“مصدر دبلوماسي”
كتبت مارلين خليفة:
لا تزال الحلول الدّبلوماسية في ما يخص جبهة جنوب لبنان غير متوافرة، لأن الحلّ السياسي غير متوافر بدوره في حرب غزّة التي تخطّت الـ200 يوم، فيما تستعد إسرائيل لاجتياح رفح، وهذا الأمر لم يتغير بعد زيارة وزير خارجية فرنسا ستيفان سيجورنيه الى لبنان أمس الأحد في 28 أبريل 2024.
بالرغم من تعثر الحلول الدبلوماسية الناجزة، إلا ان حركة الاتصالات الدولية حثيثة مع الدولة اللبنانية من الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وسواها من الدول الحريصة على ايجاد حل يوقف الحرب في جنوب لبنان.
وفيما يرفض حزب الله قطعا فصل جبهة الجنوب عن غزّة، استعادت التهديدات الاسرائيلية زخمها عبر الموفدين الغربيين من أن اسرائيل تستعد لعملية عسكرية واسعة، وهو تهديد مكرّر منذ اندلاع المواجهات في الثامن اكتوبر من العام 2023 أي بعد يوم واحد من عملية طوفان الاقصى التي شنتها حركة “حماس” على غلاف غزّة والمستوطنات.
وسمع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إبان زيارته الاخيرة الى باريس كلاما بهذا المعنى، وقد نقل هذا المناخ ايضا الى قيادة حزب الله التي تشبثت بموقفها: تحقيق وقف اطلاق كامل ومستدام في غزّة يقابله تجميد الجبهة الجنوبية بعدها يتم البحث في الحلول المتاحة وابرزها إطار قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1701، والحلول المطروحة في ما يخص قوّة الرضوان النخبوية في الحزب.
ويستعيد الحراك الفرنسي زخمه مع زيارة وزير الخارجية الفرنسي سيجورنيه وهي الثانية في غضون أقل من شهرين، ويهدف الفرنسيون الى تحضير ارضية الحلول المتاحة لتكون جاهزة بعد وقف اطلاق النيران في غزة وجنوب لبنان في نقاش تحضيري سيوفر النتيجة المرجوة فور وقف الحرب عوض البدء من الصفر.
ولعل الاتصالات الفرنسية والاوروبية ايضا نالت قسمها من الزخم مع حزب الله قبل توجيه ايران ضربة صاروخية الى اسرائيل في 14 نيسان\ابريل الجاري، حيث انصبت الطلبات الى الحزب بألا يكون جزءا من أي رد ايراني على اسرائيل. أما موقف حزب الله بحسب ما تصدّره لموقع “مصدر دبلوماسي” أوساط على صلة واسعة الاطلاع بمناخ “الحزب” فهو أن جبهة الاسناد للفلسطينيين هي واحدة لكنها مستقلة عن التطور الاستراتيجي المتمثل بالمواجهة بين ايران واسرائيل.
فصل الملف الرئاسي عن جبهة الجنوب وحرب غزّة مقبول لدى “حزب الله”
تتفاوت الطلبات الغربية بين وقف اطلاق النيران وهو مشترك بين الجميع، فيما توسّع بعض الدول البيكار لتطال وضعية حزب الله وتحديدا قوة الرضوان وسلاحها في جنوب الليطاني، فيما ينتظر الجميع المسودة الفرنسية الثانية، وكنه الحراك الفرنسي الراهن أي قبل وقف اطلاق النيران هو فصل الملف الرئاسي عن الحرب الدائرة في غزّة وفي جنوب لبنان.
في واقع الحال، إن الحزب موافق على ذلك، وقد أبلغ رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون بذلك إبان زيارته الاخيرة الى الرابية، وأن الحزب يقول بأن الحرب الدائرة في جنوب لبنان لا علاقة لها بالانتخابات الرئاسية وهي ملف داخلي بامتياز، وهذا الموقف تم ابلاغه الى الفرنسيين وعبرهم الى اللجنة الخماسية، التي تنشقت بهذا الموقف من حزب الله مثل جرعة من الأوكسيجين لاستكمال تحركها المقتصر حاليا على الاعلام تمهيدا للفرصة السانحة التي تشهد توافقا داخليا على اسم رئيس للجمهورية يتلوه انتخاب.
وبالتالي، هنالك توافق من الخماسية ومن “حزب الله” بأن التوافق الداخلي السياسي هو الطريق الى انتخاب رئيس، وهذا الموقف سمعه سفراء الدول الخمسة من رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد اثناء زيارتهم الاخيرة له ضمن جولتهم على الاقطاب.
“حزب الله” لا يعوّل على حراك الخماسية
يثمّن حزب الله حراك الخماسية في شأن الملف الرئاسي، ولكنه لا يعوّل على هذا الحراك كثيرا لأن الوفاق السياسي الداخلي هو الأساس. فبعد جولة أولى على المرجعيات وآخرها محطاتها عند رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، فإن الخماسية سوف تقوم بجولة ثانية وربّما ثالثة اشغالا للوقت الى حين الوصول الى وقف دائم لاطلاق النيران في جنوب لبنان وغّزة بالرغم من فصل المسارين عن الملف الرئاسي اللبناني، وواقع الحال بحسب أكثر من مسؤول رسمي التقته هذه اللجنة أن أحد يأمل نتيجة سريعة من تحرّكها.
في زيارتهم الى بري، طلب سفراء هذه الدول منه تحريك الحوار وفتح ابواب مجلس النواب للانتخاب، فلقوا الجواب بأن بعض القوى [القوات اللبنانية] ترفض أي حوار ولا جدوى من فتح المجلس النيابي بلا تفاهم داخلي، حتى لو تتالت الجلسات فليس من فريق سيحظى بالاصوات الكافية لانتخاب رئيس.
قرار جبهة جنوب لبنان للميدان
بالعودة الى الحرب الدائرة في غزّة، والتي تخطت الـ200 يوم، فإن قرار جبهة جنوب لبنان يبقى للميدان، فالقرار السياسي واضح من أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله: إذهبوا وقاتلوا. ينطلق حزب الله في القتال في جنوب لبنان من أن هذه الحرب استباقية تمنع العدو الاسرائيلي من أن يهاجم لبنان، تماما كما كانت الحرب في سوريا استباقية منعا لوصول داعش والنصرة الى لبنان.
وتيرة منخفضة!
لا يزال حزب الله بحسب الاوساط الواسعة الاطلاع على مناخه يعتبر بأنه يخوض هذه الحرب لغاية كتابة هذه السطور منذ 8 اكتوبر الفائت “بوتيرة منخفضة”. تضيف الاوساط التي تحدثت الى موقع “مصدر دبلوماسي”: ” حاولنا قدر المستطاع الحفاظ على سير المعارك ضمن عمق جغرافي لا يتخطى الـ5 الى 7 كيلومتر، العدو يضر قرى الحافّة الأمامية مثل حولا الخيام وكفركلا وسواها، ونحن نضرب الخط الامامي من شمال فلسطين المحتلة. حين يتخطون الحدود ويضربون في العمق، نردّ بما يوازي ذلك”.
تضيف الاوساط:” اغتالت اسرائيل قياديا في عدلون فضربنا بالعمق. نردّ في الجولان المحتل إذا قاربوا بعلبك. في الواقع أنه تنشأ معادلات جديدة عبر الحدود يرسمها الميدان، وهي لغاية اليوم تبقي الوضع في هذا المستوى من التصعيد من دون الذهاب الى حرب شاملة. إذا وسعوا وسّعنا حيث وصلت المسيرات اخيرا الى شمال عكا اي ما قبل حيفا”.
للتذكير فإن حزب الله استهدف اخيرا مقر قيادة لواء غولاني ووحدة إيغوز في ثكنة شراغا في شمال عكا ردا على اغتيال القيادي حسين عزقول في عدلون، تطبيقا لمعادلة “بتوسّع منوسّع” التي ارساها أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في خطاب أخير له.
يبدو بأن “حزب الله” مرتاحا وفخورا بالضربة الايرانية على اسرائيل في 14 نيسان\ابريل الجاري، إثر قصف اسرائيل القنصلية الايرانية في دمشق في الاول من ابريل واغتيالها 7 من كبار قادة فيلق القدس. في منطق “حزب الله”، أن ايران وبسبب الرعونة الاسرائيلية، انتقلت من دعم حلفائها الى الانخراط “شخصيا” بالرد ما فرض في المنطقة قواعد اشتباك جديدة. استعد الاسرائيلي عبر وضع كل دفاعاته الجوية وكل الدفاعات الجوية لحلفائه قيد التأهّب، ومنهم الاردن ولكن ايران قامت بضربة غير متوقعة وهي الثانية بعد ضربها القاعدة الاميركية في عين الاسد في العراق في العام 2020 عقب اغتيال قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني بمسيرات أميركية”.
بحسب الاعلام الاسرائيلي بحسب ما تروي اوساط حزب الله لموقعنا، فقد سقط 16 في المئة من الصواريخ في الاراضي الاسرائيلية، بالرغم من استخدام ايران طائرات قديمة ووصلت صواريخ الى قواعد في النقب.
تقول الاوساط:” بغض النظر عن كمية الصواريخ التي سقطت والاضرار التي لحقت بالبنى التحتية الاسرائيلية، فإن النتائج الاستراتيجية أهم بكثير من العملية، وهي تبرهن بأن ايران هي دولة كبرى وقوة رئيسية في الاقليم تهابها حتى الولايات المتحدة الأميركية وهي قادرة على رفد حلفائها بالدعم وتعزيز موقف حركة “حماس” في التفاوض الجاري معها وإمداد الحلفاء في الميدان”.
وتضيف:” بعد الضربة الايرانية لاسرائيل لم تعد ايران تقبل بأن تكون عرضة للاعتداء وخلقت موازين ردع استراتيجية لحماية بلدها وشعبها وهو عنصر قوّة لأنه ما قبل 14 ابريل ليس كما قبله: في السابق كانت المعارك تقوم مع فصائل المقاومة بينما صارت المواجهة اليوم مع ايران التي دخلت على خط الصراع، أما المخاوف من الحرب الشاملة فتتطلب أن تقوم الولايات المتحدة الأميركية بردع حليفتها اسرائيل و”ضبضبتها””، بحسب تعبير الاوساط الواسعة الاطلاع المقربة من “حزب الله”.
*هذا التقرير مخصص للمشتركين في موقع “مصدر دبلوماسي” وغير مخصص للنشر في أي من وسائل الاعلام وأي نشر في وسائل اعلام لبنانية او اجنبية يرتب على صاحبه ملاحقة قانونية.
للاشتراك في الموقع والحصول على التقارير والاخبار الخاصة اعرف التفاصيل وراسلنا عبر البريد الالكتروني: