“مصدر دبلوماسي”- خاص
أن تقوم بجولة سياحية في مدينة صيدا يعني أن تجول في أهم ممالك فينيقيا القديمة. في شوارع وازقة صيدا القديمة التي مشينا فيها لثلاث ساعات لم تكن كافية لاكتشاف معالمها كلها، تحاكي النقوش والمعابد والقلاع والخانات تاريخا حافلا لـ”صيدون” التي قصدها الغزاة من مصريين وآشوريين وفرس ويونانيين مع الاسكندر المقدوني، وفي العهد الصليبي كانت صيدا ولاية من الولايات الاربع التي تؤلف مملكة القدس وحكمها “كونت”. حكمها ايضا صلاح الدين الايوبي قبل ان يستعيدها الصليبيون ثم اخذها العرب لتعود للافرنج مرة جديدة، ووقعت في يد المماليك ثم العثمانيين ولا ننسى عهد الامير فخر الدين الثاني الذي جعلها عاصمة له.
تؤدي شوارع صيدا كلها الى المرفأ ، تكتشف في صيدا قصرا معنيا، وكان القسم العلوي منه مركزا لمدرسة عائشة ام المؤمنين الى جانبه حمّام الجديد والجامع البراني الذي يقع قبالة قشلة الدرك حيث كان يوضع المساجين وهو من بناء المعنيين ويتم ترميمه. الى شمال الساحة يقع خان الافرنج وهو بناء ضخم يحتل مساحة كبرى سكنه في ما مضى قناصل الدولة الفرنسية والآباء الفرنسيسكان، من الآثار كنائس للاتين ولليسوعيين والجامع العمري الكبير الذي يقع بالقرب من كلية المقاصد الاسلامية وهو من الاماكن الأثرية الصليبية. صيدا كلها تحفة أثرية صامدة بوجه الاهمال الواضح، حيث تتراكم النفايات بين القناطر الاثرية ما يثير المرارة في القلب. في كل خطوة تخطوها في صيدا القديمة تطأ على نقوش وآثار مهملة باستثناء بعض الاحياء التي رممتها جمعية السيد محمد زيدان والمستمرة بالترميم بشكل موحّد وأنيق في مبادرة فردية تضع القليل من الامل وتعوض اهمال السياسيين في اجمل مدن فينيقيا على شاطى البحر الابيض المتوسط وقلعتها الصليبية الشامخة لا تزال شاهدة على ذلك.
كل هذا الاهمال، تعوضه ابتسامة الصيداويين في السوق الشعبي، حيث تكتشف حرفا تظنها انقرضت منها صناعة المراكب بالصدف، وحيث يقصد صاحب المتجر المتواضع شاطئ البحر ويلمّ الصدف ليجمعه وينظفه ثم يصنعه مراكب وتماثيل وشخوص يبيعها لمن يرغب. وهنا ابو مصطفى يصنع الحلويات “السفوف” بالطريقة اليدوية، وتاجر الخشبيات الذي يصنع المراكب الخشبية بأشرعتها الجميلة، ويقول “لا احد يشتري من السياح الاجانب، فقك السياح العرب يشترون صناعاتنا”.
صيدا “أم الغني والفقير” هي مدينة رائعة، يمكن تحويلها لو أراد السياسيون فيها الى تحفة أثرية عالمية، بالرغم من ذلك تصمد وتحافظ على ألقها متحدية الاهمال والسنون وايضا القصف الاسرائيلي الذي طاول احياءها الاثرية في العام 1982. هنا لا بد من ذكر حي اليهود، الذي لا يزال موجودا لغاية اليوم وهو حي مهمل كما جميع الاحياء الصيداوية القديمة تسكنه عائلات لبنانية فقيرة تنتظر أن تصل ورشة الترميم الحاصلة اليها.
المزيد من الصور: