كتبت مارلين خليفة في موقع مصدر دبلوماسي:
تتوجه أنظار العالم نحو غزة، وتلعب الصين دورا في دعم استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يهدف الى وقف نهائي لإطلاق النار وادخال المزيد من المساعدات وانفاذ القوانين الانسانية الدولية. ترأست الصين مجلس الأمن الدولي الذي تتمتع فيه بحق الفيتو طيلة تشرين الثاني\نوفمبر الجاري، لكنّ مسعاها لوقف اطلاق النار لم يثمر قرارا أمميا بسبب الفيتو الأميركي. ما يجري على الأراضي الفلسطينية من غزة الى الضفة الغربية يشكل بعيون الصين إدانة سياسية قوية للولايات المتحدة الأميركية قبل اسرائيل، حيث تتعامل الادارة الاميركية بالمكيال الاسرائيلي، وبالتالي فإن أي “ضغط دولي على اسرائيل هو غير مجد، بل يجب السعي الى الضغط على الولايات المتحدة الأميركية” بحسب تعبير مصدر دبلوماسي صيني رفيع كان يتحدث في مجلس خاص.
يأتي التطور الجديد في العلاقات الصينية الأميركية بعد زيارة الرئيس الصيني تشي جين بينغ الى سان فرانسيسكو في 15 تشرين الاول\نوفمبرالجاري ولقائه لأربع ساعات الرئيس الأميركي جو بايدن في إطار سعي صيني الى بث المزيد من الايجابية بين القطبين العالميين في السياسة والتجارة والتكنولوجيا وقد نجحت القمة في ترطيب الاجواء، وأخذت غزّة حيزا ليس بواسع وسط جدول الأعمال المزدحم بين الدولتين وخصوصا وأن زيارة الرئيس تشي هي الاولى منذ اكثر من عام والثانية منذ بدء حكم الرئيس بايدن. لكن المصدر الدبلوماسي يشير الى أنه تم التطرق الى حل الدولتين وأهمية انعاشه. بحسب الرأي الصيني فإن هذا الحل “بعيد قليلا”، إلا أن المقاربة الشخصية للدبلوماسي الصيني الرفيع تفيد بأن هذا الحل بات أقرب بعد تاريخ 7 اكتوبر، وهو التاريخ الذي هاجمت فيه حركة حماس مستوطنات غلاف غزّة. لطالما تحدث الرئيس الصيني تشي جين بينغ عن حلّ الدولتين وخصوصا إباّن زيارته الى مقرّ جامعة الدول العربية في العام 2016 وحين زار الرياض إبان القمة الاولى الصينية العربية [في كانون الاول\ديسمبر 2022] حيث أثار حل الدولتين مع ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان.
وذهب الرئيس تشي بعيدا في مؤتمر دول “البريكس” الأخير في جوهانسبورغ [آب\اغسطس 2023] حين تحدث عن ضرورة عقد مؤتمر دولي للسلام ذات مصداقية، وهذا يشي بأن المؤتمرات السابقة ومنها في مدريد لم تؤد دورها. أما الحديث أية تسوية مستقبلية “فيجب أن تكون في إطار الأمم المتحدة، وأن تحوز موافقة واعترافا دوليين،وهذا يحتاج الى مشاركةمن الدول الأوروبية ومن روسيا والصين ومشاركة الكثير من الدول في العالم لإعادة الاعمار والعمل على حل الدولتين وانشاء دولة فلسطينية مستقلة. يقول الدبلوماسي الصيني:” لا يمكن الحديث عن السلام إذا لم يكن هنالك من عدالة ومن انصاف ووقف للحرب وإلا يكون سلاما مؤقتا وليس مستداما”.
هذه الرسالة سمعها وفد وزراء الخارجية العرب الذين زاروا الصين أخيرا والتقوا وزير خارجيتها وانغ يي في محطة أولى ضمن جولتهم التي شملت بلدانا عدة. “ستكون بكين المحطة الاسهل للوزراء العرب لأن مواقفها معروفة وستكون واشنطن المحطة الأصعب، واي ضغط على اسرائيل يمر بالضغط على الولايات المتحدة الاميركية”. علما ان العديد من الاستثمارات الصينية خرجت من اسرائيل ابان الحرب الاخيرة.
للصين علاقة روحية مع القضية الفلسطينية، واسرائيل لا يمكن ان تقبل بها وسيطا كما رفضتها يوما في اللجنة الرباعية حول الشرق الاوسط [العام 2002] لذا تنتهج الصين جانب الحيادية في أية وساطة حالية بين الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل من جهة وحركة حماس من جهة ثانية. توجد قناة خاصة بين الصين وحركة حماس “ولكنها محدودة ومحددة وهي للتواصل فحسب”. تربط الصين علاقات رسمية وطيدة مع السلطة الفلسطينية وحركة “فتح” حيث يوجد مكتب دبلوماسي صيني في رام الله، وليس من تمثيل دبلوماسي صيني في غزّة، باستثناء بعض الزيجات المختلطة بين صينيين وفلسطينيين. لذا لم تشارك الصين في أية مفاوضات بين الطرفين تتعلق بالهدنة أو بتبادل الاسرى او المحتجزين.
لبنان والقرار 1701
بالحديث عن لبنان، تشارك الصين بـ400 جندي وضابط في اطار قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان “اليونيفيل”، وبعيد صدور التقرير الجديد للأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرش حول القرار 1701 يقول الدبلوماسي الصيني أن هذا القرار:” يجب أن ينفذ من الجانبين اللبناني والاسرائيلي على حد سواء، لأنه توجد خروق برية وبحرية وجوية اسرائيلية يومية”. يستبعد الدبلوماسي الصيني بشدة ادراج هذا القرار تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة :” اعتقد بأن الولايات المتحدة الأميركية هي بذاتها سوف تعارض هذا الأمر، لأن ذلك يعني الضغط على اسرائيل ايضا. لن تقبل الولايات المتحدة الأميركية أي قرار دولي يعرض اسرائيل الى البند السابع، كما انه لا توجد دولة مشاركة مستعدة لتوسيع صلاحيات قواتها لتصبح ذات طبيعة قتالية”.أي انتقال الى البند السابع يرتب على الدول المشاركة المزيد من الانخراط المختلف حيث سيكون لها حق انفاذ القرار بالقوة ولا يدري أحد في اي اتجاه سيكون ذلك أي في اتجاه لبنان او اسرائيل. “لن تقبل الولايات المتحدة الأميركية بتغيير تفويض قوات اليونيفيل” ووضعه تحت البند السابع، ليس بسبب لبنان بل بسبب اسرائيل، وكل الضغوط الموجودة حاليا هي لكسب معركة دبلوماسية في مجلس الامن الدولي لأنه يوجد خطر مستقبلا على اسرائيل”.
تحديات جيو-سياسية
تواجه الصين تحديات جيو سياسية مختلفة منها مشروع الممر الاقتصادي الهندي الذي تدعمه الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الاوروبي ويتمحور حول ربط الهند بأوروبا عبر الشرق الاوسط بما يخفض التكاليف اللواجستية للنقل ويعزز فرص التنمية في المنطقة التي يشملها.
إلا أن الدبلوماسية الصينية تأخذ الامر برحابة:” هذا يدل على نجاح مبادرة الحزام والطريق [بدأها الرئيس تشي رسميا في العام 2013] التي لم تشارك فيها الهند، بل بادرت الى اقتراح شبيه بطريق الحرير الصينية لنقل البضائع الى اوروبا. وطالما أن هذه المشاريع متاحة للجميع فأهلا وسهلا بها”. شاركت 170 دولة لغاية الآن بمبادرة الحزام والطريق، “نحن كدولة الصين يمكننا المنافسة لنرى من سيكون أمجح في بناء البنى التحتيى في الشرق الأوسط والسعودية والاردن ولبنان واسرائيل”.
وبالرغم من التواضع الصيني المنبثق من فلسفة الاجداد والمعاناة التاريخية للدولة فإن نفوذها يتوسع في نطاقات مختلفة وأبرزها سوف نشهده في بداية العام 2024 حيث سيزيد أعضاء دول مجموعة البريكس من 5 اعضاء الى 11 عضوا، وستشكل البوتقة السياسية والاقتصادية المنافسة لمجموعة العشرين حيث انها تسيطر على 20 في المئة من الاقتصاد العالمي. أما الدول الجديدة المنضوية فهي المملكة العربية السعودية ومصر وايران والامارات العربية المتحدة والارجنتين واثيوبيا.
نشر هذا التقرير بالتعاون مع صحيفة “اللواء