“مصدر دبلوماسي”
كرَّم «منتدى القلم الذهبي» رئيس تحرير جريدة «اللواء» صلاح سلام وقلده درع القلم الذهبي التذكاري لعام 2022 ، في فندق موفنبيك – بيروت، في حضور النائب محمد خواجة ممثلا رئيس مجلس النواب نبيه بري ، وزير الاعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري ممثلا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الرئيس ميشال سليمان، الوزير السابق محمد المشنوق ممثلا الرئيس تمام سلام ، الوزير السابق حسن منيمنة ممثلا الرئيس فؤاد السنيورة، النواب: مروان حمادة، عدنان طرابلسي، فيصل الصايغ، عبد الرحمن البزري، قاسم هاشم، أسامة سعد، القاضي الشيخ خلدون عريمط ممثلا مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، رئيس المركز الكاثوليكي للاعلام الأب عبدو بو كسم ممثلا البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، الوزراء والنواب السابقين: وليد الداعوق، محمد شقير، أليس شبطيني، إميل رحمة، خالد قباني، عمار حوري، نزيه منصور، وديع الخازن، الياس حنا، محمد أمين عيتاني، محافظ بيروت مروان عبود، المدير العام للأمن العام السابق اللواء عباس ابراهيم، الرائد انطوان يمين ممثلا المدير العام للأمن العام بالوكالة الياس البيسري، العقيد جوزيف مسلم ممثلا المدير العام للأمن الداخلي اللواء عماد عثمان ، المقدم جوزيف نخلة ممثلا المدير العام لأمن الدولة طوني صليبا ، نائب السفير السعودي وليد البخاري فارس عمودي، المستشار احمد الحلبي ممثلا السفير الفلسطيني أشرف دبور، مفتي طرابلس السابق الدكتور الشيخ مالك الشعار، الامين العام لوزارة الخارجية هاني الشميطلي نقيب الصحافة عوني الكعكي، نقيب المحررين جوزيف القصيفي، أمين سر فصائل منظمة التحرير في لبنان فتحي أبو العرادات وفاعليات.
ضاهر
تحدث مؤسس المنتدى جميل ضاهر وقال: «نرحب بكم باسم منتدى القلم الذهبي، وقبل الكلمة كلمة في الثقافة سمعتها قديما عن لبنان وهي على سبيل «التباهي والتنافس» بأن اميركا والصين وأوروبا وغيرهم من الدول المتطورة كانوا يتباهون ويتنافسون بتطور التكنولوجيا والصناعة وجودة العطر الفرنسي..الخ ،اما اللبناني فكان يتباهى بأن عنده جريدة ، وانا اضيف اليوم بأننا نتباهى اضافة للجريدة بأن لدينا رئيس تحرير جريدة دمث الأخلاق استطاع ان يحقق بحضوره المتواضع والمرن وبقراءته للتاريخ وتفاصيله وللحاضر وتحولاته استطاع ان يشكل إجماعا وقبولا بين كافة الشرائح الشعبية والثقافية والسياسية، وكذلك لدى المتخاصمين في لبنان، والأهم استطاع بحكمته وادارته ان يستمر وتستمر الجريدة في هذا الزمن الصعب..اعني بذلك الأستاذ صلاح سلام رئيس تحرير جريدة اللواء».
تابع:«إن منتدى القلم الذهبي الذي انطلق منذ اكثر من خمس سنوات بوجوه ورموز لها باعها في الكتابة والتأليف والفن ليكون الى جانب كل مبدع وكل موهبة قابلة للحياة ، وكذلك لتسليط الضوء على طاقات حققت نجاحات وكانت قدوة في مسيرتها وآدائها بما يخدم الوطن والإنسان، بحيث يكون للمنتدى وبشكل دائم ندوات ومؤتمرات إضافة الى جائزة سنوية مرة في العام عن العام الذي قبله وهي جائزة «درع القلم الذهبي» والذي نخص بها مبدعا في مجاله او اختصاصه،ولنا كل الفخر والإعتزاز بأن نخص الأستاذ صلاح سلام بهذه الجائزة عن عام 2022 لمناقبيته وانفتاحه على الجميع دون التخلي عن مبادئه».
وختم: «هذا التكريم نعتبره ايضا تحية من شبعا والعرقوب الى بيروت من خلال ابن بيروت الأستاذ صلاح، بيروت العاصمة التي احتضنت أهلنا بعد تهجيرهم من مزارع شبعا وتخلت الدولة عنهم وما زالت . الف شكر ومحبة لحضوركم الكريم الذي نكبر ويكبر الوطن به، والشكر لفريق منتدى القلم الذهبي الذي أعطى دون كلل لإنجاح هذا اللقاء».
فواز
وتلته الكاتبة جوريا فواز قائلة: « ليس سهلا الإنشغال والتطوع والتفرغ للعمل الصحفي في لبنان في ظل هذه المكونات المتناقضة والمختلفة والمتباينة، وهي أشبه ما تكون بحقول من ألغام تنفجر عند خطأ بكلمة أو تعبير، ولا سيما أن صحيفة اللواء التي شارفت على الستين من عمرها حملت منذ تأسيسها رسالة الصدق والنطق بالحق ، وكشف الفساد والخطأ، ولأنها هي اللواء فكنت لها العماد الذي رعاها بكل اهتمام وعناية، فلم يكتب الحرف فيها إلا بعد تفحص وتمحص ولم تكن إلا الناطقة دائما بصوت الحقيقة التي يتجنبها كثيرون في وطني.
كلمة الإعلامية لور سليمان
نلتقي اليوم لتكريمِ إبن بيروت الاعلامي الكبير صلاح سلام، ونحن في عامٍ خصصه وزراء الإعلام العرب لإعلان بيروت عاصمةً للاعلام العربي.
لقد شاءت «رابطة القلم الذهبي» ان تكرمَ كبيراً في عالم الاعلام، وهي بذلك انما تُكرمُ كل اعلامي ناجحٍ نذرَ حياته من اجل كلمة الحق.
صلاح سلام كبير من جهابذة الفكر، يكرم اليوم، وهو من أعطى ولا يزال، من عُصارةِ افكاره وسعيه الدؤوب الى التفتيش عن الحقيقة وراء كل خبر وتعليق سياسي وتحليل، بين الأسطر وخلف الكلمات.
على أيدي صلاح سلام وأمثاله، كالفرد نقاش وسليم تقلا وكامل مروه وسليم اللوزي وسعيد فريحة ورياض طه وغسان تويني ومحمد البعلبكي وملحم كرم وطلال سلمان وغيرهم الكثير من كبار إعلاميي لبنان، قامت الصحافة وشمخت في سماء لبنان والمنطقة، أُنموذجاً في ممارسةِ الحرية المسؤولة والهادفة والواعية، ومثلاً يُحتذى في الاصول الديموقراطية، والدعوة الصادقة الى التلاقي والانصهار في مجتمعٍ تعددي وانفتاحي، مُحافظاً على الخصوصية، ومحترماً مبادىءَ وآراءَ الآخرين .
فلولا ايمان صلاح سلام وأمثاله بقوة الكلمة، وبقدرتِها على التغيير والتطوير والتحديث، ولولا مناقبيته وحرفيته واخلاقياته لكان الاعلام في لبنان، كسائر دول المنطقة، يعاني ما يعانيه لتحقيق ذاته، وللخروج من شرانقِ التقوقع والانعزال والانغلاق، ودوامة الرأي الاحادي.
فكم نحن اليوم في حاجة، اكثر من أي يوم مضى الى أمثال صلاح سلام الذي عَرِفَ أن يحافظَ على الكلمة الصادقة والمتزنة، وأن ينقلَ الاحداث بكل دقة وموضوعية بعدما أصبح بعض الاعلام الحديث مرتعاً للتسرع وللأخبار الكاذبة والمدفوعة الثمن.
صلاح سلام كان ولا يزال صلة الوصل بين الجميع، وظف علاقاته الشخصية وجريدته في الإطار الوطني، عمل في الصحافة بأخلاقية، حاملا» «لواء» الكلمة الحرة ، ودخل المعترك السياسي باعتدال فكان «لقاء التوازن الوطني».
صلاح سلام، يعلَم جيداً ، ان الاعتدال ليس الحياد، بين الخير والشر، وإنما توخي الموضوعية في مقاربةِ الأمور، والاهتداء بالعقل بدلاً من الإثارة والتطرف والقدح والذم، فكم نحن اليوم بحاجة إلى الاعتدال بين المسؤولين، في مقاربتهم للأمور وفي إدارة شؤون الوطن بعيداً عن الكيدية السياسية.
وشكراً.
النقيب جوزيف القصيفي
ثم تحدث القصيفي وقال:«عندما تكرّم شبعا الجنوبية بدعوة من منتدى القلم الذهبي، البيروتي صلاح سلام، إنما تكرّم كل لبنان إنطلاقا من عاصمته الكوزموبوليتية المفتوحة كبحرها على الحضارات التي توالت على أرض الوطن، حاملة معها التنوع الذي يستودع غنى الانسانية النوعي في مساحة جغرافية ضيقة تناقض رحابتها وقلبها الذي يتسع لكل التيارات الفكرية والثقافية والفنية. بيروت رئة العرب ومتنفسهم في زمن الديكتاتوريات، والاحاديات، والتوتاليتاريات. فإذا سألت عن الصحافة كانت هي صحافتهم، وعن المطبعة كانت هي مطبعتهم، وعن المسرح كانت هي مسرحهم. كانت موالهم الصادح، وعودهم الرنان، والاجراس المتصادية تفض هدأة السكون.
وتابع:«إن صلاح سلام هو ابن هذه البيئة ونتاجها، منها تشرّب كل الخصائص التي ميزتها، فكان وما فتىء عنوان العنفوان، والاعتدال، والحوار الدائم ، الضنين بوحدة العيش، والتفاعل الارادي بين مكونات الوطن لبناء ثقافة الحياة، القائمة على إحترام آلاخر، والحق في الاختلاف ،لأنه رأى في التعددية وجهاً من أوجه الجمال».
اضاف:«انه رجل المبادرات والمهمات الصعبة، لأنه يؤمن بفاعلية اللسان ، لا ببطش السنان. لوحدة البيارتة هو، دونما انتظار منة او شكورا. وللحوار الإسلامي- الإسلامي هو، وغايته وحدة الصف بديلا من الشرذمة. وللقاء الإسلامي- المسيحي هو ، لايمانه بأن وطنا مهيض الجناح لا يحلق نحو الذرى العاليات. إنه قامة وطنية متفردة في حركتها الدؤوب، وهامة صحافية أرست قواعد مدرسة كم نحن في حاجة إلى مثيلاتها لنعيد المهنة إلى مداراتها السليمة. وهو الذي جمع تحت لواء صحيفته كوكبة من كرام الزميلات والزملاء الذين تحصنوا بالنزاهة والاحتراف والاخلاص للمهنة، فتقطرت الموضوعية من شفا اقلامهم، وما كانوا يوما إلا دعاة لكلمة سواء، من دونها لا قيامة للاوطان والمجتمعات».
وختم:«هذا هو صلاح سلام الذي عرفته منذ سبعينيات القرن الغابر، وامتدت بيننا اواصر صداقة لم ينصرم حبلها يوما، وقد ازدادت رسوخا مع تقادم الزمن».
النقيب عوني الكعكي
اما الكعكي فقال:«صلاح سلام، صديق وأخ ورفيق درب طويل، إذ إنني تعرفت عليه في بداية عملي بالصحافة، أعني أن المعرفة كانت في بداية 1970 ، أي في سبعينيات القرن الماضي، وكنا سوياً في مجلس نقابة الصحافة. هذا المسار الطويل من العلاقات الأخوية تميزت بالاحترام المتبادل. صحيح أن شخصية الأستاذ صلاح هادئة ورصينة وهو يعطي رأيه بكل صراحة، ولكن بدون ضجيج، حتى في أصعب الأوقات تراه يتحدث بهدوء ومنطق حتى وإن كان رأيه مخالفا لرأي الشخص الآخر. يتميز أيضا بأنه يحاول أن يكون حياديا موضوعيا، إذ أنه بعيد جدا عن التطرف، ولكنه متمسك بخطه السياسي الهادىء وبمبادئه.
المكاري
ثم ألقى الوزير المكاري كلمة قال فيها: «شرفني دولة رئيس مجلس الوزراء وكلفني أن أمثله في هذا الاحتفال الكريم. مبادرة عظيمة أن يقوم منتدى القلم الذهبي بتكريم قامة إعلامية رفيعة، فصلاح سلام هو صاحب الباع الطويل في الصحافة والسياسة والشأن العام، وسليل أسرة بيروتية عريقة، لطالما أعطت لبنان في ميادين الفكر والقلم والوطنية. عندما تجتمع العراقة مع الكلمة المسؤولة، يصبح التكريم متبادلا، فالقلم الذي يشهد للحق وينطق بالحقيقة هو الزمن الذهبي في الصحافة، وصلاح برصانته المعهودة مثال ساطع ودليل قاطع على عراقة الصحافة اللبنانية وفخر أصالتها. إن التقدم المهني والحداثة لا يعنيان التخلي عن قيم الصحافة الرصينة والكلمة المسؤولة، بل هما ممر ينبغي الإستناد عليه لأداء إعلامي متميز. ليس صحيحا بالمطلق، أن الحداثة تتعارض مع قيم التاريخ والعكس، فهنا يكمن مبدأ التكامل، والمفارقة أن المكرم يجمع بشخصه أجيالاً صحفية صنعت تجربة مهنية متميزة».
وتابع:«اما بيروت، سيدة العواصم التي نحتفل بها عاصمة للإعلام العربي للعام 2023، فستبقى أمل اللبنانيين تنطلق كطائر الفينيق، فهي من علمتنا أن الانكسار ليس قدرا محتوما، لأن الانتصار قدر الأحرار أيضا. وانظروا كذلك إلى تمثال الشهداء في وسط بيروت بما يجسده من معاني التضحية والوطنية وحرية الفكر التي تبقى أغلى ما لدينا من قيم».
قباني
وألقى د. خالد قباني كلمة استهلها: قد لا تكفي «اللواء» وما تخط الأقلام فيها، فكيف بالكلمات، في تكريم مَنْ كانت حياته وسيرته ومسيرته، سجلاً حافلاً بالنضالات والمواجهات والتحديات، أضف إليها المكرمات.
هو، مَنْ عاصر التاريخ، تاريخ لبنان الحديث، تاريخ بلد كان دائماً محط الاهتمام وقبلة الأنظار ومطمح الطامحين وطمع الطامعين. إنّه تاريخ لبنان الاستقلال الذي خرج من خضم انقسامات وصراعات داخلية، ونزاعات إقليمية ودولية، ليبدأ مسيرة بناء دولة مستقلة، موحّدة، عزيزة، سيّدة، على أساس من الوفاق والمشاركة، وعلى قواعد المساواة واحترام القانون، وعلى قيم العدالة والأخوة والعيش المشترك.
إنّه صلاح سلام، هو جزء من هذا التاريخ، مشاركاً وقيادياً، وصحيفة اللواء لواؤه المرفوع، كالنجم الساطع، المتطلّع إلى الحرية والديمقراطية، تحمل أفكاره وخزائن ما يملأ قلبه وعقله من العلم والمعرفة، والوطنية والحماس، والاندفاع نحو بناء مرتكزات دولة تجمع بين اللبنانيين من كل الطوائف ومكوّنات الوطن، ويحدوها أمل بأن تكون مثالاً يُحتذى في مشرقنا العربي للديمقراطية والحرية والانفتاح والاعتدال، والحياة الكريمة. وفلسطين، فلسطين همّه الكبير، ماضياً وحاضراً، وشاغلة حياته النضالية.
عزيزٌ حرٌّ هو، ثابتٌ في مواقفه، صاحب مبادئ وقيم سامية، عنيدٌ في قناعاته، نعم، متعصِّبٌ لعروبة صافية، لكنه محاور مرن، يتقن فن الحوار، والأخذ والعطاء، دمث، مهذب، خلوق، يحترم حرية الرأي والفكر، وحق الإنسان في التعبير والتفكير وحقه في الحياة.
حياته تدور مع دورة الزمن، في حالة يقظة دائمة، نابضة بالحركة وبالشعور المرهف، خفاقة لا تعرف السكون ولا التوقف. هو شديد الانتباه، لا يغفل عن حدث، يتفاعل مع محيطه، ومع قضايا مجتمعه ووطنه وأمته، ومتى ناداه الواجب وجده حاضرا وجاهزا وملبيا، لا يقعده شيء عن الاستجابة وتقدم الصفوف، وأخذ المبادرة. هو في قلب السياسة، يجمع ويوفق، يوحد ولا يفرق، ويجهد ويعاند في إصلاح البين بين إخوانه، لا يطيق افتراقا بين الإخوة، ولا بين مواطنيه، ولا بين اللبنانيين، ولا يسكت ولا يصبر عليه، فهو وحدوي وتوفيقي في قلبه وضميره وعقله، وأسلوبه ومنهجه وسلوكه، يحمل في عقله وقلبه قيم الحق والمساواة والعدالة والرحمة، ويتحلى بمزايا الخلق والإيمان، والكرم والعطاء، والصدق والوفاء والأمانة، وينادي بالمبادئ الوطنية الجامعة، ومفاهيم العروبة الصافية، لا تتغير عنده هذه المبادئ والقيم والمفاهيم، لا بتغير الزمان ولا المكان، ولا الأحوال ولا موازين القوى، ولا تتأرجح صعودا أو هبوطا، تقدما أو تراجعا، لأنها قيم ذاتية وأصيلة وثابتة، ليست عارضة ولا مكتسبة ولا طارئة، إنها شفافة متأصلة، نبعت من التراث، وتأصلت في المحيط، وتعززت بالتربية، فكانت ثقافة حياة، ومنهج سلوك، وغاية في ذاتها.
هكذا، أيها الإخوة، نرى أنفسنا مع صلاح، بين أهلنا، وفي مجتمعنا، وفي وطننا، وفي محيطنا العربي، وفي العالم، نحن وطنيون وأخلاقيون ومؤمنون، وإنسانيون وصادقون، وأهل تسامح وعدالة، وانفتاح ورحمة، نؤمن بوطننا وعروبتنا، ونحرص في لبنان على عيشنا المشترك، ونخلص لبلدنا، ونحب لغيرنا ما نحب لأنفسنا، ولا نعمل إلا لما يعزز ويغني وحدتنا والعيش المشترك، نعمل للحق ومن أجل الحق، ولا نريد لأنفسنا ما لا نريد لغيرنا، ونسعى لبناء الدولة، دولة الحق والقانون، دولة المساواة والعدالة والاعتدال، دولة حرة مستقلة سيدة، يتساوى فيها الجميع، لا امتيازات فيها لأحد على آخر، ولا استقواء ولا غلبة، ولا تفضيل ولا أرجحية.
لم تتوقف مسيرته الطويلة عن النضال والعطاء، ولم تكن السياسة محور حياته واهتماماته الوحيدة، وإن نالت النصيب الأكبر، بحكم طبيعة لبنان وظروفه، بل إنّ إنسانيته وما يعتمر في قلبه من رحمة وإيمان، جعله رجل خير وعطاء وحب، أحسّ بالفقير، وناصر المظلوم، وشارك النّاس مآسيهم وهمومهم ومعاناتهم الحياتية، فكان إلى جانبهم وبقربهم.
إنها مسيرة حياة زاخرة وعامرة بالخير والأعمال الطيبة، مسيرة رجل عاش الحياة بكل تلاوينها ومباهجها وشجونها، وخبر قيمة الحياة ومعناها ودور الإنسان فيها، وهو مؤمنٌ صادقٌ ومدركٌ أنّ الإنسان وُجِدَ لإعمارها وليس لهدمها، فكان عنصر بناء وسلام في محيطه ومجتمعه، ونواة خير، ورسول توافق ومصالحة، لعب دوراً بارزاً في التوفيق بين رجالات الدولة، وكان رفيقاً محباً ودوداً وموثوقاً من الجميع، وهو أكثر ما كان، مسموعاً ومؤثراً في اقواله وآرائه وأفعاله، ولبنانياً عربياً، ومناضلاً في سبيل العيش المشترك الإسلامي – المسيحي، جمعته علاقات وطيدة مع المسؤولين في الدول العربية قاطبة، وكان للجميع أخاً وصديقاً.
صلاح سلام، نبتة خير مثمرة، شجرة زيتون متجذرة في الأرض، مضيئة، سراجاً وهاجاً وكوكباً منيراً، لا ينطفئ ولا يخبو شعاعه، هو كأديم الأرض، عطاؤه دائم وعبيره عابق، ولواؤه أبداً مرفوع، مواقف ونضالات، وكلمات حق، للوطن ومن أجل الوطن، للعروبة ومن أجل العروبة، للناس كل النّاس. كلماته تطرق أبوابنا عبر اللواء، كل صباح، تنبّه وتستصرخ الضمائر والهمم.
وأضاف : تنفع المؤمنين، أن استفيقوا، أن استيقظوا، فالتحديات والمخاطر تحيط بكم من كل جانب، وبلدكم معرض للتبعثر والتفتت والانحلال، وأنتم عنه لاهون، لاهون بخلافاتكم ومطامعكم ومصالحكم.
أعلم أيها المُكرّم، وقلمك يشهد، أنك غير راضٍ عما يجري، في ساحاتنا الوطنية، من تكاذب ونفاق وتعديات، من فساد وضرب للقيم والمبادئ، واغتيال للدولة، وغياب للحرية والديمقراطية، وأنتَ غير ساكت عن حالة التشرذم والانقسام والضياع التي تسود مجتمعنا، وأنت قطعاً لن تسكت عن غياب المشاركة والمساءلة وتداول السلطة.
لكم الفضل أنتم، منتدى القلم الذهبي في تكريم من تكرمون، صلاح سلام، بتقديمكم اليه درع القلم الذهبي التذكاري، فأغنيتم منتداكم بقيمة مضافة وازنة، بما حمله قلمه على مدى سنوات عمره النضالية، من قيم وطنية وفكرية وإنسانية، خاضتها جريدة اللواء ما يزيد عن النصف قرن، وشكّلت الجزء المنير من ذاكرة بيروت العاصمة وتراثها وتاريخها اللبناني العربي العريق.
صلاح سلام، لواؤه صرح تاريخي من صروح الإعلام والحرية والديمقراطية، بني على الحق وكلمة الحق، ارتقت اللواء بنجاحاتها إلى مستوى المؤسسة الراقية، نصف قرن من الزمن أو يزيد، في صعود مستمر، شعارها الإيمان والانفتاح والاعتدال، وسلاحها الصدق والكلمة الحرة، رمزاً أصبحت، في النضال والبناء والنجاح، صلاح سلام، للأصالة الوطنية والعروبة الحضارية والإنماء المستدام، والسلام والإصلاح والصلاح.
فطوبى، طوبى لمَنْ كان لواؤه سلام، طوبى لمن كان لواؤه صلاح.
سلام
إسمحوا لي أولاً أن أتوجه بالشكر إلى أعضاء منتدى القلم الذهبي في شبعا الأبية، وفي مقدمتهم رئيس المنتدى الأستاذ جميل ضاهر على هذا التكريم الحافل، وأود أن أعبر عن تقديري وإمتناني لمشاركتم بهذه المناسبة العزيزة على قلبي، وأخص بالتقدير معالي وزير الإعلام الصديق زياد مكاري والنقيبين العزيزين عوني الكعكي وجوزيف القصيفي، ورئيس المجلس الوطني للإعلام رفيق الدرب الطويل الزميل عبدالهادي محفوظ، والصديق الصدوق معالي الدكتور خالد قباني، وطبعاً لن أنسى توجيه تحية خاصة للإعلامية الناشطة لور سليمان على حضورها المميز.
الواقع أن هذه المناسبة مؤجلة منذ عام ٢٠١٩، حيث إندلعت الإنتفاضة الشعبية المباركة في ١٩ تشرين الأول، قبل إسبوعين من التاريخ المحدد للاحتفال في شبعا، ثم جاءت جائحة كورونا، لتعطل الحياة ليس في لبنان وحسب، بل في الكوكب كله.
شبعا وما أدراك ما شبعا، تلك القلعة الصامدة أمام جبروت العدو الصهيوني، الخط الأمامي للمقاومة منذ أيام «فتح لاند»، معقل الوطنية وحصن القومية، على تلالها وفي مزارعها تسقط خطوط الحدود الوهمية لترسم حبات التراب اللبنانية والفلسطينية والسورية معالم مثلث الصمود ضد الإعتداءات الإسرئيلية.
مزارع شبعا تحتل مكانة خاصة في تاريخنا الوطني لأنها مازالت تحت نير الإحتلال الصهيوني، وهي جزء لا يتجزأ من الأرض اللبنانية، ولن تكتمل فرحة التحرير قبل إستعادة مزارع شبعا إلى حضن الوطن.
لن أطيل عليكم بعدما سمعنا من الكرام ما أرجو أن أكون أستحقه، ولكن لا بد لي من القول أن هذا التكريم يتجاوز شخصي المتواضع، ليشمل پمبادرته كل الزملاء الأعزاء في أسرة «اللواء» ، الذين يتحملون الضغوطات النفسية والمهنية والمادية ويتابعون قيامهم بأعمالهم بمسؤولية وطنية وأخلاقية بعيداً عن أساليب الإغراء والإفتراء.
أيها الأصدقاء ،
إن حضوركم اليوم يشهد على نهج الإعتدال والإنفتاح الذي تعتمده «اللواء» منذ عقود من الزمن، في معالجة القضايا والملفات الخلافية في لبنان، وهو تأكيد في نفس الوقت على أن الحوار وإحترام الخلاف مع الرأي الآخر، بل والقبول بالآخر شريكا في الوطن، هو السبيل الأول والوحيد للحفاظ على نقاوة الصيغة اللبنانية، وصون وطننا الحبيب لبنان، ودوره الحضاري والإنساني الذي إعتبره البابا يوحنا الثاني عشر بأنه وطن الرسالة، لأننا نؤمن أن الحوار هو النهج الأسلم لمعالجة الخلافات، وأن العنف لا يحل مشكلة بل يزيدها تعقيداً، وأن الحفاظ على التوازنات الداخلية، هو الذي يصون المعادلات الوطنية من سرطان الخلل، الذي يضرب مقومات الدولة، ويُعطّل فعالية السلطة.
لا أخفاكم، بل معظمكم يعلم، أن مسيرة اللواء الممتدة على نصف قرن ونيّف من الزمن، كانت نموذجاً للمعاناة والمصاعب التي تعترض مهنة المتاعب، خاصة في الظروف الإستثنائية التي يعيشها لبنان منذ عام ١٩٧٥، والتطورات الدرامية المتلاحقة التي تنهش بإستقرار المنطقة.
تعرضنا لكثير من المخاطر ، وأنا شخصياً بقيت لأيام «الشهيد الحي» إثر أول غارة إسرائيلية بعد حرب حزيران، على قاعدة فتحاوية في وادي الأردن، بعد عملية فدائية ليلية موفقة أسفرت عن مقتل جندي إسرائيلي وجرح إثنين من رفاقه. كنت بين المصابين مع المناضل الشيخ فهد الصباح «أبو الفهود» الذي شارك في العملية الفدائية المشهودة.
لم تنفع أساليب الترهيب والترغيب في التأثير على ثوابت «اللواء» الوطنية والقومية. في ليلة ظلماء من شتاء عام ١٩٨٠ تم نسف مكاتب «اللواء» لأنها رفضت الدخول في المعركة التي كانت محتدمة في دمشق بين الرئيس حافظ الأسد وشقيقه رفعت ، قائد سرايا الدفاع عن النظام في تلك المرحلة، الذي حاول تطويق مراكز القرار في العاصمة السورية للسيطرة على السلطة، فيما شقيقه الرئيس على فراش المرض إثر وعكة صحية مفاجئة.
وكذلك كان الحال مع الميليشيات المسلحة في سنوات الحرب السوداء، حيث بقي إنقاذ الوطن من جاهلية الإقتتال هو الهاجس الأساس، وحيث لم نتأخر عن التصدي للتصرفات القمعية، والتعديات الميليشاوية على حقوق وممتلكات المواطنين العُزّل، رغم كل ما تعرضنا له من ضغوط وتهديدات بشعة.
كما صمدت اللواء على المستوى القومي في موقعها العروبي، لأننا نؤمن بأن العروبة قادرة على إستيعاب التباينات القطرية والثقافية والدينية، وكنا ندعو دوماً إلى التضامن ووحدة الموقف بين الدول العربية، رغم كل ما يسود من تناقضات وصراعات بين الأنظمة العربية، لا سيما بين دمشق وبغداد. حيث كنا، ومازلنا نعتبر أن سوريا والعراق هما جسر الصمود العربي أمام ما يُحاك لهذه الأمة من مؤامرات ودسائس.
ولطالما أكدت اللواء بأن مصر والسعودية هما الجناحان الأساسيان للأمة العربية، وأن التنسيق السياسي والأمني بينهما يُشكل ضمانة لفعالية الموقف العربي في المحافل الدولية، وهو المدخل الأساس لتعزيز فرص التضامن العربي. وحماية الإستقرار في العالم العربي.
وبقيت اللواء، رغم كل التحديات، المنبر الأول للوحدة الإسلامية، نابذة لغة التفرقة والمزايدات الشعبوية، ومتمسكة بعرى الدين الحنيف، الذي يبقى فوق مستوى الخلافات المفتعلة، وأسمى من المصالح الدنيوية الرخيصة.
وأخيراً لا يسعني إلا أن أعترف بفضل شريكة حياتي نجوى وبناتي نادين ونسرين وسيرين على ما ساعدوني وتحملوني في هذه المسيرة الشاقة، وأن أوجه تحية من القلب إلى رفيق الدرب ورائد هذه المسيرة المرحوم عبد الغني سلام الذي إنتقل إلى رحمة ربه قبل أن يهوى البلد إلى قعر جهنم وبئس هذا المصير .