هادية شفيق
صدرت حديثًا رواية “عشقت هيباتيا”، للكاتب حسن علي أنواري، عن دار معجزة…
يتابع الكاتب حسن علي أنواري مسيرته الروائية المستوحية عالم الأساطير، مع إسقاطات على الواقع المعاصر.
تبدأ الرواية بمشهد مقتل هيباتيا، الفيلسوفة الاسكندرية التى اغتيلت بطريقة وحشية عام 415 م. ويتقمّص الراوي شخصية تلميذ هيباتيا وعاشقها. جاءت هذه المقدمة المأساوية للإشارة إلى إشكالية اغتيال المثقف الذي يعارض الأفكار السائدة في عصره. وهي إشكالية قائمة منذ قديم الزمان حتى يومنا هذا.
محور الرواية هو إشكالية حرية التعبير والرغبة الحتمية في التغيير لدى الأجيال الجديدة المعارضة للأنظمة الفاسدة أو الدكتاتورية في العالم العربي، وما يتعرضون له من تهديدات وتعذيب وسجن واغتيالات لكتم صوت الأحرار.
تدور أحداث الرواية في لبنان، في فترة انطلاقة انتفاضة تشرين عام 2019.
وخلال السرد، تتطرق الرواية إلى إشكاليات قائمة في لبنان:
الوضع السياسي والبنية الطائفية للنظام، تداعيات الحرب الأهلية وما خلفته من صراعات على السلطة بين الأحزاب الطائفية، إشكالية الزواج بين الطوائف في لبنان، حرب تموز 2006، الاغتيالات التي طالت القامات الفكرية والسياسية المعارضة ، إضافة إلى إشكاليات لبنان الجيوسياسية التي أدخلته في دوامة الصراعات الحزبية الداخلية وفي أتون المنطقة.
لبنان المعاصر ولبنان القديم يتلاقيان في الرواية ، ضمن سيمفونية حب ومن خلال التعبير عن هموم النخبة الثقافية المعاصرة وتطلعاتها للتغيير.
لعل أبرز ما يميز أحداث الرواية هو الواقعية في معالجة مسألة اغتيال المثقف المعارض، وهي ظاهرة مخيفة في هذا البلد الذي مازال يعاني من نتائج الحرب الأهلية الأخيرة. لقد شهد لبنان في العقود الأخيرة سلسلة من الاغتيالات طالت قامات فكرية طمحت إلى تغيير الواقع المتردي. تحيل النهايات الميلودرامية لبعض أبطال الرواية إلى قراءة الواقع السياسي المعاصر والمحيط الديني حولها.
هبة، الشخصية المحورية في الرواية، تمثل المرأة المعاصرة المثقفة، المناضلة التي تحمل أحلامًا وطموحات لتغيير الواقع المتهالك وتحرير الوطن من الفساد والطائفية لقيامة الوطن-الفينيق من الرماد.
تضمنت الرواية إشارات إلى قضايا ثقافية معاصرة مثل: الكتاب الورقي والالكتروني، دور المرأة في التغيير، الأدب الملتزم…
لغة التعبير الفني في الرواية تنساب بسلاسة انسجامًا مع موضوعها المعاصر، مما يجعل القارىء يرافق البنية السردية دون ملل.
للحوار في الرواية دور رئيسي في السرد لخدمة التيمة الرئيسية، وإيصال أفكار جيل الشباب في لبنان ورؤياهم المعاصرة وتطلعهم إلى مستقبل أفضل.
زيّنت الفقرات الشعرية نهاية كل فصل في الرواية ، فكانت متنفسًا عاطفيًا للراوي، ونوعًا من استراحة للقارىء من تواتر الأحداث.
قد يتساءل القارىء: ولكن أين هيباتيا ؟ وهي لم تذكر سوى في مطلع الرواية تحت عنوان “الفصل الأخير”، في مفارقة سردية مبتكرة. ولم يمر ذكرها في بقية الصفحات إلا بصيغة عنوان لرواية كتبها الراوي!
ليلى ، وليد، مازن، هبة، خالد، كلهم هيباتيا… بل كل مثقف يحمل القلم سلاحًا في وجه السيف والطغيان والظلم هو عرضة لأن يلقى مصير هيباتيا… وما أكثرهم في التاريخ وفي الحاضر.. لأن صوت الحرية لن يتوقف.
هيباتيا رمز الفكر المؤنث الذي يتخطّى المفهوم السائد عن الأنوثة كجسد ليصبح العقل إكليلًا للجمال، والفروسية لم تعد مقصورة على الرجل.
يجب التنويه بأن رواية “عشقت هيباتيا” للكاتب حسن علي أنواري قد تكون أول رواية عربية تعالج انتفاضة ١٧ أكتوبر التي اندلعت في لبنان عام ٢٠١٩، من أسباب اندلاعها الاقتصادية والسياسية، ومجريات الأحداث خلالها، من خلال تجارب الشباب خلال المظاهرات للتعبير عن طموحاتهم في بناء لبنان الجديد.