مارلين خليفة
في 23 أيار مايو من العام 2000، بعد الساعة الحادية عشرة ليلًا بقليل، انسحبت القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان. في صباح 24 أيار عند الساعة الثامنة من ذلك العام دخل رجال حزب الله القرى التي أخلتها إسرائيل. منذ مساء الأمس، 30 أيلول 2024 اعلن الجيش الإسرائيلي الدخول إلى هذه القرى ذاتها، مثل الخيام – التي اشتهرت قبل ثلاثين عامًا بسجنها حيث كانت إسرائيل تحتجز الأسرى والذي حوّله حزب الله الى متحف للسياح لعرض المغانم الحربية من اسرائيل، ومرجعيون، المقر السابق لجيش لبنان الجنوبي [كان منشقا عن الجيش اللبناني وإئتمر بالجيش الاسرائيلي] وحولا، والعديسة… قرى على الحدود المتاخمة للجليل، في هذه الوديان، تشن إسرائيل منذ الليل الفائت “عمليات محدودة” ضد حزب الله.
وقد أبلغ الجيش الإسرائيلي قوات “اليونيفيل” يوم أمس الاثنين عن نيته القيام بعمليات توغل برية محدودة داخل لبنان بحسب بيان رسمي صادر عن هذه القوات يوم الثلثاء في الاول من تشرين الاول\اكتوبر الجاري.
في السياق عينه كان لافتا تأكيد مسؤول العلاقات الاعلامية في “حزب الله” الحاج محمد عفيف الثلثاء لقناة الجزيرة ان “كل الادعاءات الصهيونية بأن قوات الاحتلال دخلت إلى لبنان هي ادعاءات كاذبة، ولم يحدث أي اشتباك برّي مباشر بعد بين مجاهدي المقاومة وقوات الاحتلال”.
واضاف:”مجاهدو المقاومة مستعدون للمواجهة المباشرة مع قوات العدو التي تتجرأ أو تحاول دخول الاراضي اللبنانية وإلحاق أكبر الخسائر فيها.”
ماذا عن اجتياح العام 2000؟
طالما افتخر حزب الله وأمينه العام الذي اغتالته اسرائيل يوم الجمعة في 27 أيلوال الفائت في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت بـ”إنجاز التحرير” وأعلنت الحكومة اللبنانية هذا اليوم أي 25 أيار من كل عام يوما وطنيا وعيدا رسميا تقفل فيه كل المؤسسات الرسمية للدولة اللبنانية.
انسحب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان في أيار 2000 بعد احتلال دام قرابة 18 عاما متواصلاً. وعاد الجيش الإسرائيلي إلى نشر قواته من جديد على طول الحدود الدولية بين إسرائيل ولبنان، وبقيت ثغرات كثيرة منها الخروق البرية والبحرية والجوية للجيش الاسرائيلي ما أدى الى حرب 2006.
وكان الجيش الإسرائيلي قد اجتاح لبنان في العام 1982 ووصلت قواته إلى بيروت وانتخب اثناء وجوده بشير الجميل رئيسا للجمهورية ثم تم ثتله بعد 17 يوما على انتخابه، ونفذت سلسلة من المجازر ضد الفلسطينيين، من أبرزها مجزرة صبرا وشاتيلا. ولما انسحب هذا الجيش من جنوبي صور في العام 1985 أقام له جيشا مواليا يقوم بمهام عسكرية في “الحزام الأمني” الذي حددته إسرائيل لحماية مستوطناتها في شمالي إسرائيل. وعُرف هذا الجيش بـ “جيش لبنان الجنوبي“. وعُين قائدا عاما له هو سعد حداد، ولما توفي عُين مكانه الرائد أنطوان لحد.
وسيطر الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي على مواقع عديدة و تحصينات في جنوب لبنان، يُشرف عدد منها على المدن المركزية في المنطقة الواقعة إلى الجنوب من العاصمة اللبنانية بيروت.
وكان الهدف الإسرائيلي من طيلة المدة التي قضاها جيشها في الجنوب اللبناني محاربة حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية بذريعة مواصلة اعتداءات هذه الحركات على مستوطنات إسرائيل في الشمال..
وكانت المواجهة الأساسية والرئيسية بين الجيش الإسرائيلي والموالين له وبين منظمة حزب الله التي لعبت دورا مركزيا في تسديد ضربات موجعة للجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي. ولم يتمكن الجيش الإسرائيلي من إلحاق هزيمة بحزب الله بالرغم من التطور التكنولوجي الذي تمتلكه في أسلحتها وعتادها الحربي.
وخلال المدة الزمنية التي أمضاها الجيش الإسرائيلي محتلاً جنوبي لبنان قام بتنفيذ عمليتين عسكريتين كبيرتين ضد منظمة حزب الله، حملتا اسمين: العملية الأولى “محاكمة ومحاسبة” والثانية “عناقيد الغضب”.
وتكلف الطرفان الإسرائيلي واللبناني خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، إذ بلغت خسائر إسرائيل المادية حوالي 400 مليون شاقل للسنة الواحدة وفق تقديرات العام المالي 1999/2000. أما الخسائر اللبنانية فوصلت إلى أضعفا مضاعفة لتلك التي لحق بإسرائيل.
وساد الإجماع الإسرائيلي المؤيد للسيطرة العسكرية في لبنان في سنوات الثمانينات، أي في العقد الأول للاحتلال الإسرائيلي للبنان، ولكنه في التسعينات، أي في العقد الثاني، وقع التراجع والانشقاق في الصف الداخلي لإسرائيل. وانتشرت آراء داعية إلى الخروج من لبنان. وإحدى الحركات التي لعبت دورا جماهيريا وإعلاميا كبيرا في هذا السياق كانت “حركة الأمهات الأربع“(نسبة إلى أربع أمهات لجنود إسرائيليين دعين إلى الانسحاب حالا من لبنان).
ووعد إيهود باراك زعيم حزب العمل أثناء دعايته الانتخابية لرئاسة الحكومة في العام 1999 إلى أنه سيسحب الجيش الإسرائيلي حالا بعد فوزه بالانتخابات ويوفر قتلى وخسائر على المجتمع الإسرائيلي.
عود على بدء نتنياهو يريد الامن والأمان لشمال اسرائيل
بعد 24 عاما، يقود رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتياهو اجتياحا جديدا للبنان، بهدف إعادة 67500 اسرائيليا الى بيوتهم على الحدود مع لبنان، وقد أخلوها بسبب الحرب التي افتتحها حزب الله في 8 اكتوبر الماضي، بعد يوم واحد من قيام حركة حماس بمهاجمة المستوطنات الاسرائيلية في غلاف غزّة، بعملية أسميت “طوفان الأقصى” وقتلت فيها 1200 اسرائيليا جلّهم من المدنيين واختطفت قرابة الـ300 مواطنا اسرائيليا. قام السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله بهذا الأمر، وخسر الكثير، أكثر من 800 من مقاتليه طيلة 11 شهرا. أرسلت الدول الكبرى الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي وايطاليا الموفدين تلو الموفدين، منهم وزراء خارجية ومنه دبلوماسيين خدموا سابقا في لبنان، ومن أمنيين ليحذروا لبنان وحكومته من مغبّ’ الاستمرار في هذه الحرب، ولكن من دون جدوى.
الآن، ووسط الاجتياح الاسرائيلي الجديد، والمفتوح على كلّ الاحتمالات، يزور وزير خارجية فرنسا المعين حديثا جان نويل بارو لبنان، [غادر لبنان أمس عصرا]، موفدا من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو وزير الخارجية الأجنبي الوحيد الذي زار لبنان بعد بدء الحملة العسكرية الاسرائيلية ووصولها الى قلب العاصمة بيروت، أتى بارو محمّلا بالمساعدات من أدوية وأموال (10 ملايين يورو) لمساعدة لبنان،وسك امتناع أي من الدول العربية على مساعدة لبنان على عكس حرب تموز، لأن جميع هذه الدول تقف ضد حزب الله. وزير الخارجية الفرنسي، لم يكن متسامحا البتة تجاه حزب الله، حتى أنه لم يذكر اسرائيل، ولمّأ سألته صحافية من جريدة لوريان لو جور أمس، إبان مؤتمره الصحايف قصر الصنوبر، عن سبب عدم ذكر وزيارة الخارجية بأن المواطنين الفرنسيين الاثنين اللذين قضيا بالقصف، قضيا بسبب اسرائيل؟ تمنّع عن الجواب. فقام مراسل صحيفة لو فيغارو جورج مالبرونو، وعقّب على سؤال الصحافية قائلا له: من قتل الفرنسيين يا معالي الوزير؟ هل سقطت عليهم القذائف والصواريخ من كوكب المرّيخ؟ إلا ان بارو نظر الى مالبرونو وأشاح بوجهه متجاهلا تعليقه.
هدفت زيارة بارو الى التضامن اولا مع لبنان، كما قال لـ آي أحد اعضاء الوفد الدبلوماسي الفرنسي، والى اقول بأن الورقة الفرنسةي الاميركية التي أقرت في نيويورك الاسبوع الماضي لا تزال حيّة.
تمت الموافقة على هذه المبادرة من قبل الاتحاد الأوروبي، ألمانيا، إيطاليا، المملكة المتحدة، أستراليا، كندا، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، وقطر. “لا تزال هذه المبادرة مطروحة على الطاولة. وأدعو حزب الله إلى أن يقوم بالمثل، وأن يمتنع عن أي إجراء يمكن أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي. أود أن أذكركم بأن الوضع الحالي هو في الغالب نتيجة لقرار هذا الحزب الدخول في الصراع في وقت مبكر من 8 أكتوبر 2023، مما قاد لبنان إلى هذا الموقف الذي كنا دائمًا نأسف عليه” ، قال بارو.
وقال بارو:” إنمعالم التسوية الدبلوماسية المستدامة معروفة منذ فترة طويلة. الأمر يتعلق أخيرًا بتفعيل قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701. وهذا يعني وقف الأعمال العدائية من كلا الجانبين على الحدود، ونشرًا واسعًا للقوات المسلحة اللبنانية جنوب نهر الليطاني، وانسحاب الفاعلين المسلحين من غير الدول من قرب الحدود المباشرة، وتعزيز قدرات قوات اليونيفيل على تنفيذ مهامها دون تدخل، وتنظيم الخلافات على الحدود البرية”.
وسئل إن كان يعتقد بأن هدف الحكومة الإسرائيلية هو إعادة احتلال جنوب لبنان فأجاب وزير الخارجية الفرنسي:”إسرائيل لا تفكر في إعادة احتلال لبنان أو البقاء فيه. لقد قررت إسرائيل التحرك لتأمين أمنها، نظرًا لوجود هذه القوات الخطرة ووجود قوة كبيرة من حزب الله على حدودها. وكل يوم تُثار أحاديث عن أنهم سيدخلون المستوطنات وإسرائيل. وبالتالي، من المنطقي أن يكون هذا نهاية هذا الخطر. وقد أثبت الجنود الإسرائيليون ذلك”.
إيران
في لبنان، يسود الوجوم لدةى اللبنانيين، لقد حلّث الكارثة وعاد “الاحتلال الاسرائيلي”، والضاحية الجنوبية تدمرت كذلك الجنوب والبقاع، واسرائيل لا تتوانى عن ضرب بيروت العاصمة، وقبل يومين قتلت شخصيتين فلسطينيتين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قرب “جسر الكولا” على مقربة أمتار من قصر الصنوبر، مقر الدبلوماسية الفرنسية العريق. تتجول في شوارع لبنان الأنيقة، في وسط بيروت وفي منطقة الروشة السياحية وقرب الجامعة الأميركية في في بيروت في شارع بلس الأنيق، فترى أن ابناء الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية يفترشون هذه الأحياء الأنيقة، ويجلسون على الأرض على فرش بسيطة، وينامون الكثير منهم في سياراتهم أو على الأرض. أكثر من مليون نازح تركوت قراهم وبلداتهم في مشهد مشابه تماما لماذ حصل في حرب العام 2006.
في لبنان، كان حزب الله هو خطر الدفاع الأول ضد اسرائيل، وقد نجح في انشاء قوة للردع المتبادل،واتفق الطرفان على قواعد اشتباك رعتها قوات اليونيفيل منذ العام 2006 تحت مسمى القرار 1701 الذي ضرب فيه الطرفان عرض الحائط منذ اندلاع الحرب قبل عام. أما ايران، التي لم يعد الكثر من اللبنانيين ومن أنصار حزب الله يترددون بانتقادها لـأنها اوصلت لبنان وحزب الله اليذ صنعته في العام 1982 الى الحضيض فأعلنت أكثر من مرة انها لا ترغب بالحرب الواسعة والشاملة. يقول أحد المحللين اايرانيين:”إن ايران بحسب ما تقوله لم تترك حزب الله وهي ستستمر بمساندته، ولكن ايران تخاف بشان الرد الاسرائيلي عليها اذا اندلعت الحرب الشاملة معها”. يضيف:”طوال السنوات الاخيرة كانت ايران تساند قوى المقاومة لكي لاتتدخل في الحرب بشكل مباشر، الان ايران متحفظة تماما”.
وهل يعود هذا التحفظ الايراني الى التغيير في رئاسة الجمهورية الايرانية مع انتخاب رئيس أكثر ميلا الى الاصلاحيين؟ يقول المحلل المذكور الذي رفض ذكر اسمه:”التغيير في المنصب الرئاسي مهم ولكن انا برأيي هذا الموقف ليس متعلقا بالحكومات، هذا القرار بيد القائد [خامنئي] و لحرس [الثوري]”.
ماذا عن حزب الله والقرار 1701؟
ولكن ما اذلي سيحدث بعد الاجتياح الذي تصفه اسرائيل بأنه محدود، من دون إمكانية ـأكيد ذلك؟ هل صحيح بأن الحزب لا يزال يحتفظ بقدراته العسكرية كما قال نائب نصر الله أمس الشيخ نعيم قاسم في أول ظهور متلفز لمسؤول رفيع في حزب الله بعد اغتيال نصر الله؟ يقول الدكتور كريم إميل بيطار أستاذ العلاقات الدولية حاليا في جامعة القديس يوسف وعميد سابق للجامعة:”ما يمكن قوله في الوقت الراهن هو أن هناك العديد من علامات الاستفهام حول حزب الله بعد حسن نصر الله. سيكون من الصعب للغاية استبدال قائد يتمتع بهذه الكاريزما، والذي يقود الحزب منذ عام 1992. لقد تم قطع رأس القيادة في حزب الله. العديد من مساعدي نصر الله قُتلوا على يد إسرائيل الواحد تلو الآخر. ”
يضيف بيطار:” سيكون تحديًا كبيرًا العثور على شخصية قادرة على ملء فراغه، شخصية تستطيع التواصل مع الجماهير وتحافظ في الوقت ذاته على علاقة قوية مع الحلفاء الإقليميين، وخاصة الإيرانيين. الحرب التي نعيشها الآن هي بالفعل حرب عالمية، حرب شاملة. الأضرار التي تسببت بها هذه الحرب تتجاوز ما رأيناه في الماضي”.
وماذا عن القول بأن الغزو الاسرائيلي سيقلب الطاولة ويعيد البحث بقرار مختلف عن القرار 1701 واعطاء قوات اليونيفيل الغلبة في جنوب لبنان فتكون تحت الفصل السابع ويكون الجيش اللبناني بإمرتها؟ يقول الدكتور بيطار:”بالنسبة للقرار 1701، لست متأكدًا، نظرًا لحالة الشلل التي يعاني منها مجلس الأمن الدولي والاستقطاب الشديد بين القوى العظمى، لست متأكدا من أن مجلس الامن الدولي سيكون قادرًا على تعديل القرار أو تبني قرار جديد. كما أنه لن يكون من السهل إطلاقًا إصدار قرار بموجب الفصل السابع. يتم ذلك فقط في حالات استثنائية ونادرة جدًا. “.