“مصدر دبلوماسي”
كتبت مارلين خليفة:
“لقد أعذر من أنذر”، بهذه العبارة التهديدية اختتم “حزب الله عصر امس الاثنين بيانه التحذيري لاسرائيل بعد أن قصف صاروخين اثنين على منطقة مزارع شبعا الواقعة في جنوب لبنان، والتي تعتبر محتلة من قبل اسرائيل والتي لا تخضع لمندرجات القرار 1701.
منذ أن تمّ وقف اطلاق النار بين لبنان واسرائيل في 27 نوفمبر الفائت وبدء هدنة تمتد الى 60 يوما، لم يتوقف الجيش الاسرائيلي من القيام بخروق خطرة جدا في جنوب لبنان وصلت الى قرابة 55 خرقا بحسب التقديرات الرسمية اللبنانية، وقد قتل خلال فترة الهدنة 4 اشخاص، وتم قتل ضابط في الجيش اللبناني بمسيرة استهدفت سيارته في الناقورة. الى ذلك، يقوم الناطق بإسم الجيش الاسرائيلي أفيخاي أدرعي يوميا بتوجيه الانذارات الى سكان جنوب لبنان العائدين، وهو يمنع وصول الكثير من السكان الى قراهم كما في مارون الراس والخيام فضلا عن فرضه حظرا للتجول من المساء الى الصباح في العديد من القرى الجنوبية.
هذه الخروق الاسرائيلية والرد الذي قام به حزب الله أمس والذي فاجأ دوائر القرار الدولية بفعل أن حزب الله بحسب التقارير قد أنهك عسكريا ولا يمكنه أن يستعيد القدرة على اتخاذ زمام المبادرة، فاجأ كثر وطرح تساؤلات عمّا إذا كانت هذه الهدنة هشة، وعما اذا كان الوضع سينزلق الى حرب جديدة قبل أن تبدأ لجنة المراقبة التي يرأسها الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز وهو المسؤول عن آلية تنفيذ ومراقبة وقف الاعمال العدائية العمل، وقد زار الجنرال بالأمس المسؤولين اللبنانيين وفي مقدمتهم رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ورافقته السفيرة الاميركية في لبنان ليز جونسون.
في هذا السياق، تتقاطع آراء المراقبين سواء دبلوماسيين أو باحثين دوليين او خبراء عسكريين يتابعون الوضع اللبناني عن كثب بأنه رغم وقف إطلاق النار، تظل إسرائيل مصممة على استهداف أي موقع مرتبط بحزب الله في لبنان بهدف منع الحزب من إعادة بناء وحداته وتعزيز ترسانته. وتُعتبر “حرية الحركة” التي كُفلت في اتفاق وقف إطلاق النار ميزة استراتيجية تسعى إسرائيل لاستغلالها بالكامل. ” بالرغم من أن مزيداً من التصعيد يبدو غير محتمل ستواصل إسرائيل تنفيذ ضربات محددة بناء على المعلومات الاستخبارية على غرار نهجها في سوريا. وتسعى جميع الأطراف إلى تجنب العودة إلى صراع واسع النطاق” بحسب ما يقول باحث أكاديمي خير بشؤون الشرق الاوسط رفض الافصاح عن اسمه.
ويضيف الخبير المذكور:” يدرك حزب الله دوافع إسرائيل لقبول وقف إطلاق النار، ويتوقع رغبتها في مواصلة الضربات داخل لبنان، ويُفسر هذا ردّ الحزب الحذر في البداية وتجنبه الرد المباشر. إلا أنه للحفاظ على مصداقيته وردع مزيد من الهجمات الإسرائيلية، أطلق حزب الله أمس وابلًا رمزيًا من الصواريخ. ومع ذلك، تبقى أولوية الحزب إعادة بناء قدراته وهو غير مستعد للمجازفة بذلك من خلال الاستجابة للاستفزازات التي قد تكشف بنيته التحتية المخفية”.
لكن هذا الأمر لا يحبذه الجيش الاسرائيلي الذي يرى أنه من الضروري الاستمرار في العمليات العسكرية حتى يفقد حزب الله قدرته على إطلاق الصواريخ نحو شمال إسرائيل. “سعى كل من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والجيش إلى تعويض إخفاقات السابع من أكتوبر من خلال تحقيق نصر حاسم في الشمال. وفي الوقت ذاته، واجهت إسرائيل ضغوطاً متزايدة من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لإنهاء العملية العسكرية. لذلك، قبل كل من الجيش ونتنياهو وقف إطلاق النار على مضض”.
يفرض اتفاق وقف إطلاق النار الحالي قيودًا أكبر على حزب الله مقارنةً بإسرائيل ما يؤثر على قدراته العملياتية. ورغم أن هذه القيود تمثل تحدياً، إلا أن الحزب قادر على تجاوزها إذا لزم الأمر. “وتتمثل الأسباب الرئيسية وراء ضبط النفس الذي يمارسه حزب الله في حرصه على عدم إعطاء إسرائيل مبرراً للتراجع عن الاتفاق، إضافة إلى تركيزه على إعادة بناء قدراته وتجنب كشف أصوله”.
من المنظور الإسرائيلي، “فإن اتفاق وقف إطلاق النار كان شراً لا بد منه تم قبوله على مضض أرادت المؤسسة العسكرية مواصلة الضربات ضد حزب الله لكنها واجهت قيوداً بسبب الإرهاق الذي أصاب الوحدات والموارد المحدودة، وبحسب التقييمات العسكرية، فإن الفترة من منتصف سبتمبر إلى منتصف أكتوبر، التي تخللتها “عملية البايجر” واغتيال قيادات من حزب الله اعتُبرت “نقطة ذروة استراتيجية”. وتُعد هذه الفترة عادةً فرصة لأي جيش لترسيخ المكاسب عبر المسار الدبلوماسي”.
تجدر الاشارة الى أن حرب الـ60 يوما التي قادتها اسرائيل ضد حزب الله أوصلت الى اتفاق وقف لاطلاق النار يجمع المحللون أنه ليس في صالح حزب الله، سواء لجهة وضع آلية دولية باشراف أميركي للتأكد من انسحاب الحزب من منطقة جنوبي الليطاني، أو لمراقبة الحدود مع سوريا لمنع تجديد تسليحه، أو لناحية حرية الحركة لاسرائيل والتي تمّ تخفيف وطأتها بعبارة “حق الدفاع عن النفس للطرفين”. وهذه الشروط المقيدة لحركة حزب الله لم تكن موجودة قبل أشهر عدة لو قبل العروض الدولية بوقف اطلاق النار وفصل جبهة لبنان عن غزّة، وهو ما اضطر حزب الله الى تطبيقه في الاتفاق الاخير.
سياسة ضبط النفس والاحتواء لن تعود لدى اسرائيل
في هذا السياق، قال رئيس المجلس النيابي نبيه بري أمس تعليقا على مسألة الخروق في وقف اطلاق النار:
“خلافاً لكل ما يروج له في وسائل الإعلام بان ما تقوم به إسرائيل منذ بدء سريان وقف إطلاق النار وكأنه من ضمن بنود الإتفاق فإن ما تقوم به قوات الإحتلال الإسرائيلي من أعمال عدوانية لجهة تجريف المنازل في القرى اللبنانية الحدودية مع فلسطين المحتلة يضاف اليها إستمرار الطلعات الجوية وتنفيذ غارات إستهدفت أكثر من مرة عمق المناطق اللبنانية وسقط خلالها شهداء وجرحى وآخرها ما حصل اليوم في حوش السيد علي في الهرمل وجديدة مرجعيون ، كل هذه الاعمال تمثل خرقاً فاضحاً لبنود إتفاق وقف إطلاق النار الذي تم اعلانه في تمام الساعه 4:00 فجراً بتاريخ 27 تشرين الثاني عام 2024 وأعلن لبنان إلتزامه به “.
إلا أن الصحافة الاسرائيلية كشفت بدورها عن بنود سرية في هذا الاتفاق لم يتم الاعلان عنها، وكتب أرئيل كنانا:” علمت “يسرائيل هيوم” ان الشق الأمني من الاتفاق يحدد ثلاث حالات للتهديدات الأمنية: تهديد فوري ومحدد زمنيا في جميع أنحاء لبنان؛ تهديد من أي نوع في جنوب لبنان؛ وتهديد ليس فورياً ولا محدد الزمن شمال الليطاني.
*التهديد المحدد بوقت في جميع أنحاء لبنان
يحق لاسرائيل أن تتحرك فوراً في جميع أنحاء لبنان وسوف تدعم الولايات المتحدة هذا الإجراء، ويشير هذا البند إلى الحالات التي قد تتعطل فيها القدرة على تعقب الهدف على سبيل المثال، شاحنة تقوم بتهريب شحنات الصواريخ قد تفلت من التتبع، إذا لم يتم التعامل معها على الفور.
في مثل هذه الحالة، كما ذكرنا، قد يقوم الجيش الإسرائيلي القضاء على هذا الهدف فورًا ودون إبلاغ الآلية الدولية.
*تهديد من أي نوع في جنوب لبنان
في المنطقة الواقعة بين الحدود الإسرائيلية ونهر الليطاني، وكذلك في المنطقة شمال الليطاني كما هو مرسوم على الخريطة التي نشرتها الحكومة اللبنانية وفي منطقة حاصبيا يمكن للدولة الاسرائيلية أن تتحرك دون إشعار مسبق ودون سابق إنذار. وقد حدثت بالفعل حالات من هذا النوع منذ بدء وقف إطلاق النار. عادة ما يكون العمل الإسرائيلي في هذه الحالات من الجو، ولكن وفقا للوثيقة، سيكون العمل البري ممكنا أيضا.
* التهديد غير الفوري وغير المحدود بزمن شمال الليطاني
ستقوم اسرائيل بإبلاغ القائد نيابة عن القيادة المركزية التي من المفترض أن تقوم بتدريب الجيش اللبناني والإشراف على عملياته. وسيقوم الممثل الأميركي بإحالة الطلب إلى الجيش اللبناني. ومع ذلك، إذا لم يفعل الجيش اللبناني ما هو متوقع، فقد تتصرف دولة الكيان من تلقاء نفسها خلال فترة زمنية قصيرة وتبلغ الولايات المتحدة “إذا أمكن”، وفقًا للغة الوثيقة.