مصدر دبلوماسي”
حوار مارلين خليفة:
كان الأسبوع الماضي الأصعب والاخطر على حزب الله منذ بداية حرب الاسناد لغزّة والتي افتتحها مكن جنوب لبنان في الثامن من أكتوبر 2023 أي بعد يوم من قيام حركة حماس بعملية طوفان الاقصى على غلاف غزّة. إذ وقعت سلسلة انفجارات لأجهزة البايجر والاجهزة اللاسلكية التي تحملها قيادات متوسطة في الحزب ومدنيين وذلك يومي الثلاثاء في 17 أيلول والأربعاء في 18 منه من ضمن عمليات إسرائيلية بقيت في “المنطقة الرمادية” أي تلك العمليات السرية التي لا يتم تنبيها علانية.
ما لبث حزب الله أن استأنف عملياته على الحدود الجنوبية، وأعلن مسؤوليته عن نحو 17 هجومًا. وفي ليل الخميس تم إطلاق قصف كثيف على منطقة المطلة، حيث دُمّرت منازل وتضررت بنى تحتية كهربائية.
وأعلن حزب الله منذ صباح الخميس مسؤوليته عن عدة هجمات. ووفقًا للأرقام، تم إطلاق ما لا يقل عن 200 صاروخ من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل، من بينها هجومين مهمين: أحدهما استهدف قاعدة ميشمار العسكرية، وهي قاعدة استخباراتية شمال بحيرة طبريا، والآخر استهدف قاعدة عسكرية في مئيروت.
لكن ما حصل يوم الجمعة في 20 أيلول كان عملية اسرائيلية موصوفة عبر اغتيال قيادة قوة الرضوان النخبوية عبر قصف المبنى الذي تجتمع فيه، ودمرت الصواريخ الاسرائيلية مبنيين في شارع القائم في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت ما أدى الى مقتل 57 شخصا لغاية اليوم وقرابة الـ90 جريحا واكثر من 15 مفقودا.
لكن الاخطر أن اسرائيل نجحت في استهداف 15 قياديا في قوة الرضوان المتحفزة دوما على العبور الى الجليل هم :القائد الجهادي ابراهيم عقيل (الحاج عبد القادر) والقائد الجهادي احمد وهبي (الحاج ابو حسين سمير) والقائد الجهادي حسن يوسف عبد الساتر (الحاج باقر)، بالاضافة الى 12 قياديا جلهم من وحدة الرضوان هم: محمد العطار، احمد ديب، حسين حدرج، مهدي جمول، عبد الله حجازي، عارف الرز، محمود حمد، سامر حلاوي، حسن ماضي، محمد رضا، حسن حسين،وعباس مسلماني.
وكان ذلك ردًا على ما قاله أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الذي أعقب الهجمات السيبيرانية حيث أشار إلى أنه سيواصل الربط بين الجبهة اللبنانية والجبهة في غزة مهما كانت الظروف. كما سيستمر في منع عودة سكان الشمال إلى منازلهم الى حين التوصل إلى وقف إطلاق نار في غزة وانتهاء هذه الحرب.
يوم الاحد، في 22 ايلول استعاد حزب الله زمام المبادرة وقصف مطار وقاعدة رامات ديفيد ومجموعة من المصانع التكنولجية لشركة رافائيل للصناعات التكنولوجية على عمق 45 كلم في الداخل الاسرائيلي عبر صواريخ فادي واحد وفادي اثنان، ونقلت وسائل الاعلام الدمار الذي حل في مستوطنات وهروف ما لا يقل عن 500 الف مستوطن.
خلال حرب غزة وجبهة اسنادها المستمرة منذ 11 شهرا، قُتل على الأقل اثنان من أعضاء المجلس الجهادي التابع لحزب الله، وهو دائرة ضيقة جدًا داخل التنظيم، وهما قادة تاريخيون. الأول فؤاد شكر في نهاية يوليو، والآن إبراهيم عقيل.
والسؤال الذي يطرح نفسه: من بقي من قادة حزب الله وهل صار حزب الله جسما عسكريا بلا رأس كما سارع اعداء الحزب وخصومه الى الاستنتاج؟
في ما يأتي مقابلة لموقع “مصدر دبلوماسي” مع الدكتور إيلي الهندي، الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية في الامارات العربية المتحدة الذي يضيء على هذا الواقع المستجد.
*هل يمكن القول إن حزب الله انتهى عسكريًا وأصبح جسدًا بلا رأس بعد مقتل 15 قائدًا من وحدة الرضوان الجمعة، بالإضافة إلى قائد العمليات العسكرية فؤاد شكر في تموز الماضي وإصابة قرابة الـ 3,000 من مسؤوليه في الهجمات الإلكترونية؟ إلى جانب 700 قُتلوا في معارك الجبهة الخلفية في جنوب لبنان؟
-هذا افتراض قوي. لا أعتقد أن حزب الله قد فقد جميع قدراته العسكرية. بلا شك، لقد تلقى ضربة خطيرة جدًا في الأسبوع الماضي، وأيضًا خلال الـ 11 شهرًا الماضية من المواجهات. لكنني أعتقد أن حزب الله ما زال يملك الكثير من القدرات، سواء على صعيد الموارد البشرية أو الجنود، وكذلك من حيث المعدات والصواريخ والطائرات بدون طيار وأنواع مختلفة من الأسلحة التي يملكها في ترسانته. إذًا، نعم، هو أضعف بالتأكيد، وقد تعرض لإضعاف كبير بسبب جميع الهجمات، وأُحرج بشكل كبير سياسيًا وعسكريًا. ومع ذلك، من غير المعقول القول إن حزب الله انتهى عسكريًا أو أنه غير قادر على العمل عسكريًا بعد الآن.
*هل لا يزال حزب الله قادرًا على شن حرب والرد على إسرائيل؟ ما هي نقاط قوته المتبقية؟
-بناءً على ذلك، نعم، بالتأكيد يمكننا القول إن حزب الله لا يزال فاعلًا قويًا. ما زال حزب الله يملك قدرات عسكرية كبيرة. التقديرات التي نسمعها دائمًا تتحدث عن حوالي 60,000 عضو نشط، وفي حالة الطوارئ قد تصل الأعداد إلى 100,000. قد تكون هذه الأرقام مبالغًا فيها، لكنها بالتأكيد ليست بعيدة عن الحقيقة، ويمكننا القول إنه حتى لو فقد حزب الله 10,000 جندي، فإنه ما زال يملك أعدادًا كبيرة من الجنود والقادة على المستوى المتوسط، وما زالت قيادته العليا موجودة.
لكن حزب الله أيضًا يملك أصولًا أخرى قوية يمكنه استخدامها. أولاً، حقيقة أنه يقاتل على أرضه، وأن أي غزو بري إسرائيلي محتمل سيكون صعبًا جدًا على إسرائيل وتكلفته ستكون كبيرة بسبب جميع التحضيرات التي قام بها حزب الله على الأرض كمدافع، وهي دائمًا وضعية أقوى. بالإضافة إلى ذلك، وجود صواريخه والطائرات بدون طيار والأسلحة في جميع أنحاء الأراضي اللبنانية يجعل أي غزو بري يبدأ من نقطة معينة ويواجه الكثير من المقاومة والهجمات. ثانيًا، حزب الله أيضًا موجود في سوريا، إلى جانب عدد كبير من الدعم المحتمل من الميليشيات العراقية والسورية وحتى اليمنية التي يمكن أن تنضم إلى المعركة عبر سوريا وتأخذ الهجوم نحو إسرائيل. وأخيرًا، وهو احتمال ضعيف جدًا حتى الآن، هو تدخل إيران بشكل مباشر لدعم حزب الله. وقد أثبت هذا الاحتمال أنه غير مرجح، وقد قدمت إيران التزامًا واضحًا للولايات المتحدة بأنها لن تتدخل في الحرب. لكن هذا الاحتمال لا يزال يُعتبر واحدًا من نقاط قوة حزب الله.
*ما هي تداعيات ذلك على لبنان والمنطقة؟ هل ستدعم إيران حزب الله وتضرب إسرائيل، أم أن الوضع سيتدهور إلى غزو إسرائيلي بدون أية مساعدة ايرانية للمقاومة؟
-بالتأكيد، عندما ننظر إلى الصورة الأكبر، سواء في لبنان أو في المنطقة، نجد أن السيناريو مختلف تمامًا. للأسف، هذه الحرب الاستنزافية وهذه العدائية من جانب إسرائيل، كلاهما لا فائدة منهما. كلاهما لا يمكن أن يحقق الأهداف الاستراتيجية التي تم تحديدها. إسرائيل لن تتمكن أبدًا من القضاء على حزب الله بالكامل. فحزب الله متجذر في المجتمع، في العقلية، وفي ارتباطه مع الناس، وفي المظلومية التي يمثلها، إلخ. لكن بالتأكيد يمكن إضعاف قوته. من ناحية أخرى، حزب الله اعترف عمليًا بعدم قدرته على تدمير إسرائيل أو إلقائها في البحر كما كانت تقترح الخطابات السياسية أو الشعبوية في الماضي. وأصبح حزب الله أكثر واقعية بالقول إنه سيكون قادرًا على إلحاق الأذى بإسرائيل في حال هاجمت. لكن حتى هذا الادعاء لم يعد واقعيًا إلى حد كبير.
على مستوى لبنان، بالتأكيد لبنان عالق بين هذين الخطابين، خطاب إيران وحزب الله من جهة وخطاب إسرائيل من جهة أخرى، ومهما كانت نتيجة المواجهة في الأيام والأسابيع المقبلة، فإن لبنان والشعب اللبناني سيكونان من يدفع الثمن الأكبر.
لبنان في وضع لا يستطيع بأي حال تحمل حرب من جميع النواحي الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، الطبية، وكل هذا سيشكل كارثة كبيرة على لبنان، ربما مشابهة للكارثة التي تشهدها غزة ولكن من جوانب مختلفة.
على المستوى الإقليمي، أعتقد أن المواجهة والطريقة التي تقرأ بها إسرائيل الحرب الحالية والمواجهة الحالية، سواء في غزة أو في لبنان أو في أماكن أخرى، هي فرصة ذهبية لها لإضعاف قدرة حماس وحزب الله وكل المحور بشكل دائم وكبير لمنعه من تهديد إسرائيل، وهي فرصتها لإقامة تفوق طويل الأمد بإزالة هذه التهديدات على جانبي الحدود.
بالتأكيد الأكثر تشددًا في إسرائيل لا يزالون يأملون في القضاء الكامل على حزب الله وحماس، وهذا غير واقعي، وكذلك القضاء الكامل على إمكانية قيام دولة فلسطينية، وهذا أيضًا غير واقعي. وبالتأكيد الأكثر غير واقعية هو التخلص من كل الشعب الفلسطيني في غزة وربما في الضفة الغربية أيضًا، وهذا بالتأكيد غير واقعي. لذلك على المستوى الإقليمي، إذا كانت إسرائيل تقترب من الصراع بهذا المنظور، فمن الواضح أن الصراع الحالي لن ينتهي بدون اتفاق إقليمي وتسوية إقليمية. ما ستكون عليه هذه التسوية وما هي تفاصيلها العملية، لا يزال أمرًا لم يُحسم ويتوقف على عوامل كثيرة. أحد هذه العوامل هو نتائج المواجهة العسكرية. الثاني هو نتيجة الانتخابات الأمريكية. الثالث هو نتيجة السياسة الداخلية الإسرائيلية. الرابع هو نتيجة المفاوضات الأمريكية الإيرانية، والخامس هو نتيجة المفاوضات السعودية الإسرائيلية الأمريكية. كل هذه العوامل سيكون لها تأثير كبير على ما سيحدث في المنطقة بعد هذه الحرب.
*هل فقد حزب الله قدرته على الردع مع إسرائيل؟
-إمكانية حدوث غزو إسرائيلي مباشر بري في لبنان ما زالت قائمة، لكنها ليست السيناريو المرجح لأنهم يعرفون مدى تكلفة هذا الغزو عليهم. تمامًا مثلما أن تدخل إيران في القتال مع إسرائيل أمر غير مرجح تمامًا ومن المؤكد تقريبًا أنه لن يحدث. ومن هناك نعود إلى الحديث عن التكلفة والمواجهة المباشرة بين حزب الله وربما بعض حلفائه والجيش الإسرائيلي مباشرة. وحتى الآن من المهم أن نلاحظ أن إسرائيل قادرة إلى حد كبير على تحقيق الأهداف التي حددتها للحرب، وهي إضعاف قدرة حزب الله على تهديد إسرائيل، دون الحاجة إلى غزو بري. وإذا لم تكن هناك حاجة للغزو البري، فلماذا القيام به ولماذا دفع تكلفته؟
*هل لا يزال حزب الله قادرًا على شن حرب والرد على إسرائيل؟ وما هي نقاط قوته المتبقية؟
-على المدى الطويل، أعتقد أن حزب الله سيحتاج إلى مواجهة “شياطينه” بمعنى أن كل خطابه وكل نظرياته قد انهارت تقريبًا بالكامل. القدرة على هزيمة إسرائيل أو تدميرها أو إلقائها في البحر هي ادعاءات غير واقعية تمامًا. والأهم من ذلك، نتيجة لهذين الانهيارين، انهيار الأسطورة التي خلقها حزب الله، بأنه جيش قوي كان قادرًا على هزيمة إسرائيل والدفاع عن اللبنانيين، على الأقل أولئك الذين دعموا هذه الفكرة، وهذا سيخلق مشكلة كبيرة لحزب الله في كيفية تعامله مع بقية اللبنانيين بعد الحرب.