“مصدر دبلوماسي”- كتبت مارلين خليفة:
حظي الاجتماع الثاني لمجموعة الدول الخمسة الذي انعقد في الدوحة أمس بين ممثلي دول فرنسا وفي طليعتهم الموفد الرئاسي جان-ايف لودريان والسفيرة الفرنسية آن غريو وممثلي قطر وزير الدولة القطري محمد بن عبد العزيز الخليفي والسعودية التي ترأس وفدها المستشار في الأمانة العامة لمجلس الوزراء السعودي نزار بن سليمان العلولا وضم وفد المملكة سفيرها في قطر الامير منصور بن خالد بن فرحان وسفيرها في لبنان وليد بن عبد الله بخاري، وممثل الولايات المتحدة الأميركية مساعد وزير الخارجية إيثان غولدريتش بالاضافة الى ممثل عن جمهورية مصر العربية بالكثير من التقارير الاعلامية التي بنيت على تحليلات أكثر منها معلومات ثابتة، لسبب بسيط هو مستوى التكتّم الدبلوماسي العالي وثانيا لأن المجتمعين بعضهم لا يزال في الطائرة عائدا الى بلده او الى لبنان. إلا أن قراءة دبلوماسية فرنسية للبيان الختامي وهو البيان الاول الذي يصدر عن هذه المجموعة التي انبثقت في نهاية العام 2022 بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعقدت اجتماعها الاول واليتيم في 6 شباط\فبراير الماضي من دون أن تنجح في اصدار بيان مشترك نظرا الى التباينات في وجهات النظر حول الملف اللبناني تفيد بأن لهجة هذه الدول متشددة وتنحو نحو المزيد من التصعيد في وجه المعرقلين للاستحقاق الرئاسي اللبناني المعطل منذ 9 اشهر من دون وجود أية مبادرة نهائية بعد، ما يشي بأن الاستحقاق الرئاسي اللبناني سيطول أمده وخصوصا وأن تقارير اعلامية أوردت أن الاجتماع المقبل للمجموعة سيكون في ايلول\سبتمبر المقبل.
وبحسب المعطيات الدبلوماسية الأولية المتوافرة فإن حرية المبادرة لكلّ دولة من هذه الدول لإيجاد حلّ يخرج الاستحقاق الرئاسي اللبناني من عنق الزجاجة لا تزال موجودة، أما الحديث عن تفويض جمّد أو تفويض مدّد فليس له صحة. لا تنافس دوليا على ايجاد حل للبنان، بل تكامل وتعاون وتنسيق وتبادل في وجهات النظر، لم يتعدّ الاجتماع الثاني هذا الاطار التشاوري في مضمونه من دون اتخاذ أي قرار ملموس بعد في ما يخص عقد حوار او اختيار اسم ثالث او العودة الى مبارزة مفتوحة في المجلس النيابي، فكل الخيارات مطروحة لكنّ الجديد هو اللهجة القوية التي اتسم بها البيان الختامي، وتعبير هذه الدول عن “قلقها” ازاء الوضع اللبناني. ثلاثة افكار يجب أن تستوقف المتابع لاجتماع المجموعة:
أولا، ما ذكر في البيان من ان المجتمعين ناقشوا خيارات محددة في ما يتعلق باتخاذ اجراءات ضد اولئك الذين يعرقلون احراز تقدم في مجال مسؤولياتهم الدستورية والشروع في انتخاب رئيس للبلاد. لم تعد هذه الاجراءات وهي عمليا عقوبات مجرّد “تابو”، أي أمرا محرّما وخصوصا من وجهة نظر الاتحاد الأوروبي وفرنسا هي رأس حربته السياسية.
فالاتحاد الأوروبي وضع قبل عامين الاطار القانوني لعقوبات عتيدة على مسؤولين لبنانيين تمتد من مالية الى ادارية الى منع تأشيرات الدخول الى منع التنقل وكلها أفكار مطروحة ضمن سياق واضح، وهي تحظى بدعم فرنسي وبطبيعة الحال بدعم الموفد الرئاسي الفرنسي جان-ايف لودريان شخصيا وخصوصا وأنه كان أول من طرح هذه الفكرة على المجلس الاوروبي إبان الفراغ الحكومي وهو من داعمي هذه الفكرة، ويلقى دعما أميركيا لها. وفيما تعذّر أخذ رأي الدول العربية المشاركة في هذا الاجتماع بخصوص هذه النقطة فإن إيرادها في البيان الختامي المشترك يعني أن المملكة العربية السعودية ومصر وقطر تبارك أيضا هذه الخطوة العقابية التي يتكتم المعنيون عن تفصيلها مكتفين بالقول أنها ستطال الدائرة الضيقة للمنظومة الحاكمة في لبنان، وليست الاطراف المسيحية المعرقلة بعيدة منها.
الامر الثاني الذي يجب أن يستوقف المتابعين يتعلق بإثارة المجتمعين في الدوحة قضية انفجار مرفأ بيروت، إذ شدد المجتمعون على الحاجة الماسّة الى الاصلاح القضائي وتطبيق سيادة القانون ولا سيما فيما يتعلق بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت في العام 2020. في هذا السياق، قال مصدر دبلوماسي فرنسي مطلع لموقع “مصدر دبلوماسي” بأن تطرق المجتمعين الى هذه النقطة أمر لافت، وقد جاء طرحها بإصرار من فرنسا بالذات، وهي نقطة حاضرة بقوة على الاجندة الفرنسية. وكشف المصدر الدبلوماسي الفرنسي لموقع “مصدر دبلوماسي” عن وجود “اجراءات قضائية سواء في القضاء الفرنسي أو في مجلس حقوق الانسان الذي من المتوقع أن يصوّت قبل نهاية العام الجاري على اصدار قرار او اعلان عن انفجار مرفأ بيروت، فضلا عن عمل جار بجدية لتشكيل لجنة تحقيق دولية. وإذا كانت فرنسا هي عرابة هذه الفكرة فإن المصدر الدبلوماسي الفرنسي يقول لموقعنا بأن وصول هذه الفكرة الى البيان الختامي يعني أنه قد تمّ التعمق بها.
أما النقطة الثالثة التي ينبغي التوقف عندها فتتمثل باللهجة الدبلوماسية القلقة التي اتسم بها البيان وهذا يعني تسخين اللهجة تجاه جميع المسؤولين اللبنانيين المعرقلين لانتخاب رئيس دون استثناءات.
بعد هذا الاجتماع، عقد لودريان لقاء مع رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، وتعتبر قطر محطته الثالثة بعد زيارته للمملكة العربية السعودية ومصر، حيث سيعمد بعد التشاور مع الاميركيين (لن يزور واشنطن) الى صياغة افكاره قبل مجيئه الثاني الى لبنان الذي يتأرجح تاريخه تبعا للمواعيد التي تحدد له في الدول المعنية حيث أن زيارة ايران غير مستبعدة. في هذا السياق يحرص المصدر الدبلوماسي الفرنسي على التأكيد لموقعنا بأن تعيين لودريان رئيسا للوكالة الفرنسية لتنمية منطقة العلا في السعودية لا يؤثر البتة على مهمته الدبلوماسية في لبنان.
وعن صحة ما كتب عن رفض من المجتمعين لتنظيم أي حوار بين اللبنانيين، أشار المصدر الدبلوماسي الفرنسي الى أن فكرة الحوار مطروحة دوما، والسؤال: هل تكون في لبنان أم خارجه؟ وهو تكون حوارات ثنائية ام أكثر؟ ليس من تصور واضح ومحسوم في هذا الاطار، والامر سيان بالنسبة الى طرح اسم ثالث وهو أمر لا تعارضه فرنسا التي لا تضع فيتو على أحد، وهذه الفكرة ليست محط تعارض مع القطريين بالعكس لكن السؤال من سيكون هذا الاسم الثالث؟علما بأن المعادلة الاولى التي طرحتها فرنسا سابقا حول اختيار رئيس للجمهورية من فريق معين يقابله رئيس حكومة من الفريق الآخر لا تزال ثابتة طالما لم يتم الاعلان عن الغائها، وفي هذا السياق تبقى المعادلة ثابتة على اسم سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية الى حين اصدار قرار آخر. ويحرص المصدر على القول بأن فرنسا تتحرك بالتشاور مع جميع حلفائها بلا تفويض من احد. في هذا السياق، لا يزال ضم ايران الى اجتماعات الخماسية أمرا غير محسوم، ومن غير المؤكد بعد أنه طرح في المشاورات في اجتماع الدوحة، ويقول المصدر الدبلوماسي الفرنسي بأن ايران دولة مؤثرة وفرنسا لا تمانع ان تكون جزءا من المشاورات حول لبنان، والشهر الماضي اتصل الرئيس ايمانويل ماكرون بنظيره الايراني ابراهيم رئيسي وتحدثا مطولا بالشأن اللبناني لكن الأمر يقتضي موافقة الدول العربية المشاركة.