي إحدى أهم قاعدتين أساسيتين في إسرائيل، بالاضافة إلى قاعدة رامون جنوبا، إن قصف المقاومة لهذه القاعدة شكل ردا صاعقا من “حزب الله” على عملية الاغتيال، لكونها قاعدة مهمة جدا تضم عددا كبيرا من نخبة الضباط والجنود وتشكل مركزا رئيسيا لعمليات التشويش الالكتروني على الجبهات المذكورة وهذا ما تسبب برد إسرائيلي جنوني البارحة بقصف ليلي على جنوب لبنان وقراه.
بترا طوق: دعينا نتوقف ونقرأ سويا الموقف الأميركي والانسحاب التكتيكي لحاملة الطائرات جيرالد فورد التي ستغادر منطقة الشرق الأوسط، كما عند الجولة الشرق أوسطية لوزير الخارجية أنتوني بلينكن والتي ستشمل إسرائيل، وهل أتت هذه الزيارة تعبيرا عن “استياء أميركي” (بين مزدوجين) من سياسة نتنياهو المتهورة من توسيع رقعة الاستهدافات إلى خارج حدود الصراع للقضاء على حماس؟ كذلك ما نراه من دعوات حثيثة للتهدئة في وقت لا نلحظ أي تقدم في ملف الرهائن. كيف تقرأين هذا الموقف؟ هل الصبر الاسراتيجي بدأ ينفذ؟
مارلين خليفة: إن الموقف الأميركي تبدّل منذ فترة ليست بقصيرة وتحديدا منذ قرابة الشهر. صدرت مواقف أميركية واضحة وصريحة حذّرت المجلس الحربي لحكومة نتنياهو بأنه يجب وقف الحرب على غزة، وتمّ اعطاء هذه الحكومة مهلة حتى بدايات السنة الجديدة. برزت المواقف الأميركية بوضوح من خلال تصريحات مختلفة لوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، الذي يعاني حاليا من حالة صحية، وللرئيس الأميركي جو بايدن الذي كان له تصريح شهير بهذا الخصوص، ولأنطوني بلينكن وزير خارجية أميركا الذي حمل رسائل عدة وكان يكررها اليوم في العاصمة القطرية الدوحة حيث أشار الى أن الولايات المتحدة الأميركية تعارض تهجير الفلسطينيين من غزة ونقلهم إلى مناطق أخرى، ودعا الى ضرورة وقف الحرب فورا.
بطبيعة الحال، فإن سحب حاملة الطائرات [الاميركية] هو جزء من الضغط الاميركي على حكومة نتنياهو. تجدر الاشارة اليوم إلى موقف مهم ورد في صحيفة “الواشنطن بوست” التي نقلت بأن نتنياهو يسعى إلى جرّ الولايات المتحدة الاميركية إلى الحرب من أجل أن يحمي نفسه بالسياسة بسبب الانقسامات الحادة في حكومته، وهو بالتالي يريد فتح جبهة جديدة في لبنان من أجل حماية نفسه سياسيا وتأخير فتح التحقيقات بما حصل في 7 تشرين الاول اكتوبر الماضي والمأزق الموجودة فيه اسرائيل قدر الامكان. فلغاية اليوم لم تحقق اسرائيل هدفها المعلن من الحرب والذي نذكره تماما وهو القضاء على حركة “حماس”.
فارس حسن: رأينا الموقف الاميركي الذي بات اكثر تقبلا لفكرة بقاء حركة حماس، وقد صدرت هذه المواقف عن مسؤولين كبارا، ونحن في المقابل نتحدث عن معادلة صعبة يواجهها “حزب الله” بعد اغتيال العاروري والذي لا يمكنه إلا أن يرد بعد ما اعتبره استفزازا من طرف إسرائيل في معقله بالضاحية الجنوبية، وتحدثت عن استهداف استراتيجي ربما يتجاوز قواعد الاشتباك، وقال السيد نصر الله ان الحرب ستكون بلا سقوف ولكن وبحسب محللين داخل اسرائيل فليس من قبول للحرب أو لجر لبنان إلى حرب شاملة لن يتحملها الشعب اللبناني في هذه المرحلة. رد حزب الله الذي ذكرتيه وأشرنا إليه هل سيكون الأخيربهذا الحجم؟ وهل ستستمر الاشتباكات ضمن ضوابط محددة؟
مارلين خليفة: في الواقع إن من سيُحدد منحى هذه الحرب أمران: القرار والميدان.لا يوجد لغاية اليوم قرار دولي وضوء اخضر أميركي تحديدا بتوسيع الحرب. تسعى الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا الى ضبط الجبهة الشمالية لمعرفتها مدى هشاشة الجيش الإسرائيلي وعدم قدرته على خوض حرب من هذا النوع. أورد أحد التقارير الاستخبارية الأميركية اليوم [ديا] بأن تشتت الجيش الاسرائيلي على جبهتين لن يكون في صالحه وأن اسرائيل لن تتمكن من خوض هذه الحرب الكبرى مع “حزب الله” الذي يمتلك قرابة الـ 120 ألف صاروخ دقيق، والقبة الحديدية في إسرائيل لن تتمكن من احتمال هذه الهجوم الكبير.
هذا أولا. ثانيا: هنالك همّ الممرات المائية في البحر الاحمر، وأمن التجارة الدولية ولا ننسى الحوثيين الذين عطلوا 20 في المئة من التجارة الدولية بسبب هجوماتهم على السفن التجارية في البحر الأحمر، ويشكل هذا الواقع عائقا أساسيا أمام توسيع الحرب. وهنالك الأوروبيون الذين يتضررون من شلّ حركة التجارة بالبحر الأحمر، بالاضافة الى مسائل تتعلق بمصالح الدول العربية التي لا تريد بدورها توسيع الحرب نظرا لخطط تنموية بعيدة الأمد تعمل عليها وهي ترغب بضبط هذا الوضع في غزة وايقاف الحرب بأسرع وقت ممكن. وبالنسبة إلى “حزب الله” فإنه يحتكم الى الميدان وهذا ما كان واضحا في خطاب أمين عام الحزب يوم أمس عندما تحدث بأن الامر هو للميدان، لكن تجدر الاشارة الى أنه حين قال في خطابه السابق في ذكرى اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني بأن الحرب ستكون بلا سقوف فإنه أرفقها بعبارة “اذا اعتدت اسرائيل على لبنان سوف تكون حربا بلا سقوف وبلا ضوابط”. هذه العبارة مهمة: إذا اعتدت إسرائيل على لبنان وعلى حزب الله سوف تكون حربا بلا ضوابط.
ولكن في خطابه الأخير، كان السيد نصر الله أكثر طراوة إذ فتح كوة جديدة اسماها “فرصة جديدة” ربما لم يتنبه لها كثر. فهو تحدث بطبيعة الحال عن تثبيت قواعد الردع، لكنه أشار ايضا الى “فرصة” سوف تظهر الى العيان عندما ينتهي العدوان على غزة، كما قال، وهو أن يتمكّن لبنان من تحرير بقية أرضه بدءا من نقطة (B 1) في الناقورة إلى الغجر إلى مزارع شبعا الى تلال كفرشوبا وقال نحن أمام فرصة تاريخية لتحرير كل شبر من أرضا ولمنع إسرائيل من اختراق اجوائنا واستباحة بحرنا وسيادة بلدنا.
هذا الأمر هو تفصيل مهم جدا، وبحسب المعلومات التي وردتني من مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع فإن المبعوث الأميركي آموس هوكستين الذي زار تل أبيب تحدّث في هذا الموضوع، وأيضا وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا كانت لها أحاديث مطولة، بالاضافة الى الموفد الرئاسي الفرنسي جان -إيف لودريان الذي كانت له أحاديث فيما يتعلق بالتسوية المحتملة مع “حزب الله” في جنوب لبنان بشأن تطبيق القرار 1701، ووجود “حزب الله” في جنوب الليطاني وانتقاله الى شمال النهر، وهو أمر لم يحسمه “الحزب” لغاية اليوم، ولكن ثمة مؤشرات لمبادرات قد تكون مفيدة.
بترا طوق: أعود إلى الداخل اللبناني وبعجالة: بين توّعد “الحزب” بالرد الى النهاية ودون ضوابط إذا ما تم الاعتداء على لبنان، وموقف الحكومة اللبنانية الرافض لفتح الجبهة اللبنانية، سمعنا وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الاعمال عبدالله بوحبيب يقول بصراحة: “القرار لهم”، وأضاف بأن “لبنان لا يريد حربا”. كيف تقرئين هذا الشرخ الداخلي والجوهري؟ وإلى أين يتجه لبنان المنهار والمنقسم على ذاته في قرار السلم والحرب تحديدا؟
مارلين خليفة: انا لا اعتقد بوجود شرخ، هنالك ضغوط دبلوماسية دولية من أجل تطبيق القرار 1701 والذي دونه أيضا عوائق لوجستية: ينص القرار على ضرورة وجود 5 آلاف عنصر من الجيش اللبناني على الحدود الجنوبية وهو عدد غير موجود حاليا وقد يحتاج الى تطويع عناصر جدد، كما ينص القرار 1701 بأن عدد قوات “اليونيفيل” يجب أن يكون 15 ألفا، بينما لم يتعدّ بأفضل الاحوال الـ12 ألفا ما يضع عوائق لوجستية أمام التطبيق الحرفي للقرار 1701.
هذه الضغوط الدبلوماسية الدولية تواكبها وزارة الخارجية والمغتربين عبر الحركة الدبلوماسية المحلية والدولية وكذلك رئاسة الحكومة عبر لقاءات رئيسها في لبنان والخارج. ولكن، هنالك كلمة أساسية للميدان، فنحن لا يمكننا أن نغفل بأن إسرائيل هي كيان توسعيّ وتمددي، وبالتالي لا تصلح الدبلوماسية وحدها لمعالجة هذا الواقع.
قال الإسرائيليون علانية عبر مجلسهم الحربي بأنه يوجد حلان لإيجاد حل في جنوب لبنان أما عبر الدبلوماسية وإما عبر الحرب.
بناء عليه، إما أن نعثر على الحل عبر الطرق الدبلوماسية التي تقودها الدولة اللبنانية وإلا فسيكون قرار بالحرب وهنا يأتي دور حزب الله الميداني
بالتالي هنالك تكامل بين الموقف الدبلوماسي للدولة اللبنانية والموقف الميداني الذي يقوده “حزب الله” والذي شكل نقطة ردع قوية لاسرائيل لأنه لولا هذا الواقع الرادع لكانت اسرائيل هاجمت لبنان منذ بداية الحرب من دون أن تحسب أي حساب.
فارس حسن: شكرا على القراءة الدقيقة من بيروت الصحافية وناشرة موقع “مصدر دبلوماسي” مارلين خليفة ونتطلع الى لقائك في الايام والاسابيع المقبلة.
رابط المقابلة الصوتية:
https://www.sbs.com.au/language/arabic/ar/podcast-episode/will-hizbollah-and-israel-plunge-into-an-all-out-war/0ih4uwqir