كتبت مارلين خليفة في موقع “مصدر دبلوماسي”:
مرّ شهر على قيام حركة حماس وكتائب عزّ الدين القسّام بعملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الاول\اكتوبر الفائت، وبعد مرور شهر بالتمام والكمال يؤكد القيادي في الحركة ومسؤول العلاقات الدولية فيها أسامة حمدان بأن الحركة لا تزال تمتلك زمام المبادرة بالرغم من المحصلة المريعة التي أوردها في مؤتمر صحافي عقده أمس الإثنين في مقر الحركة على طريق المطار، حيث كشف بأن “وزارة الصحة في غزّة وثقت اكثر من 1030 مجزرة [اسرائيلية] مروعة بحق العائلات التي مسحت من السجل المدني في قطاع غزّة منذ بدأ العدوان، ووصلت اعداد الشهداء الى 10022 شهيدا منهم 4104 اطفال 2641 امرأة، فيما بلغ عدد المفقودين 2350 منهم 1300 طفل، أما الجرحى فقد بلغ عددهم 25408 جريحا”. وكشف حمدان بأن ليلة الاحد الاثنين شهدت “اكبر مجزرة منذ نشأة الكيان الصهيوني إذ بلغ عدد الشهداء والجرحى 1500 شهيد وجريح”.
وفي حديث خاص لموقع “مصدر دبلوماسي” ينشر بالتزامن مع صحيفة “اللواء اللبنانية” أبرز أسامة حمدان بأن كل الضربات الاسرائيلية فشلت في دفع حماس الى الاستسلام أو في زحزحة الشعب الغزّاوي شبرا من مكانه.
ولعلّ السؤال الأول الذي يتبادر الى الأذهان هو عمّا إذا كانت حماس لتقوم بعملية طوفان الأقصى لو عاد الزمن شهرا الى الوراء؟ يجيبنا أسامة حمدان:” بالرغم من أنه سؤال افتراضي، ولكنني أستطيع الاجابة بنعم، لأن العملية ليست خطوة لحظية انما اندرجت في سياق استراتيجي هدفه وضع حدّ للسلوك الاسرائيلي الذي أراد تصفية القضية الفلسطينية وبناء تحالفات اقليمية تجعل من الشعب الفلسطيني خارج التاريخ، وأنا اعتقد أن أهم انجاز حققته العملية ليس ضرب القوى العسكرية الاسرائيلية فحسب واظهار صورة هذا الجيش على حقيقته، وإنما في وضعها حدّا للطموحات الاسرائيلية بأن تكون اسرائيل كيانا طبيعيا في المنطقة على حساب الشعب الفلسطيني”. وهل تتوقع حركة حماس أن تتوسع هذه الحرب لتصبح اقليمية في ضوء خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الاخير الذي ترك كل الاحتمالات مفتوحة؟ يقول حمدان:” اعتقد بأن كل الاحتمالات مفتوحة وهذا مرهون بسلوك العدو، ولا شك بأن العدو عليه أن يدرك بأنه سيتحمّل عواقب افعاله وعدوانه، أما الى أي مدى ستذهب الامور؟ فهذا رهن سلوك هذا العدو”.
وعن الجبهة اللبنانية “المساندة” بحسب توصيف نصر الله يرى أسامة حمدان بأنه ” لا شكّ بأن ما تقوم به المقاومة وحزب الله في الجنوب اللبناني هو أمر مقدّر عند الشعب الفلسطيني، حيث توجد حالة اشتباك يومي مع الاحتلال وهنالك شهداء، بمعنى أن المسألة ليست مجرّد اسناد معنوي وإنما اسناد حقيقي، وهؤلاء الشهداء هم بالعشرات لديهم عائلاتهم وهنالك من هجّر قسرا ولو لفترة مؤقتة عن بيته، وكل ما يجري في لبنان هو جزء حقيقي من اسناد المقاومة في فلسطين”.
تسير الحركة الدبلوماسية المواكبة للحرب الاسرائيلية ضد غزّة ببطء شديد، وتواكبها ضغوط جمّة على حركة حماس، ولعلّ الحراك الدبلوماسي الذي تقوده المملكة العربية السعودية وآخره اجتماع وزراء خارجية المملكة العربية السعودية وقطر والامارات ومصر والاردن وممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية في العاصمة الاردنية عمان مع وزير الخارجية الاميركي أنتوني بلينكن ودعوته الى هدنة انسانية هو ليس الأول ولا الأخير، حيث أعلنت منظمة التعاون الإسلامي عقد قمة طارئة الأحد المقبل في العاصمة السعودية الرياض، لبحث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مع دخول القصف الإسرائيلي على القطاع يومه الـ 31 . هذا السياق يقول أسامة حمدان: ” تحاول الادارة الاميركية ان تمنح الاسرائيلي كل فرصة ممكنة ليصل الى النهاية في المجزرة بهدف كسر ارادة الشعب الفلسطيني، وهو يظن انه يستطيع ان يحقق انتصارا”. وهل مشروع الترانسفير لا يزال قائما؟ يجيب:” إن بلينكن هو من طرح هذا المشروع على الجانب الاردني، بمعنى أنه مشروع حقيقي وليس مجرّد وهم، فشل هذا المشروع”. كيف تعرفون أنه فشل والمجزرة مستمرة؟ يجيب حمدان:” فشل مشروع التهجير، لأن الناس باقية بالرغم من كل الضغط. هو هدد شمال غزّة بعد ذلك، حيث يوجد مليون فلسطيني وما زالوا حتى اللحظة أكثر من 900 الف موجودين بالرغم من الدمار. اعتقد ان الجهود الدبلوماسية التي تقودها الدول العربية تركز على ضرورة وقف القتال ولكن الذي يقرر في هذا الجانب في النهاية هو الطرف المعني، نحن قبلنا جهدا عربيا في هذا الجانب قادته قطر ومصر لكنّ الاسرائيلي رفض كل هذه الجهود وزيارة بلينكن الاخيرة كانت مثالا واضحا، إذ جرى قصف المستشفيات خلال زيارته”.
وعن الاجتماع المقبل لمنظمة التعاون الاسلامي في الرياض يقول:” أعتقد أن ما سيدفع الاسرائيلي في النهاية لوقف العدوان هو ادراكه أنه لا يمكنه أن يحقق في الميدان ما يريده، وحتى اللحظة هو لم ينجح في تحقيق ذلك في الميدان، إنجازه الوحيد هو قتل 10 آلاف مواطن”. وماذا عن تطورات التوغل البري؟ يقول:” حتى اللحظة لم يتمكن الاسرائيلي من تثبيت نفسه في هذا التوغل البري وعمليات المقاومة بين كرّ وفرّ، وقد دخلوا بضعة كيلومترات وقطاع غزّة كله 8 كيلومترات، واختار العدو أضيق منطقة من الجهة الوسطى-الغرب ودخلها، إن الفكرة الاساسية هي أنه حتى في عمليات المقاومة في الايام الخمسة الماضية تم تدمير اكثر من مئة آلية ما بين دبابة وآليات مصفحة جرى تدميرها واصابتها وبالتالي هو يدرك تماما بأن المقاومة لا تزال شرسة وأنا اظن بأن الميدان والضغط الخارجي هو الذي سيوقفه. في العام 2014، بقي الاسرائيلي 51 يوما ورفع شعار التخلص من حماس وتدمير حماس واعادة السلطة الى غزة، وآنذاك قالت السلطة الفلسطينية أنها لن تعود على دبابة اسرائيلية وهو فشل في تدمير حماس”.
وتحدث اسامة حمدان ردا على اسئلتنا عن مفاوضات تبادل الاسرى الجارية سواء المزدوجي الجنسية أو الاسرائيليين، وعمّا كان ذكره من أن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو قد رفض مطالب حركة حماس قبل يوم من الغزو البري، فقال:” يوجد الاسرى العسكريون وهؤلاء سيخضعون لعملية تبادل بعد أن ينتهي العدوان وهم الغالبية وعددهم كبير ولكننا لا نكشفه للعلن، وهنالك اشخاص جيء بهم الى قطاع غزّة ليس من جانب المقاومة وذلك بأشكال مختلفة، بعضهم مزدوجي الجنسية، وبعضهم الآخر أجانب، وقد تمكّنا من احصاء قرابة الـ51 اسما من المزدوجي الجنسية، لأنه في ظل هذا الواقع لا يمكننا أن نحصي كل الاعداد لأنه ليست حركة حماس من تحتفظ بهم، نحن ابدينا استعدادنا للتجاوب، وهم ليسوا عند حركة حماس بل موجودين في كل القطاع، بعضهم موجود عند قوى اخرى وآخرون عند اطراف اخرى”. وهل تمون حماس على هذه القوى التي تحتفظ بأسرى؟ يقول:” ليست القضية “مونة” ولكن الناس تقدّر حركة حماس وتثق بأدائها ولذلك يتجاوبون معنا، وكنا اتفقنا تقريبا قبل يوم واحد من بداية العدوان البري لكن نتنياهو أوقف كلّ شيء، الأمر له”.
وما هي حيثيات الوساطة التي يقوم بها الوسيط الأميركي آموس هوكستين واللواء عباس ابراهيم في شأن المفاوضات حول الأسرى المزدوجي الجنسية وكيف تتعاطى حركة حماس مع هذه الوساطة؟ يقول حمدان:” لا أريد التحدث في أية تفاصيل ونعطي هذا الجهد فرصته ولعله ينجح”. وعلى اي مستوى تجري الوساطة مع حماس القيادة السياسية أن العسكرية؟:” يقول:” أنا ايضا أتحفظ عن الدخول في أية تفاصيل من هذا النوع”. وما شأن مسؤول ملف الطاقة آموس هوكستين في عملية الوساطة لتبادل أسرى؟ يجيب:” هو أمريكي، يتحرك بموافقة الادارة الامريكية، ونحن لا نتعامل معه بل مع اللواء عباس ابراهيم الذي له احترام وتقدير سواء عند المقاومة في لبنان أو الشعب اللبناني عموما وايضا له احترامه وتقديره عند المقاومة الفلسطينية وحركة حماس على وجه الخصوص، وهو موضع ثقة”. وماذا عن الدور القطري؟ يقول أسامة حمدان:” إن الدور القطري موجود، هنالك محاولات من كل من يرى ضرورة وقف العدوان على غزّة ونحن نقدر هذه الجهود والمحاولات”. وعن موقف الدولة اللبنانية قال:” إن الموقف الرسمي اللبناني تجاه قضية فلسطين مقدّر والموقف تجاه ما يجري في غزّة والجريمة التي تجري في غزّة، لا شك انه كان موقفا مؤيدا ومدافعا ونحن نقدر ذلك للبنان؟ وهل سيطول العدوان على غزّة؟ يقول حمدان:” أظن أنه لن يطول كما يتوقع كثر، ولكنه سيحتاج بعد الوقت”.
في النهاية تلفت في مقر حركة حماس عجقة من الصحافيين الأجانب، كلّهم جاؤوا للوقوف على رأيها، ومن بيروت تردّ حركة حماس عبر اسامة حمدان على الناطق بإسم الجيش الاسرائيلي وذلك لتعذّر تنظيم مؤتمر صحافي في غزّة، حيث سيقصف الاسرائيليون المقرّ حتما. أسئلة الصحافيين الأجانب مفخخة بالانحياز الى جانب اسرائيل، وكان حمدان الخبير في التعاطي مع الاعلام الاجنبي يفككها بذكاء. سأله مراسل صحيفة “إلموندو” الاسبانية عن استعداد “حماس” للتعايش مع اليهود في دولة واحدة بلا أية اشكالات؟ فأجابه حمدان:” لم تكن لدينا يوما مشكلة مع اليهود، نشأت المشكلة اليهودية في أوروبا، طرد اليهود من انكلترا لمدّة قرنين من الزمن، ومن اسبانيا بالذات ومن فرنسا. في العام 1892 تمّ احراق ثلاثة آلاف يهودي في ساحة في وسط العاصمة باريس. استخدمت معهم المانيا غرف الغاز والمحرقة، في كلّ مرة مرة عندما كانوا يطردون أو يحرقون كانوا يلجأون الى بلادنا، حيث يعيشون بأمان ويؤدون طقوسهم الدينية ويعملون في المجتمع وكان منهم التجار ورجال الاعمال ومحامين. تكمن المشكلة في أنهم قرّروا أن يتحوّلوا الى قوّة احتلال، هنا المشكلة لأنه عندما تكون محتلا لا يمكن أن تكون مقبولا، لذلك إن مشكلتنا هي مع الاحتلال وليست مع اليهود، فإذا انتهى الاحتلال تنتهي المشكلة، وهنالك يهود في العالم كله يرفضون الاحتلال ويؤيدون الحق الفلسطيني في المقاومة والتحرير”.
*نشرت هذه المقابلة بالتزامن مع صحيفة “اللواء” اللبنانية