“مصدر دبلوماسي”
أقام سفير المغرب في لبنان محمد كرين حفل استقبال أمس بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش المغربي وذلك في فندق “فينيسيا أنتركونتيننتال”، وحضر الحفل وزير الخارجية والمغتربين الدكتور عبد الله بوحبيب، ممثلا عن رئيس مجلس النواب نبيه بري وعن رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي وحضر حشد كبير من السياسيين وفاعليات دبلوماسية حزبية ودينية واجتماعية واعلامية.
والقى السفير كرين كلمة بالمناسبة جاء فيها:
أصحاب المعالي والسعادة،
سعادة السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية،
أصحاب الفضيلة وأصحاب النيافة،
حضرات السيدات والسادة،
يطيب لي، بداية، أن أرحب بكم وأن أتقدم إليكم بجزيل الشكر على حضوركم معنا لمشاركة الشعب المغربي في الاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين لاعتلاء جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، عرش أسلافه المنعمين.
إن الاحتفال بالذكرى الفضية لعيد العرش المجيد يأتي هذه السنة في أجواء مفعمة باستحضار تاريخ الأمة المغربية والاعتزاز بمنجزاتها في الحاضر والتطلع بثقة عالية نحو المستقبل الواعد. أجواء تُرَسِّخ التناغم والتلاحم الذي يُميز العلاقات بين الملك والشعب سواء في أوقات الرخاء أو الشدة.
هذه 25 سنة، تكرست بجلاء وشائج التلاحم بين العرش والشعب من خلال مسيرة البناء المؤسساتي والنماء الاقتصادي والاجتماعي التي يقودها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، والتي تؤكد، سنة بعد سنة، عزيمة المغرب على مواصلة شَقِّ طريقه بتدرج وثبات نحو تحقيق أهدافه المسطرة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في إطار من الاستقرار والتوافق والوئام، رغم الظروف الإقليمية والدولية المتأرجحة.
حضرات السيدات والسادة،
بفضل الرؤية الاستشرافية والقيادة النيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، عزز المغرب خلال الربع الأول من هذا القرن تموقعه الاستراتيجي كصلة وصل وكملتقى بين الشرق والغرب والشمال والجنوب من خلال عدد من المبادرات والمشاريع الدامجة، سواء على واجهته المتوسطية أو الأطلسية، نذكر منها:
– المركب المينائي طنجة المتوسط (شمال المغرب): الذي مكن المغرب من أن يحتل الرتبة السادسة عشرة عالميا في الربط البحري سنة 2017، بعدما كان في الرتبة 83 سنة 2005. واليوم، أصبح ميناء “طنجة المتوسط” منصة لوجيستية موصولة بأكثر من 174 ميناء في جميع أنحاء العالم، موزعة على 74 بلدا، وتقدم خدمات لمختلف التدفقات من الحاويات والسفن، بالإضافة إلى كونه محطة لسبعة ملايين راكب، كما أضحى قطبا صناعيا لأكثر من 800 شركة عالمية ناشطة في مجالات مختلفة من الصناعات للسيارات والطائرات والنسيج واللوجستيك والخدمات والتجارة…
– ميناء الناضور غرب المتوسط: يعتبر من المشاريع الضخمة في الفضاء الأورومتوسطي، ويهدف إلى تعزيز دور المغرب في النقل البحري بالبحر الأبيض المتوسط والعالم. ويشتمل على مجمع مينائي وصناعي متكامل بقدرات كبيرة في معالجة الحاويات، ومنطقة حرة لاحتضان المهن المينائية والأنشطة الصناعية، إلى جانب كونه منصة لضمان إمداد المغرب بمنتجات الطاقة.
– الربط الكهربائي مع أوروبا: بين المملكة المغربية والمملكة المتحدة، في إطار مشروع طاقي مشترك بتكلفة تزيد عن 30 مليار دولار، لإنجاز ربط كهربائي للطاقة النظيفة عبر 4 كابلات بحرية تمر بالمحيط الأطلسي بطول 3800 كيلومتر، قصد تزويد حوالي 7 مليون منزل بالكهرباء انطلاقا من حقول للطاقة الشمسية والريحية في الأقاليم الجنوبية للمملكة. وذلك للاستفادة من الموقع الجغرافي للمغرب الذي يُمَكِّنُه من 2500 ساعة من الطاقة الشمسية و5000 ساعة من الطاقة الريحية سنويا، مما يجعله من البلدان المناسبة للاستثمار في مجال الطاقة المتجددة.
– تنظيم كأس العالم 2030 مع اسبانيا والبرتغال: سيحمل هذا الاحتضان المشترك، الذي يعد سابقة في تاريخ كرة القدم، عنوان الربط بين إفريقيا وأوروبا، وبين شمال البحر الأبيض المتوسط وجنوبه، وبين القارة الإفريقية والعالم العربي والفضاء الأورومتوسطي، كما سيجسد أسمى معاني الالتئام حول أفضل ما لدى هذا الجانب أو ذاك”، مساهما في تعزيز التماسك بين البلدان الافريقية والأوروبية والمتوسطية والعربية حول شغف كرة القدم.
حضرات السيدات والسادة،
لقد شكلت الواجهة الأطلسية للمغرب موضوع اهتمام ورؤيا لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، لجعلها مساحة للتواصل الإنساني، والتكامل الاقتصادي، ومنارة للتأثير الإيجابي على المستويين الإفريقي والدولي. في هذا الإطار، أطلق المغرب عدة مبادرات من شأنها إعادة تشكيل المشهد الجيوستراتيجي لإفريقيا، وتترجم سعي المغرب لإحلال مفهوم التنمية محل النزاعات وتحويل القارة الإفريقية إلى منطقة تجارية وإقتصادية وفق منطق رابح – رابح، ومن بين هذه المبادرات نذكر ما يلي:
1– أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب: الذي سينقل الغاز من دول غرب أفريقيا إلى أوروبا عبر خط يمتد على أكثر من 5600 كيلومتر ويمر عبر 13 دولة إفريقية، ويندرج في إطار الاندماج الاقتصادي الأفريقي والتنمية المشتركة لإفريقيا.
2- المبادرة المغربية الأطلسية لفائدة دول الساحل الإفريقي: التي تعتمد على تنسيق جهود البلدان الأفريقية المطلة على المحيط الأطلسي في إطار مؤسساتي موحد تحقيقا للتنمية المشتركة والتضامن الفاعل بين البلدان الأفريقية الشقيقة عموما والدول غير الساحلية خصوصا (تشاد والنيجر وبوركينافاسو ومالي) من خلال تمكينها من منفذ بحري على الواجهة الأطلسية. ولتحقيق هذا الغرض وضع المغرب بنياته التحتية، الطرقية والمينائية والسكك الحديدية، رهن إشارة هذه الدول.
3- ميناء الداخلة الأطلسي: يهدف الورش الذي يُشَيَّدُ بأقصى مدينة بالصحراء المغربية إلى إنشاء أكبر ميناء لوجيستي في منطقة غرب أفريقيا، يُرتقب أن يلعب دورا رئيسيا في حركة المُسَافَنَة والنقل البحري، إضافة إلى تعزيز العلاقات التجارية بين القارات. ويكتسي أهمية إستراتيجية باعتباره صلة وصل بين أفريقيا وأوروبا وأمريكا وواجهة بحرية للتكامل الاقتصادي والإشعاع القاري والدولي.
حضرات السيدات والسادة،
يتأكد نضج المسيرة التنموية للمملكة المغربية، وعلى مختلف المستويات، نكتفي بذكر بعض مظاهرها كأمثلة ملموسة خلال السنة المنصرمة:
1- مواصلة تنمية مختلف الصناعات بإنتاج أكثر من 600 ألف سيارة موجهة أساسا الى التصدير (14 مليار دولار) وارتفاع الوحدات المنتجة لقطع الطائرات الى 142 شركة تزود كبريات المجموعات العالمية (بوينغ – ايرباس – بومبارديي)، هذا بالإضافة إلى صناعات الادوية والنسيج وغيرها.
2- قطاع السياحة: تجاوز عدد السُّيَّاح الذين زاروا المغرب 14.5 مليون سائح في سنة 2023، بمداخيل بلغت 10 مليار دولار، في أفق الوصول إلى 17.5 مليون سائح سنة 2026. وهو الهدف الذي واكبه المغرب بالرفع من عدد المطارات الدولية إلى 19 مطار دولي من أصل 22.
3- قطاع البيئة: تمت بلورة”عرض المغرب” هذه السنة لجلب الاستثمارات في مجال الهيدروجين الأخضر، سُخِّرت له حوافز ضريبية مهمة ومساحات عقارية عمومية تناهز المليون هكتار، للاستجابة للمشاريع التي عَبَّر عنها أزيد من 100 مستثمر وطني ودولي في هذا الميدان. ويهدف هذا العرض إلى تعزيز انخراط المغرب في الأجندة الأممية لخفض انبعاثات الكربون والتزامه بزيادة نسبة الطاقات المتجددة إلى 52 في المائة من مجموع استهلاكه للطاقة في سنة 2030.
4 – التدبير المعقلن للموارد المائية بتشييد العديد من السدود بلغت 148 سدا صغيرا وأكثر من 100 سد كبير، وتم إنجاز أول طريق سيار مائي يضمن تنقل المياه بين الأحواض المائية في أفق أن يشمل ذلك كل الجهات في إطار شبكة متكاملة للطرق السيارة المائية، مع تعبئة مصادر غير تقليدية للماء عبر محطات لتحلية مياه البحر ومعالجة مختلف المياه العادمة.
5- ورش الحماية الاجتماعية: هو مخطط ملكي يتوخى تقوية التماسك والاستقرار الاجتماعي والذي حقق أهدافه المسطرة في إطاره الزمني المحدد، ومنها:
- تعميم التأمين الإجباري عن المرض لما يناهز 4 ملايين أسرة محتاجة، مع تحمل الدولة لاشتراكاتهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
- تعميم نظام التقاعد على كل الفئات المهنية.
- إطلاق نظام للتعويض عن البطالة في أفق تعميمه.
- توفير دعم مباشر للأسر المغربية المحتاجة.
- استفادة 300 ألف عائلة من برنامج دعم اقتناء السكن الرئيسي المفتوح لكل المغاربة.
- تفعيل السجل الاجتماعي الموحد الذي يمكن من تحديد الأسر المحتاجة للدعم والمساعدة.
حضرات السيدات والسادة،
تعتبر قضية الصحراء المغربية جوهرية بالنسبة للمملكة المغربية ملكا وشعبا. وفي هذا الصدد، وكما أكد على ذلك صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، “إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب الى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”.
ولتجاوز هذا النزاع الإقليمي المفتعل الذي عمّر طويلا، حول أقاليمنا الصحراوية المسترجعة سنة 1975؛ فإن المغرب مستمر في الدفاع عن وحدته الترابية بكل مسؤولية في إطار ثوابت الموقف المغربي التي أكد عليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، للأمين العام للأمم المتحدة، ومنها على الخصوص أن لا حل للنزاع المفتعل حول الأقاليم الصحراوية خارج إطار المبادرة المغربية للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية ولا عملية سياسية خارج إطار الموائد المستديرة التي حددتها الأمم المتحدة، بمشاركة جميع الأطراف المعنية، علما أن المبادرة المغربية اعتبرت من طرف مجلس الأمن كمقترح واقعي وذي مصداقية قابل للتطبيق، ويحظى بدعم العديد من البلدان في مختلف القارات.
حضرات السيدات والسادة،
إن أولوية قضية الصحراء المغربية لا تضاهيها أي قضية أخرى لدى المغاربة قاطبة سوى القضية الفلسطينية العادلة. هذه الأولوية التي ما فتئ جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، رئيس لجنة القدس، يؤكد عليها في المحافل الدولية ويتجلى ذلك في الموقف الواضح للمملكة المغربية الداعم لحق الشعب الفلسطيني في السلم والاستقلال ضمن رؤية حل الدولتين ووفقا للقرارات الدولية ذات الصلة بالإضافة الى الدعم الدائم والمساعدات التي يقدمها بيت مال القدس الى الشعب الفلسطيني في غزة والضفة وخصوصا للمقدسيين في إطار مواجهة تهويد المدينة.
وكما قال صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، فإن “قلوبنا تَدْمِي لوقع العدوان الغاشم على غزة، الذي جعل الشعب الفلسطيني الأبي يعيش أوضاعا بالغة الخطورة، تشكل وصمة عار على جبين الإنسانية”. ومن هذا المنطلق، فإن المغرب يدعو و”بإلحاح إلى ضرورة الوقف الفوري والمستدام والشامل للعدوان غير المسبوق على غزة، والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية في قطاع غزة بأكمله” وفسح المجال للحل النهائي لهذا النزاع الدامي بما يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة كاملة وعاصمتها القدس الشرقية (الشريف).
حضرات السيدات والسادة،
إن العلاقات المغربية اللبنانية تاريخية وغالبا ما طبعتها المودة والاحترام المتبادل والرغبة المشتركة في الدفع بها إلى مستويات أفضل في كل الميادين تماشيا مع روح الاخوة والتضامن التي تجمع بين الشعبين الشقيقين.
من هذا المنطلق، وبخصوص الوضع في جنوب لبنان الذي دفع أهاليه الغالي والنفيس، فنتطلع ككل أشقاء وأصدقاء لبنان الصادقين، إلى أن يسترجع هذ الجزء من أرض لبنان الشقيق الأمن والهدوء والاستقرار في إطار مخرج مبني على القرارات الأممية ذات الصلة ويضمن الوحدة الترابية للبنان وسيادته على كامل أراضيه.
وفيما يتعلق بالوضع الداخلي اللبناني فإن المغرب كله أمل أن يتجاوز لبنان الشقيق الانحباس السياسي الذي طال أمده، وأن يتوصل الفرقاء السياسيون، في أقرب الآجال، إلى انتخاب رئيس للجمهورية يُمَكِّنُ لبنان من لعب دوره الطبيعي في الحُضن العربي ويُعَزِّزُ علاقاته في المحفل الدولي، وما يتبع ذلك من تشكيل حكومة قادرة على انجاز الإصلاحات المستعجلة والضرورية لتمكين لبنان الشقيق من تجاوز الوضع الدقيق الذي يوجد فيه والعودة إلى سكة النمو والازدهار في ظل الأمن والاستقرار.
عاش المغرب وعاش لبنان