
لعبت المملكة العربية السعودية بقايدة الامير محمد بن سلمان دورا حاسما في تخفيف العقوبات المشددة على سوريا
“مصدر دبلوماسي”
في تحول لافت في السياسة الأميركية تجاه سوريا، أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترامب، يوم الجمعة، رفع مجموعة واسعة من العقوبات المفروضة على سوريا في خطوة وُصفت بأنها الأهم حتى الآن ضمن الجهود الأميركية لتفكيك النظام العقابي الذي فُرض على دمشق خلال أكثر من عقد من الحرب.
وأكدت وزارة الخزانة الأميركية أن الإجراءات الجديدة “ترفع فعليًا” القيود السابقة مشيرة إلى أن هذه الخطوة تأتي ضمن “جهد أوسع” من قبل الحكومة الأميركية لإزالة البنية الكاملة للعقوبات المفروضة على سوريا. كما أعلنت وزارة الخارجية عن منح إعفاء مؤقت لمدة ستة أشهر من العقوبات التي فُرضت بموجب قانون قيصر عام 2020.
اللوائح التي تم رفعها كانت قد وُضعت لأول مرة عام 2005، ثم تم توسيعها بشكل كبير بعد اندلاع الحرب السورية في 2011، لتشمل معظم المعاملات المالية مع الأفراد والكيانات السورية. ويُتوقع أن يكون لهذا القرار تأثير واسع على المشهد الاقتصادي والسياسي في سوريا، رغم أن عدداً من القيود لا يزال سارياً.
نطاق التراخيص والإعفاءات
الترخيص العام الصادر عن وزارة الخزانة يسمح الآن بإجراء معاملات مع مصارف سورية، وشركات الشحن والموانئ، وشركات النفط والغاز، وكذلك مع الخطوط الجوية الوطنية السورية. كما شمل القرار القائد السوري الجديد أحمد الشرع، وأتاح للمؤسسات المالية الأميركية فتح حسابات لصالح المصرف التجاري السوري بموجب استثناء من قانون باتريوت.
رغم ذلك، لا تزال المعاملات مع بعض الكيانات السورية المدرجة على قائمة العقوبات محظورة، وكذلك المعاملات التي تشمل روسيا أو إيران أو كوريا الشمالية بحسب ما أوردت صحيفة الواشنطن بوست في تقرير لها.
وفي السياق ذاته، قالت وزارة الخارجية إن الإعفاء من قانون قيصر سيساهم في تحسين الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والصرف الصحي، ويُسهل من تقديم مساعدات إنسانية أكثر فاعلية. من جهتها، رحّبت وزارة الخارجية والمغتربين السورية بهذه الخطوة، ووصفتها بأنها “إيجابية” لتخفيف المعاناة الإنسانية والاقتصادية.
مواقف دولية وتداعيات محتملة
يأتي هذا التطور بعد إعلان الرئيس ترامب، خلال زيارته الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية ولقائه باحمد الشرع عزمه تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا. وقد قوبل القرار باحتفالات واسعة في شوارع دمشق، حيث رأى كثير من السوريين في هذه الخطوة انفراجة اقتصادية بعد سنوات من الحصار.
وقال وزير الخزانة سكوت بيسنت إن القرار “يضع البلاد، نأمل، على مسار نحو مستقبل مشرق ومزدهر ومستقر”. إلا أن محللين حذروا من أن الطابع المؤقت للإعفاءات قد لا يكون كافيًا لتحفيز الاستثمارات الضرورية لإعادة الإعمار.
من جهته، علّق خبير العقوبات كرم شعار بأن الخطوة تُعد “تقدمًا كبيرًا، لكنها تظل مجرد خطوة”، مؤكدًا أن العديد من طبقات العقوبات لا تزال قائمة. وأوضح في تصريح لصحيفة الواشنطن بوست الاميركية أن “الإطار الإيجابي والواسع للغاية” الذي استخدمته الإدارة الأميركية في الإعلان عن القرار، كان له تأثير ملموس على الفاعلين الاقتصاديين، الذين يتأثرون بالسياق الإعلامي كما بالتشريعات ذاتها.
رغم ذلك، لفت شعار إلى أن أكبر شركة اتصالات في سوريا لا تزال خاضعة للعقوبات، كما لا تزال أصول مصرف سوريا المركزي مجمّدة، رغم شطبه من القوائم. كذلك، لا يزال عدد من أعضاء الحكومة الانتقالية تحت طائلة العقوبات.
السياق السياسي ومرحلة ما بعد الأسد
معظم العقوبات الأميركية على سوريا فُرضت خلال فترة حكم الرئيس السابق بشار الأسد، الذي وُجهت إليه اتهامات باستخدام الأسلحة الكيميائية وارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، في حرب أودت بحياة مئات الآلاف ودمّرت أجزاء واسعة من البلاد.
وأكدت وزارة الخزانة أن تخفيف العقوبات جاء “بناءً على تفاهم مفاده أن البلاد لن تكون ملاذًا آمنًا للمنظمات الإرهابية، وستضمن أمن الأقليات الدينية والإثنية”. وأضافت أن الولايات المتحدة ستواصل مراقبة تطورات الأوضاع على الأرض.
لا تزال التحديات الاقتصادية تمثل أكبر عقبة أمام الحكومة الجديدة، إذ يعيش 90 في المئة من السوريين في فقر مدقع، في وقت انخفض فيه الناتج المحلي الإجمالي من 252 مليار دولار قبل الحرب إلى 9 مليارات فقط بحلول عام 2021، وفقًا لتقديرات البنك الدولي. ويرجع المحللون هذا الانهيار إلى تأثير العقوبات إلى جانب تداعيات الحرب المستمرة.
في هذا السياق، تُعد الأشهر المقبلة حاسمة لأحمد الشرع، بينما يسعى إلى تثبيت دعائم الاستقرار وجذب الدعم الدولي من أجل إعادة الإعمار، وسط متابعة دقيقة من قِبل المجتمع الدولي لمسار الحكومة السورية الجديدة.
