“مصدر دبلوماسي”
مارلين خليفة
لم تتوقف اسرائيل وحكومة بنيامين نتنياهو منذ اندلاع المواجهات الحربية مع حركة حماس في 7 تشرين الاول اكتوبر الفائت في غزة والضفة الغربية من محاولة جر لبنان الى مستنقع الحرب، وتنذر عملية اغتيال المسؤول الثاني في حركة حماس صالح العاروري بخطر داهم، وخصوصا وأنها استهدفت بالمسيرات الحربية مبنى يقع في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهو استهداف يتم للمرة الأولى منذ حرب تموز 2006، ما يعني بأن اسرائيل خرقت الخطوط الحمراء ليس عبر خرق قواعد الاشتباك جنوبا وإنما أيضا في ضاحية بيروت الجنوبية.
بالأمس، ألقى أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله خطابا بمناسبة ذكرى اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني بغارة أميركية استهدفته في العراق في العام 2020، وذلك بعد مرور يوم واحد على اغتيال العاروري الذي كان يحظى بلقاءات دورية مع السيد نصر الله وأيضا مع وزير الخارجية الايراني الدكتور حسين أمير عبد اللهيان هو وأمين عام حركة الجهاد الاسلامي زياد نخالة.
في اليوم ذاته لخطاب نصر الله سقط 9 شهداء للحزب في جنوب لبنان، وتم قصف الناقورة وسقط القيادي حسين يزبك مع عدد من معاونيه.
تتزايد وتيرة العمليات الحربية في الجنوب اللبناني دون اي وازع، ويرد حزب الله الصاع صاعين. وفي خطابه وجّه نصر الله ربطا باغتيال العاروري رسائل هامة لاسرائيل، لكن سياق الخطاب في بداياته بني على فكرة تشرح بناء سليماني لهيكلية محور المقاومة، مشددا على استقلالية كل طرف فيه، وصولا لتكرار ما سبق وقاله ان حزب الله لم يكن يعرف بعملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس.
اغتيال العاروي
الرسالة الأولى تكمن في فصل المسار بين مكونات محور المقاومة وإيران.
أدى كلام السيد نصر الله عن نهج قاسم سليماني و”ابداعاته” في دعم حركات المقاومة وتقويتها وتعزيزها عدّة وعديدا خبرة وتدريبا وتصنيعا الى نتيجة تفيد أن “من علامات الاخلاص الشديدة في عمله أنه كان يسعى لتصل كل حركات المقاومة الى الاكتفاء الذاتي”. وأضاف في غمز واضح:” تعرفون عندما تقوم دولة ما برعاية حركات عادة ومن أجل أن تبقى ممسكة بهذه الحركات لا تسمح لها بأن تصل الى مرحلة الاكتفاء الذاتي، لتبقى مسيطرة على قرارها وعلى خياراتها. كان الحاج قاسم سليماني يتكلم ويبرمج مع الكل، ويخطط ويعمل لكي تصل كل حركة مقاومة الى مستوى الاكتفاء الذاتي لتعتمد بعد الله سبحانه وتعالى على قدراتها وعلى امكاناتها على تصنيعها وعلى رجالها وعلى خبرائها وعلى مدربيها وعلى مخططيها وعقولها وتستغني حتى عن السند والعون الذي تقدمه الجمهورية الاسلامية الايرانية”.
وكشف السيد نصر الله أن سليماني نقل محور المقاومة من مكان الى آخر، وكأنه لم يكن موجودا أو ذو أهمية قبله، فقال بأن “سليماني هو الشخصية المركزية التي أمّنت الاتصال والتواصل والترابط والتشاور والتعرف والتعاون والتناسق والتنسيق بين هذه القوى” وأشار الى أنه “كان حريصا على التواصل والعلاقات الوثيقة بين حركات المقاومة بين اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين والعراقيين واليمنيين وغيرهم من خلال اللقاءات والتواصلات والتعاون والتنسيق وتبادل الخبرات والافكار والآراء وتكوين رؤية استراتيجية واحدة للمنطقة ولمستقبل المنطقة وللصراع في المنطقة وهذا كان عملا مبدعا”. وفي سياق حديثه عن “ابداعات” الحاج قاسم سليماني، قال: “هذه الصيغة المبدعة لا يُملي احد على احد شيئا ولا يأمر احد احداً، نتشاور نتبادل الآراء نتبادل النصائح نستفيد من تجارب بعضنا البعض، ولكن كل واحد يأخذ القرار في بلده بما ينسجم مع الرؤية الاستراتيجية وبما ينسجم مع مصالح شعبه وبلده، وهذا ما يجري الآن في معركة طوفان الأقصى”
قام السيد نصر الله بابعاد الشبهات عن ايران في المحاور كلها حين قال:” بعض الكتاب بعض المعلقين بعض الناس بعض الإعلاميين لا يستطيعون ان يستوعبوا هذا المشهد، ولذلك يظلون يُحللون غلط ويأخذون مواقفاً غلط، لماذا؟ لأنهم يبنون على معطيات خاطئة، مباشرة يقول لك عندما مثلاً أنصار الله أو الاخوة في اليمن او سماحة القائد الشجاع والعزيز السيد عبد الملك الحوثي حفظه الله يأخذ قرار ان يخوض معركة البحر الأحمر من أجل فك الحصار عن غزة، هؤلاء عقولهم لا تستوعب الا ان إيران هي التي طلبت من الأخ السيد عبد الملك أن يفعل ذلك وهذا غير صحيح على الإطلاق، عندما يفتح حزب الله الجبهة في 8 تشرين اسناداً لغزة لا يقدرون ان يستوعبوا إلا ان إيران اتصلت بحزب الله وقالت له افتح الجبهة اسناداً لغزة، وهكذا عندما بدأ المقاومون العراقيون عملياتهم ضد قواعد الاحتلال الأمريكي في العراق وسوريا لا يقدرون ان يفهموا إلا ان إيران هي التي طلبت كذا.. وكذا.. وكذا..، تعرفون لماذا؟ لأن الدنيا هكذا العالم هكذا يعني لا نعتب عليهم، في العالم أي دولة عندما تتبنى حركات مقاومة أو حركات سياسية أو أحزاب سياسية أو حركات نضال وطني مثلاً وتقدم لها المال والسلاح بالتدريج بقصد بغير قصد ولكن بقصد من اغلب الدول، يُحولون هؤلاء المقاومين والمناضلين والمدعومين إلى اتباع إلى أدوات يتم ابتزازهم بالمال، بالدعم، بالسلاح، بوقف الدعم عنهم إن لم تفعلوا كذا إن لم تكونوا كذا إن لم تستجيبوا إلى كذا، ولذلك يتحولون إلى عبيد، في تجربة محور المقاومة لا يوجد عبيد لا يوجد إلا السادة الشرفاء القادة الشهداء الذين يصنعون النصر لأمتهم، هذه هي الصيغة، ولذلك هم لا يستطيعون أن يستوعبوا أن ما تقوم به حركات محور المقاومة هي قرارات ذاتية منطلقة من قناعاتها من ارادتها من إيمانها من اخلاصها من صدقها هي ليست أدوات، وهذا النموذج اليوم في جبهة المقاومة في محور المقاومة في منطقتنا هو نموذج فريد في تاريخ البشرية وليس فقط في العصر الحاضر هو نموذج فريد ليس له سابقة.”.
وكان تتويج كلامه حين قال بأن “طوفان الاقصى كان قرارا فلسطينيا وعملا فلسطينيا ومشروعا فلسطينيا وإننا لم نكن على علم به”.
وتابع بتوجيه رسائل التهديد لاسرائيل متحدثا عن الجبهة التي فتحها حزب اللله عند الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة أي الحدود الجنوبية للبنان في جبهة عرضها أكثر من 100 كلم، ليردد أن المقاومة ليست مردوعة لا في غزة ولا في لبنان “وهي اليوم لأكثر جرأة واستعدادا للمواجهة والاقدام”.
تهديد المستوطنين
الرسالة الثانية الأبرز بعد تحييد ايران وفصلها عن تحركات فصائل محور المقاومة، تمثلت برسالة التهديد الشديدة اللهجة التي وجهها للمستوطنين، والتي نالت الكثير من اعادة التغريد والتعليقات من قبل الكتاب الغربيين على وسائل التواصل الاجتماعي. فقد نكأ نصر الله جرح المستوطنين وبشرهم أن لا أمن ولا أمان لهم في فلسطين المحتلة.
قال:” هنا يسقط أيضًا مفهوم الملجأ الآمن لليهود في العالم، هي كلّ النظرية أنّه أنتم أيها اليهود في العالم لستم في أمان وأمانكم هنا في فلسطين المحتلة، في كيان إسرائيل. طوفان الأقصى وما يجري على كلّ الجبهات، وما يجري على كلّ الجبهات، لكن القيمة الأعظم لغزة، ما يجري في غزة، في الضفة، في لبنان، في العراق، في اليمن، في المنطقة، ضرب هذا الأساس وسيُسقط وأسقط نظرية ومفهوم الملجأ الآمن الذي على أساسه تقوم هجرة ملايين اليهود إلى فلسطين وبدأت الهجرة المُعاكسة، بدأت الهجرة المُعاكسة، مئات الآلاف غادروا فلسطين المحتلة من الصهاينة وأكثرهم من النُخب، من أصحاب رؤوس الأموال وما شاكل.
(…) يعني لا يمكن أن تبقوا هنا، هناك خطر، هناك خوف، هناك قلق، لا يوجد أمن، هناك وضع نفسي صعب، تريدون أن تعيشوا طمأنينة أنت يا صاحب الباسبور الأمريكي إذهب إلى أمريكا وأنت يا بريطاني اذهب إلى بريطانيا وأنت يا فرنسي اذهب إلى فرنسا، أنتم الإسرائيليون ليس عندكم إلا هذا المستقبل، وأرض فلسطين من البحر إلى النهر هي فقط وفقط للشعب الفلسطيني اللائق والمجاهد والصابر. (…).
ترسيخ معادلة القوّة
الرسالة الثالثة المهمة التي وجهها أمين عام حزب الله أمس في خطابه هي ترسيخ معادلة القوة وان احترام القرارات الدولية مع اسرائيل هو “عمى قلب” ورسخ نصر الله المعادلة الآتية: “إن كنت قويا، تفرض احرامك على العالم”،
وتحدث عن اهمية مسارعة المقاومة الى فتح الجبهة في الجنوب ما أفقد اسرائلي عنصر المفاجأة.
قتال بلا سقوف
الرسالة الرابعة ربطا باستهداف القيادي في حركة حماس صالح العاروري في قلب الضاحية الجنوبية تلخصه جملتان: إذا فكر العدو بأن يشنّ حربا على لبنان فسيكون قتالنا بلا سقوف بلا قواعد وبلا ضوابط. وهنا يجدر التوقف عنذ صياغة هذا التهديد، “إذا فكر العدو بشن هجوم على لبنان” وليس على حزب الله أو منطقة محددة. ثم انتقل الى حزب الله قائلا:” من يفكر بالحرب معنا، بكلمة واحدة سيندم إن شاء الله، الحرب معنا ستكون مكلفة جدادا، إذا كنا حتى الآن نداري الوضع اللبناني والمصالح الوطنية اللبنانية، فإذا شنّت الحرب على لبنان فإن مقتضى المصالح الوطنية اللبنانية أن نذهب للحرب الى الأخير وبلا ضوابط”.
وبالنسبة الى حادثة الاغتيال قال: ” فيما يتعلق بالحادثة أمس المقاومة وعدت وإن كانت في ظروف مختلفة لم تكن هناك حرب وتغيير في كثير من معادلات الصراع ولكن هذا لن يغيّر من الوعد شيئاً، الجريمة أمس هي جريمة كبيرة وخطيرة ولا يمكن السكوت عليها والأمر لا يحتاج إلى الكثير من الكلام، وكما قُلنا في بيان حزب الله أمس: هذه الجريمة الخطيرة لن تبقى دون ردٍ وعقاب لن تبقى دون ردٍ وعقاب وبيننا وبينكم الميدان والأيام والليالي، وإلى اللقاء إن شاء الله.”. فالسيد نصر الله لم يعط أية اشارة عن توقيت الرد إن كان قريبا أو بعيدا، وشكل هذا الرد ولم يعط أية تفاصيل مبقيا على الغموض الخلاق في مخاطبته لقادة اسرائيل وناسها.