
الدكتور سمير جعجع
“البوصلة”
كتبت مارلين خليفة:
لا يمكن الحديث عن فوز “القوات اللبنانية” الكاسح في الانتخابات البلدية في مدينة زحلة أمس من دون التوقف عند العامل الأساس الذي شكّل منذ عقود جوهر هذا التنظيم السياسي: الدكتور سمير جعجع.
منذ خروجه من السجن في العام 2005 بعد 11 عاما من الاعتقال الانفرادي تحت الأرض، عاد سمير جعجع إلى الساحة السياسية كمن يحفر الصخر بالإبرة غير آبه بتقلبات الزمن اللبناني ولا بخذلان الحلفاء ولا بعنف الخصوم.
اثبت انه رجل لا يستعجل بل يشتغل على الزمن الطويل. صحيح أنه أخطأ في تقديراته في مناسبات عدة كما حين قال العام 2012 بأن الرئيس السوري السابق بشار الأسد سيسقط خلال شهر من بدء الثورة السورية لكن التاريخ أنصف رؤيته، والأسد سقط فعلاً ولكن بعد 12 عاماً في ديسمبر من العام 2024 حين خرج نهائياً من المعادلة الإقليمية كلاعب مقرّر وسقطت شرعيته حتى لدى من كانوا يراهنون عليه.
سمير جعجع الذي عرفه البعض في زمن الحرب لم يركن إلى ماضيه، بل بنَى حزباً حقيقياً بآليات مؤسسية تشبه دولاً لا أحزاباً لبنانية. حزب “القوات اللبنانية” اليوم ليس مجرد ماكينة انتخابية بل هيكل مركزي متماسك فيه: جهاز انتخابي بقدرة رصد وتموضع استثنائية، جهاز أمني داخلي فعّال، جهاز طلابي حاضر في المدارس والجامعات بقوة، مكتب إعلامي يضبط النبض والرأي العام، منصّات بحث ودراسات واستطلاع، أذرع بلدية واجتماعية تمتد من المدينة إلى الارياف,
أحد مفاتيح قوة جعجع هو إيمانه العميق بأهمية الصورة والإعلام حيث أعاد إنتاج نفسه وخطابه بما يتلاءم مع جمهور متغيّر دون أن يتخلى عن ثوابته. ولعلّ هذا ما يجعله يختلف عن معظم قادة لبنان: هو لا يعيش على ماضيه بل يزرع في الحاضر كي يحصد في المستقبل.
استراتيجيته أقرب إلى ما يُعرف في أدبيات إيران بـ”الصبر الاستراتيجي”، لكن هذه المرة بلباس مسيحي – لبناني. جعجع اختار أن يبني تقدمه السياسي الآتي ببطء وبثبات وبانضباط حزبي قلّ نظيره وطالما شكل علامته الفارقة منذ تسلمه حزب القوات اللبنانية يافعا.
وفي زمن يبحث فيه الشباب اللبناني عن رموز سياسية تُشبههم قرّر جعجع أن يتكلم لغتهم: رقص في أحد تجمعات القوات الشبابية، ووزع اعلامه الرقصة عبر منصات السوشال ميديا، بعض خصومه رأوا في المشهد استعراضا شعبويا لكن الحقيقة أن الرجل الذي قرر كثيرون اغتياله سياسيا، لا يزال يخترق المشهد اللبناني ويُتقن مخاطبة الجيل المسيحي الجديد.
لم يرقص على اغنية “واي أم سي آي” التي استخدمها دونالد ترامب في حملاته الانتخابية وهي وليس للمصادفة أغنية تتحدث عن جمعية الشبان المسيحيين صدرت العام 1978 لفرقة “فيلاج بيبل”، بل رقص على اغنية “دقّ الخطر عالأبواب” وهي عبارة تحولت إلى واقع سياسي يشعر به خصومه قبل أنصاره.
فوز القوات في زحلة ليس حدثاً محليا فحسب بل محطة تمهيدية لرسم خارطة النفوذ المسيحي في الانتخابات النيابية المقبلة. سمير جعجع بثباته، بصبره، وبتنظيمه يتحوّل من زعيم حزبي إلى لاعب وطني لن يمكن القفز فوقه واستحقاق 2026 لناظره قريب.