“مصدر دبلوماسي”- خاص
“الكاتب: هو شمعة تضيئ للجمهور وتذيب نفسها حرقا، هو شخص بل خيال شخص يحيي لياليه في كتابة مقالة في جريدة، أو نشر كتاب مفيد أو نظم قصيدة أدبية وقد احدودب ظهره وشحب وجهه وضعف بصره وذبلت نضارته في عنفوان صباه وهو دائب في البحث والتنقيب عن كل نفيسة، ثم لا يكون حظه من ذلك كله إلا الاضطهاد والضغط وكساد بضاعته وإعراض الناس عن كتاباته، فمسكين الكاتب… كلّما امتلأ دماغه فرغ جيبه”. قرأت هذا النص الادبي الجميل في افتتاحية صحيفة “الصاعقة” التي نشرتها في 24 كانون الاول من العام 1919 وكانت تصدر في مدينة حلب وهي إحدى 400 صحيفة عربية يقدّمها معرض “نابو” في منطقة “الهري” في البترون لغاية 16 أيلول المقبل.
جمع جواد عدره وزينة عكر عيون الصحافة العربية التي لمّ شملها السيد بدر الحاج، الذي جمع هذه التحف الصحافية طيلة ثلاثين عاما حين كان يعمل في لندن. ويقول الحاج لموقع “مصدر دبلوماسي” بأن لديه الكثير من الصحف القديمة وتصل الاعداد الى 1200 عدد في أرشيف ضخم وفريد يقدّم متحف “نابو” جزءا منه.
في الافتتاح الذي رعاه وزيرا الثقافة القاضي محمد وسام مرتضى والاعلام زياد المكاري والذي حمل عنوان “بدايات الصحافة العربية”، حضرت شخصيات دبلوماسية وسياسية وأمنية وأكاديمية واعلامية وصحافية، وجالت في انحاء المعرض الفريد الذي “يشكل نوعا من السجل التاريخي لبدايات الصحافة العربية في القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين في المشرق وشمال افريقيا كما في المهاجر”.
في المعرض صحف جمّة، قراءتها ممتعة، وتتميز بنصوصها السياسة ذي النفحة الادبية في لغة عربية انيقة تنساب جمالية وتحمل المضامين في آن. تفاجأ من كم المعلومات، ولعل أكثرها إثارة للفضول والتساؤل هو ان اول صحيفة عربية أصدرها نابلوليون الاول اثناء احتلال القاهرة في العام 1799 بعنوان “الحوادث اليومية” وكانت صحيفة يومية رسمية انشأها نابوليون الاول كقائد للجيوش الفرنسية في وادي النيل وعهد الى اسماعيل الخشاب تحريرها، وكانت تقتصر على نشر اخبار مصر وأوامر وبيانات القوات الفرنسية باللغتين العربية والفرنسية. كان للفرنسيين دور ريادي في اصدار الصحف العربية، “فالقوات الفرنسية التي احتلت مصر قررت في العام 1800 اصدار جريدة “التنبيه” بهدف نشر مبادئ الثورة الفرنسية كمّا أدّعت. وعهد الجنرال جاك-فرانسوا مونو ايضا الى اسماعيل الخشاب تولي الاشراف عليها، لكن المشروع لم يبصر النور لأن الفرنسيين استسلموا للقوات البريطانية في العام 1801 عندما قصفت الاسكندرية وطوّقت القوات الفرنسية”، بحسب ما كتب بدر الحاج مقدّما لكتيب معرض “بدايات الصحافة العربية”.
في العام 1828، أمر خديوي مصر محمد علي باصدار “الوقائع المصرية” وكانت تصدر باللغتين العثمانية والعربية في البداية، ثم تحولت الى العربية لاحقا. في العام 1855، أصدر أول عربي، وهو الشاعر السوري رزق الله حسون جريدة بالعربية بعنوان “مرآة الاحوال” لكنها أوقفت عن الصدور بسبب نقدها الشديد للسياسة العثمانية.
لعبت النساء ايضا دورا رياديا في الصحافة العربية، وكانت الشاعرة السورية مريانا مراش أول امرأة تكتب في الصحافة العربية وظهرت مقالاتها في “الجنان” و”لسان الحال” في بيروت.
وفي العام 1892، أسست اللبنانية هند نوفل في الاسكندرية أول مجلة نسائية في العالم العربي وحملت عنوان “الفتاة”.
وشهد القرن التاسع عشر، وخصوصا في نصفه الاخير انتشارا مكثفا للصحافة العربية سواء في السلطنة العثمانية وشرق آسيا وأوروبا واقطار المغرب العربي، او القارة الأميركية، ونظرا للرقابة الصارمة على المطبوعات في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، انتقل عدد كبير من الصحافيين والكتاب السوريين الذين كان يطلق عليهم عبارة “الشوام” الى مصر حيث ساهموا في نشر عشرات المجلات والصحف في كل من القاهرة والاسكندرية بشكل خاص، وقد تمّ عرض بعض النماذج من تلك الصحف والمجلات في هذا المعرض وكذلك الأمر بالنسبة للصحف التي أصدرها المهاجرون سواء في اوروبا أو أميركا الشمالية والوسطى والجنوبية، بحسب الحاج.
تركزت كثافة اصدار الصحف في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بين مصر 394 دورية وجريدة ولبنان ما يقارب الـ55 منها، وتوزعت الاعداد التالية على كل من سريا وفلسطين والعراق والحجاز بالاضافة الى الصحافة المهجرية أوروبيا وأميركيا سواء في اميركا الشمالية أو الجنوبية. في المعرض، يمكن للزائر ايضا ان يتعرف بالصور على ثلة مميزة من مؤسسي الصحف الرؤيويين الذين كانوا وراء النهضة العربية الحديثة فكرا ولغة وأدبا وعلما من خليل الخوري الى الدكتور خليل سعاده ومن بطرس البستاني الى ناصيف اليازجي وسواهم.
وقد لخص جواد عدره المعرض في كلمة الافتتاح بقوله:” إنه لمن دواعي سروري بأن معرضنا اليوم عن “بدايات الصحافة العربية”، منذ نشوئها وانطلاقتها في منتصف القرن التاسع عشر وحتى الامس القريب، سوف يتيح لكم الارتحال مع نسخ من اعداد الجرائد والمجلات زمانا ومكانا، من بيروت التي اثبتت وتثبت اليوم بأنها تستحق كما تم اختيارها عاصمة الاعلام العربي للعام 2023، الى طرابلس المنارة ايضا في الاعلام وصيدا والقاهرة والاسكندرية، الى دمشق وحلب وحمص والقنيطرة والاسكندرونة فبغداد والبصرة والنجف والقدس ويافا وحيفا حيث جبل الكرمل وعكار، غور الاردن والمدينة المنورة، مكة المكرمة وجدة، الى الخرطوم ودول المغرب العربي الكبير، من تونس الخضراء والمغرب والجزائر وليبيا الى العمق الافريقي حيث الجاليات العربية المهاجرة بأخبارها بصحافة تنقل الينا الشؤون والاحوال ومتابعات اخبار البلاد والعباد”.