مقالات مختارة
صحيفة “لوريان لو جور”
سليمة مردم بك
ترجمة موقع “مصدر دبلوماسي”
التقت أعلى سلطة دينية شيعية في العراق يوم الاثنين بممثل الأمم المتحدة في البلاد.
“منع التدخل الأجنبي بجميع أشكاله”، “احترام سيادة القانون”، “ضمان احتكار الدولة للأسلحة”، و”مكافحة الفساد”. خلال اجتماع عُقد يوم الاثنين بين آية الله علي السيستاني، أعلى مرجعية دينية شيعية في العراق، ومحمد الحسني، ممثل الأمم المتحدة في العراق الذي تم تعيينه في يوليو الماضي، شدد السيستاني على عدة نقاط أساسية في نظره لحماية مستقبل العراق وتحسينه، مشيراً إلى أن “العراقيين أمامهم طريق طويل لتحقيق ذلك”.
تأتي هذه الزيارة بعد أشهر من قرار مجلس الأمن الدولي بالإجماع، في 31 مايو وبناءً على طلب بغداد، بأن تغادر بعثة الأمم المتحدة البلاد بنهاية عام 2025 بعد أكثر من عقدين من التواجد على الأراضي العراقية. كما تتزامن هذه الزيارة مع سياق إقليمي شديد التوتر، يتسم بالحروب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة من جهة ولبنان من جهة أخرى، وتأثيرات هذه الصراعات المحتملة على الساحة العراقية، حيث يتصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة منذ سنوات، وخصوصا عبر الشبكات الواسعة للميليشيات المدعومة من الجمهورية الإسلامية في العراق.
يعلق مصعب العلوسي، الباحث في معهد “نيو لاينز”، قائلاً: “غالباً ما يمكن تفسير تصريحات آية الله السيستاني بطرق متعددة، ونقص الوضوح يؤدي إلى عدم التحرك. لقد أعرب عن اعتراضه على التدخل الأجنبي، ولكن لا يُعرف بالضبط عن أي طرف يتحدث، ناهيك عن الإجراءات التي ينبغي على الحكومة اتخاذها لمنع مثل هذا التدخل”. ويشير العلوسي إلى أن الجهة المستهدفة بتصريحات السيستاني هي على الأرجح طهران، إذ يعبر السيستاني عن رفضه “استخدام العراق كمنصة لإطلاق هجمات انتقامية ضد إسرائيل”. فالعراق يجد نفسه اليوم في وضع حساس للغاية؛ إذ يسعى جاهداً لتجنب التورط في صراع إقليمي قد يكلفه ثمناً باهظاً، وخصوصا في ظل تزايد الهجمات التي تشنها جماعات مسلحة قريبة من إيران ضد إسرائيل من الأراضي العراقية في الأشهر الأخيرة.
من نهاية سبتمبر وحتى منتصف أكتوبر، استهدفت دفعات من الطائرات المسيرة والصواريخ دولة الاحتلال الإسرائيلي، كجزء من عمليات انتقامية تهدف، من بين أهداف أخرى، للثأر لمقتل زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله في 27 سبتمبر.
ووفقاً لمعلومات نقلها موقع “أكسيوس” الأمريكي يوم الخميس، فإن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أشارت إلى أن طهران قد تكون تخطط لهجوم على إسرائيل انطلاقاً من العراق في الأيام القادمة، ربما بالقرب من 5 نوفمبر، وهو موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
هذا الرد هو على الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق الذي وقع في 26 أكتوبر واستهدف أكثر من عشرين موقعاً عسكرياً في إيران، بالإضافة إلى العراق وسوريا.
منذ 7 أكتوبر 2023، أدت الحرب التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، إلى جانب استراتيجية “وحدة الجبهات” التي تطلقها الجمهورية الإسلامية في المنطقة، إلى شهور من الهجمات المتبادلة بين الجماعات المسلحة الموالية لإيران من جهة والقوات الأمريكية المتمركزة في العراق من جهة أخرى.
وقد شهدت هذه السلسلة من الأحداث فترة من الهدوء النسبي بعد تدخل الجمهورية الإسلامية، عبر رئيس وحدة القدس ضمن الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، الذي تدخل لدى حلفائه في فبراير لتجنب تصعيد غير منضبط للتوترات الإقليمية.
لكن منذ الصيف، يواجه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني صعوبة في كبح جماح الميليشيات التي تزعم بعض منها أنها تعمل وفق حساباتها الخاصة.
وفي ظل هذه الظروف، توجهت بغداد، وفقاً لرويترز، إلى واشنطن مناشدة إياها بإقناع إسرائيل بالامتناع عن الرد، بما في ذلك الهجوم الذي وقع في 4 أكتوبر على الجولان المحتل والذي أسفر عن مقتل جنديين إسرائيليين وإصابة 20 آخرين.
التعاقب
تبدو تصريحات آية الله علي السيستاني “تأتي في الوقت المناسب”، لا سيما وأنه الشخصية الأكثر احتراماً وشعبية في البلاد وواحد من الضمانات لوحدة العراق.
في عام 2014، وبعد ثلاثة أيام من سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) على الموصل، أصدر فتوى دعا فيها العراقيين، بغض النظر عن دياناتهم، إلى التطوع لحماية وطنهم.
مدافع عن قومية عراقية تتجاوز الانتماءات الطائفية، وداعم لدولة مدنية وإسلام هادئ، تميز علي السيستاني أيضًا بدعمه للحركة الشعبية التي اجتاحت شوارع البلاد في خريف 2019، في إطار الموجة الثانية من الربيع العربي.
ورغم أنه لا ينتقد النظام الإيراني علنًا أبدًا ولا يتدخل في الشؤون الداخلية للجمهورية الإسلامية التي يحمل جنسيتها، إلا أنه يدعو إلى نموذج للعراق مختلف بوضوح عن نظام “ولاية الفقيه” رغم معارضته لإسرائيل. وبعد اغتيال حسن نصر الله على يد دولة الاحتلال الإسرائيلي، أشاد بذكرى “قائد فريد خلال العقود الماضية” الذي لعب دورًا محوريًا “في تحرير الأراضي اللبنانية”، وأظهر دعمه لصراع العراق ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” و”اتخاذه مواقف بارزة في دعم الشعب الفلسطيني المضطهد”.
وأثناء لقائه يوم الاثنين مع محمد الحسني، أعرب السيستاني عن أسفه إزاء “عجز المجتمع الدولي عن فرض حلول فعالة” لحماية المدنيين في غزة ولبنان من “العدوان الوحشي الذي تمارسه الكيان الإسرائيلي”.
يعلق مصعب العلوسي قائلاً: “كثير من الحكومات والمنظمات الدولية تفضل معرفة موقف السيستاني من القضايا الحساسة، ولكن هذا لا يعني بالضرورة تأثيرًا كبيرًا.” ويضيف: “من المهم التذكير بأن تأثيره غير المباشر على السياسة العراقية قد تراجع بشكل ملحوظ، فقد انسحب من المشهد ولم يعد يلتقي حتى بالسياسيين العراقيين. اليوم، أصبحت تصريحات السيستاني رمزية أكثر مما نتخيل.”
وفي عمره البالغ 94 عامًا، يبدو أن رحيله مراقب عن كثب من قبل إيران، التي ترغب في أن تجري عملية خلافته لصالحها لتمكينها من توسيع نفوذها في النجف – المدينة المقدسة في العراق – بعد وفاة الشخصية الرئيسية في هذا المجال.
وكتب المحلل السياسي العراقي سجاد جياج في مقال نشر في يوليو على موقع مجلة “نيو لاينز” أن “خامنئي يمتلك مكتبًا في النجف منذ عام 2004، وممثله الحالي في العراق، مجتبى الحسيني، أشرف على حملة تهدف إلى استقطاب المزيد من الطلاب في المدارس المتوافقة مع إيران، مع تقديم منح مالية للطلاب تفوق بكثير تلك التي يوفرها الحوزة في النجف.”
L’Orient Le jour- 5\11\2024
En Irak, Ali Sistani critique les interferences etrangeres