“مصدر دبلوماسي”-خاص
عاد متحف نقولا سرسق في الاشرفية الى التألق بعد 4 اعوام من ورشة تأهيل وترميم تلت تضرره الكبير عقب انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 وذلك في احتفال اقيم الجمعة الفائت في باحات “المتحف الأبيض” في حضور حشد من الشخصيات السياسية والدبلوماسية والثقافية والاجتماعية والاعلامية اللبنانية والاجنبية. لهذا المتحف تاريخه العريق في الذاكرة الثقافية اللبنانية، وقد افتتح للمرة الاولى في العام 1961 وأنشئ انطلاقا من التزام صاحب المجموعات الفنية نقولا سرسق الذي أوصى بضرورة دعم الفنون وتعزيزها، وأوصى ايضا بأن يهب قصره ذات الطرازين المعماريين الايطالي والعثماني المبني في العام 1912 للمواطنين اللبنانيين ليكون متحفا للفنّ وذلك بعد وفاته في العام 1952 إيمانا منه بحاجة الفنانين في لبنان الى دعم مؤسساتي. نجا المتحف من الحروب الكثيرة التي شهدتها العاصمة بيروت لكنه ظلّ مفتوحا للجمهور على مدار العقود الستة الماضية مع بعض الانقطاعات.
بعد اعادة افتتاحه، يسعى متحف سرسق بحسب الرؤية الجديدة الى مزيد من التطور “في أن يكون مؤسسة طليعية ومنصة عامة مفتوحة للنقاش والتفكير النقدي والتعلم والمعرفة ورعاية الذاكرة الجماعية لمدينة بيروت بهوياتها المتعددة وتعقيداتها في قلب لبنان والمنطقة” بحسب الكتيّب الذي وزّع على الجمهور.
خضع المتحف لمشاريع توسعة وتطوير على مر العقود، في العام 2008، خضع المتحف لمشروع تجديد وتوسعة استمر لمدة سبع سنوات. بدأ المشروع في العام 2000 من قبل رئيس مجلس امناء المتحف آنذاك غسان تويني وانتهت التوسعة في العام 2015 وأضيفت 4 طوابق تحت حديقة المتحف مما ادى لزيادة في المساحة الكلية للمتحف بمقدار خمسة اضعاف من 1500 متر مربع الى 8500 متر مربع وكان التحدي الرئيسي الذي واجه المهندسين المعماريين هو انشاء مساحات جديدة بعمق 20 مترا اسفل المتحف مع الحفاظ على العمارة الاصلية للمبنى وتعزيزها. تتميز المرافق الجديدة بمساحات اضافية تشمل قاعة مساحتها 650 متر مربع، مخصصة للمعارض المؤقتة، وصالة كبيرة تضم 168 مقعدا ومكتبة ابحاث شاملة، ومساحتي تخزين مخصصتين لمجموعة المتحف الدائمة والسجلات، ومشغل ترميم فضلا عن متجر ومقهى ومطعم.
بعد انفجار المرفأ تعرض المتحف لأضرار بالغة، تحطمت نوافذه ذات الزجاج الملون ولحقت اضرار بالغة بالابواب التاريخية ومزقت اعمالا فنية لا تقدر بثمن. اطاحت قوة الانفجار باب القبو المقاوم للحريق لينغرز بسقف الدور السفلي للمتحف، حيث ظل معلقا هناك لسنة كاملة.
بعد الانفجار، وضعت مؤسسة “ألف” أيالتّحالف الدّولي لحماية التُّراث في مناطق النّزاع خطة استجابة طارئة واعتمدت بسرعة خطة عمل لتمويل تدابير تهدف الى تدعيم وحماية واعادة تأهيل التراث الثقافي للمدينة. وأسهمت “ألف” بنصف مليون دولار أميركي، والحكومة الايطالية بمليون دولار وكذلك اسهمت وزارة الثقافة الفرنسية. وقد اتفقت ايطاليا في اوائل العام 2023 مع اليونسكو على زيادة الاستثمار في الطاقة النظيفة لتحقيق “الاستدامة الخضراء” في المتحف، وفي نيسان 2023 تم تركيب نظام كامل للالواح الشمسية لإمداد جميع الشبكات وانظمة الكومبيوتر وانظمة الامان وانظمة الاضاءة في حالات الطوارئ بالطاقة الشمسية والاهم من ذلك ان هذه الالواح الشمسية توفر الكهرباء لمخزن المتحف تحت الارض حيث يتم الاحتفاظ بكافة الاعمال الفنية في ظروف مناسبة.
وكما قالت السفيرة الايطالية نيكوليتا بومباردييري:” بعد اعادة تأهيل الطابق السفلي للمتحف الوطني في بيروت وترميم معبد جوبيتير في بعلبك، فإن المساهمة في اعادة افتتاح متحف سرسق هي الملاحقة الطبيعية للدعم الايطالي الطويل الامد الى لبنان في مجال حماية التراث”.
في 26 أيار إذن اعاد متحف سرسق فتح ابوابه مستعيدا دوره المحوري على الساحة الفنية المعاصرة النشطة والغنية في بيروت. وهنا جانب من وقائع الحفل:
متري
بعد النشيد الوطني اللبناني وكلمة ترحيبية لعريفة الاحتفال الاعلامية صبحية نجار. ومن ثم القى رئيس لجنة متحف سرسق رئيس جامعة القديس جاورجيوس الوزير السابق طارق متري كلمة قال فيها: “أرحّب بكم في متحف نقولا إبراهيم سرسق، متحف التنوّع والإنفتاح. فهو لكلّ اللبنانيين لا لفئة بعينها ومنفتح على المدارس الفنيّة والإتّجاهات كافّةً في لبنان وفي دنيا العرب والعالم. منذ تأسيسه عام 1961. وفي مسيرة طويلة، عرف أياما عصيبة وتركت الحروب اللبنانيّة والملبننة ندوباً في جسده. لكنّه إستعاد عافيته. وهو فاعل اليوم، بإذن الله”.
وأضاف: “في اليوم الذي تلا إنفجار الرّابع من آب الاجرامي، جاء إلينا عشرات المتطوّعين والمتطوّعات الشبّان وقدّموا له مساعدات فوريّة. غير أنّ إزالة آثار الإنفجار وترميم المتحف تجاوزتا إمكاناتنا ومساهمات أصدقائنا الأقرب. كان الدّمار كبيراً، فتشاركنا مع لبنانيين كُثُر الألم الكبير، وأدركنا أن الأوّلية للنّاس قبل المباني وللحيّ قبل المدينة. كما أدركنا كسوانا من أهل بيروت أنّنا مدعوّون مهما حرنا في أمرنا واشتدّ علينا الضّيق ألّا نيأس فنهلك. باشرنا العمل ولم نكن على يقين أنّ الدّعم الذي نحتاجه سيتوفّر. لكنّه توفّر. حسبي أن أذكر شاكراً المتبرّعين وهم عديدون، لن أقرأ أسماءهم فاللائحة طويلة. والفضل يعرفه ذووه. سأكتفي بذكر الهيئات الرّسميّة والمؤسّسات التي أسهمت في تغطية أكلاف ترميم البناء واللوحات في مراحل العمل المختلفة. وهي (بحسب التسلسل الزمني):
التّحالف الدّولي لحماية التُّراث في مناطق النّزاع (ألف)، وزارة الثّقافة الفرنسيّة، الصّندوق العربي للثّقافة والفنون، المركز الإقليمي العربي للتّراث العالمي، معهد غوته، الوكالة الإيطاليّة للتعاون الإنمائي، منظّمة اليونسكو، وعدد من المؤسّسات اللبنانية، التي سأعدّدها في ختام كلمتي بالإنكليزية”.
وجزم: “بدعمكم جميعا نعيد متحف سرسق الى اللبنانيين، لا سيما الآلاف من زواره الدائمين. ولقد أكرمنا الله باصدقاء يحرصون على استعادة حيويتنا رغم الصعاب والأكلاف الباهظة. حملوا ويحملون معنا همّ النهوض ليكون دعمهم السخي مبعث طاقة ومعين امل”.
بيكات
والقت مديرة هيئة الثقافة والطوارئ في اليونسكو، خطاب كريستا بيكات، فقالت: “تقع المتاحف في صميم مساعي اليونسكو لتعزيز الحوار والسلام والتنمية المستدامة من خلال الثقافة. فهي تحافظ على تراثنا المشترك وتاريخنا وتنقله إلى الآخرين، وهي مصدر للهوية والتعافي، كما أنها تحفّز إبداعنا وتشكل مساحة مهمة للحوار تتيح للعامّة التفكير في الماضي والحاضر والمستقبل”.
وتابعت: “تؤمن اليونسكو إيمانًا راسخًا بقوة المتاحف وتدعم الجهود الرامية إلى تطويرها وإعادة تأهيل المتاحف حول العالم، ومنها جهود تعزيز دور المتاحف في الحفظ والتفسير والتعليم وفي تقريب المجتمعات من بعضها بعضًا. ولمتحف سرسق مكانة خاصة في قلوب أهل بيروت. وقد لحقت بهذا المتحف كغيره العديد من المباني الأيقونية في بيروت، أضرار جسيمة من جرّاء انفجار المرفأ. ومع ذلك، في أعقاب الانفجار، كرس عدد لا يحصى من الناس جهودهم لحماية هذا المعلم الهام الذي كان بمثابة منزل ثانٍ وملاذ للتعبير الفني والإبداع. نقف هنا اليوم، محتفلين باسترجاع متحف سرسق وإعادة إحيائه بفضل الجهود الجماعية”.
واستطردت: “مع بداية هذا الفصل الجديد، ينبغي أن نعترف بالدور الذي تضطلع به الثقافة في المجتمعات في أوقات الأزمات، وأن نسلّط الضوء على ما يمكن تحقيقه من خلال تضافر الجهود والعمل المشترك لحماية الثقافة وتعزيزها. وإنّ استكمال هذا المشروع يفي بالوعد الذي قطعته اليونسكو لدعم بيروت في وقت حاجتها من خلال تنسيق الجهود وتحديد الاحتياجات وجمع البيانات وحشد الأموال”.
بومباردييري
وألقت سفيرة إيطاليا كلمة جاء فيها أنه “لطالما كانت مشاركتنا في الحفاظ على التراث الثقافي حجر الزاوية في شراكتنا مع لبنان. يتجسد التزامنا بحماية التراث اللبناني الغني والمتنوع في سلسلة مترابطة من المشاريع. يعتبر الوصول الشامل إلى الثقافة حقًا للجميع ومن واجب الحكومات التشجيع عليه. قد تشكل حماية التراث الثقافي وتعزيزه محركا للتنمية المستدامة يمكن من خلاله تثبيت هوية أمّة ما.”
وأضافت: “استثمرت الأموال الإيطالية لإنجاز الأعمال اللازمة المتعلقة بأنظمة الإضاءة الخاصة بـصالات العرض، واستبدال الحواجز الداخلية، وترميم أبواب النار، والجدران الزجاجية، والمعدات الملحقة، والطلاء، والعزل المائي، وإنارة الواجهة والمناظر الطبيعية، إضافة إلى تركيب الأنظمة الكهروميكانيكية وألواح الطاقة الشمسية لضمان استهلاك الطاقة الخضراء والمستدامة”.
غريو
وقالت سفيرة فرنسا في لبنان آن غريو، في كلمتها: “في 26 مارس 2021 ، كنا معًا في الطابق الأول ، في الصالة العربية. كانت نوافذ الواجهة المدمرة مغطاة بالبلاستيك الأزرق. تراكمت الخردة المعدنية والحطام في أكوام في الفناء وفي الممرات. بعض قطع المتحف لم يتم تطهيرها بعد. بالكاد عملت الكهرباء. كنا نرتدي أقنعة، كان لا يزال وقت كوفيد. فتحت الأبواب وفتح أحدها في السقف تحت تأثير انفجار الانفجار الذي أصاب بيروت قبل سبعة أشهر في 4 آب 2020. وكان فريق المتحف ، المنهك ولكن الشجاع ، لا يزال يحصي الأعمال التالفة. في غرفة المحفوظات ، حيث تم إيواؤها بشكل عاجل ، كانت اللوحة الشهيرة لنيكولا سرسق التي رسمها كيس فان دونجن تنتظر المغادرة إلى فرنسا لترميمها في مركز بومبيدو… وفوق هذه الأنقاض ، أعلنت بعد ذلك أن فرنسا ستكون بجانبك ، وأنها ستشارك في تجديد المتحف ، وتعيد للبنانيين ولكل من يسافر إلى لبنان فرصة العودة إلى هذا المكان الأيقوني في بيروت”.
وأضافت: “اليوم ، في 26 مايو 2023 ، بعد ذلك بعامين وشهرين ، نجتمع معًا مرة أخرى ، وقد اجتمعنا جميعًا وأكثر من ذلك بكثير ، لإعادة افتتاح متحف سرسق. ومن الواضح أن هذا هو متعة كبيرة بالنسبة لي. عاطفة عظيمة. وفخر كبير لفرنسا التي أوفت بوعدها. كما كانت في جميع المجالات التي شاركت فيها في دعم لبنان واللبنانيين ، بعد هذه المأساة الرهيبة. دراما أود أن أقول إنه لا يمكن لأي ترميم أن يمحو آثارها. فقط العدالة يمكن أن توفر بعض الراحة لعائلات أولئك الذين لم يعودوا ولضحايا. لن يكون هناك انتعاش وإعادة إعمار للبنان في ظل إفلات من العقاب وبلا عدالة”.
هوبير
ومن ثم ألقى المدير العام للتراث والعمارة في فرنسا جان فرنسوا هوبير كلنة قال فيها: “من دواعي سعادتي وفخري أن اكون في بيروت واحتفل معكم بهذه اللحظات الرائعة، وانقل لكم تحيات وزير الثقافة الفرنسي وصدق مشاعره تجاه لبنان وشعبه وهو كان يتمنى أن يشاركنا هذه المناسبة الراقية والرائعة والتي تعكس عمق ثقافة لبنان وتاريخه المضيء. وافتتاح هذا المتحف هو لحظة مضيئة وجيدة من اجل الثقافة والنجاح”.
خياري
ومن ثم تحدثت نائب رئيس جمعية “اليب” الفرنسية السيدة بريزة خياري فاشادت بأهمية المناسبة، ونتائجها الايجابية على مختلف الاصعدة “وبخاصة الثقافية والسياحية”.
الحلو
وكذلك القت مديرة المتحف السيدة كارينا الحلو كلمة رحبت فيها بالحضور وشكرت كل الجهات والشخصيات التي ساهمت باعادة هذا المرفق الثقافي والسياحي…
وتلا ذلك وصلات فنية قدمتها جوقة جامعة القديس يوسف. ومن ثم جال الحضور في أرجاء المتحف.