مارلين خليفة *
تحطّ مساعدة وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط بابرا ليف في لبنان في 23 الجاري آتية من جولة بدأتها في 15 الجاري وتشمل الاردن ومصر وتونس ولبنان الذي سيكون محطتها الاخيرة لغاية 25 الجاري. وبحسب بيان رسمي صادر عن المتحدث الرسمي لوزراة الخارجية الاميركية فإن “ليف سوف تحثّ المسؤولين اللبنانيين الرسميين على انتخاب رئيس بشكل عاجل وتشكيل حكومة وتطبيق الاصلاحات الحرجة للوضع الاقتصادي والضرورية لمساري الاستقرار والازدهار”.
لا تشبه اللغة الدبلوماسية التي يتضمنها بيان المتحدث الرسمي البتّة التصريحات التي اشتهرت بها ليف تجاه لبنان والذي تزوره للمرة الأولى منذ توليها منصبها في إدارة الرئيس جو بايدن في 31 أيار 2022، وهي تسلّمت المنصب من ديفيد شينكر وقبله ديفيد ساترفيلد. “اشتهرت” ليف بتصريحات أدلت بها عن لبنان في حوار نظمه معهد ويلسون في 22 تشرين الثاني الفائت حين قالت عن الازمة اللبنانية الراهنة:” أرى سيناريهات عدّة، التفكك هو الأسوأ بينها، قد تفقد قوى الامن والجيش السيطرة وتكون هنالك هجرة جماعية، هنالك العديد من السيناريوهات الكارثية”.
ينبغي التوقف بجدية عند كلام ليف، وهي دبلوماسية ذي خبرة واسعة ومديدة إذ كانت سفيرة للولايات المتحدة الاميركية في دولة الامارات العربية المتحدة، ثم باحثة في معهد واشنطن، وشغلت مناصب دبلوماسية رفيعة منها نائبة مساعد وزير الخارجية لشؤون شبه الجزيرة العربية في مكتب شؤون الشرق الادنى، ونائبة مساعد وزير الخارجية لشؤون العراق، وهي ادارت “فريق اعادة الاعمار الاميركي” في البصرة، وشغلت منصب المدير الاول لمكتب الشؤون الايرانية في وزارة الخارجية الاميركية، الى مناصب متفرقة في روما وسراييفو وباريس والقاهرة وتونس والقدس وبورت او برنس. تتزامن زيارة ليف مع اتفاق سعودي ايراني برعاية صينية هو تتويج لإدارة القوى الاقليمية لشؤون منطقة الشرق الاوسط بمباركة أميركية تمّ التعبير عنها مرارا في اوراق بحثية لمراكز دراسات شددت على أن الولايات المتحدة الاميركية تشجع دول الشرق الاوسط على نسج تحالفاتها وإدارة المخاطر التي تحيق بها بنفسها.
في هذا السياق الاميركي المنسحب من المنطقة، لا تنضوي زيارة ليف “العرضية” الى لبنان بحسب تعبير أوساط سياسية واسعة الاطلاع في واشنطن ضمن الاهتمام الاميركي “الخاص” بلبنان، بالرغم من أن ليف شاركت في الاجتماع الخماسي في باريس الذي انعقد في 6 شباط الفائت متداولة في الشأن اللبناني الى جانب ممثلي فرنسا والمملكة العربية السعودية وقطر ومصر.
إن زيارة لبنان هي “كمالة عدد” كما يشير المصدر الواسع الاطلاع على دقائق السياسة الاميركية وهي “أدرجت في آخر لحظة وفرضتها التطورات الامنية والتظاهرات في الداخل الاسرائيلي على خلفية تشريع الاصلاح القضائي وإمكانية استثمارها لتحريك الجبهة الشمالية”.
ولعلّ حادثة التفجير الغامضة عند حاجز مجدو والتي قضى خلالها يوم الاثنين الفائت “مجهول” على يد الجيش الاسرائيلي قيل انه يتحدر من مخيمات فلسطينية في لبنان بعد ان حاول وضع عبوة ناسفة، هي مبرر كاف لوضع لبنان على جدول الزيارة علما بأن الادراج سبق هذه العملية الخطرة جدا لما تحمله من تبادل رسائل أمنية حادّة بين “حزب الله” واسرائيل.
عدا عن تكرار الرسائل المعتادة إذن، فإن الزيارة تحمل في ثناياها هواجس اميركية تجاه التطورات في الداخل الاسرائيلي وعمّا إن كانت ستنعكس على الحدود الجنوبية مع لبنان. ويشير المصدر الى ان “الهدف الرئيسي من المرور في بيروت هو اثارة هذا الموضوع، والحث على ابقاء الحدود مع اسرائيل هادئة بمعية قوات “اليونيفيل” واستمرار ضبط النفس وعدم وقوع حوادث تهدد الاستقرار في شمال اسرائيل”.
وبالتالي فإن ملف الامن الاسرائيلي هو الذي سيخيّم على زيارة ليف، وبناء عليه من غير المنتظر ان تحمل المسؤولة الاميركية الرفيعة بوادر تغيير في السياسة الاميركية تجاه لبنان، وهي لن تدفع قدما بأي حلّ عملي في ما يخص انتخابات رئيس الجمهورية، وستكتفي بتشجيع “السلطات اللبنانية” على انتخاب رئيس والقيام باصلاحات كما درجت الادارة الاميركية التي لا تزمع لغاية اليوم تقديم أية مبادرة أو طرح افكار جديدة تجاه الملف اللبناني تاركة الحلول لحوار لبناني لبناني او للمبادرة الفرنسية السعودية، فأميركا التي تترك إعادة تشكيل تحالفات الشرق الاوسط لدوله الاقليمية لن تتدخل في تفاصيل بلد صغير مثل لبنان.
لا معطيات إذن عن وجود ملفّ رئيسي يتعلق بلبنان تحمله ليف معها، فلبنان ليس هدف الزيارة الرئيسي وهي قررت في آخر لحظة المرور في بيروت لعقد بعض الاجتماعات واطلاق رسائل روتينية حول الملف الرئاسي والاصلاحات والبنك الدولي أما الرسائل الاهم فستتعلق بالحدود الجنوبية وتطبيق القرار 1701 ودور “اليونفيل” في تثبيت الاستقرار.
ستكرر باربرا ليف ما درجت على التصريح به وما تتضمنه غاليا بيانات مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان وأميركا في عدادها من ان تحقيق الاستقرار يعتمد على قدرة لبنان على تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات. وستعيد التأكيد على بعض الخيارات المتاحة لإدارة بايدن: الضغط لتسريع انتخاب رئيس وتشكيل حكومة اصيلة ودعم الفئات الهشة ودعم السعي للحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي ودعم صفقات الطاقة مع مصر والأردن، وتعزيز مرونة قوى الأمن والضغط على الزعماء السياسيين للقيام بالاصلاحات الضرورية لأي اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
تأتي زيارة ليف الى المنطقة بعد أقل من شهرين من زيارة وزير الخارجية الاميركية أنتوني بلينكن الى الشرق الاوسط والتي شملت مصر واسرائيل والضفة الغربية في محاولة لانهاء جولات العنف الاسرائيلية الفلسطينية.
*نشر هذا التقرير بالتزامن مع صحيفة “اللواء” اللبنانية.