بمناسبة اليوم الوطني السعودي الـ93، ينشر موقع “مصدر دبلوماسي” هذا التقرير الذي أعدّه لمواكبة هذا الحدث الوطني في المملكة والذي يضيء على النهضة المتعددة الجوانب بقيادة الأمير محمد بن سلمان.
يندر ان تقرأ او تسمع خبرا هذه الايام، دون ان يكون فيه اي ذكر لاسم للمملكة العربية السعودية على كافة الصعد. فإذا اتجهت نحو الاستراتيجيا او الجغرافيا السياسية، سترى تركيز الدول منصبا عليها كما هو حال دورها الرئيسي في الممر الهندي ــ الاوروبي ــ الشرق أوسطي. وان كنت تفضل العلوم الاقتصادية او التكنولوجية، فتأتي في المقدمة من حيث تأثيرها المتعاظم في أسواق النفط، إضافة الى مشروع رؤية 2030 (وما تلحظه من انشاء مدن ذكية بالكامل). وحتى ان كنت من هواة الرياضة، ستكتشف، ان السعودية اصبحت بمثابة قبلة للباحثين عن المجد، بحيث يتنافس على الوصول اليها اشهر والمع نجوم كرة القدم في العالم.
لكن مهلا، فما تقدم ما هو الا جزء مما ستشهده السعودية في السنوات والعقود المقبلة، لذا استعد للعديد من الإعلانات (الاستراتيجية والاقتصادية والرياضية والترفيهية) المشابهة في الأشهر والسنوات القادمة. وبالتالي هذا يدفعنا الى الاستنتاج بأن صعود منطقة الخليج وخصوصا المملكة العربية السعودية، يعمل بالفعل على إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد الذي ستشمل تداعياته جميع أنحاء العالم.
أكثر من ذلك، اذ سألت ما هو الاقتصاد الكبير الأسرع نموًا في العالم العام الماضي؟ وخمنت بانه الهند أو الصين أو أي من النمور الآسيوية، فأنت مخطئ. فالجواب الصحيح هو المملكة العربية السعودية، التي سجلت نسبة 8.7 في المئة (وفقا لموقع صندوق النقد الدولي). وكذلك تشهد كل من الكويت والإمارات العربية المتحدة نموا قويا أيضا.
النمو السعودي والاستفادة من النفط؟
على الرغم مما يأمله الكثيرون باتجاه البشرية نحو الطاقة البديلة، غير ان العالم لا يزال يعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري. إذ أدت حرب أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا إلى تراجع أهمية موسكو في أسواق النفط والغاز العالمية.
وبالإضافة إلى ذلك، هنالك اثنتين من الدول الرئيسية الأخرى المنتجة للنفط في العالم، إيران وفنزويلا، تخضعان أيضاً للعقوبات الاميركية وتمتلكان بنية تحتية نفطية قديمة ومتدهورة بحاجة للتطوير. ومع ان الولايات المتحدة، تنتج الكثير من النفط والغاز ولكنها لا تزال تستورد كميات كبيرة. ونتيجة لذلك، أصبح العالم يعتمد الآن على عدد قليل من البلدان في الخليج للحصول على إمدادات ثابتة من النفط والغاز.
وماذا تقول الأرقام عن الطفرة المالية السعودية؟
من المرجح أن تستمر هذه الظروف على مدى العقد المقبل، وإذا حدث ذلك، فسوف تشهد منطقة الخليج واحدة من أكبر تدفقات الثروة في التاريخ. وبالفعل، أفادت التقارير أن صناديق الثروة السيادية الأربعة الرئيسية في هذه البلدان قد راكمت ما يقارب من 3 تريليون دولار من الأصول، أي بزيادة قدرها 42% على مدى العامين الماضيين (استنادا لموقع مجلة بلومبرغ في تموز الماضي)
علاوة على ذلك، تتوقع المملكة أن يبلغ مجموع أدواتها الاستثمارية الرئيسية، صندوق الاستثمارات العامة، أكثر من 2 تريليون دولار بحلول عام 2030 ( وفقا لبلومبرغ ايضا) مما يجعلها الأكبر في العالم. وفي المستقبل المنظور، ستكون هذه أهم مجمعات رأس المال على هذا الكوكب.
من هنا، فإن التأثيرات الاقتصادية لهذه الثروة امتدت الى كل مكان تقريبا، وكان اخرها استحواذ المملكة على قطاع رياضة الغولف الاحترافي. وسبق ذلك سعي الرياض في كانون الثاني\يناير الماضي، بحسب مجلة ب”لومبرج” لشراء امتياز سباقات الفورمولا 1 بأكثر من 20 مليار دولار. ولا ننسى كيف اجتذبت نجم كرة القدم الأكثر شهرة في العالم، كريستيانو رونالدو، للعب مع أحد فرقها مقابل 200 مليون دولار سنويا.
ليس هذا فحسب، تقوم السعودية ايضا باستثمارات ضخمة في صناعة الألعاب عبر الإنترنت، على أمل أن تصبح لاعبًا رئيسيًا في هذا المجال. لذا إذ نظرنا إلى الفرق الرياضية المرموقة والفنادق الفاخرة في أوروبا والعلامات التجارية المشهورة، سنجد خلفهم أصحاب الخليج.
السعودية واستثماراتها السياسة؟
في الواقع أعادت هذه الطفرة في الثروة تشكيل الشرق الأوسط. فاللاعبين الإقليميين الذين كانوا مهيمنين ذات يوم في المنطقة ــ مصر، والعراق، وسوريا ــ عدا عن كونهم أصبحوا الان، لأسباب مختلفة (الفقر، والانقسام، والخلل الوظيفي)، غير قادرين على لعب أدوار قيادية، الا انهم باتوا في موقع ضعيف، وبعضهم اصبح (القاهرة مثلا) يدور في فلك السعودية التي تحولت المرجعية الاولى في الخليج سياسيا ودينيا، خصوصا بعدما حققت تحولاً استراتيجياً هائلاً في سياستها الخارجية.
اما مردّ ذلك فيعود، الى النقلة النوعية التي حققها الحاكم الفعلي للمملكة أي ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عيد العزيز كالشروع في تسوية سياسية مع اليمن، وإعادة العلاقات مع ايران ومع سوريا وتعميق التواصل الاقتصادي مع روسيا والصين.
علاقات السعودية مع الصين ورسيا؟
في الحقيقة، تعمل دول الخليج جميعها على تعميق علاقاتها مع الصين، التي تعد الآن أكبر شريك اقتصادي لها في المنطقة. ففي عام 2001، بلغت تجارة المملكة مع بكين ما يزيد قليلاً عن 4 مليارات دولار، أي حوالي عُشر تجارتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وفي العام 2021، بلغت 87 مليار دولار أي أكثر من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وفي العام 2023 ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين الى 106.1 مليار دولار بارتفاع سنوي 30 في المئة (بحسب موقع “قناة العربية ” في 18 ايلول الجاري.
ما تجدر معرفته هنا، ان السعودية والخليج، لا يسعون إلى الطلاق مع الولايات المتحدة. بل انهم يريدون علاقات اقتصادية وثيقة مع الصين، وأمنية اكثر فاعلية مع الولايات المتحدة الاميركية. كما يسعون للتعامل بحرية مع الجميع، بما في ذلك روسيا كما ان بعض الدول الخليجية لديها علاقات متنامية مع الهند، فيما انخرط آخرون في بناء روابط جديدة مع إسرائيل (الامارات والبحرين).
في الختام، ترغب معظم البلدان، في اتباع سياسة تسمح لها بالاستقلالية، واختيار الأصدقاء في الغرب والشرق بشكل يتناسب مع مصالحها وهو ما تفعله المملكة العربية السعودية. لذا فإن التحدي الأكبر امام ولي العهد الامير محمد بن سلمان، هو مواصلة المسار الذي يسير عليه الآن ايالجمع في علاقاته بين الشرق والغرب والاهم إدارة عملية التوازن الدقيقة والمعقدة هذه، بشكل يعود بالنفع على المملكة اولا والدول العربية والخليجية برمتها ثانيا.