«مصدر دبلوماسي»
انهيار التصورات الأمنية والسياسية تجاه غزة
أجمع المحللون في الصحف الإسرائيلية الصادرة اليوم، الأحد، على أن الهجوم الواسع والمفاجئ الذي نفذته المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة، بقيادة حركة حماس، ضد إسرائيل، أمس، دلّ على انهيار التصورات الأمنية والسياسية الإسرائيلية تجاه غزة، وسخروا من تصريحات مسؤولين سياسيين وعسكريين حول “ردع” غزة.
ولفت المحللون إلى خطورة الوضع الذي تتواجد فيه إسرائيل الآن. من جهة، يوجد عدد كبير، نسبيا، من الإسرائيليين الذين تم أسرهم ونقلهم إلى قطاع غزة، أمس. ومن الجهة الأخرى، جاء الهجوم المفاجئ وإعلان إسرائيل أنها في حرب في الوقت الذي يواجه فيه جيشها أزمة كبيرة بسبب امتناع عناصر كثيرة في قوات الاحتياط عن الخدمة العسكرية احتجاجا على خطة الحكومة لإضعاف القضاء.
وكتب المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، يوسي يهوشواع، أن “طيارين كثيرين لم يمتثلوا في الخدمة العسكرية في الاحتياط منذ شهور. وأهالٍ يعلنون أنهم سيرفضون إرسال أولادهم إلى خدمة قتالية، في دولة يُمنح فيها الجمهور الحريدي إعفاء شامل من المشاركة في العبء، أو تشكل خطرا عليهم في المستوطنات وضريح يوسف (في نابلس)”.
وأضاف أنه “عدا الخلافات السياسيات الشديدة، فإن القوى البشرية في الجيش الإسرائيلي تدهورت لأسباب اقتصادية وثقافية أيضا: ضباط بمستوى عال تركوا الجيش لصالح السوق الخاصة، ومحفزات أبناء الشبيبة لم تعد كما كانت، بالرغم من صورة الوضع الإيجابية التي تعالت من فوج التجنيد في الصيف”.
واعتبر يهوشواع أن “الضربة التي أنزلتها حماس على إسرائيل” كشفت خدعة نفذتها الحركة منذ أسبوعين، من خلال تنظيم مظاهرات عند السياج الأمني المحيط بالقطاع. “وهذه المظاهرات كانت تحت السيطرة، وشعبة الاستخبارات (العسكرية الإسرائيلية) أوصت بالمصادقة على إدخال عمال وبذلك انتهت الأحداث . هذا ما حدث كما يبدو، ودفع الجيش إلى القول إلى المستوى السياسي إنه كان على حق وأن حماس لا تريد الحرب. ويتضح الآن أن الحركة التي تسيطر على غزة أدخل الجيش في سبات”.
وأشار يهوشواع إلى أن أنظار إسرائيل تتجه نحو لبنان أيضا، تحسبا من انضمام حزب الله إلى المعركة، وكذلك إلى الضفة الغربية. “ورغم أن صعوبة الوضع واضحة في الجبهة الجنوبية، لكن على الجمهور أن يدرك أن الجبهة الشمالية ستكون أصعب، وأصعب بكثير”.
وقارن المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، بين الهجوم الفلسطيني، أمس، والهجوم المصري والسوري في بداية حرب تشرين 1973. وأضاف أن “التصور الإسرائيلي بخصوص غزة انهار، في (مجالات) السياسة، نشر القوات من أجل الدفاع وفي جهوزيتها للمفاجأة، وبالطبع بغياب مطلق لإنذار استخباراتي. وفي الليلة بين يومي الجمعة والسبت (الفائتين) نامت القيادة الأمنية والسياسية مطمئنة في بيتها. ولم يتم تعزيز القوات لأنه لم ترِد إنذارات. وكانت الفكرة السائدة لفترة طويلة أن حماس يستعد لتدريبات حربية أخرى فقط”.
وأشار هرئيل إلى الادعاءات الصادرة عن شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وهيئة الأركان العامة بأن حماس مرتدعة من إسرائيل في أعقاب نتائج المعارك السابقة ولا تفكر بحرب. “وفي الواقع، مئات، إن لم يكن آلاف من عناصر حماس استعدوا لهجوم مفاجئ طوال أشهر، من دون أن يتسرب شيء حول ذلك. واستمروا في إسرائيل طوال هذا الوقت بالتردد إذا كانوا سيزيدون عدد العمال الغزيين الذين يسمح لهم بالعمل داخل الخط الأخضر”.
من جانبه، أشار المحلل السياسي في صحيفة “معاريف”، بِن كسبيت، إلى سياسة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ملمحا إلى أنها ليست واقعية. ” من أراد (التطبيع مع العاصمة السعودية) الرياض، حصل على الجهاد. ومن خاف من شن عملية برية في غزة، شنت غزة عملية برية ضده. ومن وصف نفسه بأنه ’قوي مقابل حماس’، وجد نفسه أمس ضعيف مقابل حماس قوية. ومن اعتقد أنه سيتمكن من زيادة قوة حماس كي يضعف السلطة الفلسطينية، وجد نفسه أمس ضعيف مقابل كليهما”.
وقارن كسبيت أيضا بين حرب 1973 والهجوم من غزة أمس: “في حينه، دار الحديث عن دولتين (مصر وسورية) قويتين لديهما جيشان نظاميان هائلان، آلاف الدبابات، سلاح جوي، استخبارات ودعم من دولة عظمى. واليوم يدور الحديث عن منظمة إرهابية نصفها بأنها ’زائلة’، بدون سلاح جو، بلا مدرعات، بلا بنية تحتية، محاصرة ومعزولة، مقابل آلة الاستخبارات والاغتيالات (الإسرائيلية) الأكثر تطورا في العالم. وبعد هذا كله، هم الذين انتصروا”.
وأضاف أنه “بمفاهيم عالم الرياضة، تعين على حماس أن تعتزل الليلة الماضية. فلن تسجل رقما قياسيا أعلى. وهم بحثوا عن صورة انتصار ووجدوا معرض صور كامل. لقد أنزلوا دولة عظمى على ركبتيها وذُهلوا من نجاحهم”.
وتابع كسبيت أن “جميع التصورات تقريبا انهارت أمس. والتصور أنه بالإمكان كنس القضية الفلسطينية تحت العباءات المذهبة لأمراء النفط في الخليج، أفلس. فالقضية الفلسطينية لم تختف. على العكس، بين حين وآخر تقفز إلى زيارتنا في الصالون. وتبدد أيضا التصور الذي بموجبه كلما سمحنا لعمال أكثر من غزة بالخروج إلى العمل في إسرائيل سيستقر الوضع”.
ولفت إلى فشل “العائق” الذي أقامته إسرائيل بينها وبين قطاع غزة. “استثمرنا مليارات، اخترعنا مجسات، حفرنا مئات الأمتار، سكبنا عشرات أطنان الإسمنت ورفعنا جدرانا وأبراجا. ونسينا قانون الغاب الأبسط: لا يوجد أي جدار يلجم اليائس، والمصرّ والمعزول. وكافة العوائق ستقتحم في النهاية، مهما كانت قوية. والنهاية كانت بالأمس”.