سالي عاشور
موقع “المستقبل للدراسات”
تُمثل صناعة الترفيه والأفلام حالياً إحدى أهم الصناعات الحديثة، حيث بلغ حجم سوقها العالمي نحو 90.9 مليار دولار أمريكي عام 2021، ومن المتوقع أن يتوسع بمعدل نمو سنوي مركب (CAGR) 7.2% خلال الفترة من عام 2022 إلى عام 2030؛ مدفوعاً بتغير نمط استهلاك الأفراد والميل إلى الإنفاق على الترفيه والتسلية. وتحتل الولايات المتحدة الأمريكية مقدمة هذه الصناعة، حيث استحوذت على نحو ثُلث حجم السوق العالمي فيها بقيمة 28.9 مليار دولار عام 2021، ويُعزى ذلك بشكل رئيس إلى وجود هوليوود؛ صناعة السينما الأكثر رسوخاً في العالم.
وفي هذا الإطار، تشهد هوليوود، عاصمة صناعة الترفيه والسينما على مستوى العالم، إضرابات كبرى، بدأت بإضراب نقابة الكُتَّاب الأمريكية منذ مايو/أيار 2023، ولحق بها منذ 14 يوليو/تموز الجاري ممثلو الشاشة بالاتحاد الأمريكي لفناني الراديو والتلفزيون؛ وهي أكبر نقابة في هوليوود تُمثل نحو 160 ألف فنان، لتواجه بذلك إضراباً مزدوجاً هو الأول من نوعه منذ أكثر من 6 عقود، بحسب وكالة “بلومبرغ”، حيث كانت آخر مرة خرج فيها الكُتَّاب والممثلون معاً في إضراب عام 1960. ويطالب المحتجون حالياً بتقسيم أكثر إنصافاً للأرباح وتعويضات تتعلق بالبث التلفزيوني عبر الإنترنت، بالإضافة إلى ضمانات ترتبط بعدم استخدام الذكاء الاصطناعي والوجوه والأصوات التي يتم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر لتحل محل الممثلين.
ومن شأن الإضراب الحالي أن يؤثر سلباً في صناعة الترفيه والأفلام في الولايات المتحدة والعالم، والمُتأثرة بالفعل جراء أزمة فيروس “كوفيد19″، والتي كانت قد أدت إلى إغلاق المسارح ودور العرض السينمائي لفترات طويلة.
إضرابات سابقة
نظّم عمال هوليوود إضرابات عديدة خلال القرن الماضي؛ بحثاً عن ظروف عمل ومزايا وأجور أفضل. ويُعد إضراب نقابة كُتَّاب هوليوود الأمريكية عام 2007، الذي استمر لمدة 100 يوم، الأكثر تأثيراً، حيث أسفر عن خسائر تزيد عن 2 مليار دولار لصناعة هوليوود، ونحو 240 مليون دولار من الإيرادات الضريبية المفقودة لولاية كاليفورنيا، وتأثر نحو 120 ألف عامل في صناعة الأفلام والتلفزيون بشكل مباشر أو غير مباشر، وتوقف إنتاج العديد من البرامج التلفزيونية، وتأجل عرض أفلام كبرى. كما أن هذا الإضراب أثر بشكل كبير في إيرادات هذه الصناعة، حيث تراجعت إيرادات شباك التذاكر بمقدار مليار دولار تقريباً.
بالإضافة إلى التأثير الاقتصادي المباشر لذلك الإضراب، كان هناك أيضاً عدد من التأثيرات غير المباشرة، حيث إنه أضر بسمعة هوليوود، وجعل من الصعب على الصناعة جذب مواهب جديدة، فضلاً عن انخفاض عدد الأفلام والبرامج التلفزيونية المُنتجة، مما أدى إلى تقليل عدد الوظائف المُتاحة في هذه الصناعة.
وسابقاً، أثّر إضراب نقابة كُتَّاب هوليوود عام 1988 على عرض البرامج التلفزيونية الجديدة، ومنع إنتاج البرامج التجريبية للموسم التالي. وقُدرت تكلفة هذا الإضراب، الذي دام 3 أشهر، بحوالي 500 مليون دولار من الإيرادات المفقودة للصناعة، ونتج عنه فقدان أكثر من 7 آلاف وظيفة مؤقتة. وكان تأثير ذلك محسوساً حتى بعد استئناف الإنتاج، حيث لم تتعاف بعض الشبكات، مما أدى إلى حدوث عدد من الاندماجات والاستحواذات.
ويُضاف إلى ذلك بعض الإضرابات الفردية الأخرى التي أثّرت بشكل كبير في اقتصاد الترفيه في الولايات المتحدة، وفي مقدمتها إضراب نقابة ممثلي الشاشة عام 1980، الذي استمر لمدة 6 أشهر وتسبب في خسائر تصل إلى 2 مليار دولار سنوياً للصناعة في ذلك الوقت؛ بسبب توقف الإنتاج، وإلغاء البرامج التلفزيونية، وفقدان أكثر من 27 ألف وظيفة. وكذلك إضراب عمال الديكور عام 2003 لمدة 3 أشهر، والذي أثر في إنتاج 22 برنامجاً تلفزيونياً وأكثر من 100 فيلم، وتسبب في خسائر اقتصادية تصل إلى مئات الملايين. إلى جانب إضراب “نقابة مخرجي أمريكا” عام 2011 لمدة 3 أشهر، مما تسبب في خسائر اقتصادية بالمليارات، حيث توقف إنتاج أفلام بميزانيات كبيرة وبرامج الشبكات الرئيسة.
خسائر متوقعة
وفقاً لوكالة “بلومبرغ”، تتوقع نقابة الكُتَّاب الأمريكيين تكلفة الخسائر التي سوف تتكبدها صناعة الترفيه جراء الإضراب الراهن بـ30 مليون دولار يومياً. كما تشير المؤشرات إلى انخفاض عدد تصاريح تصوير الأفلام والبرامج التلفزيونية والإعلانات التجارية بنسبة 43% في شهر يونيو /حزيران الماضي عن مستواها عام 2022. وأوضحت شركة (FilmLA) – التي تدير تصاريح المشاريع في لوس أنجلوس – أن عدد التصاريح انخفض بنسبة 64% في الأسبوع الأول من شهر يوليو/تموز الجاري، ولم يتم تصوير أي مسلسل تلفزيوني مكتوب في ذلك الأسبوع. وتشمل بعض التأثيرات الاقتصادية الناتجة عن إضرابات هوليوود، ما يلي:
1- تعطل الإنتاج: أدى الإضراب الحالي إلى تعطل معظم الإنتاج التلفزيوني لموسم الخريف، وكذلك تعطل تصوير بعض الأفلام ذات الميزانيات الكبيرة، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تأثير سلبي في إيرادات صناعة الترفيه.
2- فقدان الوظائف: من المُحتمل أن يؤدي الإضراب إلى تسريح العمال، حيث تقوم الاستوديوهات وشركات الإنتاج بتخفيض التكاليف لتحمل تداعيات هذا الإضراب. وجدير بالذكر أنه في إضراب عام 2007، تم تسريح حوالي 100 ألف عامل.
3- تراجع الإيرادات: يمكن أن يؤدي إلغاء أو تأجيل المشاريع الكبرى في السينما والتلفزيون إلى خسارة كبيرة في الإيرادات للصناعة. كما ستلحق أضراراً كبيرة باقتصاد مدينة لوس أنجلوس، الذي يعتمد في المقام الأول وبشكل كبير على الترفيه، عبر انخفاض الإيرادات السياحية ومبيعات التجزئة، والإيرادات الضريبية المفقودة من توقف الإنتاج. كما تشير التقديرات إلى أن أجور صناعة هوليوود تشكل حوالي 0.7% من اقتصاد كاليفورنيا البالغ 3 تريليونات دولار، وكانت تقديرات الخسائر المُبلغ عنها خلال الإضرابات السابقة تؤكد أن الإضراب الطويل الأجل الذي يوقف الإنتاج لعدة أشهر قد يُكلف اقتصاد كاليفورنيا عشرات المليارات من الدولارات.
4- الإضرار بالسمعة: بالإضافة إلى الخسائر التي تلحق بصناعة الترفيه خلال الإضرابات، يمكن أن يتأثر الاقتصاد الأمريكي جراء تدهور سمعة هذه الصناعة، مما يجعل من الصعب عليها جذب مواهب جديدة، علاوة على الأضرار التي تلحق بثقة المستثمرين على المدى الطويل، ويمكن أن تؤدي إلى إحداث اضطرابات تستغرق أشهراً أو سنوات لتجاوزها.
مستقبل الصناعة
من المُتوقع أن تؤدي الشعبية المتزايدة للأفلام والموسيقى الصينية والكورية الجنوبية والهندية، إلى مزيد من النمو في تلك المناطق، مع توقعات لنقل مركز صناعة الترفيه والأفلام من الولايات المتحدة، ليتجه نحو أسواق جديدة، حيث تشير التقديرات في هذا الصدد إلى أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ تسجل أعلى معدل نمو سنوي مركب بنسبة 8.2% من عام 2022 إلى عام 2030. ويُعزى هذا النمو بشكل رئيسي إلى زيادة إنفاق المستهلكين على الترفيه والتسلية.
كما تُمثل التكنولوجيا الحديثة أحد أبرز المتغيرات التي سوف تؤثر في صناعة الترفيه بشكل عام، وهوليوود بشكل خاص. فمن المتوقع أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تغير في شكل هذه الصناعة وإتاحتها في متناول الجميع في أي مكان. علاوة على ذلك، يمكن للأفراد إنشاء المحتوى الخاص بهم بسهولة واكتشاف المواهب الجديدة. واتساقاً مع هذا التوجه، بدأت شركات الإنتاج الكبرى في الوجود في الأسواق الجديدة، والبدء في إنتاج محتوى إقليمي مناسب لهذه الأسواق. فعلى سبيل المثال، أطلقت (Disney+)، في فبراير/شباط 2021، علامة (Star) التجارية في أستراليا ونيوزيلندا وأوروبا الغربية وكندا.
ختاماً، يمكن القول إن التأثير الاقتصادي لإضراب هوليوود الحالي يُتوقع أن يكون كبيراً، وقد يكون له تأثير دائم في صناعة الترفيه، مما يفرض على استوديوهات هوليوود ونقابات العمل ضرورة إيجاد سُبل لتخفيف تأثير الإضراب، بالإضافة إلى تطوير نظام للمفاوضات الجماعية يكون عادلاً للجانبين، ويحول دون وقوع إضرابات مماثلة في المستقبل، خصوصاً في ظل التهديد الراهن لهيمنة هوليوود على صناعة الأفلام في العالم؛ والمُتمثل في صعود أسواق مثل الهند وكوريا الجنوبية كإحدى الواجهات الجديدة للإنتاج السينمائي، فضلاً عن الانتشار الواسع لاستخدامات التكنولوجيا الحديثة.