مقالات مختارة
هآرتس
عاموس هرئيل
ترجمة مركز الدراسات الفلسطينية
تواصل الولايات المتحدة التلميح إلى أنها ستقف إلى جانب إسرائيل في مواجهة التهديدات بالانتقام التي وجّهها كلٌّ من إيران وحزب الله، بعد الاغتيالات الأخيرة. لقد تحدث الرئيس بايدن مع رئيس الوزراء نتنياهو مؤخراً، وعلى الرغم من توتُّر الأجواء بينهما، فإن الحديث تضمّن التزاماً أميركياً بشأن مساعدة إسرائيل على الدفاع عن نفسها ضد الهجوم المتوقع بالصواريخ والطائرات المسيّرة. تستمر الولايات المتحدة في تعزيز قواتها في الشرق الأوسط، ومن المتوقع أن يصل، اليوم (الإثنين)، الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) إلى البلد لتنسيق الاستعدادات.
تقدّر المنظومة الأمنية الإسرائيلية أنه لن يتراجع كلٌّ من إيران وحزب الله ومنظمات أُخرى في المحور، الذي تقوده طهران، عن تنفيذ التهديدات بالثأر، ومن المتوقع حدوث ذلك في المستقبل القريب. ومع أنه ما من تغيير في التقدير الاستخباراتي الأصلي الذي يشير إلى أن الإيرانيين وحزب الله لا يرغبون، حالياً، في حرب شاملة في الشرق الأوسط، إلا إن هناك مخاوف من أن يؤدي تبادُل الضربات بين الأطراف (هجوم إيراني، ردّ إسرائيلي، وهكذا دواليك) إلى موجة من التصعيد من الصعب إيقافها. وتقدّر مصادر أمنية أن الهجوم سيتركز على المواقع العسكرية والأمنية في شمال البلد ووسطه.
أطلق الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله عدة تهديدات، مؤخراً، بمهاجمة تل أبيب، إذا ما هاجمت إسرائيل بيروت. من الصعب أن نراه يتراجع عن موقفه هذا الآن. من ناحية أُخرى، قد يتوخى حزب الله الحذر بشأن مهاجمة منشآت تابعة للبنية التحتية الاستراتيجية في إسرائيل، على غرار منصات الغاز في البحر الأبيض المتوسط، لأن البنية التحتية للطاقة اللبنانية مكشوفة جداً، وحزب الله يعرف أن إسرائيل قادرة على تعطيل شبكة الكهرباء اللبنانية فترة طويلة، عبر ضربات جوية بسيطة نسبياً.
في منتصف نيسان/أبريل من هذا العام، أطلقت إيران والميليشيات الشيعية في العراق أكثر من 300 صاروخ مجنّح وطائرة من دون طيار في اتجاه إسرائيل، بعد اتهامها باغتيال جنرال من الحرس الثوري في مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق. وتم اعتراض معظم الهجمات بنجاح بواسطة تحالف دولي ضم إسرائيل ودولاً غربية، وبحسب تقارير في وسائل الإعلام الأجنبية، شارك بعض الدول العربية السّنية. أُصيبت في ذلك الهجوم فتاة إسرائيلية بجروح خطِرة جرّاء إصابتها بشظايا صاروخ بالقرب من قاعدة “نفاطيم”.
لقد تجنّب حزب الله الانضمام إلى الهجوم السابق. أمّا في هذه المرة، فهناك تهديدات من الحزب، إلى جانب تهديدات من الحوثيين في اليمن، بالمشاركة في الهجوم. هذا يعني أن إسرائيل ستُهاجَم من جميع الاتجاهات، على الأرجح، وأن جزءاً من النيران سيأتي من لبنان – وهو ساحة قريبة نسبياً، ودولة تحتوي على كمية كبيرة من الصواريخ والطائرات من دون طيار، بعضها دقيق. لذلك، من المتوقع أن تواجه منظومة الدفاع الجوي والطائرات الاعتراضية تحدياً أصعب مما حدث في نيسان/أبريل.
وعلى الرغم من التهديدات الحازمة التي يطلقها المتحدثون الإسرائيليون الرسميون، فإنه بات من الواضح أن طبيعة الرد الإسرائيلي ستعتمد أيضاً على نجاح الهجوم الإيراني، إذ سيكون لحجم الدمار والخسائر البشرية تأثير في صدور القرار الإسرائيلي بشأن الرد رداً صارماً. في نيسان/أبريل، اكتفت إسرائيل بغارة جوية موجهة على موقع أمني ما في إيران. وفي وقت لاحق، تم التبليغ بشأن تدمير مكوّن حيوي في بطارية دفاع جوي من طراز S-300، والتي تُستخدم لحماية المواقع النووية.
التجند والإحباط
- هذه هي المرة الثالثة التي تتجند فيها الولايات المتحدة للدفاع عن إسرائيل منذ بداية الحرب. ففي الأسبوع الأول من الحرب، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، هدد الرئيس جو بايدن إيران لكي لا تنضم إلى الهجمات التي تنفّذها حركة “حماس”، وقام بإرسال قوات بحرية بقيادة حاملتَي طائرات إلى البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، في حين كانت المرة الثانية بمناسبة الهجوم الإيراني في نيسان/أبريل.
بحسب التقارير المنشورة في وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية، قال بايدن لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، خلال الأسبوع الماضي، إن بلده سيساعد إسرائيل على الدفاع عن نفسها ضد الهجوم المتوقع، هذه المرة أيضاً. ومع ذلك، تم تناقُل الأخبار التي تفيد بأنه يعتقد أن نتنياهو زاد في تعقيد الأزمة الإقليمية بقراره اغتيال إسماعيل هنية في طهران، بعد ساعات قليلة على اغتيال فؤاد شُكر في بيروت (تبنّت إسرائيل مسؤولية الاغتيال في بيروت، لكنها لم تردّ رسمياً على الادّعاءات بشأن مسؤوليتها عن اغتيال هنية). إن هذا الوقوف الأميركي خلف إسرائيل هو أيضاً إشارة إلى إيران من أجل كبح ردها وعدم المخاطرة بخطوات قد تضعها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة وقدراتها العسكرية.
يضاف إلى إحباط بايدن، غضبه من نتنياهو بسبب تأجيله التوصل إلى صفقة بشأن الرهائن. وزعمت مصادر أميركية أن بايدن غاضب لأن نتنياهو يكذب عليه بشأن الرهائن، وأن هذا الأخير غير مهتم حقاً بإتمام الصفقة حالياً. يدّعي رئيس الوزراء نفسه أنه يريد التقدم في الصفقة، لكنه يضع شروطاً أصعب على “حماس”، تركز على الحفاظ على التموضع الإسرائيلي في محورَي نتساريم وفيلادلفيا، بعكس مواقف كبار قادة المنظومة الأمنية، الذين يعتقدون أن إسرائيل يجب أن تتنازل عن هذه المطالب لإتمام الصفقة وإنقاذ حياة الرهائن الذين ما زالوا في قيد الحياة. تُحتجز الآن 115 رهينة في قطاع غزة، ويُعتقد أن أكثر من نصفهم مات في الأسر، أو قُتل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وتم اختطاف جثثهم إلى القطاع.
كلما طالت الحرب (غداً نحيي ذكرى مرور عشرة أشهر على “المجزرة” التي ارتكبتها “حماس” في “غلاف غزة”)، يتضح أن هناك مستويَين متوازيَين. أولهما يتمثل في المواجهة العسكرية مع “حماس”، والتي امتدت أيضاً لتشمل حزب الله والحوثيين الذين انضموا إلى الهجمات المنفّذة في قطاع غزة، ويهددون الآن بإشراك إيران بصورة أكبر. أمّا المستوى الثاني، فهو الصراع من أجل البقاء الشخصي لنتنياهو نفسه، مع تمسُّكه بالسلطة ومحاولته إبطاء، لا بل إحباط الإجراءات القضائية المتعلقة بمحاكمته. إن حاجة رئيس الوزراء إلى البقاء في السلطة تدفعه الآن إلى مواجهات صعبة مع المنظومة الأمنية، ومع الإدارة الأميركية، اللتين تختلفان معه بشأن طريقة العمل التي اتّخذها، وتعتقدان أنه يعطل، عن سبق إصرار وترصّد، التوصل إلى صفقة بشأن الرهائن.