كتبت مارلين خليفة في موقع “مصدر دبلوماسي”:
لا تلوح في الأفق القريب بوادر انفراج في حرب غزّة. ينقل محللون اسرائيليون أن الحرب ستستمر لأسابيع وربما لثلاثة أشهر بعد، في هذا الوقت لا تزال جبهة جنوب لبنان وهي الجبهة الشمالية مع اسرائيل مشتعلة منذ الثامن من تشرين الاول\اكتوبر الفائت، ولكنها جبهة تتوسع شيئا فشيئا بطريقة مدروسة لغاية الآن بالرغم من كسر الطرفين أي حزب الله والجيش الاسرائيلي لقواعد الاشتباك المتعارف عليها منذ العام 2006 والمتمثلة اختصارا بضرب هدف يقابله ضرب هدف آخر. فما صحة أن جبهة الجنوب ستشتعل وتمتد لحرب شاملة؟
لا تشي تطوّرات الميدان في الأيام الأخيرة بكثير من الهدوء بل بالعكس فقد استهدف الطيران الحربي الاسرائيلي فجر السبت الفائت في 19 تشرين الثاني\ نوفمبر الجاري عمق منطقة النبطية في جنوب لبنان، للمرة الأولى منذ حرب تموز\ يوليو 2006، حيث أطلقت مسيرة قرابة الرابعة والربع فجرا صاروخين في اتجاه معمل لأشغال الألومينيوم الواقع على طريق تول-الكفور ما ادى الى احتراقه كاملا. سبق هذا الحدث اسقاط حزب الله عند الواحدة والربع من فجر السبت لطائرة حربية اسرائيلية من نوع هيرميز 450 وهي طائرة مسيرة قتالية متعددة المهام، وذلك بواسطة صاروخ أرض جو، ولفت بيان للحزب بأن “حطامها شوهد يتساقط فوق منطقة اصبع الجليل”.
أمس الاثنين، أعلن حزب الله استهدافه مركز قيادة الفرقة 91 في ثكنة برانيت الإسرائيلية بـ4 صواريخ بركان من العيار الثقيل.
وأشار الحزب -في بيان- إلى أنه استهدف ثكنة برانيت قبالة الحدود اللبنانية على دفعتين، وثكنة زبدين الإسرائيلية في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، وأنه حقق ما وصفها بالإصابات المباشرة فيهما، حدث ذلك بصواريخ “بركان” التي تم استخدامها في سوريا ضد “التكفيريين” بحسب تقرير لقناة “المنار” التابعة لحزب الله، ويتميز الصاروخ الذي أعلن عنه أخيرا بأنه قصير المدى ذات رأس متفجر وزنه 100 كيلوغرام وبقطر تدميري يصل الى نحو 150 مترا، يصنع محليا من قبل حزب الله الذي طوّر منه نسختي طوفان – وأبو طالب، فبات مداه يصل إلى 10 كيلومترات.
كوابح اسرائيل
التعليمات السياسية للجيش الإسرائيلي في الشمال هي أن تكون ردوده مدروسة وحذرة، من دون التدهور إلى حرب شاملة بحسب تقرير لقناة 12 الاسرائيلية.
من وجهة النظر الاسرائيلية وبحسب تقرير القناة 12 المذكورة توجد 3 كوابح لعدم نشوب حرب شاملة مع لبنان راهنا هي:
الكابح الأول: يعتبر حزب الله “جوهرة التاج” بالنسبة إلى إيران ومكونا مركزيا في سياسة الأمن القومي الإيراني وله دور مركزي في بقاء النظام، إذا هاجمت إسرائيل المنشآت النووية في إيران. من هنا فإن احتمال تفريط إيران بهذه القدرات التي بنتها طوال سنوات من أجل مساعدة “حماس”، ضئيل.
الكابح الثاني هو الوجود العسكري الكثيف للولايات المتحدة في مقابل السواحل اللبنانية، وفي البحر الأحمر وفي الخليج الفارسي. الهدف من هذا الوجود ردع إيران وأذرعتها عن الدخول في حرب إقليمية.
لا يزال حزب الله يمتلك زمام المبادرة والتصعيد وعين اسرائيل على قوّة النخبة عنده وهي قوة الرضوان والتي ترغب بحسب التقرير الآنف الذكر للقناة 12 بضربها: “يتعين على الجيش الإسرائيلي استغلال حرب الاستنزاف من أجل توجيه ضربة قوية إلى قوة الكوماندوس (الرضوان) وبناها التحتية وليس فقط على خط التماس. من الممكن الوصول إلى بضعة كيلومترات شمالي الحدود، كجزء من ضربة استباقية تقوم بها إسرائيل في هذا القتال”.
كوابح “حزب الله”
صحيح بأن قصف الجيش الاسرائيلي معملا للألومينيوم في مدينة النبطية يشكل تطوّرا خطر لم تشهده الجبهة الجنوبية بهذا العمق منذ حرب تموز 2006، إلا أن الأمر لا يزال في إطار “التطوّرات الخاصة بالميدان” بحسب توصيف اوساط قريبة من “حزب الله”.
تمكّن حزب الله عبر جبهة جنوب لبنان من انشاء منطقة عازلة تمتد بعمق 40 مستوطنة من ساحل شرق المتوسط الى منطقة اصبع الجليل على سفح مزارع شبعا المحتلة. وقد اكد رئيس مجلس الامن القومي الاسرائيلي السابق “ان الوضع في الشمال اكثر تعقيداً من الجنوب، حتى لو تحقق وقف لاطلاق النار فإن السكان لن يعودوا”.
في المقابل، أي في لبنان، غادر 50 ألفا من سكّان المناطق الحدودية مع اسرائيل بيوتهم في قرى وبلدات مختلفة منها: بليدا وعيترون ورب تلاتين وكفرا وسواها من القرى والبلدات الحدودية، كما أن المدارس والاعمال لا تزال مقفلة. بالرغم من ذلك فإن اوساطا مقرّبة من “الحزب” تحدثت الى موقع “مصدر دبلوماسي” مقللة من وطأة هذا التطوّر مجزّئة “المهجرين” الى 3 مجموعات: من يستقرون شتاء في بيروت بشكل اعتيادي، من قرروا استئجار شقق في الجنوب ومناطق لبنانية أخرى تحسّبا لأي تصعيد، بينما يبقى قرابة الـ10 آلاف مهجّر قصدوا المدارس في الجنوب وخصوصا في مدينة صور وبعض القرى والبلدات. فالخطر بالنسبة الى سكّان جنوب لبنان داهم، ولا يمكن المزاح مع تصعيد حربي حاسم في حين أن الجبهة الجنوبية حصدت لغاية اليوم 75 شهيدا: 66 في لبنان، 7 في سوريا و2 من سرايا المقاومة.
مصادر في “حزب الله”: نحن في خضمّ الحرب
“نحن في حالة حرب حقيقية، لكنها ليست شاملة بعد، تستخدم فيها كل انواع الاسلحة، لم تتمدد الى الاقليم لكنها جبهة مناصرة فعلية للشعب الفلسطيني” يقول مصدر واسع الاطلاع على مناخ “حزب الله” لموقع “مصدر دبلوماسي”. تجاوزت الحوادث الحاصلة قواعد الاشتباك، أي “ضرب هدف مقابل هدف آخر”. بات الطرفان اليوم في حرب حقيقية وهي ليست مجرد “جبهة اشغال” أو “مساندة” فحسب: يتعدّى عدد العمليات يوميا العشرة هجومات بصواريخ “بركان” وصواريخ “أرض جوّ”، يرسل “الحزب” الى اسرائيل طائرات انتحارية وأخرى استطلاعية.
إن توسيع القصف الى النبطية له علاقة بالظروف الميدانية، وهو يرتبط بشكل كبير بالخسائر الكبرى التي تكبدّها الجيش الاسرائيلي جرّاء القصف والقصف المتبادل. حيث يسقط أحيانا العديد من القتلى والجرحى ويتم قصف مراكز حساسة او اسقاط سلاح نوعي مثل طائرة هيرميز 450 كما حصل عند الساعة الواحدة والنصف فجر السبت الفائت، فردّ الاسرائيليون فجرا ايضا بقصف معمل الألومينيوم.
كان “حزب الله” هو الذي بادر الى استخدام أسلحة نوعية، وكان أمينه العام السيد حسن نصر الله اعلن سابقا بأن مشاركته ستتدرج كما ونوعا وعمقا، وهي تدرجت فعليا من حيث عدد العمليات، وتطورت نوعا إذ لم يكن يتم استخدام الطائرات المسيّرة بشكل كبير ولا طائرات أرض-جوّ وصواريخ “بركان”، وعمقا، حيث تم ضرب صليات كاتيوشا على مستوطنة كريات شمونة في الداخل الاسرائيلي بعد استهداف اسرائيل سيارة مدنية قرب عيناتا واستشهاد 3 فتيات وجدّتهنّ.
3 عناصر تحكم تمدّد الحرب في الجبهة الجنوبية
هل من الممكن أن يؤدي ذلك الى تصعيد شامل على صعيد المنطقة؟ بحسب الاوساط المذكورة توجد اليوم 3 عناصر رئيسية تحكم هذا الموضوع: وجود جبهة في غزّة ما يصعّب على الجيش الاسرائيلي القتال على جبهتين، ثانيا، لا يرغب الاميركيون في التصعيد المبالغ فيه والذي من الممكن أن يؤدي الى حرب شاملة وهم اصحاب القرار الفعلي في إدارة المعارك، ويتمثل العنصر الثالث في جهوزية المقاومة العالية وقدرتها على الرّدع والرّد ما يجعل الاسرائيليين يترددون في المخاطرة بالرغم من وجود بعض الرؤوس الحامية التي تقول أنه بما أن الجيش الاسرائيلي هو الآن في أعلى درجات الاستنفار والجهوزية وبما أن حاملات الطائرات موجودة في المنطقة فمن المفيد القيام بعملية استباقية ضد حزب الله”. يضيف المصدر المذكور:” لكن هؤلاء يدركون بأن هذه العملية لن تكون نزهة بل إن النار بالنار وبالتالي فإن هذه العناصر قد تمنع من الذهاب الى تصعيد خطر أي الى حرب شاملة، ولكن مع هكذا عدوّ فإن كل الاحتمالات واردة”.
تبقى نسبة الانزلاق الى الحرب “ضئيلة لغاية الآن، لأن أي حرب محتملة تكون بقرار وليس بسبب انزلاق محدد”. تقول الاوساط وذلك ردا على سؤالنا حول السيناريوهات الغربية عن احتمال انزلاق، وتشير:”إن فكرة الانزلاق الى الحرب هي فكرة صغيرة ونسبتها ضئيلة لأن أي حرب ستكون بقرار من أحد الطرفين إما الحزب او اسرائيل”.
مصير حماس: حزب الله مطمئن
هل إن تدهور الحالة العسكرية لحركة حماس سيكون دافعا لخوض حزب الله حربا شاملة؟
تشير الاوسط المقربة من حزب الله:” كان الأمين العام لحزب الله واضحا في خطابه الاول من أن الذهاب الى الحرب يحتّمه وجود شرطين: خطر وجودي على حماس والسبب الثاني أن يقوم العدو الاسرائيلي بالاعتداء على لبنان، ولغاية الآن لم يتوسع العدوان على لبنان. بالنسبة الى حماس، إن حزب الله هو على صلة يومية بغرفة عمليات المقاومة في غزّة وفي لبنان، لا يزال الجسم العسكري لحركة حماس اليوم بخير، لا تزال إمكاناتها القتالية قوية، لا يزال حضورها فوق الأرض وتحتها مسيطر عليه، وطالما أن حركة “حماس” قادرة على اخراج مقاتليها والالتحام بالدبابات الاسرائيلية وعلى اطلاق صواريخ ولا تزال مسيطرة تماما على مقدراتها فهذا يعني أن الحركة لا تزال بخير. إن فكرة القضاء على حماس وانهائها فكرة حمقاء، تشبه حماقة الاسرائيليين في العام 2006 حين قالوا بأنهم سيقضون نهائيا على حزب الله وطرده كليا من جنوب الليطاني وسواها من التهديدات”.
قوة الرضوان
ورد في الاعلام الاسرائيلي [القناة 12] أنه يتعين على الجيش الاسرائيلي استغلال حرب الاستنزاف من أجل توجيه ضربة قوية الى قوّة الكوماندوس أي الرضوان ولبناها التحتية، وأنه من الممكن الوصول الى بضعة كيلومترات شمالي الحدود كجزء من ضربة استباقية تقوم بها اسرائيل في هذا القتال. تعلق الاوساط المقربة من حزب الله:” إن الرضوان هي فرقة النخبة والتدخل من ضمن حزب الله، هؤلاء يعيشون هاجس قوة الرضوان منذ اليوم الذي نظّم فيه حزب الله العرض العسكري في “كسّارة العروش”، [في ذكرى التحرير] وعلموا بأن “الرضوان” هي الفرقة المكلّفة بالعبور الى الجليل، هم قلقون منها وهذه الفرقة هي مصدر فخر للمقاومة وعليهم أن يبقوا قلقين منها ولكن الرضوان هي الحزب والحزب هو الناس”.
تهجير “حزب الله” الى شمال الليطاني عبر القرار 1701
بحسب تقرير ورد في الصحف الاسرائيلية فإن: انتهاء الحرب البرية من غزة بعد عدة اسابيع، والتوصل الى صفقة شاملة بشأن المخطوفين، سيبدأ الجيش الاسرائيلي في تركيز قواته في الشمال، تحضيرا لمعركة مع “حزب الله”، ويجب على اسرائيل الطلب من لبنان وبصورة قاطعة التنفيذ الكامل للقرار 1701 أي انسحاب قوات “حزب الله” الى شمالي نهر الليطاني وأن تكون المنطقة خالية من الوجود العسكري لحزب الله”.
تعلق الاوساط المقربة من “حزب الله”:” ما لم يتحقق بعد حرب تموز 2006 لن يتحقق في 2023، الحزب هو الناس، وهؤلاء موجودون في جنوب الليطاني الذي يشكل جغرافيا نصف الجنوب وربما أكثر. هذا كلام لا اسناد ولا وزن له”.
وحدة الساحات
هل ستؤثر حرب غزة على مفهوم وحدة الساحات؟ وخصوصا مع وجود انتقادات لعدم انخراط حزب الله الكامل والشامل في الحرب؟ تشرح الاوساط المقربة من حزب الله:
لا تعني وحدة الساحات أنه إذا قرر فريق الذهاب الى المعركة يلحقه الجميع، في العام 2006 ذهب حزب الله الى الحرب وحيدا، وفي 2008 و2014 ذهبت غزة الى المعركة لوحدها، المقصود بوحدة الساحات بأن هذه الساحات كلّها متضامنة مع بعضها البعض ومتعاونة مع بعضها البعض وتتبادل الافكار والآراء والمعلومات والدعم والاسناد، وكل فريق يقوم بما هو قادر عليه. حماس رأت ان مصلحتها بألا تخبر أحدا من حلفائها في المحور، وهذا لم يكن مصدر ازعاج او احراج لحزب الله بالعكس، إن ادارة ساحة حماس اقتضت القيام بالعملية، في المقابل إن ادارة ساحة جنوب لبنان تقتضي الدفاع والقتال بهذا القدر وهذا المستوى”.