“حزب الله” يرصد انعكاسات المحادثات الاميركية الايرانية على ملفات الاقليم
“مصدر دبلوماسي”
كتبت مارلين خليفة
في ظل التقلبات المتسارعة على الساحة الإقليمية يخطط “حزب الله” بخطى محسوبة لمواجهة تداعيات المفاوضات الأميركية – الإيرانية التي تبدو كفرصة استراتيجية لإعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة. يضع “الحزب” في قائمة أولوياته الافادة من أية تفاهمات قد تسهم في خفض التوتر الإقليمي وخصوصا في لبنان مع التركيز على تثبيت موقفه العسكري والسياسي ضمن إطار يحمي مصالحه ويعزز نفوذه. وفي الوقت ذاته، يسعى “حزب الله” إلى التقدم في ملف الإصلاحات الداخلية وخصوصا تلك المتعلقة بأموال المودعين وإعادة الإعمار بهدف تعزيز استقراره الاجتماعي والاقتصادي مع مواصلة دعم قواعده الشعبية، بما يضمن استمراريته في مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية.
في ظل التحولات المتسارعة على الساحتين الإقليمية والدولية، يترقّب “حزب الله” نتائج المفاوضات الأميركية – الإيرانية التي قد تحمل، وفقا لأوساط مطّلعة على مناخ الحزب انعكاسات محتملة على عدد من الملفات الحساسة في المنطقة. وتتقاطع هذه التوقعات مع مؤشرات عدة برزت أخيراً في مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يبدو أنه يعتمد توجهاً جديداً في مقاربة القضايا الدولية، مع تركيز ملحوظ على تهدئة النزاعات وإعادة تشكيل العلاقات مع الأطراف الفاعلة، وفي مقدّمها إيران.
يعوّل “حزب الله” على نتائج المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران والتي ترى بعض الأوساط المطلعة على مناخ الحزب أنها قد تُحدث انعكاسات على عدد من الملفات الإقليمية.
وفي هذا السياق، تبدو سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا سيما تصريحاته خلال جولته الخليجية الأخيرة إلى كل من السعودية والإمارات وقطر دالّة على توجهات جديدة يعتمدها في مقاربته للقضايا العالمية. إذ يركّز ترامب على فكرة إنهاء الحروب وهو ما يظهر جليًا في طريقة تعاطيه مع الحرب الروسية – الأوكرانية، حيث كان من الداعمين لتحقيق اللقاء الروسي – الأوكراني الذي جرى في تركيا برعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
أما في ما يتعلق بملف غزة، فإن طريقة تعامل ترامب مع سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والتي تخللتها تعبيرات متكررة عن الانزعاج من سلوك الأخير، ثم إطلاقه مواقف بارزة في المنطقة على غرار رفع العقوبات عن سوريا، وإعلانه – قبل زيارته – عن إطلاق سراح الجندي الأميركي – الإسرائيلي عيدان ألكسندر بموجب اتفاق مباشر مع حركة “حماس”، لا تصبّ في مصلحة نتنياهو ولا تنسجم مع توجهاته الحربية في المنطقة. كما أن التفاوض المباشر مع “حماس” يشكل مصدر إزعاج للجانب الإسرائيلي، نظرًا لرفض إسرائيل منح الحركة أي شرعية سياسية.
في ما يتعلق بالمفاوضات الأميركية – الإيرانية، فقد نجح الجانب الإيراني في اكتشاف “المفتاح” الذي أعاد دونالد ترامب إلى طاولة المفاوضات، وهو تحفيز المصالح الاقتصادية التي يوليها ترامب اهتمامًا بالغًا انطلاقًا من رغبته في زيادة الاستثمارات الأميركية بما يسهم في إنعاش الاقتصاد الداخلي للولايات المتحدة. كما أن الوفد الإيراني تدارك هذه المرة المآخذ الأميركية السابقة، والتي عبّر عنها المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف حين أشار إلى أن اتفاق 2015 بين ايران والول الكبرى: الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا، روسيا، الصين) بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي لم يسفر عن استثمارات أميركية في إيران، بل فتح الباب أمام الاستثمارات الأوروبية. وقد حرص المفاوض الإيراني في هذه الجولة على تجاوز هذا الخلل.
تتحدث الأوساط المتابعة لهذه الملفات عن رغبة واضحة لدى دونالد ترامب في نيل جائزة نوبل للسلام خلال العام المقبل، وهو ما يدفعه إلى السعي لفتح مسارات سلام أو في الحد الأدنى خفض مستويات التوتر الإقليمي. وفي هذا الإطار، ترى مصادر متعددة أن الحراك الأميركي والمفاوضات مع إيران قد تكون لهما انعكاسات إيجابية على الوضع اللبناني من خلال تقليص نزعة التصعيد الإسرائيلي التي يقودها بنيامين نتنياهو واليمين الإسرائيلي عبر شن حروب متواصلة واستهداف الاستقرار في المنطقة وممارسة العدوانية تجاه الدول المحيطة بإسرائيل.
أزمة نتنياهو وتحولات الدعم الاميركي
وسط تصاعد النقاشات حول مستقبل الصراع في غزة والمنطقة تبرز مواقف متباينة بين القيادة الإسرائيلية والإدارة الأميركية تعكس أزمة ثقة داخل التحالف التقليدي بين الطرفين وتفتح الباب أمام تحولات محتملة في مقاربة الوضع اللبناني.
يواجه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مأزقا سياسيا حقيقيا إذ إن استمراره في الحياة السياسية يعتمد بشكل أساسي على استمرار الحروب فكل اتفاق ينهي الحرب قد يفتح الباب أمام مساءلته ومحاسبته داخليًا على المستوى الإسرائيلي.
في المقابل، بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتراجع عن دعمه غير المشروط لنتنياهو، وهو يسعى لأن تلعب الولايات المتحدة اليوم دور الضامن للاستقرار في غزة، بهدف الحفاظ على أمن إسرائيل، ولكن من خارج منطق الحرب الدائمة.
هذا التوجه الأميركي قد يُتيح المجال للحديث عن “اليوم التالي” في غزة، وكيفية مقاربة الملف اللبناني في حال تم التوصل إلى تفاهمات إقليمية تسهم في خفض التوتر ونجح الضغط في كبح جماح الجانب الإسرائيلي ومنعه من الذهاب نحو مزيد من التصعيد. من شأن هذه التطورات أن تنعكس إيجابًا على الساحة اللبنانية، إذ قد تسهم عمليًا في تهدئة الأوضاع، والتخفيف من مناخ الحرب الذي تفرضه إسرائيل على لبنان من خلال استمرار احتلالها لنقاط أساسية فيه. كما قد تُفتح بذلك نافذة أمام الدبلوماسية لمعالجة الملفات العالقة بين الجانبين.
ملف السلاح والاصلاحات في خطاب حزب الله
في خضم النقاشات السياسية والمطالب الاجتماعية التي تعصف بالمشهد اللبناني، يبرز موقف “حزب الله” من ملف السلاح والإصلاحات كجزء أساسي من رؤيته للأولويات الوطنية. وتشير أوساط مطّلعة على مناخ الحزب إلى ضرورة مقاربة هذا الملف بعيدا من الطروحات التقليدية حول نزع السلاح مع التأكيد على ثوابت تتصل بالصراع مع إسرائيل، واهتمامات داخلية متعلقة بحياة اللبنانيين وحقوقهم الاقتصادية.
ترى أوساط واسعة الاطلاع على مواقف “حزب الله” ومناخه، أنه يجب الابتعاد عن طرح موضوع السلاح من زاوية تسليم أو نزع السلاح، مع التمسك بما هو معلن في المواقف الرسمية اللبنانية، لا سيما تلك التي يعبّر عنها رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون، والتي تؤكد أنه لا يمكن الخوض في هذه القضايا من منطلق سياسي طالما أن العدوان والاحتلال مستمران ولم يتم إطلاق سراح الأسرى اللبنانيين من سجون اسرائيل. هذه النقاط أكد عليها الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، مضيفًا إليها مسألة إعادة الإعمار وخصوصا وأن الإسرائيلي لم يتردد في الإعلان عن إقامة مناطق عازلة في لبنان أو سوريا أو غزة بذريعة الحفاظ على أمن حدود إسرائيل. وإذا ما استمر الضغط الأميركي فقد يُفتح بذلك مجال أمام إدارة ترامب للتدخل المباشر في إدارة عملية خفض التوتر.
وفي السياق الداخلي، يولي “حزب الله” أهمية خاصة للإصلاحات وحقوق المودعين. إذ يقدّم حاليا دعما ملموسًا للناس، بالتوازي مع ورشة الإصلاحات التي أطلقها مجلسا الوزراء والنواب، مع تركيز كبير على كل ما له علاقة بأموال المودعين، والسعي لإقرار قوانين تضمن حقوقهم وتسمح بمعالجة منصفة لموضوع الودائع، بما يحمّل الجهات المسؤولة عن الخسائر المالية مسؤولياتها دون أن يطال ذلك احتياطي الذهب أو أملاك الدولة والتي يرفض الحزب وضعها في مهب التسويات.
ويُعدّ ملف إعادة الإعمار من الأولويات المتقدّمة على جدول أعمال “حزب الله” وقد أنجز نحو 80 في المئة من ملف الإيواء والترميم وهو موضوع طرح مع المسؤولين في الدولة على مختلف المستويات من قبل قيادات الحزب. وبحسب مطّلعين على أجواء الحزب، فإن مقاربة هذا الملف يجب أن تنطلق من الالتزامات المعلنة في خطاب القسم والبيان الوزاري، إلى جانب المطالب الأساسية المرتبطة بتحسين ظروف معيشة اللبنانيين، الذين تضرروا نتيجة انهيار العملة الوطنية، وتراجع القدرة الشرائية للرواتب مما فاقم الضغوط الاقتصادية على الطبقات الفقيرة والوسطى لا سيما في القطاع العام.