“مصدر دبلوماسي”
أدلى اللواء عباس إبراهيم بسلسلة مواقف تناولت تداعيات ما بعد الحرب على المشهد السياسي اللبناني شملت نظام الحكم، المؤسسات الدستورية، الانتخابات الرئاسية، اللامركزية الإدارية، واتفاق الطائف، وذلك في إطار برنامج “هاشتاغ سياسي” الذي يقدمه علي حمادة عبر قناة “هلا لندن”. تضمنت أبرز عناوين المقابلة: وقف إطلاق النار لن يتطور إلى حرب، ومنع إسرائيل الجيش اللبناني من الانتشار في جنوب لبنان، ضرورة استثمار المقاومة كقوة لبنانية لصالح الدولة، أهمية تطبيق اتفاق الطائف، صعوبة تمرير الثلاثية الذهبية بسلاسة نتيجة ارتدادات الحرب ودعوة الدول العربية الى ما اطلق عليه اللواء ابراهيم:” شن هجمة إيجابية على لبنان تشمل كافة المجالات وليس اعادة الإعمار والبناء فحسب”.
وقف اطلاق النار لن يتطور الى حرب
عن خشيته من انهيار قرار وقف إطلاق النار بعد الخرق الكبير الذي شهدناه اخيرا بضربات إسرائيلية كثيفة، قال اللواء ابراهيم: ” يرتبط هذا الموضوع بالعدو الاسرائيلي، لاحظنا أنه فور وقف الأعمال العدائية ودخول القرار حيّز التنفيذ عند الساعة الرابعة فجرًا، بدأت القوات الإسرائيلية على الأرض، بعد خمس دقائق فقط (عند الساعة 4:05)، بمحاولة تحقيق ما فشلت في تحقيقه خلال الحرب. بمعنى آخر، كانت تمارس العدوانية تحت مظلة وقف إطلاق النار. تقدمت في منطقة الخيام إلى مواقع لم تستطع التقدم إليها سابقًا وارتكبت اعتداءات في شمع وعلى طول الجبهة، حيث قامت بتجريف المنازل وتفجيرها، كما حدّدت مناطق يُسمح للبنانيين بالعودة إليها وأخرى يُمنعون من دخولها”.
ولفت الى ان “هذه التصرفات بحد ذاتها تعتبر اعتداءات مستمرة. والسؤال هنا: ما الذي دفع العدو الإسرائيلي إلى هذا السلوك؟ السبب يعود إلى إحجام المستوطنين عن العودة إلى مستوطناتهم رغم كل الإغراءات التي قدمها الكيان لهم. المستوطنون يرفضون العودة لأنهم لا يثقون بدولة “إسرائيل” ولا يؤمنون بصدق ما يعدهم به نتنياهو رئيس حكومة العدو، فقد وعدهم بأنهم سيعودون بالقوة وليس عبر أي اتفاق وبأنه سيدخل إلى لبنان ويُبعد حزب الله إلى ما وراء الليطاني ليعيشوا بأمان”.
ولفت اللواء ابراهيم الى أنه ” إذا افترضنا جدلا بأن القوات الإسرائيلية نجحت في دفع “حزب الله” الى شمال الليطاني، فإن الصواريخ التي يمتلكها “حزب الله” قادرة على استهداف المستوطنات من أية نقطة في لبنان. (…) بالتالي، لم يتمكن نتنياهو من تحقيق الأهداف السياسية التي أعلنها عند بداية الحرب”، (…) لذلك “يستمر في دفع الأمور نحو التصعيد مع الحرص على تجنب الانزلاق إلى حافة الحرب مع لبنان” (…).
اتفاق اطلاق النار صامد
ولفت اللواء ابراهيم الى أن “هذه التعديات على لبنان وهذه الخروق لن تؤدي إلى عودة الحرب بمعناها الشامل كما كانت قبل الأربعاء الماضي”.
وهل يظهر “حزب الله” ضبط النفس رغم التصعيد الإسرائيلي ومجزرة حاريص؟ يجيب اللواء ابراهيم:”أعتقد أن حزب الله منذ اللحظة التي وافق فيها على وقف اطلاق النار اتخذ قرارا واضحا بالتنسيق مع الدولة اللبنانية وهو ملتزم بهذا القرار. وقد رأينا أن حزب الله، رغم تسجيل 52 أو 54 خرقا من جانب العدو لم يردّ إلا مرة واحدة. (…)
اسرائيل لا تسمح للجيش بالانتشار
وردًا على سؤال حول عدم التزام إسرائيل وحزب الله بتطبيق القرار 1701 ودور الجيش اللبناني، قال اللواء إبراهيم: “هذا الموضوع منوط بالجيش اللبناني منذ اللحظة التي يبدأ فيها انتشاره بالتنسيق مع حزب الله. لكن حتى الآن، لم يتمكن الجيش اللبناني من تنفيذ المطلوب منه لأسباب لوجستية معروفة، بالإضافة إلى أن الإسرائيلي لا يسهّل مهمة الجيش اللبناني. وأعتقد أن قائد الجيش نقل هذه النقطة إلى الأميركيين والفرنسيين حيث أوضح أن العدو الإسرائيلي لا يوفر التسهيلات اللازمة لانتشار القوات العسكرية اللبنانية”.
وشرح اللواء ابراهيم :” لدى الجانب الإسرائيلي مهلة تمتد الى 60 يوما، ولكن يمكن للجيش اللبناني أن يستكمل انتشاره في أية لحظة (…) يجب على الجيش الإسرائيلي ان يسهّل انتشار الجيش اللبناني للقيام بمهمته” (…).
المقاومة كقوة لبنانية يجب أن تستثمر لصالح الدولة
وهل يهدف القرار 1701 الى تعزيز القرارين 1680 و1559 وخصوصا فيما يتعلق بضبط الحدود اللبنانية-السورية وإنهاء تسليح حزب الله؟
لفت اللواء ابراهيم الى أنه “منذ لحظة إقرار القرار 1701، كانت هناك ارتباطات واضحة مع القرارين 1680 و1559، حيث يشكلان جزءا من البناءات الأساسية للقرار”. ورأى أنه :”من الطبيعي أن يطبَّق القرار 1701 كما هو، بحيث لا يكون هناك أي سلاح إلا مع الجيش اللبناني. ومع ذلك، يبقى السؤال حول كيفية التفاهم على المستوى السياسي ومعالجة موضوع سلاح “حزب الله” داخليا، هذا الأمر يتطلب حكومة قادرة على اتخاذ القرارات المناسبة”.
وعما اذا حان الوقت لطرح هذا الموضوع كونه يشكل لغما في الساحة اللبنانية؟ قال اللواء ابراهيم :”بالتأكيد حان الوقت، بل إن الوقت كان قد حان منذ زمن بعيد. ولكن، كما هو الحال دائما، نحن في لبنان متأخرون في معالجة القضايا الجوهرية. لدينا قوة تسمى المقاومة، وهذا مفهوم طبيعي في كل دول العالم، عندما تتعرض دولة للاحتلال أو الغزو، تنشأ المقاومة كوسيلة مشروعة للدفاع. في لبنان، حدث الشيء ذاته. لكن بعد اندحار الاحتلال وعندما يصبح وجوده الفعلي محدودا يجب أن تُدمج هذه القوة ضمن مؤسسات الدولة اللبنانية.
إن المقاومة كقوة لبنانية يجب أن تستثمر لصالح الدولة. لا داعي لأن نقول إننا نريد نزع سلاح “حزب الله”، بل يجب أن نتحدث عن كيفية تسخير هذه القوة لتقوية الدولة وخصوصا من الناحية العسكرية، بحيث تصبح السلطة الشرعية بيد الجيش اللبناني والقوى الأمنية (…)”.
اهمية تطبيق اتفاق الطائف
وتطرق اللواء عباس ابراهيم الى مواضيع تتعلق بالحكم في لبنان من الانتخابات الرئاسية الى اللامركزية المالية الى الفيديرالية وتطبيق اتفاق الطائف.
وعما اذا كانت الانتخابات الرئاسية مدخلا لتحديد مسار لبنان قال اللواء ابراهيم:” ليس المدخل مجرد انتخاب رئيس أو عدمه، بل المدخل الحقيقي هو إرادتنا الصادقة كلبنانيين مجتمعين لبناء دولة. وجود رئيس للجمهورية هو أمر حتمي وضروري ولكننا وصلنا الى مرحلة نعتبر فيها انتخاب رئيس أمرا استثنائيا، بينما هو أمر طبيعي. ما هو غير طبيعي هو غياب رئيس. ومع ذلك، في ظل نوايا غير صادقة وغير جدية من الأطراف السياسية، لن يستطيع أي رئيس أن يحقق شيئًا. لقد أثبت التاريخ أن العديد من الرؤساء مروا في هذا المنصب، ورغم كفاءتهم، لم يتمكنوا من تحقيق أي تقدم في ظل تلك الظروف.
الحكم في لبنان هو حكم الجميع، لذا المطلوب هو نوايا صافية وصادقة من الجميع لبناء الدولة. الجميع يدعي السعي لبناء الدولة، لكن الواقع يظهر أن كل طرف لديه مشروعه الخاص. نحن نتغنى بالدستور وبقدسية “الطائف”، لكن لا أحد يريد تطبيقه”.
وشدد اللواء ابراهيم على “أن “الطائف” هو الوصفة السحرية للخروج من الأزمة، إذا أحسنا تطبيقه. لكن ما الذي طُبق من الطائف حتى الآن؟ على مدار عقود، لم يلتزم أحد بمضامين وثيقة الوفاق الوطني”.
ولفت ردا على سؤال الى ان اتفاق الطائف لا يزال صالحا ولكن ما طُبق منه أظهر بعض الثغرات التي يمكن معالجتها بالتفاهم”.
وأشار الى أن الحل ” هو الغاء الطائفية السياسية والانتقال الى الدولة المدنية. في غياب الدولة المدنية، لن يكون هناك وطن يحتضن الجميع، وستسعى كل طائفة إلى إنشاء دولتها الخاصة”.
ولفت الى أن “الرئيس يجب أن يكون فوق كل الخلافات وغير منتم لأي تيار أو حزب. عليه أن يكون قادرا على التفاعل مع جميع القوى السياسية بمسافة متساوية. رئيس الجمهورية، رغم تقليص صلاحياته ما زال يمتلك أدوات يستطيع من خلالها فرض إيقاعه وخلق مناخ إيجابي يدفع القوى السياسية نحو تطبيق الدستور و”الطائف”.”.
تمرير الثلاثية الذهبية لن يكون سلسا بسبب ارتدادات الحرب
وسئل بالنسبة للبيان الوزاري، هناك دائمًا خلاف حول الثلاثية الذهبية “جيش، شعب، مقاومة”. فهل يرى أن هذا الخلاف سيؤثر على تشكيل الحكومة؟
أجاب اللواء ابراهيم:” بالتأكيد، هذا الموضوع سيكون له تأثير كبير. تشكيل الحكومة وصياغة بيانها الوزاري لن يكونا سلسين بسبب الانقسام الداخلي. لكنني أثق بعبقرية اللبنانيين وخصوصا في ايجاد المخارج اللغوية المناسبة بالرغم من أن المسار سيكون مليئا بالتحديا. بعد الذي جرى وبالتأكيد بعد هذا الانقسام الحاد في الداخل نتيجة ارتدادات الحرب لن تكون سلسة ابدا”.
واعتبر بأن” أفضل قانون انتخابي هو أن يكون لبنان دائرة انتخابية واحدة مع اعتماد النسبية، فهذا هو السبيل للوصول إلى نور الدولة”. ولم ير الحل بمؤتمر تأسيسي “لأن هذا المؤتمر سينتج عنه تقاسم جديد بين الطوائف وهذا ما أحاول الهروب منه وتوضيحه. نحن بحاجة إلى الخروج إلى رحاب الوطن بدل التقوقع”.
لا للتقسيم او الفيديرالية ومع اللامركزية الادارية بحسب اتفاق الطائف
واشار الى رفضه التام “لتقسيم البلد” لافتا الى ان “هذا الطرح يأخذنا إلى الحرب”. وقال بأن الفيديرالية هي نوع من التقسيم المبطن الى حد ما. وسئل عن رأيه باللامركزية الادارية الموسعة ماليا وتنفيذيا فقال:” أنا مع اللامركزية الإدارية. ينص اتفاق الطائف على اللامركزية الإدارية الموسعة، لكنها إدارية لتخفيف معاناة المواطنين، وليست لخلق مشاكل جديدة. أما اللامركزية المالية، بمعنى أن كل بلدية ما تجبيه تصرفه على نفسها، فهذا أمر مرفوض”. مشيرا الى أن وزارات “المالية والدفاع والخارجية يجب أن تبقى موحدة كعناوين لوحدة لبنان” (…).
علاقات لبنان العربية
ولفت ردا على سؤال عن علاقة لبنان مع الدول العربية الى أن “ترك العرب الساحة اللبنانية ليملأها غيرهم هو مسؤولية تقع على عاتقهم. نحن اليوم أمام واقع صعب بعد الحرب والدمار الذي لحق بالبلاد وقد دعوت من خلال اتصالاتي وعلاقاتي الاخوة العرب الى المساهمة في إعادة إعمار هذا البلد وبذل الجهد اللازم لتحقيق ذلك”. أضاف اللواء ابراهيم:” الشعب اللبناني وفيّ ومعطاء ولا ينسى الجميل. أذكر أنه بعد حرب العام 2006، جاء الاخوة من قطر بمبادرات بنّاءة وحتى اليوم، في الجنوب، ما زال الناس يقولون: “شكراً قطر”، وهناك جيل جديد يردد هذه العبارة دون أن يعرف أصلها. لذلك، أدعو من خلال برنامجك الاخوة العرب الى اطلاق هجمة ايجابية على لبنان، ليس فقط على صعيد اعادة الاعمار والبناء، بل على كل المستويات. الشعب اللبناني، بعيدا من السياسة، لن يبخل عليهم بالعرفان والتقدير وأنا على يقين من ذلك. نحن عرب، ولدنا عرباً وننتمي إلى هذه الأمة العربية. لذا، نحن غير راضين عن هذا التخلي، ولا عن استمرار هذه الفجوة بيننا وبين الإخوة العرب”.