مقالات مختارة
ديفيد إغناتيوس
صحيفة الواشنطن بوست
بعد ستة أسابيع من القتال العنيف والحصيلة المروعة من القتلى المدنيين، يرى القادة العسكريون الإسرائيليون أن حرب غزة تنتقل إلى مرحلة جديدة تتطلب قوات أقل وقصفاً أقل بكثير، ويجب أن تؤدي إلى عدد أقل من الضحايا الفلسطينيين، ويأملون ان ينتهي كل ذلك بأن يعلق مقاتلو حماس في متاهة الأنفاق الموجودة تحت المدينة.
انظر إلى خريطة قطاع غزة ويمكنك أن ترى الحليف الطبيعي لإسرائيل. إنه البحر الأبيض المتوسط. إن إرسال جنود إسرائيليين إلى الأنفاق سيكون معركة طويلة ومكلفة؛ فيما سيكون قصف الأنفاق عشوائياً وقد يؤدي إلى مقتل المزيد من المدنيين، لكن الحقيقة الجغرافية المتمثلة في أن غزة تقع على حدود البحر الأبيض المتوسط قد تمنح إسرائيل ميزة في نهاية هذا الصراع.
لقد كانت حرب غزة بمثابة مأساة، بدءاً من الهجوم الإرهابي الوحشي الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول والذي أدى إلى اندلاع هذه الحرب، وصولاً إلى الكارثة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون والتي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا. اما على الصعيد العسكري، فقد كانت الحملة الإسرائيلية ضد حماس مستمرة بلا كلل وناجحة، لكن العديد من الإسرائيليين يدركون أنهم يخسرون حرب المعلومات بينما يشاهد العالم صور المعاناة الفلسطينية الرهيبة.
خلال نهاية الأسبوع الماضي في مدينة غزة، شاهدت المسيرة البطيئة للاجئين الفلسطينيين الفارين من المذبحة. لقد تركت تلك الصور لسكان غزة المصابين بالصدمة والمحرومين انطباعا لا يمحى، لكنها جعلتني أيضًا أرغب في أن أفهم بشكل أفضل كيف تقوم إسرائيل بصياغة خطتها للحرب، فهل تعلم قيادة الدولة الاسرائيلية إلى أين تتجه الحملة على غزة؟ للحصول على بعض الإجابات، التقيت بما يقرب من اثني عشر من كبار قادة قوات الدفاع الإسرائيلية وأجريت معظم المقابلات في المجمع العسكري المعروف باسم “الكريا”في وسط تل أبيب، حيث يتدفق الجنود الشباب وجنود الاحتياط عبر البوابة الرئيسية ليلاً ونهارًا. الأشخاص الذين التقيت بهم كانوا جنودًا محترفين ومفكرين وقد خرجت معجبًا بمهارتهم وتفانيهم، ولكن الحقيقة التي خرجت بها منهم هي ان اسرائيل لا تملك حتى الآن تصوراً واضحاً عن “اليوم التالي” في غزة.
يتفق القادة السياسيون والعسكريون على ضرورة تدمير حماس وقطع أي اتصالات إسرائيلية بغزة ولكن لا يوجد إجماع بشأن الخطوات التالية. يملك القادة والقادة السياسيون أفكارا وآمالا وطموحات، وهم يدركون، على نحو متزايد، أنه إذا لم تقم إسرائيل بعمل أفضل بشكل كبير فيما يتعلق بالقضايا الإنسانية في هذه الحرب، فسوف تلحق الضرر بعلاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا والجيران العرب مثل الأردن ومصر والإمارات وربما السعودية.
يقول يوآف جالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي، في مؤتمر صحفي إنه منفتح على أي حل يسمح لإسرائيل بقطع حبل العلاقة مع غزة، طالما أنه يلتزم بصيغة بسيطة: “في نهاية الحرب، سوف يجري تدمير حماس، ولن يكون هناك تهديد عسكري لإسرائيل من القطاع، ولن تكون إسرائيل في غزة”. ويقول الأدميرال دانييل هاغاري، رئيس مكتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إن الهدف في غزة يكمن في “إنهاء وجود حماس، وعدم قيام الفوضى”. حسنًا، لكن هذا الكلام لا يقدم الشيء الكثير عن المستقبل. أهم ما استخلصته من محادثاتي هنا هو أن إسرائيل والفلسطينيين بحاجة إلى المساعدة في فهم المستقبل – وخاصة من الولايات المتحدة.
إن المقاتلين منغمسون في هذا الصراع، ويشعرون بصدمة نفسية شديدة بسببه بحيث لا يفكرون فيما سيأتي بعد ذلك، وهذا هو المكان الذي يمكن للأصدقاء المساعدة فيه. ولكنني احذر القراء: هذه المقالة هي محاولة لاستكشاف كيفية إدارة إسرائيل لما قد يكون حرب المدن الأكثر صعوبة وإثارة للجدل في التاريخ الحديث، والمقال يرى هذا الصراع الرهيب من خلال عيون إسرائيلية إلى حد كبير. لكنني مدين للقراء بحكمي الخاص: لقد أقنعتني هذه الحرب أكثر من أي وقت مضى بأن الفلسطينيين بحاجة إلى دولة خاصة بهم تدار بشكل جيد، بدون حماس، حيث يمكنهم العيش بكرامة وسلام مع إسرائيل، كما يفعل معظم جيرانهم العرب حاليًا، وإذا تمكنت الولايات المتحدة من مساعدة الإسرائيليين والفلسطينيين على تحقيق هذه النتيجة، فإن هذه الحرب، بكل أهوالها، قد تنتج بعض الخير. لقد بدأ كل ضابط إسرائيلي التقيته تقريبًا قصته بنفس الطريقة: ما كانوا يفعلونه في الساعة السادسة والنصف صباحًا يوم السابع من أكتوبر عندما سمعوا التقارير الأولى عن هجوم حماس الشرس. لقد كانت عطلة نهاية الأسبوع في اسرائيل وكان معظم الجنود مع عائلاتهم، وحالما تدفقت الأخبار، تحرك الكثيرون على الفور للانضمام إلى وحداتهم؛ ووصف العديد منهم كيف علموا زوجاتهم وأبنائهم الأكبر سناً بسرعة إطلاق النار من الأسلحة الآلية.
كان الجيش الإسرائيلي في تلك الأيام الأولى، مهزوزاً وغير مستعد حيث لم يتخيل القادة هجومًا كهذا قط. توجب على قادة الجيش الإسرائيلي في كيريا أن يضعوا خططا سريعة في تلك الأيام الأولى، بدلا من اتباع النصوص التفصيلية التي وجهت كل حرب منذ عام 1982.
كان القادة الإسرائيليون قلقين للغاية من أن إيران ووكلائها سوف يستغلون ارتباكهم لدرجة أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اقترب من توجيه ضربة استباقية ضد حزب الله في لبنان ولكن لحسن الحظ، تمكنت القرارات الموزونة من ضبط الأمور فيما بعد.
تم تشكيل خطة معركة تقريبية في تلك الايام الأولى حيث ستكون المرحلة الأولى من الحرب عبارة عن قصف متواصل لمدة ثلاثة أسابيع، وستقوم القوات الجوية الإسرائيلية بمهاجمة البنية التحتية لحماس، مما يمنح القوات الوقت الكافي للتجمع والتدريب على الغزو البري، ويسمح للمخططين بدراسة الخيارات وإعدادها. وكانت المرحلة الثانية هي الهجوم البري الذي بدأ في 27 أكتوبر/تشرين الأول، وقدر القادة أنه من المحتمل أن يستمر ثلاثة أشهر. إذا استمر الأمر كل هذه المدة، فإن الاقتصاد الإسرائيلي، الذي يعتمد على أكثر من 300 ألف جندي احتياطي تم استدعاؤهم، سوف يبدأ في الانهيار. كان التحدي المؤلم الذي يواجهه جيش الدفاع الإسرائيلي يتمثل في سحق حماس دون قتل ما يقرب من 240 رهينة إسرائيلية وأجنبية محتجزين تحت الأرض ولكن يبدو أن العديد من الرهائن ماتوا مع تقدم الحملة، على الرغم من أننا لا نعرف أي تفاصيل.
كان مفهوم الحملة البرية بسيطا: تقسيم غزة إلى قسمين ودفع المدنيين جنوبا بينما تهاجم إسرائيل معاقل حماس في الشمال، وكان الهدف من الحملة هو فصل حماس عن السكان المدنيين، وهو مبدأ كلاسيكي في حرب مكافحة التمرد. يقول الإسرائيليون إنهم أسقطوا منشورات وأصدروا تحذيرات وأجروا مكالمات هاتفية، ولكن كانت هذه الاستراتيجية غير واقعية بصراحة: فحماس كانت في كل مكان، ولم يتمكن المدنيون لأسابيع من الانتقال إلى مكان آمن ووقعوا في النهاية في مرمى النيران الوحشية.
يخضع شمال غزة الآن إلى حد كبير للسيطرة الإسرائيلية وفي هذه العملية، تم تحويله إلى هيكل عظمي من المباني.
عندما كنت أقف في شارع صلاح الدين بمدينة غزة قبل أسبوع، رأيت مباني مدمرة في كل اتجاه وكانت حماس قد فقدت السيطرة على شمال القطاع. قال نتنياهو في نهاية الأسبوع الماضي: “ليس لديهم مكان آمن للاختباء”، وأوضح ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي ما حدث في الشمال بهذه الطريقة: “للتغلب على نظام ما، عليك كسر نقاط جاذبيته، ومن ثم ينهار”. كان هذا النجاح في ساحة المعركة مكلفًا على صعيد حرب المعلومات، فقد زعمت إسرائيل أن حماس تختبئ خلف المدنيين وحتى في المستشفيات، وأيدت إدارة بايدن هذا الادعاء، ولكن مع ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين، بدا أن الكثير من دول العالم غير مقتنعة بذلك.
ستركز المرحلة التالية على جنوب غزة، حيث فر أكثر من مليون مدني يائس، ربما مع يحيى السنوار احد كبار القادة السياسيين في حماس، الذي يعتقد مسؤولو الجيش الإسرائيلي أنه يختبئ في الأنفاق تحت مسقط رأسه في خان يونس.
سيحاول الجيش الإسرائيلي فصل ساحة المعركة – وتقسيمها إلى أهداف عسكرية حول خان يونس ومناطق مدنية آمنة في الغرب وفق نفس ما قام به في شمال غزة، لكن هذا الفصل قد يكون صعباً كما كان في الشمال، حيث وقع المدنيون مرة أخرى في مرمى النيران المتبادلة.
تخطط إسرائيل لإنشاء مدينة خيام واسعة للاجئين في المواصي، على الساحل شمال حدود غزة مع مصر من أجل رعاية الفلسطينيين الذين فروا من مناطق القتال، وينبغي أن يسمح الموقع بإيصال الإمدادات الإنسانية بسهولة عن طريق البر والبحر
. كما يرغب القادة الإسرائيليون في إنشاء مرافق طبية مؤقتة بسرعة لآلاف المدنيين الجرحى المهددين الآن بالمجاعة والأمراض المعدية بعد الانتقادات الدولية الشديدة للمعارك التي خاضتها اسرائيل في المستشفيات في شمال غزة. على الإسرائيليين أن يفهموا أن هذه الإغاثة الإنسانية ليست مسألة هامشية بل ضرورية للغاية لتحقيق أهدافهم الحربية. يدرك بعض كبار الجنرالات هذه الحقيقة، ويقول أحد القادة المخضرمين: “يجب أن تكون الجهود الإنسانية بمثابة كرة ثلج، بحيث تجمع الأصدقاء من الخليج والسعودية والأردن ومصر”، لكنني لست متأكدا من أن السياسيين الإسرائيليين أو الجمهور الغاضب والمصدوم مقتنعون بذلك. كما يتبنى الجيش الإسرائيلي تكتيكًا استخدمته وكالة المخابرات المركزية بشكل فعال خلال الحرب في أوكرانيا في محاولة لخوض حرب المعلومات بشكل أفضل، وهو رفع السرية عن المعلومات الاستخبارية ودفعها إلى المجال العام. ويشارك المتحدثون باسم الجيش الإسرائيلي ما يقولون إنها اعتراضات لاتصالات المدنيين الفلسطينيين الغاضبين من حماس، وصور لما يقولون إنه إطلاق صواريخ من القاذفات بالقرب من المدارس وعرض مخابئ أسلحة يُزعم أنها مخبأة داخل المستشفيات وغيرها من المعلومات الحساسة.
على افتراض أن الأدلة التي يقدمها الجيش الإسرائيلي دقيقة، فهل يبرر تواجد حماس بالقرب من المدارس والمستشفيات التفجيرات التي قتلت العديد من المدنيين في مكان قريب؟ لدى الجيش الإسرائيلي قواعد استهداف تهدف إلى الحد من الوفيات بين المدنيين، لكن القادة يدرسون أيضًا عوامل مثل وجود هدف عالي القيمة، أو سلاح استراتيجي، أو مجمع كبير لحماس وحماية القوات الإسرائيلية، وكما هو الحال مع الدروس التي تعلمتها الولايات المتحدة في قتالها لتنظيمي القاعدة والدولة، فقد تم تعديل قواعد الاشتباك خلال الحرب.
خلاصة القول، بحسب رؤية القادة الإسرائيليون، هي أن هناك أضرارا جانبية في الحرب، ولكن عندما تشاهد الدمار الذي لحق بمدينة ما على مدى أسابيع على شاشة التلفزيون، فإن الأمر يبدو مختلفًا. ينظر القادة الإسرائيليون إلى هذه الحرب على أنها سلسلة من الساعات، كلها تتحرك بسرعات مختلفة. يملك الجيش الإسرائيلي توقيته الخاص من اجل تحقيق تدمير حماس، وقد يمتد لأشهر عدة، وتمتلك حماس توقيتها للبقاء وهي تحاول مده قدر الإمكان، ولدى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين توقيتهم الخاص من الصبر بدا هذا الأسبوع وكأنه على وشك النفاد، ويدرك الجيش الإسرائيلي وسط كل ذلك أن الطريقة الوحيدة التي يمكنه من خلالها الحصول على المزيد من الوقت هي اعتماد تكتيكات تقلل الضرر الذي يلحق بالمدنيين وتقديم المزيد من المساعدات الإنسانية. إنها ضرورة أخلاقية وضرورة تشغيلية أيضًا. قال ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي: “نحاول كل يوم أن نعيد ساعتنا إلى الوراء”، وبسبب التوقيتات الزمنية المتنافسة، تبنى الجيش الإسرائيلي ما وصفه قادته بـ “شجرة القرار” المكونة من “خطط مرنة وقابلة للتكيف”. يقتبس أحد الجنرالات المذكرات الأخيرة للجنرال المتقاعد جيم ماتيس، قائد القيادة المركزية السابق ووزير الدفاع الأميركي، الذي كتب أن اليقين بشأن شكل الحملة العسكرية يمكن أن يكون خطأً فادحاً، وأن القائد الحكيم يحتاج إلى “حقيبة ظهر مليئة بالخطط”، وهذا ما طوره جيش الدفاع الإسرائيلي. هناك جدل حاد الآن في الكريا بشأن متى يمكن لإسرائيل أن ترسل بعض جنود الاحتياط إلى ديارهم وتعيد تشغيل الاقتصاد الذي وصل إلى طريق مسدود تقريبًا. يتفق معظم كبار القادة على أنه في غضون شهر أو شهرين، يمكن لإسرائيل أن تبدأ هذه التخفيضات في القوات وتسحب قواتها من مراكز المدن، وتشكل ألوية هجومية أصغر على محيط مدينة غزة، على سبيل المثال، لمهاجمة مقاتلي حماس عندما يخرجون من الأنفاق. وأخيرا، هناك المشكلة الشائكة المتمثلة في تلك الأنفاق، حيث أن عددا كبيرا منها كبير لدرجة أن حماس تتحدث عن نظام “مترو” تحت الأرض، وعندما نزل مقاتلو حماس إلى هذه الأنفاق، قرر قادة الجيش الإسرائيلي عدم إرسال قوات لملاحقتهم.
كان الأمر خطيرًا للغاية حتى بالنسبة للفريق الإسرائيلي الخاص الذي تم تشكيله لحرب الأنفاق. يحتوي نظام الانفاق على أفخاخ وأبواب فولاذية ثقيلة لمنع دخول الروبوتات أو الطائرات بدون طيار بسهولة، بالإضافة إلى مجموعة معقدة من الدفاعات الأخرى. قصفت إسرائيل أنفاقاً في شمال غزة من الجو، مما أدى في إحدى الحالات إلى انهيار مبنى سكني بأكمله في المدينة ومقتل المدنيين الذين يعيشون هناك، ولكن هذا ليس حلاً لمئات الأميال من الممرات المحصنة والتحدي يتمثل في الوصول إلى الأنفاق ولمسها.
من المرجح أن يكون للهجمات المفاجئة من اتجاهات غير متوقعة تأثير نفسي على حماس، بالإضافة إلى الأضرار الجسدية ولكن بدلًا من البحث عن حل سحري لمشكلة الأنفاق، قد تختار إسرائيل تحقيق سلسلة من الانتصارات الصغيرة. يخبرك المنطق السليم كيف يمكن لإسرائيل أن تصل إلى نظام الأنفاق
. يعد الحفر تحت الأرض مجالًا هندسيًا متطورًا، فقد طور المنقبون عن النفط تقنيات الحفر الأفقي كجزء من طفرة التكسير الهيدروليكي، ويمتلك مهندسو البناء تقنية تُعرف باسم الحفر الاتجاهي الأفقي، أو HDD، للمساعدة في الوصول إلى الأهداف الصعبة. عندما تقوم المدن ببناء خطوط مترو الأنفاق، فإنها تستخدم آلات حفر قوية؛ وتستخدم تقنيات مماثلة لوضع خطوط الأنابيب في باطن الأرض. لن يناقش المسؤولون العسكريون الإسرائيليون استراتيجية الأنفاق الخاصة بهم، ولكن عند الضغط عليه، قدم جالانت، وزير الدفاع، هذا التعليق المبهم: “أنت بحاجة إلى حل صناعي”. ثم هناك ذلك العامل الجغرافي المثير للاهتمام وهو البحر الأبيض المتوسط حيث يعتبر الماء قوة هائلة من قوى الطبيعة، ويزداد قوة عندما يتم تضخيمه بواسطة المضخات. هناك نقطة ضعف واحدة تتعلق بالأنفاق وهو أنها عرضة للفيضانات، حتى لو كانت تحتوي على نظام صرف جيد، ومن المؤكد أن الجيش الإسرائيلي يفكر في حقيقة أن غزة تقع على شواطئ البحر الأبيض المتوسط. السلاح الأخير لإسرائيل هو السجل المرئي لما حدث في السابع من أكتوبر، كما تم التقاطه بواسطة كاميرات التي حملها إرهابيو حماس، وكاميرات فيديو الدائرة المغلقة في الكيبوتسات التي تعرضت للهجوم، وكاميرات لوحة القيادة ومصادر أخرى. لقد أصدر مكتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي تجميعا مدته 45 دقيقة لأسوأ الفظائع وهم يريدون أن يراها القادة العرب وأعضاء الكونجرس والصحفيون. لقد وصف العديد من الأشخاص المشاهد التي لا توصف في هذا الفيديو، وسأدعك تقرأ رواياتهم لكن ما بقي في ذهني لم يكن مشاهد مروعة لجثث متفحمة، بل مشهد فتاة صغيرة ترتعد على الأرض، وهي تردد ما بدا انه أنشودة الموت: “لماذا، لماذا، لماذا، لماذا؟” المشاهد عميقة جدًا
. قال لي أحد كبار المسؤولين الإسرائيليين: “الناس لا ينامون”، ويريد القادة الإسرائيليون أن يفقد الآخرون بعض النوم أيضاً. في آخر يوم لي في إسرائيل، قمت بزيارة رجل أعمال في مجال التكنولوجيا الفائقة يدعى إيال والدمان يعيش في الطابق الثلاثين أو نحو ذلك في مبنى شاهق جديد في تل أبيب. من شرفته، يمكنك أن ترى تقريباً كل الطريق جنوباً إلى غزة وتقريباً إلى لبنان في الشمال. فقد والدمان ابنته دانييل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول أثناء حضورها مهرجان موسيقي أقيم بالقرب من حدود غزة مع صديقها الذي كانت تأمل في الزواج منه والذي مات أيضًا. شركة الكمبيوتر التي أسسها والدمان معروفة في إسرائيل بتوظيف الفلسطينيين – أكثر من 100 في الضفة الغربية وأكثر من 20 في غزة – وقد تعتقد أنه سيرفض توظيفهم الآن بسبب الكثير من الحزن الذي يحمله، ولكن الأمر يبدو على العكس من ذلك. قال والدمان إن الفلسطينيين ما زالوا يعملون لدى الشركة الأمريكية الأم الجديدة للشركة، ويجري محادثات أسبوعية مع الأصدقاء العرب بشأن الاهتمامات المشتركة. قال لي والدمان: “نحن بحاجة إلى التوقف عن قتل بعضنا البعض” مضيفا “سوف يستغرق الأمر بعض الوقت”. أسأله عن الدول التي يتواصل منها العرب، لكنه لا يجيب، ويقول إن هذا ليس الوقت المناسب للحديث بصراحة عن السلام مع الفلسطينيين، لكنه لا يزال يعتقد أنه قادم.
نشر هذا التقرير في 18 تشرين الثاني نوفمبر الجاري في صحيفة الواشنطن بوست