“مصدر دبلوماسي”
كتبت مارلين خليفة
في 22 أيلول من العام 2023، استدعت وزارة الخارجية والمغتربين مندوبة لبنان في الأمم المتحدة، جان مراد إلى الإدارة المركزية في بيروت في إجراء تعسفي لا يزال يبحث فيه مجلس شورى الدولة الذي احتكمت إليه مراد بعد قرار عزلها.
اليوم، ومع بداية عهد الرئيس جوزيف عون، تدخل جان مراد إلى القصر الجمهوري من بابه الواسع، ولن ينسى اللبنانيون أن السبب المباشر لعزلها كان دفاعها عن حق لبنان في سيادته الكاملة حين تحفظت آنذاك على قرار التجديد لقوات اليونيفيل الدولية. اربع نقاط في خطاب مرتجل أدت إلى عزل مراد التي أنصفها عهد جوزيف عون لتكون خير ممثلة عن الدبلوماسية اللبنانية وهي:
- التزام لبنان بالقرار 1701 وسيادته الوطنية: أكدت المندوبة اللبنانية التزام بلاده بالقرار 1701 وضرورة وجود قوات “اليونيفيل” بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية باعتبار وجودها مطلبا لبنانيا يهدف الى تحقيق الأمن والاستقرار.
- التحفظات على نص القرار الجديد: أشار خطاب مراد المرتجل إلى أن نص التجديد لليونيفيل لم يعكس بشكل كامل مخاوف لبنان، ولم يأخذ في الحسبان خصوصية الوضع اللبناني وخصوصا فيما يتعلق بحرية حركة قوات اليونيفيل ودورها.
- موقف لبنان من منطقة الغجر: شددت مراد على أن لبنان لم يطلب تغيير اسم منطقة شمال الغجر بل تعديلًا يعكس الدقة والخصوصية التاريخية والجغرافية للمنطقة مع التأكيد على وصف وجود القوات الإسرائيلية فيها بالاحتلال.
- أهمية التنسيق لتجنب التوتر: دعت مراد في مداخلتها امام مجلس الامن الدولي إلى تجنب خلق توترات غير ضرورية في النصوص القرارية، والتركيز على نصوص تدعم الأمن والسلام في جنوب لبنان، بدلًا من إثارة خلافات قد تزيد من التعقيدات.
سيرة دبلوماسية حافلة
اكتسبت الدبلوماسية جان مراد خبرة كبيرة من العمل كدبلوماسية في منظمات دولية سياسية وإنسانية وتنموية على مستوى عالٍ من صنع السياسات في جنيف، فيينا، ونيويورك.
20 عامًا من الخبرة المهنية في مجالات العلاقات الخارجية وإدارة الموظفين ضمن وزارة الخارجية والسفارات التي عملت بها.
مهارات متقدمة في التحليل السياسي، التفاوض متعدد الأطراف، وحل النزاعات.
إثبات الكفاءة في المبادرة، التركيز على تحقيق النتائج، والعمل الفعّال ضمن فريق.
قدرة مثبتة على العمل تحت الضغط، وإدارة مهام متعددة، والالتزام بالمواعيد النهائية.
مهارات ممتازة في التنظيم، التخطيط، والتواصل، مع إتقان ثلاث لغات.
تبلغ جان مراد 45 عامًا من العمر وحاصلة على المرتبة الأولى في دفعتي الدبلوماسية عند انضمامها إلى وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية العام 2003.
بعد تدريب في وزارة الخارجية والمغتربين استمر لأكثر من ثلاث سنوات، ركز بشكل رئيسي على المديرية السياسية حيث عملت على العلاقات الثنائية مع الدول الأوروبية بالإضافة إلى ملف الحدود الجنوبية للبنان وقوات اليونيفيل. وبعد إتمام مهامها السابقة في مناصب متعددة الأطراف طويلة الأمد (بما في ذلك جنيف وفيينا مرتين)، انضمت جان مراد إلى البعثة الدائمة للبنان في الأمم المتحدة في نيويورك في أكتوبر 2019.
خلال 14 عامًا أمضتها في الأمم المتحدة، كانت مسؤولة عن عدة ملفات وتابعت مجموعة واسعة من المواضيع، مما منحها منظورًا واسعًا حول العمل متعدد الأوجه للأمم المتحدة. كخبيرة متعددة الأطراف، ركزت على نزع السلاح النووي، وشاركت بلا كلل في مداولات جميع القرارات والوثائق ذات الصلة ولعبت دورًا محوريًا كجسر للتفاهم بين الأطراف المختلفة.
تعرف جان مراد من قبل البيئة الدبلوماسية العربية والغربية التي عملت معها بأنها مدافعة قوية عن التعددية كوسيلة لتعزيز القيم المشتركة مثل السلام، والعدالة، والمساواة، والكرامة للجميع، والقضاء على الفقر، والتعليم الجيد، والعمل المناخي، والعلوم الاجتماعية، والتنمية الشاملة بجميع أبعادها، حيث لا يُترك أحد خلف الركب.
من أقوالها في الأمم المتحدة: “رغم هذه الأهداف السامية، لا يزال العالم يشهد نزاعات مدمرة واضطرابات وخلافات تهدد استقرار الكوكب بأسره، في ظل انتشار ممارسات التدمير الشامل وجرائم ضد الإنسانية. بالإضافة إلى ذلك، لا يُولى الاهتمام الكافي للصراعات الطويلة الأمد في مختلف أنحاء العالم، حيث يتم انتهاك ميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان”.
أضافت في إحدى خطاباتها: “ومع ذلك، ما زلت مؤمنة بشغف أن الدول الصغيرة في الجنوب العالمي مثل لبنان يمكنها قلب المعادلة داخل أجهزة صنع السياسات في الأمم المتحدة من خلال دبلوماسية حكيمة، يقظة، مثابرة، وماهرة تعتمد على كادر دبلوماسي محترف وصريح، يتقن أساليب العمل المتعدد الأطراف والمصطلحات الخاصة به، مع قدرات ومهارات وتقنيات تفاوضية متقدمة”.
“قدمت لها خبرتها الدبلوماسية التي تمتد على مدار 21 عامًا، لا سيما في أروقة الأمم المتحدة ومنظماتها ووكالاتها المتخصصة، مجموعة متنوعة من الخبرات المتعددة الأوجه. كما أن عملها لمدة أربع سنوات في الأمم المتحدة في نيويورك فتح عينيها على الدور الحيوي للتعددية في عالمنا المليء بالتحديات اليوم.
لديها خبرات واسعة طيلة مسيرتها الدبلوماسية:
هي تملك مفاصل العمل في داخل أروقة الأمم المتحدة، وتتقن خطاب وطريقة العمل داخل الأمم المتحدة، أي خطاب الأروقة. بالنسبة إليها، ليست الأروقة نزهة أو صورة ووضع يافطة لبنان أمامنا، بل إن دبلوماسية الأروقة هي عمل عمودي وأفقي في أجهزة صنع القرار داخل الأمم المتحدة، أتقنته مراد واشتغلت عليه على مدى أعوام، وحتى في الشق القنصلي الذي عملت فيه لفترة وجيزة كان شعارها: النص وضع لخدمة الإنسان وليس العكس.
بالنسبة إلى الأروقة، فإن العمل الأفقي هو داخل أجهزة الأمم المتحدة حيث تتعامل مع 192 وفدًا يمثلون 192 دولة، وعاموديًا مع أمانات هذه المنظمات في صياغة مشاريع التنمية على مختلف أنواعها بالتنسيق مع المتخصصين العاملين في أمانات هذه المنظمات.
ترأست طوال العام 2023 مؤتمر إنشاء المنطقة المنزوعة السلاح النووي في الشرق الأوسط وكافة أسلحة الدمار الشامل، وهي تتعلق بإسرائيل. المرحلة القادمة تتعلق بالسلاح النووي بإمتياز ما سيسلط الاضواء عليها، هي ترأست المؤتمر الخاص بنزع السلاح النووي وتلقت إشادة من امين عام الامم المتحدة أنطونيو غوتيريس في هذا الموضوع. كانت مراد على وشك تسليم الرئاسة إلى ليبيا بعد لبنان حين قرر وزير الخارجية والمغتربين الدكتور عبد الله بو حبيب إقالتها من منصبها كمندوبة دائمة للبنان في الأمم المتحدة. احتكمت مراد إلى مجلس شورى الدولة الذي لم يبت في قضيتها لغاية اليوم.