مارلين خليفة
البوصلة
ألقى البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي عظة اليوم الأحد وتطرق فيها الى الأحوال الصعبة التي يعيشها النازحون اللبنانيون عن قراهم وبلداتهم الحدودية في جنوب لبنان جرّاء القصف الاسرائيلي المتواصل بعد جبهة “المساندة” التي افتتحها “حزب الله” في 8 تشرين الاول اكتوبر الفائت عقب عملية طوفان الأقصى في غزة، حفاظا على نظرية وحدة الساحات من جهة ولضرورات تثبيت الردع من جهة ثانية بحسب ما شرح أكثر من مرة أمينه العام السيد حسن نصر الله.
وفيما كان البطريرك الماروني الذي طالما نادى بحياد لبنان يتحدث عن الصعوبات الجمّة التي يعيشها النازحون الجنوبيون والذين بلغ عددهم بحسب المنسق الانساني في الأمم المتحدة عمران ريزا 86 ألفا، اقتبس من رسالة قال أنها وردته من أحد المواطنين النازحين ومما جاء فيها:” ، انطلاقا من صدقي مع ذاتي – أرفض أن أكون وأفراد أسرتي رهائن ودروعا بشريّة وكبش محرقة لسياسات لبنانية فاشلة، ولثقافة الموت التي لم تجّر على بلادنا سوى الإنتصارات الوهميّة والهزائم المخزية”.
وعلق البطريرك الراعي بقوله: “إنّنا نسمعهم وقلبنا ينزف دمًا. ونعمل كلّ ما بوسعنا لمساعدتهم بشتى الوسائل بالتعاون مع ذوي الإرادات الحسنة”.
أثارت عبارتا “ثقافة الموت” و”الهزائم المخزية” حفيظة جمهور واسع من أبناء بيئة المقاومة، وقامت حملة الكترونية انحرفت عن النقاش السياسي المثمر الى تقليل الاحترام لمقام ديني مسيحي رئيسي كما تفعل عادة عبر السوشال ميديا ما يخفّض من قدرتها على ابراز حججها بشكل واضح.
من دون الاغراق في هذه التفاصيل الهامشية، فإن استخدام هاتين العبارتين وإن نقلا عن “مواطن ما”، نزح عن بيته لم يراع لحساسية الفعلية لأبناء بيئة المقاومة في الجنوب اللبناني، فهؤلاء يفتخرون بتحرير الجنوب اللبناني في العام 2000 بعد اعوام من الاحتلال الاسرائيلي، ويفتخرون بصمودهم في أرضهم وإعادة بناء بيوتهم ومدارسهم وحياتهم بعد حروب عدة شنتها عليهم اسرائيل وخصوصا في حرب تموز 2006 حين نزح قرابة المليون لبناني بسبب 33 يوما من الحرب المدمرة التي وصلت الى انحاء لبنان كله.
وبالتالي فإن مفردة الهزائم ليست موجودة في قاموس هؤلاء الذين يعانون يوميا من أهوال الاعتداءات الاسرائيلية وهم جيران المحتلّ، ويستمعون الى أزيز الخروق الجوية، ويقاومون بمعاولهم وبماشيتهم وبالعصي والحجارة الخروق البرية، ويقفون في الضوء شاتمين الخروق التي تملأ سماءهم مهللين للمسيرات التي تعترضها.
كما أن هؤلاء، يفتخرون بشهدائهم الذين يقدمون دماءهم فداء لقضية الدفاع عن أرضهم وتثبيت حقهم الذي هو حق لبنان بالعيش بعيدا من التهديدات اليومية، والاعتداءات فضلا عن احتلال أراض حيوية.
أما ثقافة الموت، فهو تعبير عنصري جدّا وخصوصا حين تنعت به طائفة بعينها. وهذا التوصيف ليس حقيقيا، بل هو توصيف مصطنع ومخادع ينبع من الحقد السياسي الدفين وليس من الواقع. إذا كان “حزب الله” يقود المقاومة ضد اسرائيل ولديه أهداف سياسية واستراتيجية، فهذا لا يعني أنه يبشر بثقافة الموت. ليس دفاعا عن حزب الله، إنما عن الانسان اللبناني، الذي يحق له حمل السلاح دفاعا عن أرضه. ومن المعروف، لمن يرغب بالمعرفة طبعا، أن بيئة المقاومة هي من الأكثر تعلّما وثقافة، ولعل نتائج الامتحانات الرسمية تشير بوضوح الى أن الأوائل في لبنان باتوا في الاعوام الأخيرة هم من أبناء الطائفة الشيعية، والأمر سيان إذا رصدنا الطلاب في الجامعات اللبنانية والخاصة، حتى أن المقاتلين في صفوف حزب الله تكشف أخيرا أنهم دكاترة من خريجي الجامعات الخاصة ومنهم الشهيد علي حدرج الذي نال الدكتوراه في هندسة الاتصالات الشهر الفائت من جامعة القديس يوسف.
وبالعودة الى مصطلح ثقافة الموت، فإن أبناء هذه الطائفة سواء أكانوا محازبين أم لا هم الأكثر محبة للحياة ولمظاهرها الجميلة من حياة عائلية وسفر وسهر [ولو كان ضمن ضوابط لدى البعض القليل] وكل ما تقوم به الطوائف الأخرى التي تتباهى بحبها للحياة.
وبالتالي، فإن البطريرك الماروني المعروف بأنه يبشر بعظاته بالمحبة وهي جوهر الديانة المسيحية لا بدّ أنه تسرّع قليلا في الاقتباس من هذا “المواطن” الذي صودف أن مفرداته حول “الهزائم” و”ثقافة الموت” هي ذاتها تلك التي يستخدمها أعداء المقاومة وبيئتها الأشرس والأشد عنصرية.