مقالات مختارة
فايننشال تايمز البريطانية
حينما حكمت محكمة عسكرية إسرائيلية على يحيى السنوار بالسجن بتهمة ارتكاب جرائم قتل متعددة، كان رده على الحكم دراسة العبرية. كان ذلك قبل عقود من تنسيقه للهجمات التي شنتها حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر. يقول ميخا كوبي، الذي استجوب السنوار لصالح جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “الشاباك” “لقد قرأ كل الكتب التي صدرت عن شخصيات إسرائيلية بارزة مثل فلاديمير جابوتنسكي ومناحيم بيغن واسحاق رابين”. استخدم السنوار عبريته بطلاقة خلال مقابلة مع قناة تلفزيونية إسرائيلية بعد خمس عشر عامًا من سجنه، وكانت رسالته انه بدلا من الحرب، يجب على الجمهور الإسرائيلي ان يدعم هدنة او وقف إطلاق نار مع حركة حماس المسلحة قائلًا وهو يرتدي بذلة قرمزية اللون “نحن نفهم أن إسرائيل تمتلك مائتي رأس حربي نووي وأن لديها سلاح جو هو الأكثر تطورًا في المنطقة، ونحن نعلم أننا لا نملك القدرة على تفكيك إسرائيل”.
يُعتبر السنوار البالغ من العمر 61 عاماً اليوم اهم رجل مطلوب لدى إسرائيل، ويشير إليه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ “رجل ميت يمشي” ويُعتبر زعيم حركة حماس المسلحة في غزة الشخصية الأكثر انخراطًا في الهجوم المفاجئ في السابع من أكتوبر الذي أودى بحياة أكثر من 1400 إسرائيلي، بمن فيهم النساء والأطفال وكبار السن. القضاء عليه هو الهدف الرئيسي من الحملة الإسرائيلية المتصاعدة لـ “تدمير” حماس، والتي يقول المسؤولون الفلسطينيون انها أدت الى مقتل ما يقرب من 9770 شخصًا في غزة منذ بدأت إسرائيل انتقامها من الهجوم، مدمرة مناطق واسعة من الأراضي الخاضعة لسيطرة حماس في هجمات من البر والجو والبحر.
امتلكت إسرائيل قبل هجوم حماس سجلا يمتد الى ما يقرب من اربعين عامًا من الخبرة في التعامل مع السنوار وهو رجل شديد الحدة والعنف ذو جسد نحيل وشعر قصير، لكن تلك المعرفة المتراكمة في السنوات الأخيرة لم تساعد سوى في خداع كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين في إحساس كاذب بالاطمئنان.
كانت إسرائيل تنظر إلى السنوار قبل انطلاق الحرب، على أنه متطرف خطير ولكنه قابل للإرضاء، وانه أكثر اهتمامًا بتوطيد حكم حماس في غزة والحصول على تنازلات اقتصادية لمصلحة المجموعة التي أعلنت ان هدفها هو تدمير الدولة اليهودية. كان سوء فهم شخصية السنوار مقدمة لأكبر فشل استخباراتي إسرائيلي، ويبدو ان البعض يرى ان السنوار تمكن من تحقيق الخداع الأقصى، ويقول مايكل ميلشياين ضابط الاستخبارات العسكري السابق والخبير في الشؤون الفلسطينية “لم نفهمه على الاطلاق، فهمنا عنه قيمته صفر”. الصورة التي رسمها العديد من الأشخاص الذين قضوا وقتًا معه على مدار عقود، هي صورة رجل له حضور قيادي وكاريزما، قليل الكلام، سريع الغضب ويستذكر كوبي استجواب السنوار في عام 1989 عندما اعترف بجريمة قتل، وكان ذلك في ذروة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وكان كوبي ضابطًا في جهاز الشاباك يطارد أعضاء حماس، التي كانت آنذاك مجموعة مسلحة إسلامية صغيرة بدأت تبرز في غزة. ساعد السنوار، المعروف على نطاق واسع باسم أبو إبراهيم، في بناء (كتائب القسام) الجناح العسكري لحماس منذ بدايتها، ولكن عندما اعتُقل في أواخر الثمانينات، كان ذلك بسبب دوره الخاص داخل حماس والمتمثل في مطاردة الفلسطينيين المشتبه في تعاونهم مع إسرائيل.
قال كوبي إن السنوار افتخر – سواء بالحديث عن واقع أو كنوع من المبالغة – بعقوبة فرضت على أحد المشتبه بأنه مخبر لمصلحة فصيل فلسطيني منافس. يقول السنوار انه استدعى شقيق الرجل وهو عضو في حماس، و”اجبره على ان يدفن شقيقه حياً”، بعد ان اعطى له مجرفة لإتمام المهمة. يقول كوبي “لقد اجبر الأخ على ان يصب الرمل شيئًا فشيئًا فوق أخيه الحي… هذا هو يحيى السنوار”.
أدانت محكمة عسكرية إسرائيلية سرية السنوار بجريمة قتل 12 فلسطينياً، بمن فيهم الرجل الذي دُفن حياً، وفقاً لشخصين مطلعين على القضية. ارتقى السنوار ليصبح زعيم جميع أسرى حماس في السجون الإسرائيلية، وهو منصب مؤثر داخل هرمية الجماعة وفي مرحلة ما في عام 2004، أزال الأطباء الإسرائيليون خراجاً مجاوراً لدماغه، مما أنقذ حياته، وفقاً للسلطات الإسرائيلية. حاول تقييم استخباراتي إسرائيلي كتب عن السنوار أثناء وجوده في السجن رسم شخصيته وقال: “قاسٍ… ذو سلطة، مؤثر، مقبول من أصدقائه، ولديه قدرات غير عادية على التحمل، والمكر، والتلاعب، يكتفي بالقليل… يحتفظ بالأسرار حتى داخل السجن بين السجناء الآخرين… ولديه القدرة على تحريك الجماهير”.
نشأ السنوار في أحد الأحياء الفقيرة في خان يونس جنوب قطاع غزة، وظهر لأول مرة على الساحة السياسية في غزة في أوائل الثمانينيات كـ “مستشار” ينصح مؤسس حماس المقعد على كرسي متحرك، الشيخ أحمد ياسين، الذي كان محترماً داخل الحركة. كان جار السنوار في خان يونس هو محمد الضيف، الآن القائد العسكري الغامض لحماس. تم تكليف السنوار بقيادة جهاز الامن الداخلي المخيف في الحركة والذي يسمى (قوات المجد) والمكلف بالقضاء على المشتبه بتعاونهم مع إسرائيل، مما اكسبه لقب (جزار خان يونس) والذي مازال بعض الفلسطينيين يستخدمونه حتى اليوم بالإضافة الى مساعدته في تأسيس الجناح العسكري للجماعة.
أصبح السنوار شخصية شبه أسطورية تقريبًا بالنسبة للفلسطينيين، وخاصةً داخل غزة. يقول أحد الناشطين الفلسطينيين البارزين في القدس الشرقية: “الكثير من الفلسطينيين يشعرون بالفخر، والسنوار محبوب للغاية في الشارع الفلسطيني، ولكن الفلسطينيين المعتدلين يدركون أنه أعادنا إلى العصر الحجري [بسبب 7 أكتوبر وما تلاه]”. يقول من يعرفونه إن ارتقاءه داخل حماس اعتمد على تكوينه سمعة القسوة والعنف المعروفة عنه اليوم، والتي لا تزال سائدة حتى بين كبار مسؤولي حماس. يقول أحد غير الإسرائيليين الذين لديهم سنوات من التعامل المباشر مع السنوار: “هناك فرق بين تصرف مسؤولي حماس عندما يكونون بمفردهم وعندما يكونون معه، وهذا يعود الى الخوف، وهم يخاوفون منه”، وأضاف “لم يقف أي منهم في وجهه قبل أن يقرر تنفيذ هذه الوحشية [في 7 أكتوبر]. كانت عملية عسكرية مثالية، لكن العواقب ستكون مدمرة”
أُفرج عن السنوار عام 2011 بعد قضاء اثنين وعشرين عامًا في سجن إسرائيلي في صفقة تبادل أُطلق سراح فيها أكثر من ألف فلسطيني مقابل جندي إسرائيلي واحد جلعاد شاليط احتجزته حماس في غزة.
وبحلول عام 2017، تم انتخابه زعيماً للجماعة في كل غزة، ليحل محل إسماعيل هنية، الذي “رُقي” وفقًا لعدة أشخاص مطلعين على العلاقات بين الرجلين، إلى زعيم حماس السياسي ثم خرج الى قطر. استضاف السنوار الدبلوماسيين الأجانب وأقام مسيرات حاشدة حماسية وهو يرتدي زي السياسي من البنطلون والقمصان ذات الأزرار، وقامت حماس تحت قيادته بضبط استخدام القوة – عبر احتجاجات الحدود وبالونات الحريق وخاصة إطلاق الصواريخ – لدفع إسرائيل إلى مزيد من المحادثات غير المباشرة عبر وسطاء مصريين وقطريين وأمميين. قال أحد كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين في وقت سابق من العام الحالي “الصواريخ هي الوسيلة الوحيدة التي يستطيعون بها اجراء محادثات معنا”، وقد أدى ذلك الى قيام إسرائيل بمنح تنازلات غير مسبوقة لغزة في السنوات الثلاثة الماضية، بما في ذلك المزيد من الدعم المالي القطري وآلاف تصاريح العمل الإسرائيلية. لكن لا تزال دوافع السنوار لتحوله المفاجئ عن مساره السابق في السابع من أكتوبر شيئًا من لغز. قال مصدر غير إسرائيلي لديه خبرة طويلة في التعامل مع السنوار “إنه ليس شخصًا متواضعًا، بل يمتلك غرورًا هائلًا ويرى نفسه في مهمة ما في هذا العالم” مضيفًا “إنه مصاب باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، ولا أقصد اهانته، لن يفكر مرتين في تضحية بعشرات الآلاف من الأرواح، وأكثر، لتحقيق أهدافه”. احتاج السنوار في عام 2021 إلى جولة إعادة انتخاب في الانتخابات الداخلية غير الشفافة لحماس ضد خصم قديم للحفاظ على منصبه، وهو ما يراه بعض المحللين نقطة تحول محتملة، وبعد أشهر قليلة، خاضت إسرائيل وحماس حربًا استمرت 11 يومًا، حيث ادّعى السنوار وهو جالس على كرسي في أنقاض ما كان منزله “الانتصار”. سافر أحد المسؤولين الفلسطينيين ذوي الصلات الوثيقة بغزة إلى الأراضي عدة مرات على مدار العام الماضي، في محاولة للتفاوض على اتفاق وطني أوسع مع حماس والتقى مع السنوار كثيرًا، مؤكدًا على وجود “احترام متبادل”، لكن في آخر زيارة للمسؤول إلى غزة في وقت سابق من هذا العام “اختفى السنوار تمامًا” مضيفًا “كانت هناك إشارات كان يجب أن نفهمها” ومضى يقوله “انه كان يستخدم التمويه بوجود مسار دبلوماسي من اجل إخفاء مساره العسكري”. كان التقييم الرسمي الإسرائيلي أن حماس بقيادة السنوار لا تميل نحو خوض حرب أخرى وكانت مهتمة باتفاق أوسع مع إسرائيل، وان أي هجوم لحماس على إسرائيل سيحتاج الى عام واحد على الأقل من التخطيط، ويزعم المسؤولون والمحللون الإسرائيليون الآن أن الواجهة البراغماتية الظاهرة للسنوار كانت مجرد خداع محض لكسب الوقت. قال ميلشتاين، ضابط الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي “علينا مواجهة الحقيقة: إنه مدفوع بالكراهية والمجازر وتدمير إسرائيل”. قد تواجه غزة الان هجومًا مدمرًا هدفه الرئيسي الحصول على رأس السنوار، ولكن وجود إسرائيل وهي تشعر بالإدانة، ومصير المنطقة المعلق قد يشكل انتصارًا كافيًا بالنسبة للسنوار وكما يقول كوبي “لن يستسلم، سيموت هناك في غزة”