محمد لمع
نائب رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة في لبنان
قالوا عنه انه حامل “المئة بطيخة” والعامل على حل المئة مشكلة ومشكلة، وصفوه بأنه ملك الوساطات الناجحة وسيد التفاوض وخصوصا في ملفات إعادة المخطوفين والرهائن وصاحب المبادرات والمهام التي لا تنتهي.
عكف على الوصول الى مكتبه في المديرية العامة للامن العام اللبناني منذ السادسة صباحا، يوقع كدسات البريد ويطلع على التقارير التي ترده من مراكز الامن العام في انحاء لبنان، ليبدأ بعدها التفرّغ للمهام السياسية والأمنية وما أكثرها بدءاً بالتسويات التي تراوح بين الخلافات الرئاسية والتي تعطل عمل الحكومة والدولة، مروراً بترتيب تفاصيل عودة اللاجئين السوريين مع السلطات السورية واطلاق سراح السجناء وتحرير المخطوفين بدءاً من مخطوفي اعزاز وراهبات معلولا ورهائن آخرين من جنسيات مختلفة، بالاضافة الى كشفه العديد من شبكات التجسس والعمالة، فضلا عن العلاقات التي نسجها مع مسؤولي المخابرات في دول عربية واجنبية، حتى ان بعض هذه الدول اقامت له حفلات تكريم وعلقت الاوسمة على صدره.
هذا هو اللواء عباس إبراهيم الذي غادر المديرية العامة للأمن العام في أوائل آذار الماضي بعد ان تربع على عرشها 12 عاما، غادرها وسط دموع رفاق من الضباط الذين عملوا معه.
ومع ان اسمه عباس فان العبوس لم يعرف ملامحه يوماً حتى في اقسى المهام وأصعبها. متواضع على كبر، يعمل بصمت لان الوقت عنده هو للعمل وليس للكلام. صاحب شخصية محببة الى القلب صادق في عمله يغلّب الناحية الإنسانية على سواها، مبادر وذكي، تحركه الدوافع الوطنية والإنسانية والأخلاقية، عسكري حازم ودبلوماسي هادئ، هو رجل المهمام الصعبة وربما المستحيلة.
سابق بزوغ الفجر لترتيب إخراج عملية “فجر الجرود” وكم تجشّم من صعاب بسبب المهام المتراكمة التي دفعته الى القيام برحلات مكوكية الى تركيا وقطر وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة ورومانيا وايران من دون ان يبخل بلحظة من وقته للإهتمام بالمديرية التي يتولاها في الأمن العام فإذا بهذا الجهاز الحساس من انجح مؤسسات الأمن في لبنان.
وسط الصورة القاتمة السوداء في لبنان كان اللواء عباس إبراهيم يضيء شمعة في عتمة هذا الوطن، وفي زمن الشح والقلة والتجاذبات وانعدام المسؤولية كان ثمة قامة وطنية تحقق نجاحات، وفي مجتمع مشحون بالأخبار السيئة والسلبية يظل هناك متسع لأخبار جيدة وإيجابية.
تمحورت مبادرات ومهام اللواء إبراهيم من تحرير مخطوفي أعزاز وراهبات معلولا مروراً بالكشف عن مصير العسكريين المفقودين في عرسال والسعي إلى معرفة مصير المطرانين المخطوفين، وصولاً إلى تحرير نزار زكا من سجنهواكتشاف العديد من شبكات التجسس والعمالة للعدو، حول مفهوم الإنسان والحرية، كونه يرفض أن يظل لبنانياً أو غيره بريئاً قيد الأسر والاحتجاز خارج وطنه.
لا يستكين ولا يهدأ له بال إلا متى تحرر الذين يقبعون ظلماً أو قهراً في معتقلات وسجون، ولم يميز يوماً بين لبناني وآخر ولم تدخل في حساباته المناطق والطوائف وإنما كان عابراً لها.
عباس إبراهيم رجل دولة متميز يتحلى بحس وطني وروح إنسانية، رجل أفعال ومبادرات لا رجل أقوال ونظريات، يكفي أن نرى مسؤولاً يعمل بجد وصمت وسط هذه المعمعة من التخبط والخلافات والتجاذبات، في حين يغرق المسؤولون والسياسيون في متاهات وسجالات سئم منها اللبنانيون وملوا وكفروا، ينصرف اللواء إبراهيم إلى العمل الهادف والمنتج وفي كل الاتجاهات وعلى كافة المستويات، ويخوض كل أنواع المهام والمفاوضات، من المفاوضات الهادفة إلى تحرير سجين أو أسير، إلى المفاوضات الهادفة إلى ترسيم الحدود الجنوبية البرية والبحرية، أو تلك الهادفة إلى إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم. لا يأبه اللواء إبراهيم للمشاحنات والمناورات السياسية ولا يقع في فخ الاستدراج، لا يسمح لمؤسسة الأمن العام أن تدخل في السياسة كما لا يسمح للسياسيين أن يتدخلوا بها، ولاؤه للوطن وقضيته الانسان في هذا الوطن.
يظل في حركة لا تهدأ ولكن من دون ضجيج وغبار بينما آخرون كثيرون يغطّون في سبات عميق أو يخوضون معارك جوفاء لا طائل منها… وهكذا يمضي قدماً ويقطع أشواطاً في بناء مؤسسة أمنية نموذجية في أدائها وإنتاجيتها وحيويتها وتفاعلها مع الناس بينما مؤسسات كثيرة في الدولة تعاني من الفساد والركود وتفتقد إلى ثقة الناس بها.
عباس إبراهيم الذي أبعدته السياسة عن مركزه كان يجب ان ينال وسام الوفاء والإنسانية ويتم التمديد له في وقت يحتاج فيه لبنان اليه والى امثاله من المخلصين للوطن ولكن لعن الله السياسة التي لا تعمل الا لما فيه مصلحتها بعيداً من مصلحة الوطن، ويكفي عباس إبراهيم فخراً انه دخل الى المديرية العامة للأمن العام كبيراً وخرج منها كبيراً مكرّما بموجة عارمة من المحبة والاحترام كلله بها المواطنون الاوفياء.
قال كلمته ومشى وكأنها كلمة الرثاء الأخيرة لجمهورية تكاد تلفظ أنفاسها الاخيرة، ولوطن طالما كان نموذجا تتمثل به دول عدة، فأضاعه حكامه بخلافاتهم وانقساماتهم وفساد أكثريتهم حتى أوصلوه الى آخر قعر في جهنم وهم يقهقهون ويضحكون. يا امة ضحكت من جهلها الأمم. لا تغفر لهم يا أبتاه لأنهم يعرفون ماذا فعلوا وماذا يفعلون.