“مصدر دبلوماسي”- وكالات
شهد يوم السابع من تشرين الأول\اكتوبر 2023 عملية عسكرية مباغتة وغير مسبوقة نفذتها حركة حماس التي اجتازت قطاع غزّة وسيطرت عسكريا على مستوطنات اسرائيلية في “غلاف غزة” وقتلت عشرات الجنود الاسرائيليين وجرحت آخرين فضلا عن أسر أولي لـ35 جنديا ومستوطنا. يقارن عدد من المحللين العسكريين والامنيين ما جرى بحرب اكتوبر في ذكراها الخمسين، والفشل بتوقع الهجوم اليوم، كما يقول بعض المحللين الاسرائيليين لشعبة الاستخبارات العسكرية يذكر بالاخفاق في توقع هجوم الجيش المصري ولا تزال تداعياته ليوم.
الانتقادات الاسرائيلية حادة من وسائل الاعلام الاسرائيلية والحديث عن فشل واخفاق المنظومة الامنية بتوقع هجوم المقاومة الفلسطينية بهذه الجراة والاستعداد. خاصة ان الصور والفيديوهات مرعبة وستحدث جرحا اسرائيليا سيغرس في الوعي طويلا.
اي كانت الاهداف التي دفعت حماس للهجوم الاستباقي والتي تحدثت عنه قبل سنوات وعن اقتحام المستوطنات، وهي فعلت ذلك في عدوان ٢٠١٤. لكن هذه المرة الموضوع مختلف، ويأتي في ظل اوضاع ملتهبة في الضفة واقليميا ودوليا، وتسارع الحديث عن التطبيع السعودي الاسرائيلي.
يحاول المحللون العسكريون وبعض ضباط الجيش السابقين تحليل وفهم خطوة حماس، وهل هي استراتيجية، أو هي مجرد تمهيد للبدء بمعركة وحدة الساحات، حيث ان حزب الله يبدي استعداده لذلك منذ فترة من الزمن، وان ايران ليست بعيدة عن ما يجري، ويأمل هؤلاء المحللين ان لا يحدث ذلك.
هناك عدة سيناريوهات:
السيناريو الأول أن تحاول قوات الاحتلال أن تجبي ثمنا كبيرا من الفلسطينيين وفصائل المقاومة وخصوصا حركة حماس، وستحاول أن تغتال رؤوسا كبيرة سياسية وعسكرية، وقد تصل الأمور إلى حد محاولة إحتلال قطاع غزة أي تغيير قواعد اللعبة كليا.
السيناريو الثاني أن تنجح الجهود العربية والدولية بالحد من معدلات التصعيد ومن حدة الردود الإسرائيلية ، وبهذا السيناريو سيكون هناك رد اسرائيلي قوي ولكن محسوب، ولكن بدون انقلاب كامل على قواعد اللعبة السابقة.
السيناريو الثالث وهو ما بين ويجمع ما بين السيناريوهين الاول والثاني بمعنى أقل من تغيير كامل لقواعد اللعبة وأكثر من مجرد رد قوي، أي ستحاول اسرائيل أن تستعيد قوة الردع المنهارة بدون أن تدفع الامور إلى نقطة اللاعودة.
هناك عوامل عدة مثل وجود عشرات الأسرى والجثث في أيدي المقاومة سيحد من السيناريو الأول، كما سيحد من الإندفاع لتغيير قواعد الصراع كليا أن تصعيد كبير قد يدفع إلى فتح جبهات جديدة، والجبهة الشمالية مع لبنان مرشحة للإشتراك، هذا من جهة
ومن جهة أخرى يدفع الوضع الاقتصادي المأساوي في قطاع غزة واستمرار وتصاعد العدوان الاسرائيلي في الضفة وضد الاسرى والمقدسات، وفي الداخل الفلسطيني، وتزايد احتمالات التطبيع السعودي الاسرائيلي تدفع الامور نحو التفاقم، والأزمة الداخلية العميقة في اسرائيل ، تدفع نحو التصعيد فهي تشجع الحكومة إلى محاولة تصديرها إلى الخارج،
وهناك عوامل عدة تدفع لعدم التصعيد مثل عدم الاستعداد لفتح جبهة كبيرة غير مضمونة النتائج بينما الحرب الاوكرانية مستمرة ، وخصوصا في ظل مساعي ادارة بايدن للتوصل الى تطبيع سعودي اسرائيلي يقوي جبهة حلفاء امريكا ويبعد السعودية عن الصين وروسيا وايران.
من المبكر الحسم أين تسير الأمور وأي سيناريو هو المرجح فالحرب في بدايتها
وبحسب عيران عتصيون مستشار الامن القومي الاسرائيلي السابق، فإنه كتب هذا النص المترجم:
” أي رد عسكري، مهما كان واسع النطاق، لن يعيد العجلة إلى الوراء ولن يفسر الحقيقة الحاسمة: حماس وجهت لإسرائيل ضربة تاريخية واستراتيجية ثقيلة.
لقد استطاعت أن تقوم بهذه الخطوة الكبيرة، والتي سيتم تدريسها في المدارس العسكرية لسنوات عديدة قادمة، بسبب سياسات حكومة نتنياهو الحالية، وحكومات نتنياهو السابقة.
وأيضا بسبب سياسات الحكومات المتعاقبة منذ الانفصال عن غزة. المنطق الاستراتيجي “السيطرة من الداخل” في غزة، وهذا فشل، تم استبداله بمنطق استراتيجي “السيطرة من الخارج” في غزة، وايضا هذا فشل. وهذا أمر مهم، لأن النقاش الجماهيري، والحكومة، تتجه بالفعل إلى العوالم المألوفة والفاشلة المتمثلة في “المزيد من نفس الشيء”. لن نقوم بتجنيد عشرات الآلاف من جنود الاحتياط بل “مئات الآلاف”. لن نجري “عملية” بل “حربًا”. سوف ندخل القاع ليس فقط على بعد كيلومتر واحد، ولكن “حتى النهاية”. ليس فقط “سنقضي على قادة حماس” بل “سنسقط حكم حماس”. لن نسقط “مئات الأطنان” من القنابل فحسب، بل “سنسوي غزة بالأرض”. كل هذا الكلام الصاخب العقيم والغبي هو جزء من المشكلة. كنا هناك بالفعل سابقا،
لقد جربنا فكرة “السيطرة من الداخل” وفشلنا. وما عجز الأميركيون عن فعله في أفغانستان، بتكلفة باهظة عليهم وعلى الأفغان، لن نتمكن من فعله في غزة، بغض النظر عن عدد القوات التي نرسلها وإلى متى. إن إعادة احتلال غزة حماقة جنونية. وإسقاط حكم حماس هو هدف مرغوب، لكنه لن يتحقق إلا القوة العسكرية الإسرائيلية،
اذا حدث ذلك من خلال عملية معقدة للغاية جوهرها سياسي استراتيجي، والقوة العسكرية ستخدمها.
يجب أن يكون واضحا أن حكومة نتنياهو ليست مؤهلة لإدارة هذه اللحظة التاريخية، ويجب ألا تترك بأي حال من الأحوال. العملية المعقدة للغاية المتمثلة في صياغة استراتيجية جديدة ضد غزة،
وهي أيضًا فقط كجزء من صياغة استراتيجية أكثر شمولاً تجاه الفلسطينيين، سيتولى نتنياهو القيادة، وأعضاء حكومته غير قادرين وغير مسموح لهم بإدارة الأمور. إن استبدالهم هو حاجة أساسية وملحة، وشرط لصياغة وتنفيذ تحركات استراتيجية ضد غزة، من أجل إعادة بناء الجيش الإسرائيلي، واستعادة ثقة الجمهور في مؤسسات الدولة، ومن أجل عملية طويلة ومؤلمة وعميقة واصلاح كبير في النظام الديمقراطي، وفي بنية النظام في نموذج الخدمة في الجيش الإسرائيلي، في نظام التعليم وأكثر من ذلك بكثير.
مصلحة نتنياهو وأصدقائه في الفشل، هي بالطبع إنتاج ستارة دخان كثيفة سوداء. لوضعنا جميعًا في وضع “اصمت، أطلق النار”. لمنحهم الوقت لطهي المقالب والشموليات القديمة والجديدة.
اعلان حالة طوارئ وطنية، لالتقاط الصور مع الجنرالات والدبابات والخرائط والطيارين (“قلنا لكم أن القوات الجوية لم تتضرر”). مصلحتهم تتعارض مع المصلحة الوطنية 180 درجة. يجب ألا يسمح لهم بالتهرب من مسؤوليتهم عن أسوأ كارثة وطنية منذ حرب يوم الغفران تقع عليهم، وعليهم العودة إلى منازلهم.