مقالات مختارة _ “رويترز”
يتعرض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لانتقادات من البعض الذين وصفوه بأنه مستبد سحق ما تبقى من معارضة بعد تجربة ديمقراطية استمرت لفترة وجيزة، في حين نال ثناء مؤيدين بسبب تعزيز الأمن وتطوير البنية التحتية بقيادة الجيش.
وفاز يوم الاثنين القائد العسكري السابق بولاية رئاسية ثالثة مدتها ست سنوات بعد حصوله على 89.6 بالمئة من الأصوات في انتخابات جرت في ظل مشهد هيمنت عليه الحرب في قطاع غزة وتداعيات تعثر الاقتصاد. وجاءت الانتخابات بعد عشر سنوات من الإطاحة بأول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر. ويقول الناشطون إن عشرات الآلاف سُجنوا في حملة القمع التي تلت ذلك، قبل أن يحول السيسي اهتمامه إلى المشاريع العملاقة وخطط التنمية التي تديرها الدولة والجيش.
والمشروع الرئيسي هو العاصمة الإدارية الجديدة التي تبلغ تكلفتها 58 مليار دولار وتقع في الصحراء شرقي القاهرة، وهي مكان قال السيسي إنه يمثل ميلاد جمهورية جديدة.
وقال “إحنا مش سايبين لا القاهرة ولا إسكندرية ولا بورسعيد ولا المحافظات (الأخرى). بنتحرك في كل القديم والجديد مع بعض.”
وبالنسبة لمنتقديه، دفع المدير السابق للمخابرات الحربية مصر إلى مستوى أعمق من الاستبداد يفوق عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، الذي أطاحت به انتفاضة شعبية في عام 2011 بعد أن حكم البلاد 30 عاما في ظل حالة الطوارئ.
وتقول جماعات حقوق الإنسان إن السيسي كمم أفواه المعارضين السياسيين والنشطاء ووسائل الإعلام، في حين نفّذت قوات الأمن عمليات اعتقال تعسفية وتعذيب مع الإفلات من العقاب. وأصدر القضاء أحكاما بالإعدام على مئات من أنصار جماعة الإخوان المسلمين منذ أن عزل السيسي القيادي بالجماعة محمد مرسي، الذي اختِير رئيسا في انتخابات حرة في عام 2012، بعد احتجاجات حاشدة على حكمه.
ويقول السيسي إنه لا يوجد معتقلون سياسيون في مصر وإن الاستقرار والأمن لهما أهمية قصوى وإن الدولة تسعى جاهدة لتوفير الحقوق الاجتماعية للمواطنين مثل السكن والوظائف. في عام 2013 عندما كان السيسي قائدا للقوات المسلحة ويحكم البلاد فعليا قُتل المئات خلال تفريق قوات الأمن لاعتصام كان يؤيد مرسي في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة. وقال مسؤولون مصريون إن بعض المحتجين كانوا مسلحين.
وبعد عزل مرسي، تم إلقاء القبض على قادة جماعة الإخوان، وقمع السيسي الحركة التي يصفها بأنها جماعة إرهابية، وتنفي جماعة الإخوان المسلمين أي علاقة لها بالعنف وتقول إنها إنما سعت للسلطة عبر الوسائل الديمقراطية.
وتأسست الجماعة قبل قرن وهي واحدة من أكثر المنظمات الإسلامية نفوذا في العالم وتمزج بين التعاليم الدينية والنشاط السياسي وبرامج الرعاية الاجتماعية.
وفعليا لم يعد لميدان رابعة وجود، إذ يمر أحد الجسور العديدة الجديدة التي بنيت في عهد السيسي مباشرة بالمنطقة. وشهد ميدان التحرير مهد انتفاضة عام 2011 بوسط القاهرة هو الآخر عملية تحديث يرى نقاد أنها تهدف إلى محو ذكرى الثورة المؤيدة للديمقراطية.
وقبل انتخابات 2018، حذر السيسي من أنه سيتم التعامل “بقوة غاشمة” مع أي شخص يهدد استقرار مصر. وقال “أموت قبل ما حد يلعب في أمنها”، مضيفا أن ثورة 2011 عندما وقف الجيش على الحياد بينما أُجبر مبارك على التنحي لن تتكرر.
وروى محمد البلتاجي القيادي في جماعة الإخوان المسلمين لقاءه بالسيسي ذات ليلة في ميدان التحرير عام 2011، وقال إن السيسي عرّف نفسه بهذه الكلمات “أنا اللواء عبد الفتاح. المخابرات”. وبحسب البلتاجي، فقد حذره السيسي من أن دما سيراق ما لم يقنع من معه بالتراجع ودعاه إلى إنهاء الاعتصام والثورة والعودة إلى ديارهم.
مع إحكام قبضته على البلاد بعد الإطاحة بمرسي، أدخل السيسي إصلاحات بدعم من صندوق النقد الدولي نالت استحسان العديد من الاقتصاديين.
ويهدف السيسي من وراء تطوير البنية التحتية المتداعية إلى تحفيز الاقتصاد وخلق فرص لعمل بعد عقود من النمو السكاني المتسارع وعمليات البناء غير المخطط لها. ومن بين المشاريع الإنشائية الضخمة التي دعمتها الدولة توسعة قناة السويس، ومشاريع زراعية وشبكة كبيرة من الطرق والجسور تمتد من شرق القاهرة والتي يتفقدها السيسي باستمرار.
لكن بعض الاقتصاديين يشيرون إلى استمرار عدم توفر فرص عمل لائقة للشباب وتزايد عبء الديون وإحكام الجيش قبضته على أصول اقتصادية رئيسية.
ويقول الرئيس المصري إن النمو السكاني في مصر يشكل مصدر قلق له. وقال السيسي لإحدى السيدات في 2022 “إنتي عندك ستة ومش قادرة أنا بقى عندي 100 مليون”ً والسيسي هو الأحدث في سلسلة من الرؤساء المصريين المنتمين إلى الجيش.
وسعى السيسي لتصحيح المسار عندما تولى منصبه في عام 2014 بعقد اجتماعات مع مجلس الوزراء في الساعة السابعة صباحا ومشاركته في سباق للدراجات الهوائية في عطلة نهاية الأسبوع الأولى له بعد تقلد منصبه كرئيس. وكانت الرسالة واضحة. الرئيس الجديد سوف ينجز الأمور.
ولا يثق السيسي في أي شيء يتعارض مع النظرة الصارمة للجيش بسبب خلفيته العسكرية. وقال هشام قاسم، الناشر السابق والناشط السياسي الذي تعرض للسجن هذا العام، إن السيسي سطَّح من دور الإعلام الذي كان يلعب دورا مؤثرا في مصر واستخدم الجيش لإبقاء القطاع الخاص تحت السيطرة.
وقال قاسم إن الطريقة التي أعاد السيسي بها الجيش إلى السلطة تظهر براعة حقيقية.
وقال سكان في الحي القديم بالقاهرة الذي ولد فيه السيسي في 19 نوفمبر تشرين الثاني عام 1954 إنه كان يتحلى بانضباط استثنائي حين كان صبيا صغيرا.
وبينما كان من كانوا في مثل سنه يلعبون كرة القدم أو يدخنون، كان السيسي وأصدقاؤه يرفعون أثقالا مصنوعة من الحجارة وأنابيب معدنية.
وقال جيران وأقارب إنه ينحدر من عائلة متدينة متماسكة ويحفظ القرآن الكريم.
وكان يعيش في شقة صغيرة على سطح مبنى قديم تملكه عائلته الكبيرة.
وعلى الرغم من أن الأسرة كانت ميسورة الحال نسبيا، سعى السيسي إلى إظهار ارتباطه بما يعانيه المصريون العاديون من ضيق العيش.
وعين مرسي السيسي قائدا للجيش ووزيرا للدفاع في أغسطس آب 2012 ظنا منه أن الجيش سيسمح لجماعة الإخوان المسلمين بتطبيق قائمة أولوياتها إذا كفلت للجيش حماية امتيازاته الراسخة.
وبعد أخطاء جماعة الإخوان في السلطة وتجمع حشود للمطالبة باستقالة مرسي، ظهر السيسي على شاشة التلفزيون في الثالث من يوليو تموز 2013 ليعلن انتهاء حكم الرئيس مرسي، ويعد بإجراء انتخابات فاز بها السيسي بأغلبية ساحقة في العام التالي.
وقدم السيسي نفسه كشخصية بسيطة لافتقاره للكاريزما والمهارات الخطابية التي تمتع بهما الرئيسان السابقان جمال عبد الناصر وأنور السادات.
وفي المناسبات العامة، يظهر محاطا بالوزراء وقيادات الجيش، ويدلي بتصريحات طويلة مرتجلة بالعامية جالسا على مقعده ومطالبا المسؤولين بالوفاء بالالتزامات في المواعيد النهائية. وفي الخارج، أقام السيسي علاقات جديدة في افريقيا وتقارب مع الصين وروسيا وايضا مع دول الخليج العربية التي ضخت مليارات الدولارات في مصر لتخفيف الصدمات الاقتصادية، قبل أن يتبنى نهجا أكثر حذرا. وتقلبت العلاقات مع الولايات المتحدة، المصدر الرئيسي للمساعدات العسكرية، مع تقلب السياسة في واشنطن. ونُقل عن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وصفه للسيسي بأنه “ديكتاتوري المفضل”. وانتقدت إدارة خلفه جو بايدن سجل السيسي في مجال حقوق الإنسان قبل أن تعزز التعاون معه في الصراع في قطاع غزة.