
“مصدر دبلوماسي”
في انتخابات بلدية بيروت التي جرت يوم الأحد، 18 أيار 2025، شهدت العاصمة اللبنانية معركة انتخابية حامية بين لوائح متعددة، أبرزها لائحة “بيروت بتجمعنا” التي فازت بـ23 مقعدًا من أصل 24، في حين حصلت لائحة “بيروت بتحبك” على مقعد واحد فقط.
تأتي هذه الانتخابات في ظل ظروف سياسية واقتصادية معقدة، حيث تراجع تأثير “البلوك الواحد” الذي كان يضمن توافقًا بين القوى السياسية الرئيسية في بيروت. هذا التراجع أدى إلى تعدد اللوائح المتنافسة، مما هدد العرف السياسي القائم على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في المجلس البلدي .(
لائحة “بيروت بتجمعنا“
تُعتبر لائحة “بيروت بتجمعنا” ائتلافًا واسعًا شمل معظم القوى السياسية التقليدية، بما في ذلك التيار الوطني الحر، القوات اللبنانية، حزب الكتائب، حزب الطاشناق، الثنائي الشيعي، جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش)، والنائب فؤاد مخزومي. حظيت اللائحة بدعم دار الإفتاء ومطرانية بيروت للروم الأرثوذكس، وبعض المرجعيات القريبة من بيئة تيار المستقبل.
ترأس اللائحة المهندس إبراهيم زيدان، المعروف بخبرته الإدارية وهويته الوطنية الجامعة، ويُعتبر عنصر ثقة لدى الناخبين الباحثين عن قيادة تمتلك الكفاءة والقدرة على الدفاع عن حقوق بيروت وأهلها.
لائحة “بيروت بتحبك“
في المقابل، تشكلت لائحة “بيروت بتحبك” من قوى تغييرية ومدنية، سعت إلى تقديم بديل عن القوى السياسية التقليدية. ورغم الجهود المبذولة، لم تتمكن هذه اللائحة من تحقيق اختراق كبير، وحصلت على مقعد واحد فقط في المجلس البلدي.
مع فوز لائحة “بيروت بتجمعنا” بأغلبية المقاعد، يُتوقع أن تواجه تحديات كبيرة في إدارة شؤون العاصمة، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة. كما أن الحفاظ على التوازن الطائفي والمناصفة في المجلس البلدي سيظل مسألة حساسة تتطلب إدارة حكيمة وتوافقًا بين مختلف المكونات السياسية والاجتماعية في بيروت.
أظهرت نتائج الانتخابات البلدية في بيروت استمرار هيمنة القوى السياسية التقليدية على المشهد السياسي، رغم محاولات القوى التغييرية والمدنية تقديم بدائل. يبقى التحدي الأكبر أمام المجلس البلدي الجديد هو تحقيق تطلعات المواطنين في تحسين الخدمات والبنية التحتية، وتعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة شؤون المدينة.
في 18 أيار 2025، جرت الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظة البقاع، وشهدت تنافسًا حادًا في مختلف أقضيتها الثلاثة: زحلة، البقاع الغربي، وراشيا. تخللت هذه الانتخابات تحديات تتعلق بالتوازنات الطائفية، الأعراف المحلية، والصراعات العائلية، مما أضفى على العملية الانتخابية طابعًا معقدًا ومتنوعًا.
📍 قضاء زحلة: صراعات الأعراف والطوائف
في قضاء زحلة، بلغ عدد المرشحين للانتخابات البلدية 977 مرشحًا، وللاختيارية 341 مرشحًا، يتنافسون على 30 مجلسًا بلديًا، من بينها 7 مجالس كانت منحلّة .
رياق – حوش حالا: خرق الأعراف وتأزم التوازنات
في بلدية رياق – حوش حالا، التي زيد عدد مقاعدها من 15 إلى 18 مقعدًا، لم تُحسم التوافقات النهائية حول تشكيل اللائحة ورئاستها. تداخلت التوازنات العائلية مع الأعراف الطائفية، حيث كانت الأغلبية المسيحية على لوائح الشطب، بينما الصوت المرجح على الأرض كان للناخب الشيعي، خاصة في حوش حالا. تسبب ذلك في تعقيدات، خصوصًا مع طرح إشكالية طائفة المرشح الماروني، بعد أجواء أشيعت بسحب هذا الامتياز من اللائحة الكاثوليكية
تعلبايا: جدل حول رئاسة البلدية
في بلدة تعلبايا، دار نقاش حاد حول الأعراف السائدة، خاصة فيما يتعلق برئاسة البلدية. منذ عام 1998، كان العرف يقضي بتوزيع المقاعد البلدية بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين، مع رئاسة مسيحية ونائب رئيس سني. إلا أن الانتخابات الحالية شهدت ارتفاع صوت تيار يريد تغيير هذا العرف، مما أثار جدلاً واسعًا في البلدة)
قضاء البقاع الغربي: منافسة تقليدية
في قضاء البقاع الغربي، جرت الانتخابات في 31 بلدة، مع انتخاب 83 مختارًا في 36 بلدة، و105 أعضاء مجالس اختيارية . لم تبرز تقارير تفصيلية حول نتائج الانتخابات في هذا القضاء، مما يشير إلى سير العملية الانتخابية بشكل تقليدي دون أحداث بارزة
قضاء راشيا: تنافس محلي ونتائج بالتزكية
في قضاء راشيا، جرت الانتخابات في 26 بلدة، مع انتخاب 44 مختارًا في 29 بلدة، و78 عضوًا في المجالس الاختيارية . بلغ عدد المرشحين للانتخابات البلدية 487 مرشحًا، و97 مرشحًا للاختيارية. فازت بعض البلدات بالتزكية، مثل الحوش وبكا وعين عرب، مما يدل على توافق محلي في هذه المناطق.
في الملاحظات
- تراجع تأثير القوى السياسية التقليدية: شهدت الانتخابات تراجعًا في تأثير بعض القوى السياسية التقليدية، مثل تيار المستقبل، الذي أعلن عزوفه عن المنافسة ترشيحًا وتأييدًا في بعض المناطق، مما أثر على تشكيل اللوائح الانتخابية.
- تحديات التوازن الطائفي: برزت تحديات في الحفاظ على التوازن الطائفي في بعض البلديات، خاصة مع التغيرات الديموغرافية والتنافس العائلي، مما أدى إلى نقاشات حادة حول الأعراف السائدة.
زحلة عرين القوات
فوز ساحق للقوات اللبنانية في انتخابات بلدية زحلة 2025
في 18 أيار 2025، شهدت مدينة زحلة تحولًا سياسيًا بارزًا، حيث حققت لائحة “قلب زحلة” المدعومة من حزب القوات اللبنانية فوزًا كاسحًا في الانتخابات البلدية، حاصدةً جميع مقاعد المجلس البلدي البالغ عددها 21، بفارق تجاوز 5700 صوت عن اللائحة المنافسة “زحلة رؤية وقرار” المدعومة من تحالف واسع ضمّ الكتائب اللبنانية، النائب ميشال ضاهر، ميريام سكاف، سيزار معلوف، حزب الله، وحركة أمل.
أسباب فوز القوات اللبنانية في زحلة
1. التفرد في تشكيل اللائحة المنافسة:
اعتمدت لائحة “زحلة رؤية وقرار” على تشكيل ضيق ضمّ الكتائب اللبنانية وبعض العائلات، دون إشراك فعلي لباقي القوى السياسية، مما أدى إلى تراجع الدعم الشعبي لها.
2. تعبئة الرأي العام المسيحي:
نجحت القوات اللبنانية في استقطاب “الرأي العام المسيحي المحايد” الذي يبحث عن تمثيل فعّال لتطلعاته، مستفيدةً من تراجع شعبية التيار الوطني الحر في المنطقة.
3. إدارة انتخابية فعّالة:
أظهرت القوات اللبنانية قدرة تنظيمية عالية، حيث التزم الناخبون بالتصويت للائحة كاملة دون تشطيب، مما عزز من فرص فوزها الكامل.
4. تراجع تأثير الخصوم:
على الرغم من التحالفات الواسعة للائحة المنافسة، إلا أن غياب التنسيق الفعّال بين مكوناتها وتراجع تأثير بعض الشخصيات السياسية ساهم في ضعف أدائها الانتخابي.
فشل التحالف مع الكتلة الشعبية
قبل الانتخابات، سعت القوات اللبنانية إلى تشكيل لائحة توافقية مع الكتلة الشعبية بقيادة ميريام سكاف، بهدف توحيد الجهود الانتخابية. إلا أن المفاوضات بين الطرفين باءت بالفشل بسبب اختلاف في الرؤية والنهج، مما دفع القوات إلى خوض الانتخابات بلائحة مستقلة تحت اسم “قلب زحلة” برئاسة المهندس سليم خليل غزالة,
هذا الفوز يعكس تحولًا في المزاج السياسي في زحلة، ويعزز من موقع القوات اللبنانية كقوة سياسية رئيسية في المنطقة، مما قد يكون له انعكاسات على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
محافظة بعلبك الهرمل عرين الثنائي الشيعي
حقق الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) فوزًا كاملًا في انتخابات بلديات محافظة بعلبك – الهرمل، عبر لوائح «تنمية ووفاء»، من دون أي خرق يُذكر، ما يؤكد استمرار هيمنته على المنطقة. ورغم أن هذه النتيجة لم تكن مفاجئة، إلا أنها اكتسبت أهمية خاصة بسبب الظروف المحلية والإقليمية التي رافقت العملية الانتخابية، خصوصًا في ظل الضغوط والحملات التي واجهها الثنائي من أطراف داخلية وخارجية.
النائب إيهاب حمادة اعتبر أن هذه النتائج تمثل “استفتاءً شعبيًا على خيار المقاومة”، مستندًا إلى نسب الاقتراع المرتفعة التي سجلت في المحافظة، والتي بلغت 46%، مع أرقام غير مسبوقة في بعض البلدات مثل النبي شيت (81%)، ما يعكس حماسة مناصري الثنائي والتفافهم حول خياراته.
فوارق الأصوات وحجم الخصوم
النتائج أظهرت تفوقًا كاسحًا للوائح الثنائي، حيث فاقت الفوارق بين الفائزين من لائحته والخاسرين من لوائح الخصوم آلاف الأصوات، سواء في بعلبك (حيث بلغ الفارق 6000 صوت بين آخر الفائزين وأول الخاسرين) أو في الهرمل (6500 صوت). حتى في البلدات ذات الطابع العائلي كبدنايل وشمسطار وإيعات، حافظ الثنائي على نفوذه، إما بتحالف مباشر أو عبر توافقات غير مباشرة.
ومن أصل 80 بلدية، فازت لوائح «تنمية ووفاء» بجميع المجالس، منها 28 بلدية بالتزكية، ما يعكس هيمنة سياسية وتنظيمية شبه كاملة على مستوى البلديات في المحافظة.
البعد النيابي والمستقبلي للنتائج
حمادة اعتبر أن ما جرى يُشكل تجربة أولية (بروفة) للانتخابات النيابية المقبلة، موضحًا أن الخصوصيات العائلية التي تطغى على الانتخابات البلدية لا تُغيّر في الاتجاه العام للناخبين، الذين سيصوّتون للمقاومة في الانتخابات النيابية، وفق تعبيره. من هنا، يمكن قراءة الانتخابات البلدية كمؤشر سياسي يُكرّس الثقة الشعبية بالثنائي رغم الظروف الاستثنائية.
ثغرة لافتة في بريتال
لكن الفوز لم يخلُ من إشارات تحذيرية داخلية، كما في بلدة بريتال، معقل عائلات الشهداء في حزب الله، حيث شكّلت العائلات لائحة مناوئة للائحة «التنمية والوفاء» وتخطّت عتبة 2000 مقترع، ما يُظهر وجود تململ أو تحفظ على الأداء، ولو داخل القاعدة الشعبية نفسها، ما يستدعي مراجعة في طريقة تشكيل اللوائح والتحالفات.
عرسال: المعركة بين العائلات والسياسة
في بلدة عرسال الحدودية، طغى الطابع العائلي على الانتخابات، حيث تنافس عدد كبير من المرشحين من العائلات نفسها، وسُجلت نسبة اقتراع عالية (أكثر من 50%). أسفرت النتيجة عن فوز لائحة مدعومة من رئيسَي البلدية السابقين بـ15 مقعدًا، مقابل 6 للائحة مدعومة من قوى سياسية سنّية تقليدية. أما اللائحة الثالثة فلم تفز بأي مقعد.
رغم أن الانتخابات لم تشهد مفاجآت سياسية، فإنها كادت تتعطل بسبب امتناع بعض الموظفين عن تسلم صناديق الاقتراع، نتيجة الصورة الأمنية النمطية التي تلاحق البلدة منذ بدء الحرب السورية، ما استدعى تدخلاً إداريًا في اللحظة الأخيرة.
البلدات المسيحية: ثبات في الولاءات وتوازنات دقيقة
أما في القرى المسيحية ضمن المحافظة، فقد حافظت الأحزاب التقليدية على مواقعها:
- القاع ودير الأحمر: حافظت «القوات اللبنانية» على هيمنتها، مع فوز كامل للوائحها في مواجهة «التيار الوطني الحر».
- رأس بعلبك: جاء الفوز موزّعًا بين «القوات» وحلفائها من التيار الوطني الحر والكتائب وبعض العائلات.
- الفاكهة – الجديدة: طغت مسألة المناصفة بين السنة والمسيحيين على أي اعتبار سياسي، فشُكّلت لائحة توافُقية قوية حققت فوزًا كاملاً، لتفادي أي حلّ للمجلس لاحقًا كما حصل سابقًا.
- دورس: فاز التيار الوطني الحر في مواجهة القوات، لكن يبقى الحليف الشيعي هو المرجّح في تحديد توجه المجلس البلدي نظرًا لحجم كتلة ناخبيه.
تكشف نتائج انتخابات بلديات بعلبك – الهرمل عن:
- رسوخ هيمنة الثنائي الشيعي شعبيًا وتنظيميًا.
- استفتاء سياسي ضمني على خيار المقاومة، بالرغم من الحملات الداخلية والخارجية.
- وجود ملاحظات على الأداء التحالفي والتنظيمي في بعض القرى، ما يدعو إلى إصلاحات داخلية.
- ثبات القوى المسيحية في مناطق نفوذها، مع بعض التوازنات الدقيقة التي تتطلب توافقات طائفية.
- طغيان الطابع العائلي على الانتخابات في بعض البلدات السنّية، مع استمرار حضور بعض القوى السياسية التقليدية.
وفي المحصلة، يمكن اعتبار هذه الانتخابات مؤشرًا سياسيًا واضحًا على مزاج الناخبين في المنطقة، واستعدادهم لإعادة تجديد الثقة بالقوى المهيمنة في أي استحقاق مقبل.