
الرئيس الفلسطيني محمود عباس
“البوصلة”
مارلين خليفة
زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى لبنان بدعوة من رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ليست زيارة بروتوكولية فحسب، بل محطة سياسية مفصلية تحمل بذور تحول جذري في العلاقة اللبنانية ـ الفلسطينية، عنوانه: تنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان على قاعدة الحقوق المدنية مقابل ضبط السلاح وحصره بيد الدولة اللبنانية.
لقد شكل البيان اللبناني الفلسطيني المشترك الذي تلته المتحدثة الرسمية بإسم الرئاسة الاولى نجاة شرف الدين خارطة طريق دقيقة لحل ملف شائك طال أمده وهو ملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وداخلها. فحصر السلاح بيد الدولة لم يعد مجرد مطلب لبناني، بل بات قناعة مشتركة، عبّر عنها الجانبان بوضوح حين أعلنا أن زمن السلاح الخارج عن سلطة الدولة “قد انتهى”، بعد أن دفع الشعبان اللبناني والفلسطيني ثمناً باهظاً من الاستقرار والدماء.
إن الحديث عن تسوية هذا الملف لا يعني تجاهل تعقيداته، ولا سيما في مخيم عين الحلوة، حيث تنتشر مجموعات متطرفة خارجة عن منطق الدولة وعن مرجعية منظمة التحرير الفلسطينية. لذلك، فإن الاتفاق على تشكيل لجنة أمنية مشتركة لمتابعة هذا الملف وتسليم المطلوبين يشكل نقطة الانطلاق الضرورية قبل أي نقاش في التفاصيل.
في المقابل، تضع الدولة اللبنانية نفسها أمام مسؤولية تاريخية في منح الفلسطينيين بعض حقوقهم المدنية والاجتماعية بعدما طال حرمانهم منها لعقود. البيان المشترك أكد الالتزام بـ”توفير الظروف اللازمة بما يضمن للأخوة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حياة كريمة”، مع احترام السيادة اللبنانية ورفض مشاريع التوطين والتهجير.
هذا التلازم بين الحقوق المدنية وحصرية السلاح لا يهدف فقط إلى ضبط الأمن داخل المخيمات ومحيطها، بل إلى إعادة الاعتبار للعلاقة الأخوية بين الشعبين وتحصين المخيمات من أن تكون بؤراً للفوضى أو منصات لتصفية الحسابات.
يشكل الفصل الواضح بين السلاح الفلسطيني وسلاح “حزب الله” مسألة جوهرية في المقاربة اللبنانية للأمن الوطني، إذ إن السلاح الفلسطيني يُعالج في إطار تنظيم المخيمات وضبط الأمن الداخلي، بينما يرتبط سلاح “حزب الله” بمعادلة الردع تجاه إسرائيل وبوقف اعتداءاتها وانسحابها من الأراضي اللبنانية المحتلة. وفي هذا السياق، يجري التنسيق الأمني بين الجانب الفلسطيني والجيش اللبناني عبر قنوات امنية محددة بما يساهم في تثبيت الاستقرار دون خلط الملفات أو تداخل الأدوار، بينما يتولى رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون التفاوض مع حزب الله عبر قنوات غير مباشرة.
في السياق الفلسطيني، لا يمكن إغفال الدور الهادئ والمستمر الذي لعبه السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور طوال سنوات لتجنيب السلاح الفلسطيني أي انخراط في المماحكات اللبنانية الداخلية وسعيه المتواصل لتحييد المخيمات عن النزاعات الداخلية والإقليمية.
يحمل البيان اللبناني ـ الفلسطيني آفاقاً واعدة لحل طال انتظاره عنوانه: الأمن للدولة والكرامة للفلسطينيين على قاعدة راسخة تؤكد أن الأمن الحقيقي لا يتحقق إلا عندما يشعر الجميع بالعدالة والكرامة. ومن هذا المنطلق، فإن منح الفلسطينيين في لبنان حقوقهم المدنية لا يُمثّل بديلاً عن حقهم في العودة بل خطوة أساسية لتأمين حياة كريمة لهم إلى حين تطبيق القرار الأممي 194 الذي يضمن عودتهم إلى ديارهم التي هُجّروا منها.