كتبت مارلين خليفة
البوصلة
تتعطش اسرائيل للانتقام من حركة “حماس” بعد أن باغتتها بعملية نوعية قام بها مقاتلوها في السابع من الجاري واستولوا على عدد من المستوطنات في ما يسمى غلاف غزة وذهب ضحيتها قتلى ووقع العديد من الاسرى من المستوطنين بين أيدي حركة حماس والفصائل الفلسطينية. تتعطش اسرائيل للانتقام ولا تعرف لذلك سبيلا سوى قتل المدنيين العزّل، وآخر مجازرها كان استهداف المستشفى المعمداني في غزّة واستشهاد ما يفوق الـ500 من النساء والاطفال والمرضى. لقد هزّت أخبار هذه المجزرة وصورها شعوب العالم أجمع وأذهلته، ويتم تداول صور جثث الاطفال والصغار و-منهم المولودين توّا- والنساء واجساد الضحايا على وسائل التواصل الاجتماعي لكن هذه المآسي كلها لم تهزّ ضمير الحكام.
لأول مرة يستنكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المجزرة الرهيبة فيما كانت كل البيانات الفرنسية تصوغ عبارات الدعم لاسرائيل، لكن الرئيس الفرنسي لم يذكر كلمة “اسرائيل” لاجئا الى تجهيل الفاعل، ومثله يفعل رؤساء العالم الغربي وفي مقدمتهم الرئيس الأميركي جو بايدن الذي سارع لزيارة الكيان مقدما الدعم لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بعد أن أرسل البوارج للمؤازرة في حال قرر حزب الله الانخراط وفتح الجبهة الشمالية.
تحفل الصحف العبرية والغربية بالهواجس من تدخل محتمل لحزب الله، وثمة قلق من اشغاله جيش العدو بالجبهة الشمالية فيما ينصب اهتمامه راهنا على الجبهة في الجنوب وتحديدا في غزة، يرعب حزب الله العدو بكثافة النيران التي بحوزته وبقوة الرضوان المتحفزة للعبور الى المستوطنات حين تدق ساعة الصفر. لا يزال الردع بالقوة معادلة مفيدة للبنان، لكن الانزلاق الى الحرب احتمال قائم وخصوصا إذا قرر الاحتلال التطهير العرقي في غزة وتهجير الفلسطينيين الى مصر، أو إذا وقع هجوم بري كاسر للتوازن في غزة أو إذا تجرأ وغيّر قواعد الاشتباك مع لبنان والنافذة منذ العام 2006 العام الذي وقعت فيه حرب تموز.
تستنفر الشعوب فيما تغرق الجهود الدبلوماسية في غيبوبة وخصوصا وأن الدول المنحازة وخصوصا الدول الغربية لا ترغب بإزعاج اسرائيل وتفسح لها مجال الانتقام بشكل دموي، كذلك تغفو ضمائر الحكام الغربيين الذين يدرسون المخططات لضرب كل من يسيء الى اسرائيل غاضين النظر عن آلام الشعب الفلسطيني وهم يسدون آذانهم عن صراخ وعويل الضحايا المدنيين.
صورة هذه الأم التي تعتصر جثّة ولدها الذي استشهد بالأمس في المستشفى المعمداني قاسية ومرّة وتهزّ ضمير العالم، لكنها لا تنفع لدفع الحكام الغربيين الى توجيه نظرة اخلاقية انسانية لصورة مكررة من أبشع صراع ممتد منذ القرن العشرين تتمثل بالنزاع العربي الفلسطيني. بكل الاحوال، إن المجرم الحقيقي في هذه الحوادث كلها يتمثل بالانحياز الغربي الأعمى الى جانب اسرائيل وعدم اتخاذ أية خطوات لحل هذه القضية النازفة بل يفتح بانحيازه الجرح تلو الجرح.