“مصدر دبلوماسي”
كتبت مارلين خليفة:
يطرح توجيه رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل رسالة إلى سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي والدول المشاركة في اليونيفيل وأعضاء اللجنة الخماسية ودولة الفاتيكان وسفيرة الاتحاد الأوروبي والمنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، بالاضافة الى نسخ عنها إلى رئيس مجلس النواب ورئيس حكومة تصريف الأعمال ووزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب أسئلة أبعد من السياسة تتعلق بأصول التخاطب الدبلوماسي، وخصوصا حين يتعلق الامر بأعلى جهاز دولي في الهرمية الدبلوماسية أي مجلس الأمن الدولي المعروف عنه ” أنه سيد شؤونه الخاصة” أي كما يقال بالانكليزية:
The Master of its own Business
وبالتالي فإن مخاطبة هذه الاجهزة الدولية يخضع لأصول واعراف دبلوماسية خاصة، فعلى سبيل المثال إن أي نائب أو وزير يزمع زيارة مبنى الأمم المتحدة “المبنى الزجاجي” في نيويورك يجب أن ينال بطاقة دخول من بعثة لبنان الدائمة. وبحسب الآراء الدبلوماسية المتخصصة يتم السماح للدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتوجيه رسائل إلى مجلس الأمن الدولي عبر سفيرها لدى الأمم المتحدة. ومن ثم، فإنه غير الشائع أن يخاطب سياسيون عاديون، مثل النواب، مجلس الأمن الدولي مباشرة.
عادة ما يتم توجيه الرسائل الدبلوماسية إلى مجلس الأمن الدولي من قبل وزراء الخارجية أو رؤساء الحكومات أو ممثلي الدول في الأمم المتحدة. ويتم ذلك من خلال تقديم مذكرات رسمية أو عبر إلقاء الخطابات خلال الاجتماعات الرسمية للمجلس.
توجيه الرسائل إلى مجلس الأمن الدولي يتم بغرض التعبير عن وجهات النظر الرسمية للدول أو للتعبير عن القلق بشأن قضايا دولية محددة، وغالبا ما يكون لها أهمية كبرى من الناحية السياسية أو الأمنية.
ثمة العديد من الأمثلة على سياسيين أو مسؤولين حكوميين يوجهون رسائل إلى مجلس الأمن الدولي في العقود الأخيرة. في العام 2003، ألقى وزير الخارجية الأميركي في ذلك الوقت، كولن باول خطابا أمام مجلس الأمن الدولي يدعم فيه الحرب المعدّة ضد العراق. كانت هذه الخطبة ضمن الجهود الأميركية للحصول على تأييد دولي للهجوم على العراق.
في العام 2018، قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عرضاً أمام مجلس الأمن الدولي يدعو فيه إلى إلغاء الاتفاق النووي مع إيران. كانت هذه الخطوة جزءا من جهود إسرائيل للتأثير على السياسات الدولية المتعلقة بإيران.
وفي العام 2019، ألقى وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف خطابا أمام مجلس الأمن الدولي ينتقد فيه سياسة الولايات المتحدة تجاه بلاده ويعارض العقوبات الأميركية على إيران.
هذه الأمثلة توضح كيف يمكن للسياسيين والمسؤولين الحكوميين استخدام منصة مجلس الأمن الدولي للتعبير عن وجهات نظرهم وللتأثير على الرأي العام الدولي وتوجيه الضغوط الدولية.
الرسالة: ما دور وزارة الخارجية والمغتربين؟
بعض العناوين التي اختارتها الصحف والمواقع الاخبارية اللبنانية تقول بأن النائب باسيل وجه رسالة الى مجلس الأمن الدولي، وهذا الأمر حصل من خلال سفراء هذه الدول وممثلة الامين العام للأمم المتحدة في لبنان عبر مكتب “الأونسكول”. وبعيدا من المضمون السياسي حيث طالب باسيل بآليات عملية لتطبيق القرار 1701، من دون الرجوع الى أي مرجعية رسمية لبنانية ومنها وزارة الخارجية والمغتربين التي تحكمها أعراف يدركها باسيل جيدا وقد كان وزيرا للخارجية [2024-2020] ليست هذه الاعراف الدبلوماسية مؤطرة دوما بقوانين بل هي مسار تراكمي وممارسة يومية. وقول أحد الدبلوماسيين المخضرمين لموقع “مصدر دبلوماسي”:” إن العمل الدبلوماسي اللبناني مقتبس من المدرسة الفرنسية وعنوانها هو الوقار وأصول التخاطب كتابيا وشفهيا “. يضيف:” كما أنه لا يوجد دخول حرّ لأية شخصية مهما كان انتماؤها السياسي او وزنها في بلدها الى مبنى الامم المتحدة والى مقر مجلس الامن الدولي،و لا يمكن البتة مخاطبة هذه الاجهزة الدولية بشكل فردي ومباشر وخصوصا إذا لم تكن الشخصية رئيس جمهورية أو رئيس حكومة أو وزيرا للخارجية. لا يمكن لأية شخصية سياسية مخاطبة أي مسؤول في حكومة بلد ما من دون المرور في السفارة المعنية وهي امتداد لوزارة الخارجية”.
وأشار السفير المعني:” في حالة الرسالة التي وجهها النائب باسيل الى اعضاء مجلس الأمن واعضاء الخماسية الدولية [هنا السؤال عن سبب مخاطبة الخماسية الدولية المعنية فقط بانتخابات رئاسة الجمهورية وليس بالقرار 1701]، فهي رسالة مستغربة لأن من يرسلها ليس صاحب صفة تخوله ذلك ولو كان نائبا ووزيرا سابقا، حتى أنه ليس بإمكانه تقديم هذه الرسالة عبر مندوبية لبنان في نيويورك”.
المرور بمجلس النواب
ولكن، ماذا إذا رغب نائب ما كالنائب باسيل بإيصال رأيه الى المجتمع الدولي؟ أليس من وسيلة محددة يمكنه اعتمادها؟ يقول السفير المخضرم:” بطبيعة الحال، فإن النائب باسيل هو رئيس كتلة برلمانية، أي جزء من البرلمان اللبناني حيث توجد لجان برلمانية من ضمنها لجنة للشؤون الخارجية يرأسها النائب فادي علامة. كان يمكن لباسيل أن يقدّم هذه الورقة للجنة لتتدارسها، إذ لا يمكنه على صعيد شخصي أن يخاطب جهاز صنع قرار أساسي في الامم المتحدة لديه شروط تخاطب صارمة، وبعد درسها قد يقوم البرلمان بتبنيها، وإذا فعل يرفعها رئيس المجلس الى وزير الخارجية والمغتربين الذي يطلب من المندوبية الدائمة للبنان في نيويورك أن تحيلها الى مجلس الامن الدولي كمقترح من البرلمان اللبناني وليس بإسم النائب باسيل”.
في المغزى السياسي
أما في المغزى السياسي للرسالة فيقول مراقبون للاوضاع السياسية في لبنان أن قيام باسيل بهذه الخطوة هي رسالة موجهة لحزب الله عن قدرته في مخاطبة المجتمع الدولي، وخصوصا وأن القرار 1701 الذي اعتمد بعد العام 2006 لم يواكب النصر الميداني للمقاومة بل شكل خسارة دبلوماسية لها في ذلك الحين. ولكن دعوة باسيل الى تطبيق القرار ككل متكامل لم تأخذ في الاعتبار ما يصفه أحد كبار الدبلوماسيين بأنه “نقطة ضعف القرار 1701 وهو عدم تحديده الاولويات في التنفيذ، أي من اين نبدأ فوقف دائم لإطلاق النار، يرتب تطبيق بنود الاتفاق من وقف الخروق الاسرائيلية ومنع دخول الاسلحة او المعدات الى جنوب الليطاني وتفكيك ترسانة الحزب يتطلب ضمانات دولية لكي توقف اسرائيل خروقها وتعيد الاراضي اللبنانية المحتلة، فأين تبدأ الاولويات”. ويضيف السفير:” ثم إن اقتراح باسيل وضع المجلس لقرار أممي جديد صادر عن مجلس الأمن مبني على المبادئ التي يتضمّنها القرار 1701 هو امر هائل، فالقرار 1701 حظي بمفاوضات دولية شاقة لاقراره، وليس بالأمر السهل تعديله أو اقرار قرار آخر”. وختم السفير بقوله:” هل تناقش باسيل مثلا مع فرنسا حاملة القلم بالنسبة للقرار 1701 قبل أن يقدم اقتراحه؟”.
نص رسالة باسيل
جاء في نص الرسالة: “يشهد لبنان منذ ستة أشهر على التدمير الوحشي الذي تقترفه آلة الحرب الإسرائيلية في الجنوب متسببّةً في قتل مواطنينا المدنيين الأبرياء وتخريب أرضنا ومساكن أهلنا.
إنّ إمعان إسرائيل في ارتكاب المجازر والتمادي في انتهاك سيادة لبنان، بالإضافة إلى تهديدات قادتها، عوامل من شأنها أن تزعزع الهدوء وتقوّض الاستقرار على حدودنا الجنوبية، وأن تحول دون عودة الأهالي المدنيين المهجّرين إلى قراهم والشروع في إعادة بناء مساكنهم، كما أنّها تهدّد السلم في المنطقة.
يتوجّب إضفاء دينامية جديدة على تحرّك لبنان الرسمي باتجاه المجتمع الدولي لحثّه على مضاعفة جهوده لردع اسرائيل عن عدوانها ولإعادة الاستقرار والهدوء إلى حدودنا الجنوبية، قبل أن يتفاقم النزاع القائم حالياً ويتمدّد إلى مناطق وأقاليم أخرى. وتفادياً للوقوع في هذا المحظور، ندعو مجددا إلى التطبيق الفوري للقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، بكامل بنوده، والتحرّك في كافة المحافل الدولية لإدانة انتهاك اسرائيل المتواصل لروح ونصّ القرار منذ تاريخ اعتماده، خاصةً أن وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية ومنذ 7 تشرين الأول 2023 تقدّمت رسمياً بأكثر من 25 شكوى ضدّ اسرائيل بسبب انتهاكاتها.
لقد حان الوقت لمحاسبة اسرائيل على هجومها العدواني على لبنان قبل تفلّت الوضع وانزلاقه باتجاه حرب إجرامية على غرار تلك التي تشنّها اسرائيل على قطاع غزّة. ونؤكّد على تصميمنا على عدم الربط بين الوضع على حدود لبنان الجنوبية ومجريات الحرب الدائرة في غزّة.
ومع تأكيدنا على تمسّكنا بتطبيق القرار 1701 بكامل مندرجاته، نرى أنّه لا بدّ من ردع دولي حاسم لهذه المخططات، يمكن أن يأخذ شكل قرار أممي جديد صادر عن مجلس الأمن مبني على المبادئ التي يتضمّنها القرار 1701، لا سيما لجهة التأكيد على:
ـ “تأييده الشديد لسلامة أراضي لبنان وسيادته واستقلاله السياسي داخل حدوده المعترف بها دولياً، وفق ما هو وارد في اتفاق الهدنة العامة بين إسرائيل ولبنان والمؤرّخ في 23 آذار 1949”
ـ دعوته “لدعم وقف دائم لإطلاق النار”، واستدامته على امتداد حدود لبنان الجنوبية
وفي حال اعتماده، يتوجّب على لبنان احترام القرار الذي من شأنه أن يضع حدّاً للعمليات الحربية الاسرائيلية ضدّ بلدنا وأهلنا. كما أنّ اعتماد القرار سوف يعيد لكلّ من المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة مصداقيتهما بعد أن وضعتها إسرائيل على المحكّ بسبب تهرّبها من المحاسبة وتغاضيها التام عن أحكام القانون الدولي وتجاهلها لقرارات مجلس الأمن، ولا سيما القرار 2728 الصادر في 25 آذار 2024 والذي يدعو لوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزّة.
لسنا من دعاة جرّ لبنان إلى حروب إقليمية، كما أننا لا نريد للبنان أن يتحوّل، مجدّداً، مسرحاً لحروب الآخرين. إن أولوياتنا هي احترام دستورنا وإعادة بناء مؤسساتنا الوطنية بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية، وهو رأس هذه المؤسسات، بالإضافة إلى تطبيق الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية الضرورية. وهذه الأولويات ليست رهن التطورات الإقليمية، فأحد أهدافنا من إعادة الانتظام والحيوية لمؤسساتنا الدستورية هو المساهمة في تفعيل العمل الوطني بموازاة جهد دولي جامع ومواكبة الآليات الوطنية والإجراءات الدولية العادلة والهادفة إلى إرساء سلام نصبو إليه جميعنا”.