مقالات مختارة
مجلة الامن العام
مارلين خليفة
شكلت ايطاليا الشريك التجاري الاوروبي الاول للبنان لغاية العام 2018، حين انخفض معدل التبادل التجاري البيني بسبب الانهيار الاقتصادي والمالي. تكشف سفيرة ايطاليا في لبنان نيكوليتا بومباردييري، ان بلادها ترى امكانات كبرى للتعاون الاقتصادي المتجدد، خصوصا مع مجتمع الاعمال، الا انها تطلب بيئة اعمال اكثر استقرارا ونظاما مصرفيا فعالا ومشاريع مستدامة في لبنان
تشير السفيرة بومباردييري الى ان “تنفيذ لبنان لاتفاق مع صندوق النقد الدولي على اسس الاصلاحات من شأنه ان يجذب دعما واستثمارات اقتصادية اجنبية”.
يؤكد وجود شركة “ايني” في كونسورتيوم مع توتال وقطر انرجي للتنقيب عن موارد الغاز اللبنانية المحتملة الاهمية التي توليها ايطاليا لشرق المتوسط “كجزء من استراتيجيا تعتبر الغاز اداة للتواصل وتحقيق الاستقرار”. كما تلفت بومباردييري الى ان “من المبكر جدا القول متى سيبدأ استخراج الغاز فعليا في لبنان”، وترفض الخوض في اي توقعات حول كمياته.
بدأ حضور ايطاليا في جنوب لبنان في العام 1978 مع تأسيس قوة اليونيفيل، وتطور في خلال عقود استجابة للتغييرات التي ادخلت على ولاية ومهام القوة الدولية. اليوم تعتبر الكتيبة الايطالية ثاني اكبر كتيبة ضمن قوات حفظ السلام، وهي تتولى ايضا قيادة القطاع الغربي.
تتعاون الكتيبة الايطالية يدا بيد مع الجيش اللبناني من الناحية العسكرية، لكن لديها تقليد قائم بالتعاون المدني العسكري. مهمة البعثة العسكرية الايطالية الثنائية MIBIL في لبنان وطنية مستقلة عن اليونيفيل، انشئت في العام 2015 وتهدف تحديدا الى توفير التدريب وبناء القدرات للعسكريين اللبنانيين والقوى الامنية. يعمل قائد هذه المهمة وفريقه مع شركائهم اللبنانيين من اجل تحديد الاحتياجات التدريبية وتطبيق خطة العمل المشتركة. ترتكز المهمة على التعاون الممتاز مع القوات المسلحة اللبنانية. ووسعت البعثة العسكرية الايطالية الثنائية برامجها التدريبية مزودة لبنان بارفع معايير التدريب وتقنياته.
تسلمت السفيرة بومباردييري مهامها الديبلوماسية في لبنان في شباط 2020، آتية من روما حيث كانت مستشارة للشؤون الديبلوماسية في وزارة الدفاع الايطالية منذ العام 2015، وسابقا مستشارة لرئيس مجلس الوزراء (2013)، وتنقلت في مهامها الديبلوماسية بين افغانستان ولندن ومصر وفيينا وجنوب افريقيا.
* تم تعيينك سفيرة في لبنان في شباط 2020، كيف تقرئين المشهد اللبناني وتطوراته مذذاك وما هو استشرافك للمسقبل وسط فراغ رئاسي؟
– كانت السنوات الثلاث الماضية صعبة للغاية على لبنان والشعب اللبناني. ضربت الازمات الاجتماعية والاقتصادية والانسانية بشدة. لا يزال مرفأ بيروت ينتظر اعادة الاعمار الكامل للمناطق المتضررة وتحقيق العدالة للضحايا. في السياق السياسي، تحتاج المؤسسات الى استكمال تجديدها. تم تشكيل برلمان جديد بعد انتخابات ايار من العام 2022، ومن المهم حاليا الشروع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة. يسيء الفراغ الى عمل الهيئات الحاكمة ومؤسسات الدولة. من خلال مؤسسات الدولة الفاعلة، يمكن للبنان ان يبدأ في معالجة المشاكل الجدية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والتعافي بالتعاون والتنسيق مع صندوق النقد الدولي.
* في 24 كانون الاول الفائت نقل نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية والتعاون الدولي الايطالي انطونيو تاياني رسالة الى السلطات اللبنانية تناول فيها اهمية الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة تتولى تنفيذ اجندة الاصلاح انطلاقا من الاجراءات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي. واعتبر انه بناء على هذه الاسس سيكون من الممكن تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية، هل يعني ذلك ان اي تعاون تجاري واقتصادي مع ايطاليا يمر بالاستحقاقات الداخلية وباتفاق مع صندوق النقد الدولي؟
– شكلت ايطاليا الشريك التجاري الاوروبي الاول للبنان في الاعوام الماضية وصولا الى العام 2018، حين انخفض معدل التبادل التجاري البيني. اثرت الازمات الاقتصادية والقيود المصرفية والتخلف عن السداد والوباء تباعا بشكل كبير على علاقتنا الاقتصادية. ما زلنا نعتقد ان هنالك امكانات كبرى لتعاون اقتصادي اكبر بين البلدين ومجتمع الاعمال. ان المطلوب لتعزيز الشراكات والاستثمارات المنتجة من ايطاليا، هو بيئة اعمال اكثر استقرارا ونظام مصرفي فعال ومشاريع مستدامة في لبنان. من المؤكد ان تنفيذ لبنان لاتفاق مع صندوق النقد الدولي على اسس الاصلاحات من شأنه ان يجذب دعما واستثمارات اقتصادية اجنبية بما في ذلك من ايطاليا.
* تدعم ايطاليا ايضا الجيش اللبناني وقد كرر السيد تاياني التزام ايطاليا المستمر بأمن لبنان واستقراره من خلال عمل البعثة العسكرية الثنائية الايطالية MIBIL والاليات والمعدات التي تقدمها على شكل هبات للجيش اللبناني، فهل من مشاريع او تقديمات جديدة وفي اي اطار؟
– هذه عملية طويلة الامد ومستمرة. تأسست MIBIL في العام 2015 ومقرها الدائم في لبنان، ومنذ ذلك الحين تنامت انشطة التدريب الثنائية بشكل مطرد. تحدد “ميبيل” والجيش اللبناني في الوقت الراهن روزنامة انشطتهم كشركاء. في هذا السياق، استمر التبرع بالمعدات. ساهمنا هذا العام في خطة النقل للقوات المسلحة اللبنانية من خلال التبرع بـ13 حافلة (5 من الحجم الكبير و5 متوسطة الحجم و3 شاحنات)، ومن المتوقع تقديم المزيد من الاليات في المستقبل. سنواصل تقييم احتياجات المعدات على اسس التدريب المقدم واولويات القوات المسلحة اللبنانية. في العامين الماضيين، قمنا بتسليم اليات النقل وتجهيزات بحوالى 3 ملايين يورو. بالاضافة الى ذلك، تم تخصيص مبلغ اضافي وقدره 8 ملايين يورو لهذا الغرض من قبل الحكومة الايطالية. يتضمن هذا المبلغ الاضافي مبادرة لتحديث طائرات الهليكوبتر AB212 وهي مفيدة جدا لمهام البحث والانقاذ. نظرا الى الاهمية الحاسمة للرعاية الطبية للجيش نقوم ايضا بتوسيع مساعدتنا لهذا القطاع من خلال توفير مستلزمات طبية وتقديم الدعم الطبي المباشر بوجود اطباء عسكريين ايطاليين في المنشات العسكرية اللبنانية. اخيرا، استجبنا ايضا لنداء الجيش اللبناني لتقديم المساعدة الاساسية من حيث الوقود والزيوت وقطع الغيار والغذاء. اشير الى ان جزءا من المعدات والمواد المذكورة اعلاه موجه ايضا الى قوى الامن الداخلي.
* لايطاليا اسهامات كبرى في قوات اليونيفيل من خلال القاعدتين الايطاليتين في الكرنتينا وشمع، كيف تعمل الحكومة الايطالية لتعزيز القدرات العملياتية لقوات الامن اللبنانية والحفاظ على السلام؟
– نقلت “ميبيل” مقرها اخيرا الى قاعدة الكرنتينا، حيث تدير انشطة التدريب على نطاق وطني. هذا العام سيتم التركيز بشكل خاص على انشطة العمليات الخاصة وCombat Medic لتطوير القدرة على علاج الجنود المصابين في الميدان. اعتبارا من هذا العام، ستكرس مهمتنا التدريبية العسكرية ايضا مخصصات مالية لمشاريع التنمية المجتمعية بالتنسيق الوثيق والدعم من ادارة الجيش اللبناني و”السيميك”. منذ العام 2006 تم تكليف الكتيبة الايطالية في شمع بقيادة القطاع الغربي وتعمل تحت قيادتها 17 دولة. تعتبر كتيبتنا الثانية من الترتيب من حيث العدد ضمن قوات اليونيفيل، وتعد اكثر من الف جندي. تعد انشطة الدوريات والتواصل مع المجتمعات المحلية ودعم الخدمات الاساسية لصالح السكان والتنسيق الوثيق مع القوات المسلحة اللبنانية من المهام اليومية للكتيبة. كما ان وجود حفظة السلام التابعين لليونيفيل الذين يعملون عن كثب مع القوات المسلحة اللبنانية ويقدمون ايضا الدعم لهم، هو عامل استقرار على طول الخط الازرق.
* ماذا عن برامج التدريب القائمة بين ايطاليا والجيش اللبناني والامن العام اللبناني وقوى الامن الداخلي؟
– كما ذكرنا سابقا، ان روزنامة التدريب هي نتاج عملية صنع القرار المشترك وهي متاحة لجميع القوى والوكالات الامنية. نقوم بتطوير خارطة طريق لمدة 5 سنوات تهدف الى خلق القدرات وصيانتها وفقا لمتطلبات القوى الامنية كلها. الهدف الرئيسي بالنسبة الينا هو تدريب المدربين من اجل تزويد الوكالات المختلفة بالقدرة على ان تكون مستقلة فيتحول دورنا من تدريبي الى استشاري توجيهي. نخطط لدورة من اجل البدء من المستوى الاساسي والانتقال الى المستوى المتوسط تليها الدورة المتقدمة والانتهاء من تدريب المدربين (TTT)، وعلى الرغم من الظروف الصعبة فان الحضور من جميع الوكالات يتسم بالحماسة والمهنية ونحن فخورون بذلك.
* طالما اجتمعت في خلال ولايتك في لبنان مع الهيئات الاقتصادية لاسيما القطاع الخاص، ما هي افاق التعاون وفي اية ملفات تحديدا؟
– تعد الطاقة المتجددة والزراعة وصناعة الاغذية الزراعية وتقنيات اعادة الترميم من بين القطاعات التي نتطلع اليها اكثر، لكن هناك تكاملا وامكانات للتعاون في العديد من القطاعات الاخرى. كما سبق واشرت، ثمة اهتمام كبير من جانب مجتمع الاعمال الايطالي، لكن هناك ايضا توقعا لاصلاح البيئة الاقتصادية في لبنان.
* ماذا عن ملف النزوح الذي يثقل لبنان كما يؤدي الى مشاكل في ايطاليا ايضا متى يمكن ان يعود النازحون وكيف؟
– ان قضية اللاجئين هي قضية معقدة في لبنان والمنطقة وكذلك في منطقة حوض البحر الابيض المتوسط عموما. تأثرت ايطاليا في السنوات الاخيرة بالموجات المتزايدة للهجرة غير الشرعية وخصوصا من وسط البحر الابيض المتوسط، واخيرا من شرق البحر الابيض المتوسط. ان عدم الاستقرار والصراعات والفقر هي الجذور الحقيقية للتدفقات الهائلة للاشخاص الذين يبحثون عن فرص حياة افضل. ان نهج ايطاليا هو نهج شامل: توفير الحماية الانسانية للمحتاجين، تفكيك شبكات التهريب التي تستغل الهجرة غير النظامية، التعاون مع دول ثالثة لمنع المغادرة غير النظامية وتحسين سبل العيش على المستوى المحلي. اما بالنسبة الى قضية اللاجئين السوريين في لبنان فنحن ندرك العبء الاجتماعي والاقتصادي الذي يواجهه لبنان في استضافة اعداد كبيرة من السوريين منذ اندلاع الصراع. ساعدت ايطاليا مع شركاء اخرين في تخفيف هذا العبء وفي تقديم مساعدة متزايدة للفئات الضعيفة في لبنان بما في ذلك المجتمعات اللبنانية. في ما يتعلق بموضوع العودة، نعتقد انه يجب اجراء حوار عملي بين جميع اصحاب المصلحة بهدف تبسيط التعاون وتحديد الاجراءات الملموسة الممكنة، على سبيل المثال في مجال العودة الطوعية للسوريين من لبنان الى وطنهم.
* تعول ايطاليا اهمية قصوى على ملف الغاز، واخيرا زارت رئيسة الحكومة السيدة ميلوني الجزائر، كذلك تدخل شركة ايني الايطالية في شراكة مع كونسورتيوم يجمع بين شركتي توتال اينرجيز الفرنسية وقطر اينرجي، ما اهمية ملف غاز المتوسط لاوروبا؟
– تكتسب موارد الغاز اهمية استراتيجية سواء في الانتقال في المدى المتوسط نحو مصادر الطاقة النظيفة او في المدى القصير لتنويع طرق الامداد. عززت ايطاليا شراكتها في مجال الطاقة مع عدد من البلدان. اخيرا، زارت رئيسة الوزراء الايطالية السيدة ميلوني الجزائر وليبيا في هذا الصدد. يؤكد وجود شركة ايني في كونسورتيوم مع توتال وقطر انرجي للتنقيب عن موارد الغاز اللبنانية المحتملة الاهمية التي توليها ايطاليا لشرق المتوسط كجزء من استراتيجيا تعتبر الغاز اداة للتواصل وتحقيق الاستقرار.
* متى يمكن توقع البدء باستخراج الغاز في لبنان وهل من توقعات محددة حول كمياته توفرت لكم من شركة ايني؟
– من المبكر جدا قول ذلك. سيقرر الكونسورتيوم كيفية العمل في “الاوفشور”، ومن المتوقع ان تبدأ الانشطة في غضون اشهر قليلة، لكن ليس من الممكن التنبؤ راهنا بنتيجة الاستكشاف.
* اين اصبح المشروع الذي بدأته ايطاليا في لبنان في العام 2014 من اجل تطوير 3 مناطق صناعية؟
– لطالما كانت مساعدة لبنان في انتقاله من الاقتصاد الخدماتي الى الاقتصاد المنتج احدى اولويات ايطاليا. لتحقيق هذا الهدف كان تعاون ايطالي مع “اليونيدو” بمنحة قدرها 7 ملايين يورو بهدف وضع اللمسات الاخيرة على خطة رئيسية تهدف الى تطوير ثلاث مناطق صناعية. بلغت قيمة المشروع النهائي الذي توقع مشاركة بنك الاستثمار الاوروبي والبنك الاوروبي لاعادة الاعمار والتنمية 121.5 مليون دولار. وفقا للتقديرات النهائية، ستتوافر في نهاية المطاف اكثر من 32 الف فرصة عمل منها ما يقارب 5 الاف لتشييد المواقع الصناعية. تم بالفعل تحديد ثلاث مناطق في سهل البقاع، لكن الازمة الاقتصادية اثرت بشدة على تقدم المشروع. لا تستطيع المؤسسات المالية العمل لأن لبنان تخلف عن سداد ديونه الخارجية. نحن على استعداد لاستئناف المبادرة بمجرد اجراء اصلاحات جوهرية في البلاد، مما يسمح باستقرار الاقتصاد الكلي والمالي.
* اخيرا بعد الحرب الاوكرانية ما هي اولويات الاتحاد الاوروبي في الشرق الاوسط؟
– تعد الاصلاحات والمساءلة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة والامن والاستقرار والحوار السياسي وحقوق الانسان والترابط بين البيئة والطاقة من بين القضايا التي تظل في صميم اولويات الاتحاد الاوروبي في المنطقة.