“مصدر دبلوماسي”
كتبت مارلين خليفة:
بينما كان وزير الخارجية والمغتربين الدكتور عبد الله بو حبيب يبلّغ وكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة بيير لاكروا امس الثلاثاء بأن “مزارع شبعا هي ركن أساسي في الحل الشامل وضرورة لوقف التوتر في جنوب لبنان ولا يمكن وضعها جانبا” بحسب بيان صادر عن الوزارة، كان “حزب الله” يقود المعارك الميدانية فيدّك مقر قيادة المنطقة الشمالية التابع للجيش الاسرائيلي في مدينة صفد المحتلة (قاعدة دادو) بعدد من المسيّرات الهجومية الانقضاضية، وهي المرّة الأولى التي يتوغّل فيها “حزب الله” قرابة الـ12 كيلومتر في العمق الاسرائيلي، وذلك في ردّ ثان بعد استهدافه قاعدة “ميرون” الجوية على اغتيال القيادي في حركة “حماس” صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت الاسبوع الفائت، ثم اغتيال القائد في وحدة الرضوان وسام الطويل المعروف بالحاج جواد يوم الاثنين الفائت وذلك بحسب بيان رسمي صادر عن المقاومة الاسلامية أمس.
تتنافس الحركة الدبلوماسية الغربية في اتجاه لبنان مع السخونة الميدانية المتصاعدة والمتدرجة في سلم التوتّر صعودا لا هبوطا، فالجبهة الجنوبية التي افتتح “حزب الله” اعمالها الحربية نصرة لغزّة في 8 تشرين الاول اكتوبر الفائت، أي بعد يوم واحد من عملية “طوفان الأقصى” التي قادتها حركة “حماس” في غلاف غزّة، تدرجت من ردود وضربات من “مسافة صفر” الى عمق في الجبهتين اللبنانية والاسرائيلية لا يتجاوز الـ5 الى 7 كيلومتر وصولا أمس الثلاثاء الى 12 كيلومتر للمرة الاولى منذ اندلاع المواجهات.
إن استهداف قاعدة صفد أو “دادو” له رمزية هامة، وهو الاستهداف الثاني لحزب الله بهذه الأهمية بعد استهداف ميرون وهو أنذر بانتقال العمليات من العسكرية الى الأمنية وهو أمر بدأته اسرائيل عبر سلسلة اغتيالات بدأتها في سوريا (العميد الايراني رضي الموسوي) والعراق (مسؤول في حركة النجباء مشتاق طالب السعيدي) ولبنان (صالح العاروري، والحاج جواد) ويبدو أنها مستمرة. وعلى وقع الميدان والدبلوماسية، يكثف الموفدون الدوليون الحركة في اتجاه لبنان وآخرهم بالأمس وزيرة خارجية المانيا أنالينا بيربوك ووكيل الأمين العام للامم المتحدة لعمليات حفظ السلام بيير لاكرروا وقبلهم الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الإتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، من دون اغفال حركة التفاوض غير المباشر على الوضع الميداني على الحدود التي يقودها الأميركيون عبر الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين الذي سيغطّ في لبنان هذا الأسبوع بعد زيارته الى تل أبيب الاسبوع الفائت والذي يوجّه برسائل إدارته الى “حزب الله” عبر ثلاث قنوات: رئيس المجلس النيابي نبيه بري ونائبه الياس أبو صعب والمدير العام السابق للأمن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم.
تصاعد سلّم التوتر
توجد أسباب واقعية لتوسّع سلّم التوتر والحرب وأخرى موضوعية تلجم تمددها لغاية اليوم.
فالجيش الاسرائيلي الذي يريد ترميم صورة الردع بعد عجزه عن تحقيق انتصار نظيف في غزّة، يبحث عن حرب مع لبنان ربطا بأمن مستوطنات الشمال التي تحوّلت الى منطقة عسكرية عازلة وقد نزح عنها قرابة الـ70 ألفا، فضلا أن أن الخلاف الاسرائيلي الأميركي حول “اليوم التالي في غزّة” وحلّ الدولتين بالاضافة الى الانتخابات الاسرائيلية المقبلة والتي ستفضي الى تشكيل حكومة جديدة عوامل ترفع من حظوظ الحرب.
في المقابل، ثمة اسباب تلجم توسّع الحرب، منها العمق الاستراتيجي لحزب الله سواء في لبنان أو سوريا او العراق، والجبهة المفتوحة التي يحوز بها الحزب والتي تتيح له توفير الامدادات اللازمة من صواريخ ومعدات طيلة أيام الحرب، فضلا عن قدرة حزب الله على ضرب البنى التحتية الاسرائيلية من محطات الكهرباء والمياه والمصانع وأماكن حيوية. بالرغم من كل الدعم المقدم لاسرائيل توجد رغبة أميركية واضحة بمنع بلتوجه نحو حرب شاملة بسبب ثروات الغاز والنفط والممرات المائية وأوكرانيا والصراع مع الصين وسواها. وبالرغم من سقوط قواعد الاشتباك في 8 تشرين الاول اكتوبر الفائت، فإن رقعة الحرب لا تزال مضبوطة لغاية اليوم بحسب أوساط على اطلاع واسع على مناخ حزب الله.
حزب الله واسرائيل طورا قدراتهما القتالية
في الواقع، تطورت الحرب الميدانية في الجنوب اللبناني عبر تطوير الطرفين لقدراتهما القتالية بشكل واضح وملموس وعلني. كان حزب الله يضرب على الحافة الأمامية، وبعد ان طورت اسرائيل التكتيكات القتالية وأدخلت المسيرات الهجومية، قام حزب الله بإدخال الدفاع الجوي والمسيرات وصاروخ البركان وسواه .
حين بدأت العمليات للمرة الأولى في مزارع شبعا وخارج قواعد الاشتباك حيث دكّ حزب الله 40 موقعا اسرائيليا في المسافة الأمامية من المزارع، ضرب الاسرائيليون نقاطا محددة أبرزها لجمعية “أخضر بلا حدود” ثم المراكز الخلفية ثم بدأوا باستهداف المدنيين ثم سيارات المقاتلين ثم ضربوا المراكز والبيوت التي يتواجد فيها المقاومون وصولا الى عمليات اغتيال آخرها يوم الاثنين للقائد في وحدة الرضوان وسام الطويل. كان عمق العمليات لا يتجاوز الـ 5 الى 7 كيلومتر، وكانت العمليات متماثلة: عندما استهدف الاسرائيليون المدنيين ضرب حزب الله المدنيين ايضا في كريات شمونة، عندما ضرب الحزب صاروخ ارض جو من اقليم التفاح ضرب الاسرائيليون المركز الذي انطلقت منه الصواريخ.
“حتى الآن سقطت قواعد الاشتباك ولكن نشأت قواعد جديدة للصراع، حين اغتيل صالح العاروري كان كلام السيد واضحا، إذا اعتبر أن ضرب الضاحية الجنوبية غير قابل للاحتمال، فرد الحزب بضربة قاسية جدا على قاعدة ميرون، ردّت اسرائيل باغتيال وسام الطويل فردّ الحزب بقصف قاعدة صفد”. تقول الاوساط الواسعة الاطلاع على مناخ “حزب الله”: إن العمليات لا تزال تستهدف لغاية اليوم العسكريين ومقتصرة على ضربات مواقع عسكرية، وبالتالي لا تزال الحرب مفتوحة خارج قواعد الاشتباك ولكنها محدودة بمعنى أنها لم تنتشر لتصبح في عمق كل الاراضي اللبنانية أو كل الأراض الفلسطينية المحتلة ولم يتم استخدام كل أنواع الاسلحة لغاية اليوم”. وتشير الاوساط الى انه “لا يوجد قرار دولي لغاية اليوم بحب شاملة ومن يلجم هذا القرار عنصران: الأول قدرة المقاومة على الردع، والثاني الرغبة الدولية والاقليمية في منع انتشار الحرب، ما يحصل اليوم من ضربات وضربات مضادة لا يزال ضمن قواعد الردع، وهي مختلفة عن الذهاب الى الحرب الشاملة”.
الانتقال الى الحرب الامنية
تبدّل وجه الحرب من عسكري الى أمني، تقول الاوساط الواسعة الاطلاع على مناخ “حزب الله”:” بموازاة العجز العسكري الاسرائيلي من تحقيق صورة نصر في غزة، لجأ الى العمل الأمني في خارج غزّة، رضي الموسوي أبو تقوى السعيدي صالح العاروري وسام الطويل كلها عمليات اغتيال تسعى اسرائيل من خلالها الى ترميم صورة الردع للقول بأنها قادرة على الوصول الى قادة المقاومة في اكثر من عاصمة، فتم الانتقال من العمل العسكري في غزة الى العمل الأمني خارجها”.
كم يؤثر اغتيال “الحاج جواد ” على عمل قوة الرضوان وهي قوة النخبة؟ تقول الاوساط الواسعة الاطلاع على مناخ “حزب الله”:” استشهد الحاج عماد نفسه [عماد مغنية مؤسس قوة الرضوان]، والسيد عباس أيضا [السيد عباس الموسوي]، والحاج جواد هو قائد ميداني في “الرضوان”. مما لا شك فيه بأن “حزب الله” ينظر الى سقوط كل شهيد بفخر واعتزاز ويعتبره مؤثرا في المسيرة كلها، ولكن عدد الشهداء تجاوز اليوم الـ150 شهيدا، ولا يزال “حزب الله” يقاتل وكأنه في يوم 8 تشرين الاول اكتوبر الفائت أي في اليوم الأول من القتال، ثانيا ليست هي المرة الاولى التي يستشهد فيها قائد في المقاومة، من حسان اللقيس الى مصطفى بدر الدين الى عماد مغنية وقبلهم الامين العام السيد عباس الموسوي، كما خسر “الحزب ” عددا كبيرا من القادة الميدانيين في سوريا، وبالتالي لا تتوقف المقاومة باستشهاد قائد ميداني أو من هو أعلى من قائد ميداني”.
وعن تهديد القادة الاسرائيليين بشكل مباشر للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وهل يأخذ الحزب هذا التهديد بعين الاعتبار؟ تقول الاوساط المذكورة:” ليست هي المرّة الأولى التي يهدّد فيها سماحة السيد، ويأخذ حزب الله التهديد بعين الاعتبار لأنه يواجه عدوا مجرما، ولو كان بمقدورهم الوصول الى السيد لما تأخروا لحظة”.
انتقال الدبلوماسية الغربية من التهديد الى الاغراء
في سياق الحركة الدبلوماسية، يطلب الموفدون الغربيون الذين يزورون لبنان ان يوقف حزب الله الحرب في جنوب لبنان “لكي يضع الاسرائيلي كل قدراته وتركيزه في غزّة”.
هذا هو الهدف الرئيسي للزيارات، وقد لجأ الغرب بداية الى التهديد من أجل تحقيق هذا الهدف، ونقلت رسائل بأن الاسرائيلي سيدمّر لبنان إذا لم يوقف “حزب الله” الحرب، وبعد أن وجد أن التهديد ليس ذي جدوى انتقل الى الاغراءات، أرسل الموفدين الدوليين للتحذير وكانت وزيرة خارجية فرنسا كاترين كولونا الأشد لهجة في نقل الرسائل بالإضافة الى رئيس جهاز المخابرات الخارجية الفرنسية السابق برنار إيمييه، ثم جاء الممثل الاعلة للسياسة الخارجية والامنية في الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل. ولما لم يمش الحال انتقلوا من التحذير الى الاغراء، وقد نقل نفس الموفدين هذا الاغراء وفي مقدمتهم برنار إيمييه والأميركيين عبر وسطاء لبنانيين في مقدمتهم الرئيس نبيه بري والياس أبو صعب واللواء عباس ابراهيم، وفحوى الرسائل كانت عن استعداد الاسرائيليين للنقاش في حسم ترسيم النقطة الحدودية الـ “بي وان” والانسحاب من الغجر ومزارع شبعا، بشرط وقف الحرب في جنوب لبنان، وجاءت النتيجة عبر ربط أي وقف للحرب في جنوب لبنان بوقف الحرب في غزّة. وقام السيد حسن نصر الله بتطوير هذه الصيغة حين تحدث في خطابه الأخير بمناسبة ذكرى اسبوع على رحيل الحاج محمد حسن ياغي في السادس من الجاري.
تحدث السيد نصر الله في خطابه قائلا:” توجد فرصة في أن يتمكن ان شاء الله بعد طي هذه المرحلة ووقف العدوان على غزة، ان يتمكن لبنان من تحرير بقية أرضه بدءا من نقطة الb 1 في الناقورة إلى الغجر إلى مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، نحن أمام فرصة تاريخية الآن للتحرير الكامل لكل شبرٍ من أرضنا اللبنانية، وأمام فرصة حقيقية لتثبيت معادلة تمنع فيها العدو الاسرائيلي من اختراق اجوائنا وبحرنا وسيادة بلدنا (…)”.
تقول الاوساط الواسعة الاطلاع على مناخ “حزب الله”: ” حوّل السيد التهديد الى فرصة، فحين تنتهي الحرب في غزّة ستنتهي الحرب حتما في جنوب لبنان، إن المستوطنين الخائفين من الرجوع الى مساكنهم بسبب وجود حزب الله في الجهة المقابلة يريدون ثمنا في مقابل أن يخرج حزب الله من جنوب النهر، وهي الفرصة التي حكى عنها السيد حسن، أي أنه من اجل توفير الامن في المستوطنات الشمالية لنعط حزب الله في المفاوضات غير المباشرة المزارع والغجر”. وعن استبعاد ضم مزارع شبعا الى التفاوض الذي يقوده هوكستين بسبب استراتيجيتها لاسرائيل تشير الأوساط:” الامر يتعلق بحجم المخاطر المحدقة بالعدو، ومطروح مثلا أن يتم تسليم هذه المزارع الى الامم المتحدة كونها متنازع عليها”.
“أو قفوا الحرب وخذوا ما تشاؤون” هو ملخص الرسائل الاميركية والاوروبية، مع ضرورة الاشارة الى انعدام الثقة الأميركية بفاعلية الرسائل الأوروبية التي تنقل الى لبنان بحسب اوساط دبلوماسية متقاطعة تحدثت الى موقع “مصدر دبلوماسي”. لا اجواء لغاية اليوم عما إذا كان “حزب الله” سيقبل لتنفيذ القرار 1701، ونقل سلاحه من جنوب الليطاني الى شماله ونتيجة المفاوضات هي رهن وقف الحرب في غزة”.
ولكن، هل بات حزب الله مستعدا للتفاوض حول فض نزاع حدودي كما ورد في صحيفة “الواشنطن بوست” في عددها الصادر في السادس من الشهر الجاري نقلا عم محللين لبنانيين وغربيين؟ تشير الاوساط:” لن يكون اتفاق حدودي مع اسرائيل، ربما يعود الوضع الى ما كان عليه بين عامي 2006 و 2023، والاسرائيلي هو من خرق القرار 1701.”. وماذا سيكون موقف حزب الله؟ تكتفي الاوساط بالإجابة:”عندما تنتهي الحرب في غزة ويتوقف العدوان نحكي”.