مقالات مختارة
آي نيوز- لندن
في محل الخضار عند جسر الصفير في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت، والتي تسمّى معقل حزب الله، كانت السيدات تتحوّجن ما تريده من خضار وفاكهة، فجأة عمّ الصراخ، وأفلتت كلّ سيدة الأكياس التي بين يديها وبدأن بالهرب، فقد انفجر جهاز بايجر كان بحوزة شاب فوقع ارضا وبدأ بالصراخ من الألم تحطمت دراجته النارية. كان الأمر اشد دراماتيكية في أماكن مدنية كثيرة أخرى في ضاحية بيروت الجنوبية، انفجرت هذه الاجهزة التي يبدو أن عناصر تابعين لحزب الله يحملونها في كل الامكنة التي تواجدوا فيها بالامس، الثلثاء المشؤوم: الدماء على الطرقات العامة في مناطق الشياح والغبيري، وفي شارع مكتظ في برج البراجنة، وفي شوارع بئر العبد، هنا، حيث اغتالت اسرائيل القيادي الفلسطيني صالح العاروري في كانون الثاني الماضي. دماء تملأ الشوارع، والمقاهي العامة، والسوبر ماركت، وسيارات الاسعاف وزماميرها تملأ المكان، نساء تركضن، تتصلن بأزواجهن وأبنائن. على غروبات الواتس أب، عمم حزب الله للناس في مناطقه بألا يعمدوا الى تصوير المصابين وبألا يعمدوا الى نشر أسمائهم. بطبيعة الحال، إن الحالة ذاتها، حصلت في قرى جنوبية عدة وخصوصا في مدينة النبطية حيث وقع أكثر من 500 جريح. وفي مستشفى حمود في صيدا، يقف الناس بالطوابير للتبرع يالدم، الأمر ذاته يحصل أمام ابواب مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت.
وتعتبر الطفلة فاطمة جعفر 9 أعوام الوجه الأصغر لضحايا تفجيرات البايجر، قتلت فاطمة في منزل عائلتها في بلدة سرعين في منطقة البققاع شرقي لبنان، وكان الهاتف موضوعا بجانبها.
من بين 9 قتلى في أنحاء لبنان لم تتضح حتى الآن سوى هوية فاطمة ومحمد مهدي عمار، نجل النائب البرلماني عن كتلة “الوفاء للمقاومة” (تابعة لـ”حزب الله”) علي عمار.
ولم تتوفر على الفور معلومات بشأن إذا كان يوجد أطفال بين الجرحى، وهم نحو 2800 جريح، منهم 200 في حالة حرجة، كما أعلن وزير الصحة اللبناني فراس ابيض في حصيلة غير نهائية لضحايا تفجيرات “بيجر”.
وقد استفاق لبنان واللبنانيون اليوم في حالة من الصدمة من هول الكارثة، وألغيت جميع الاحتفالات والندوات التي كانت مدرجة على جدول أعمال شخصيات أو سفارات، وبدت الشوارع شبه خالية.
في هذا الوقت بدأن شحنات من المساعدات الطبية تصل الى لبنان، منها من العراق وكذلك بدأ اللبنانيون من مناطق مثل جبل محسن في شمال لبنان يرسلون شاحنات مساعدات وأدوية الى بيروت والمستشفيات التي لم تتسع للمصابين.
ما حصل، يتماشى مع تحذير المسؤولين العسكريين الاسرائيلين بأن الضغط العسكري سينتقل من غزة الى الجبهة الشمالية أي لبنان. “هي عملية أمنية كبيرة تمهّد لتصعيد خطر في جنوب لبنان وهي معدّة بشكل محكم قبل مدة”. يقول المحلل السياسي اللبناني سمير الحسن، مضيفا:” لن تذهب هذه العملية بلا رد من حزب الله”. في الواقع، تجنب حزب الله بعد اغتيال قائد عملياته العسكرية فؤاد شكر، بصواريخ اسرائيلية في 31 تموز الفائت حربا واسعة في لبنان، لأن اسرائيل خرقت في هذه العملية قواعد الردع وضربت عمق الضاحية التي طتلما بقيت خطا أحمر منذ انتهاء حرب تموز 2006. لكن الوضع تغير، رد حزب الله في منتصف آب الماضي ردا بلا أدلة ملموسة مستهدفا قاعدة استخبارية قرب تل أبيب، غاليلوت، وتتضارب المعلومات حول ما إذا قد اصابها أم لا.
ما حدث بالأمس في لبنان هو مجزرة حقيقية طاولت عناصر حزب الله، بلغ عدد الجرحى 3000 جريح بحسب أرقام وزارة الصحة، وأكثر من 200 جريح حالتهم حرجة بحسب وزير الصحة فراس أبيض، وسقط 9 قتلى، بينهم نجل النائب في حزب الله علي عمار.
من جهته، يقول اللواء عباس ابراهيم وهو تولى مركز المدير العام للامن العام اللبناني سابقا وخبير في الشؤون الاستخبارية:” أعتقد بأن اسرائيل ترغب ولا تستطيع شن حرب على لبنان بالمعنى الشامل.
انسحبت الأساطيل الاميركية من المنطقة ،وتلقت اسرائيل رسالة من الإدارة الاميركية بعدم موافقتها على العملية وحذرتها من خطورتها على اسرائيل.
تريد اسرائيل توريط الولايات المتحدة في الحرب باي ثمن .
وهي تنتظر رد الحزب القوي على هذه المجزرة مما يجبر اميركا على دعمها”. يضيف اللواء ابراهيم: “إن تكبير حجم المجزرة هو لتكبير ردة فعل الحزب
وتريد اسرائيل ان تضع نفسها بموقع المستهدف كما حصل في 7 اكتوبر الفائت لكي تستدرج الدعم الاميركي والتورط بالحرب معها”.
ويشير النائب في البرلمان اللبناني فادي علامة وهو ايضا رئيس مستشفى الساحل الذي يقع في عمق الضاحية الجنوبيو لبيروت الى أن:” ما شاهدناه بالامس يفوق الخيال بالاجرام والاصابات، ولا توجد بعد احصاءات دقيقة في المستشفى والاعداد كبيرة جدا واية ارقام سننشرها لاحقا بالتعاون مع وزارة الصحة”.
يقول مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات حسان قطب:” تترجم هذه العملية التحضير لعملية حربية، قامت اسرائيل بتصفية قياديين كبارا في حزب الله عبر اغتيالات متتالية، وهي الآن تستهدف ما يقارب الثلاثة آلاف عنصر في مواقع مسؤولية عسكرية”. يروي أحد المواطنين الذي يقف أمام مستشفى الحياة في الضاحية الجنوبية رافضا ذكر اسمه:” بأن بعض المصابين من مقاتلي الحزب، تمّ نقلهم من الجبهات القتالية في جنوب لبنان وكانوا على الجبهة مع اسرائيل في الوديان والأحراج حين انفجر البيجر بأيديهم”.
ويشير حسان قطب الى أن ما حدث هو “خرق تدميري وليس أمنيا، ويخرق موازين الردع، ويظهر بأن الحرب الالكترونية تتطور مع تطور المواجهات التي لا تبدو متكافئة وهذا ما يزيد التساؤلات عن كيفية تمكن اسرائيل من ضرب مستودعات اسلحة وقتل قياديين وخرق أجهزة اتصالات بيجر، وباعتقادي أنه يوجد تكامل بين التقنيات ووجود عناصر جاسوسية منتشرة في اكثر من مكان أعدت هذه الاجهزة للتفجير”.
فتح حزب الله في 8 اكتوبر الفائت حربا اسماها “جبهة اسناد” لغزّة، وذلك في جنوب لبنان، وبعد 11 شهرا دمرت اسرائيل 42 قرية حدودية وقصفتها بالقنابل الفوسفورية والحارقة، وأحرقت 1698 هكتارا من الاراضي الزراعية في جنوب لبنان بحسب تقرير المجلس الوطني للبحوث العلمية. كذلك تم تهجير قرابة الـ 100 ألف لبناني نزحوا الى الداخل اللبناني بحسب أرقام وكالات الامم المتحدة.
على الصعيد الدبلوماسي أعلنت وزارة الخارجية اللبنانية بأنها باشرت التحضير لشكوى الى مجلس الأمن الدولي بشأن الهجوم السيبيراني الاسرائيلي فور اكتمال المعطيات الخاصة بالاعتداء. يذكر أن لبنان يدخل في 31 اكتوبر المقبل السنة الثالثة من فراغ رئاسي، إذ لم يتمكن مجلس النواب اللبناني من انتخاب رئيس للجمهورية بسبب الانقسامات السياسية الحادّة، وتدير الامور حكومة تصريف أعمال لا تجتمع بكافة اعضائها، وسط انهيار اقتصادي حاد مستمر منذ العام 2019 وينعكس على فئات واسعة من اللبنانيين.