مقالات مختارة
المصدر: هآرتس
المؤلف: دان بيري
كنا نعلم أن أحداثاً، مثل “مذبحة” مجدل شمس واغتيال رئيس أركان حزب الله فؤاد شُكر، ثم اغتيال قائد “حماس” إسماعيل هنية في طهران، ستجري في نهاية المطاف، وكنا نعلم أننا سنواجه احتمالاً كبيراً لاندلاع حرب إقليمية شاملة. أود أن أقترح فكرة ثورية: هذه المشكلة ليست من مسؤولية إسرائيل وحدها. فمشكلة حزب الله في لبنان، وكل ما يحيط بها وما تمثله، تشكل تحدياً للعالم الحرّ بأسره.
من الواضح والمعروف أن الغرب، بعد فشله في العراق وأفغانستان، بات مفتقراً إلى أيّ رغبة في خوض مغامرات أُخرى في المنطقة، لكن البديل أسوأ كثيراً. فنحن نتحدث عن اضطراب عميق في النظام العالمي. وإسرائيل لن تتمكن، وحدها، من إعادة هذا النظام إلى مساره الصحيح. وحزب الله (حاله حال “حماس” في غزة والحوثيين في اليمن) لديه قدرة تحمُّل عالية، بينما نفذ صبر العالم حيال “الأضرار الجانبية” الناجمة عن عمليات هذا الحزب، فضلاً عن التهديد الصاروخي لمواطني العالم الحرّ.
لكن عندما تحكم إسرائيل حكومة يمينية متطرفة، لا يُمكن توقُّع تصرفاتها، وتضم جناحاً يتطلع إلى “حرب يوم القيامة”، ورئيس وزرائها بحاجة ماسة إلى الفوضى للحفاظ على حُكمه الكارثي، فإن الوضع يصبح متفجراً بشكل خاص. حتى كتابة هذه السطور، تعيش إسرائيل حالة تأهُّب بانتظار ردّ إيران وحزب الله. تعجّ استوديوهات التلفزة بالكلمات الجوفاء، ولا أحد يعلم ما سيحدث. وفي إطار سيناريو سيئ، لكنه معقول، فإن الدول الغربية لن تتمكن من التهرب من هذا الموضوع.
إنه اندلاع للنار يشمل إيران، الدولة التي أصبحت شبه نووية بفضل بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب، والتي ستهدد مصالح الغرب المتعلقة بمنشآت النفط في الخليج الفارسي، والقواعد الأميركية الحيوية في قطر وأماكن أُخرى، والتجارة في البحر الأحمر التي عُرقلت بشدة بسبب الحوثيين. وتشمل المعادلة أيضاً الميليشيات الأفغانية والشيعية في العراق وسورية، والتهديدات (الخامدة حالياً) لاستقرار النظام في الأردن. هذا الجحيم لا يحيق بإسرائيل فقط، بل يهدد النظام الدولي كله. في أزمة كبيرة، ستحاول روسيا والصين استغلالها لمصلحتَيهما.
إسرائيل ليست قادرة على حلّ مشكلة من هذا النوع بمفردها؛ بل يجب ألّا يُطلب منها ذلك – وخصوصاً عندما يوجّهها نتنياهو وبتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير. وإذا لم تنتهِ الحرب بين إسرائيل و”حماس” بصفقة رهائن – وهو ما قد يؤدي إلى تهدئة في الشمال، كما وعد حزب الله – يجب النظر في إمكان تدخُّل الدول الغربية (تجاوزاً للمحاولات الباهتة لمبعوث جو بايدن، عاموس هوكشتاين، ومسؤولين فرنسيين).
وحتى لو تم التوصل إلى صفقة رهائن وتهدئة، فإن الأمر لا يعني سوى كسب بعض الوقت فحسب. فالرأي السائد في إسرائيل – وليس فقط بين متطرّفي الائتلاف – هو أنه لم يعد من الممكن تحمُّل وجود حزب الله على امتداد الخط الحدودي. فهذا احتلال لأراضي دولة مجاورة من طرف ثالث يهدد إسرائيل. وهو انتهاك صارخ لقرار مجلس الأمن الرقم 1701 الصادر في سنة 2006، والذي يدعو حزب الله إلى الانسحاب ونزع سلاحه (الحزب وافق على القرار، تقريباً، بعد الحرب مع إسرائيل).
يتعين على طرف ما فرض تنفيذ القرار 1701، لكن من الأفضل ألّا يكون هذا الطرف إسرائيل – فهي لديها مصلحة، وكل عمل تقوم به يثير ردات فعل في جميع أنحاء المنطقة والعالم، وبالتأكيد، ليس الدولة اللبنانية. لذا، هذه هي مهمة المجتمع الدولي.
الحالة هنا مشابهة لحالات أُخرى تبرر التدخل الدولي: عندما تفشل الأطراف المحلية في حل النزاعات والحؤول دون تهديد حياة المدنيين في دولها ومناطقها. هناك سوابق لتدخُّل الناتو في النزاعات: ففي سنة 1995، جرى تدخُّل في البوسنة، ساعد على إنهاء الحرب الرهيبة هناك، وقد تكرر ذلك في سنة 1999 في كوسوفو، بهدف إنهاء التطهير العرقي وانتهاكات حقوق الإنسان التي مارستها صربيا (جرى ذلك أيضاً، وإن كانت نتائجه مأساوية، في أفغانستان).
على المستوى الأساسي، تتمثل الخطوة الأولى في التوضيح للبنان (على الرغم من أن حكومته ضعيفة ومردوعة) أن وقت اللعب انتهى. يجب على لبنان أن يفهم أنه بحاجة إلى المساعدة، لا السماح لحزب الله بالتحرك بحُرية، كأنه دولة مستقلة. يجب إجبار لبنان على طلب المساعدة، وتوفيرها له. سيحتاج حزب الله وإيران إلى اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانا يريدان حقاً مواجهة حلف الناتو، في ظل احتمالات إرسال الحلف قواته إلى المنطقة.
هذا ليس مستحيلاً. إذ يدرك اللبنانيون جيداً أنه طالما سُمح لحزب الله بالعمل بحُرية، يصير اللبنانيون بيادق في يد إيران. “هناك أغلبية في لبنان تكره حزب الله”، وتدرك أن الحزب “لم يجلب لهم سوى الدمار، بدافع من إيران، وأنه غير قادر على حماية أحد، ومفتقر تماماً إلى أيّ ذرّة من الشرعية”.
إعادة تسليح: على الناتو أن يوفر للبنان السلاح والذخيرة والتكنولوجيا والتدريب الذي يفتقر إليه البلد، لاستعادة السيطرة على أراضيه.
إنشاء منطقة عازلة: بافتراض أن هذا المشروع طويل الأجل، ستقيم قوات الناتو، بتفويض قوي، منطقة عازلة آمنة يمتد عرضها إلى عدة كيلومترات في الجنوب اللبناني، على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية. ربما لن يعارض حزب الله هذا الإجراء عسكرياً، لكن إذا فعل، فهذه ليست معركة يجب أن يخسرها الناتو. ويتعين على إسرائيل البقاء خارج هذه المعركة، مهما كان الأمر.
التحاور مع المجتمعات المحلية: بذل الجهود للتواصل مع المجتمعات المحلية في لبنان للحصول على دعمها وتعاوُنها، مع التأكيد أن أحد الأهداف الرئيسية للمهمة هو ضمان أمنها من المخاطر، بما فيها المخاطر الإسرائيلية.
التفاوض وتقديم الحوافز: أن يشرع المجتمع الدولي في مفاوضات مع الجناح السياسي لحزب الله والجهات المحلية في لبنان، وأن يقدم حوافز لنزع السلاح، مثل المساعدة الاقتصادية والاندماج السياسي والدعم لإعادة بناء الدولة. هذا سيمنح حزب الله مستقبلاً شرعياً، ويسمح بالتعامل مع جذور الدعم لـ”المقاومة” العسكرية للحزب.
العمليات العسكرية الدقيقة: إذا ما فشلت المفاوضات، يتعين على الناتو القيام بعمليات عسكرية موجهة طويلة الأجل لتفكيك البنية التحتية العسكرية لحزب الله، مع التركيز على تقليل الخسائر المدنية والأضرار الجانبية.
الإصلاحات السياسية: سيكون دعم الإصلاحات السياسية في لبنان ضرورياً لتعزيز الحكم. فالنظام السياسي الأساسي الذي تم إنشاؤه عندما غادر الفرنسيون – والذي ينصّ على أن الرئيس يجب أن يكون مسيحياً – لم يعد صالحاً منذ عقود.
الانسحاب: يقوم الناتو، بالتدريج، بنقل مسؤولياته الأمنية إلى الجيش اللبناني، بقدر ما تتحسن قدراته.
من الواضح أن هذا النهج سيكون محفوفاً بالمخاطر المحتملة، وقد يشمل أيضاً اندلاع الصراعات العسكرية الناتجة من معارضة حزب الله، بل والأسوأ: التدخل الإيراني. لكن هذا السيناريو ينطوي على أمل حقيقي بتقديم صدمة تحتاج إليها المنطقة بشدة للخروج من المسار الحالي البائس الذي تعيشه.
في الوقت نفسه، يجب الرد على الحوثيين بحزم أكبر. فلا يمكن تحمُّل تعطيل التجارة والإضرار الاقتصادي بمصر. أنا أؤيد الخطوات الجذرية الساعية للسلام، بما قد تشمله من مخاطر. لكن في مواجهة “بلطجي عالمي”، كالنظام الإيراني وأذرعته، يجب اتخاذ موقف حازم. ويجب أن يتمثل الهدف في تغيير النظام الإيراني، لمصلحة أغلبية الشعب الإيراني الذي يتوق إلى ذلك.
إسرائيل، التي ستتحرر من هذه التهديدات وترى أنها ليست وحدها تماماً، ستبدأ أيضاً بالتصرف بمنطقية أكبر. الوضع الحالي في المنطقة، يشمل حدوث التحول السياسي في إسرائيل. لقد آن أوان خلع القفازات والتعامل مع المشاكل بجدية.