مقالات مختارة
صحيفة “البناء”
الدكتور روني ألفا
كنت في طهران. زاولتُ جرأتي الأخلاقية ومارستُ متعة الانفتاح. أقرب طريق بين الأنا والآخَر هو الخروج من التنميط. بالنسبة للملايين في العالم إيران هي نصيرة المستضعفين. كلام قد لا يروق للبعض في بلدنا. لا بأس. نحن بلد التعدد رغم محاولات اغتيال التعددية الثقافية. منذ فترة تُشاهَدُ العصبياتُ الطائفيةُ والقبليةُ تحملُ نعشَ التعددية في لبنان. مع ثلةٍ مُختارةٍ اجتزتُ آخِرَ كشكٍ للأمنِ العام قبل الولوجِ إلى السوقِ الحرة في مطارِ رفيق الحريري الدولي. كثيرٌ من الكرامةِ الوظيفية رأيتُها على بزاتِ عناصرِ الأمنِ العام الذي يعملُ معظَمُهُم بأقل من أربعينَ دولارًا في الشهر.
١٠ ساعات في ٣ أشهر
أنا على متنِ شركةِ طيران ماهان الإيرانية. مضيفاتٌ يتميّزنَ بأناقةٍ توازي اللواتي يعملنَ في شركاتٍ عالمية. ما يكفي من مشلَحٍ لطيفٍ كنسيمٍ على هضبةٍ ناصعةٍ مَسدولٌ بلا عِقَدٍ على قسمٍ من رؤوسهنَّ تكادُ لا تراه وسطَ بسماتٍ لعيونٍ يعرفنَ فنَّ الغِوايَةِ ولا يَرمينَ بها. الوجهةُ طهران. مهمتي استكشافُ عقلِ المدينةِ وقلبها. بلدٌ محاصرٌ منذ أربعينَ عامًا مضاءٌ بالكاملِ لا يُسمَحُ على طرقاتِه بعمودٍ واحدٍ يتيمِ الضوء . على ذمةِ السائقِ الذي أقَلَّنا إلى الفندق ينقطع التيارُ الكهربائيُّ عَشَرَ ساعاتٍ متقطِّعَةٍ موزَّعَةٍ على ثلاثةِ أشهرٍ لدواعي الصيانة فحسب. على يميني وكالاتُ سياراتٍ وصالاتُ عرضٍ داخلها سيارات پورش وبي أم دبليو وڤولڤو وكِيا وهيونداي وسيارات رباعية الدفع تويوتا خلَنْج جاهزة لتحدّي طرقاتٍ زفتُها حقيقيٌ باب أوّل.
ميترو وغاز من تحت الأرض
على يميني طريقٌ مستطيلةٌ تبدأُ بموازاةِ الطريقِ التي أسلكُها وتنتهي في آخِرِ ما عَمَّر ربّنا. تخصيصٌ لباصاتِ النقلِ العام معدّةٌ لنقلِ الموظفينَ والعمّالَ زجاجُها ممسوحٌ وارتيادُها مَسموح. من يرومُ رَفاهيَّةَ النقلِ الخاص سيكون عليه تحمّلُ سمّاتِ بدنِ إحتقانِ ساعات الذروة. درْدَشَةُ ما قبلِ الوصول إلى فندق باريزيان آزادي وسط العاصمة طهران. كَم سِعرُ صفيحةِ البنزين؟ دولار ونصف الدولار. سِعرُ جرّةِ الغاز؟ يرسمُ السائقُ على سحنتِه بسمةً تتأرجَحُ بينَ التهكّم والارتباك. حَوالي دولارينِ سيّدي، إنما الجرَّةُ في إيران صارتْ من أدواتِ المتحف. عندَنا نتزوَّدُ بالغازِ المنزليِّ بالأنابيب. ثلاثمائةُ دولارٍ تقريبًا الحدُّ الأدنى للأجور. الناسُ تعيشُ وتعملُ وتصلّي وعلى دينِ جمهوريَّتِها تدعو للمستكبرينَ بالذلِّ المُهين وللمستضعَفينَ بالنصر المبين.
١٣،٠٠٠ مؤسسة إعلامية
الفندقُ أوروبيُّ الزيّ. طاولةٌ زجاجيةٌ ترحيبيةٌ وسطيةٌ في اللوبي طراز فرساتشي مضروبةٌ بالرّمل عملاقةٌ تستقبلُكَ ما أن تدخُلَ عبر بابٍ دَفّاشٍ لا يكِلُّ من الدورانِ فَوْقَ رخامِ المرمرِ الذي يبلّطُ المدخلَ الفسيح. لا حضورًا فاعلًا للسيد شكسبير الانكليزي والآنسة ضادّ العربية في طهران. حتى المسؤولونَ الذين استمعتُ إليهم بإنصاتٍ كانوا يعتمدون على مترجمين لنقلِ الأفكارِ الى العربية. مِن سماتِ القوةِ أن تدعو الآخَرَ بهدوءِ الواثقِ إلى اعتناقِ لغتِك الفارسية. لا بأسَ في أوقاتِ الرّخاء. ليس مؤكَّدًا في أوقات الحصارِ والشدَّة.
في إيران ١٣،٠٠٠ مؤسَّسةٍ إعلاميةٍ بين أهلية ورسمية. أهليةٌ مملوكةٌ من القطاع الخاص بموجبِ تراخيصَ تُعطى لها من وزارةِ الإرشادِ والثقافة. حوالي ٢٠٠٠ مؤسسة إعلامية من تلك المذكورةُ أعدادُها أعلاه تديرُها نساءٌ إيرانياتٌ. منهنَّ مَن يضعنَ عطورًا فرنسيةً معروفةً ووجوهُهُنَّ مَكشوفةٌ ولا يضعنَ حتى المشلحَ الشفافَ مسايرةً. عند سؤالي عما إذا كان ذلك يُعَدُّ من إنجازات ” الإحتجاجات ” كانت الأجوبةُ من مصادرَ متعددةٍ أن الأمرَ تحوَّلَ جزءًا من الحريةِ الفرديةِ في إيران وأن مسألةَ الحجابِ مسألةٌ شرعيةٌ ثقافيةٌ واجتماعيةٌ تتطورُ بشكلٍ طبيعيٍ في وجدانِ الناسِ منذ سنين وأنَّ دستوريَّةَ الحجاب مسألةٌ لا تخضَعُ للنقاشِ نصًّا فيما النقاشُ فيها يتطورُ كلَّ يومٍ بين الناس.
مراكزُ التسوقِ في طهران بالعشَرات. مساحةُ طهران ١٨ ألف كيلومترًا مربَّعًا. ٣٠٠ كيلومتر محفورة تحت الأرض مخصصة للميترو. بعضُ محطاته يصلُ إلى عمقِ ٥٠٠ متر تصلُ إليها على سلالمَ كهربائيةٍ عملاقةٍ قبل أن تسحبَ بطاقةَ دخولكَ إلكترونيًا.
اللعبُ مع الكبار
يؤكدُ الناطقُ الرسميُّ بإسم القواتِ المسلّحةِ خلالَ اللقاء معه أنّ بلاده لم تعد تسيطرُ على المياهِ الإقليميةِ الإيرانيةِ فحسب بل صارت تلعبُ مع الكبارِ في المياهِ الدوليةِ حولَ العالم. شركةٌ إيرانيةٌ في فينزولا تكرِّرُ النفطَ الخام وتبيعُه لمن تيسَّر. يرفقُ المعلومةَ بعبارة ” الحمد لله “. وزارةُ الثقافة والإرشاد تؤكدُ كل هذه المعلومات وتصرّحُ أن قانونَ الوصولِ الى المعلومات مطبَّقٌ في إيران منذ زمن وأنَّ التوقيفَ الاحتياطيَّ للصحفيينَ لا يُعمَلُ به منذُ سنواتٍ طويلة.
إيرانُ محاصرة. الأمرُ أشبَهُ بقاطِعِ طرقٍ يهجمُ عليك ويطبِقُ على أنفِكَ بقطنةٍ مبللةٍ بمادةِ الكلوروفورم . ينتَظِرُ المجرمُ قليلًا حتى تفقدَ وعيكَ ليكملَ عمليةَ السرقة. إيران تحتَ الكلوروفورم منذ أربعينَ سنة. شقَّتْ طريقَ التنفّسِ وهي تستنشِقُ السموم. باتتْ سمومُ الحصارِ جزءًا من تعافيها. باتَ على محاصِرِها أن يخترعَ مادةً سامةً جديدة. بالمناسبة ، مسَّاحاتُ زجاجِ السيارات متوافرةٌ بكثرةٍ في السوقِ المحليةِ مصنوعةٌ في إيران. في هذه البلاد تدخلُ صفيحةٌ معدنيةٌ في المعملِ وتخرجُ سيارةً كاملةَ الأوصاف بأتمتَةٍ كاملة.
أخرِجوه من مجلسي
لا نعراتَ تُذكَرُ في إيران. لا تقرأُ في الإعلامِ عن مسلمٍ ومسيحيٍ وسنيٍ وشيعيٍّ وزردشتيٍ ويهودي. الخلافاتُ في السياسةِ مستعرةٌ وهي جزءٌ من العافيةِ الفكريةِ في الإعلامِ الإيراني ولكن عندما يتعلقُ الأمرُ بالأمنِ القومي تصبحُ إيرانُ بكل مكوناتها كتلةً واحدةً ومتراسًا واحدًا. بين الطقوسِ المتحركةِ والعقيدةِ الثابتةِ يختارُ الإيرانيُّ العقيدة. في أوقاتِ السلمِ يختلفُ مع غيره على الطقوس أما في أوقاتِ الشدة فتشدُّ من أزره العقيدةُ العابرةُ للطقوسِ والطوائفِ والمذاهب.
أخبرني مرجعٌ كبيرٌ في طهران ممن حرصَ على إحاطتنا ببالغِ الحفاوةِ والتكريم أن أحَدَ العلماءِ دخلَ على مجلس الإمام الخامنئي منذ أكثر من عشرِ سنواتٍ وطلبَ الكلام. ما أن أُذِنَ له حتى بدأَ بذَمِّ الإمام محمد حسين فضل الله وكان على قيد الحياة يومذاك. قاطعه الإمامُ الخامنئيُّ مشيرًا أنه لا يُذَمُّ عالمٌ من علماءِ المسلمين في حضرته. يتابعُ محدِّثي مشيرًا إلى أنَّ الإمامَ الخامنئيَّ ملمٌّ بالفلسفةِ الغربيةِ وفلاسفتها وقارئٌ نهمٌ للثقافةِ الأوروبيةِ ومُحاوِرٌ في الفلسفةِ والشعرِ والموسيقى. عن الشعرِ وعلى ذمةِ محدِّثي زارَ الشاعرُ محمد مهدي الجواهري الإمامَ الخامنئيَّ وكانت دهشتُه كبيرةً من إلمامِ الإمامِ بالشعرِ والأدب. يومها سألَ الجواهري الإمامَ عما إذا كان قد تسنى له قراءةَ بعضٍ من شعرِه فأجابه الإمامُ أنه حفظَ العديدَ منه وتلى على مسمعه عشراتَ الأبياتِ عن ظهرِ قلب. وسطَ دهشةِ الجواهري أضافَ الأمامُ أنه وضَعَ بعضَ الملاحظاتِ اللغويةِ على شعرِ الجواهري وأخرجَ من درجِه أحَدَ الدواوينِ وأطلعَ الشاعرَ العراقيَّ على الملاحظات.
بين العمل المنزلي والإرضاع
في الباص كنتُ أقتلُ وقتَ التنقلِ من الفندق إلى حيثُ مكان الاجتماع بطرحِ الأسئلةِ وسماع الأجوبة وتَوفيرِها. في إحدى المراتِ سألني أحدُهُم وهو من طهران: هل تزاولونَ انتم الرجالُ في لبنان العملَ المنزلي في بيوتِكُم؟ أجبتُ بالنفي. قالَ بأن الرجلَ في إيران يعملُ في المنزلِ الى جانبِ زوجته وهذا أقلُّ الواجبِ في مؤازرةِ الزوجة. في العقدِ الشرعيِّ للقِرانِ يحقُّ للمرأةِ الإيرانيةِ أن ترفضَ العملَ المنزليَّ كما يحقُّ لها قانونًا أن ترفضَ إرضاعَ طفلها فتطالبَ ببدلٍ ماديٍّ عن التضحيةِ التي تقومُ بها. تقاطعتْ هذه المعلوماتُ مع ما أخبرنا إياه مُضيفنا في طهران عن علاقةِ الاحترامِ بين الإمامِ الخميني وزوجتِه. جلسَ الإمامُ ينتَظِرُ العشاءَ ذاتَ مساءٍ فإذا بزوجته تتأخرُ عشرَ دقائق عن الحضور. اقتربَ منه أحدُ مساعديه ليعرضَ عليه تناولَ العشاءِ فرفضَ قائلًا لا أتناولُه إلا بحضورِ ” السيدة ” على ما كانَ يناديها إحترامًا.
بينَ البيتِِ والقصر
زرنا بيتَ الإمامِ الخميني.كَنَبةٌ مغطاةٌ بشرشفٍ أبيض. إسكملَةٌ على يسارِ الكنبةِ عليها مايكروفون. طبلِيَّتانِ مكسوّتانِ بقماشٍ مخمليٍ أزرق أمامَ الكنبة. على اليمينِ سريرٌ أشبَهُ بالسريرِ العسكريِّ لا يتَّسِعُ لتقلّبِ الجسمِ يسرَةً أو يُمنة . ستارةٌ حمراء على الحائطِ مرسومٌ عليها مربعاتٌ صغيرة. بيتٌ لا تتعدى مساحته ١٠٠ متر مربّع. بسيط. أثاثه بالكاد يكفي للحياةِ الكريمة. يخرجُ الإمامُ من بيته الى الحسينيةِ عبرَ جسرٍ حديديٍ بدائي. بيتٌ بسيطٌ وضيقٌ انتصرَ على عشراتِ القصورِ المنيفةِ التي كان يسكنُها الشاهُ مع عائلته وحاشيته. كلا المَعلَمَينِ دخَلا عصرَ المتاحِف. البيتُ والقصر. البيتُ أسّسَ لثورةٍ يجوزُ مقارنتُها بالثورتينِ الفرنسيةِ والبولشيفية. القصرُ أسَّسَ لحركةٍ سياحيةٍ تأتي وتذهبُ وتصوّرُ بعدساتِ الكاميرا حقبةً من البذخِ والترفِ وبُركَةٍ كَانَت مخصَّصَةً لتذويبِ المُعارِضين كلُّها ذهبتْ مع الريح.
خيري علقم..علقم للصهاينة
سمعتُ في إيران على لسانِ أغلبِ المسؤولين في الخارجيةِ والدفاعِ والأمنِ القومي والمجلسِ النيابي والإعلامِ أن إيران تدفعُ ثمنَ وقوفِها إلى جانبِ القضيةِ الفلسطينيةِ وأنَّ اغراءاتٍ كثيرةً أُعطِيَتْ لها مقابلَ التخلي عن هذه القضية فرفضتْ. ما أن تتخلى عن فلسطين سيتمُّ احتضانُ إيران من المجتمعِ الدولي وسيُرفَعُ الحظرُ عنها وتعود دولةً كُبرى في الأمم المتحدة ومجلسِ الأمن. رفضتْ إيران وآثرتْ إقفالَ السفارةِ الإسرائيليةِ منذ بدايةِ الثورة ورفعَ العلمِ الفلسطينيِّ عليها. ليس هناك من دولةٍ عربيةٍ على حدِّ علمي تجرأتْ على شيءٍ من هذا القبيل. الإماراتُ العربيةُ والسعوديةُ ودولُ التطبيعِ العربيةِ أدانتْ منذ أيامٍ قليلةٍ عمليةَ خيري علقم في القدس بدلَ أن تهنئَّ الشعبَ الفلسطينيَّ على ما فعله الشهيد. إسرائيل تريدُ عربًا خاضِعينَ مذلولين. إيران تخوضُ معركةَ من تبقَّى من عربٍ مقاومين. هذه هي مشكلةُ إيران ولا مشكلةَ أخرى فيها خصوصًا تلك المفتعلةُ حولَ حقوقِ المرأةِ وما شابه.
أنفذوا من أقطار السماوات
ما أن تنزَعَ الجمهوريةُ عَلَمَ الكيانِ المؤقَّتِ عن أرضيَّةِ معرضِ الدفاعِ المقدَّسِ في طهران حيثُ دُسنا عليه حتى تدخلَ فرَحَ المجتمعِ الدولي. ” وأعِدّوا لهم ما استطعتم من قوة” مطبوعةٌ بالخطِّ العريضِ فَوْقَ مدخلِ المعرضِ تواكبُها آيةٌ قرآنيةٌ مقروءةٌ بوضوحٍ من الباحةِ الخارجية. ” يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَان”. الآيةُ نفسُها ردَّ بها مدَّعي عام التمييز اللبناني القاضي غسان عويدات على القاضي فادي البيطار الذي اتُّهِمَ بِضَربِ هيبَةِ القضاءِ في لبنان هي نفسها أيضًا التي استردَّتْ بها إيران هيبَتَها أمامَ العالَم. معرضٌ فيه آخِر طرازٍ من الصواريخ والعِتادِ وبالأخص المسيَّرات. عند سؤالي عما إذا كانت الجمهوريةُ الإسلاميةُ قد زوَّدَتْ روسيا بها خلال معركتِها في أوكرانيا كان الجوابُ إيرانيًّا بإمتياز. إيران تعرضُ هذه الأسلحةَ في سَوقِ الدفاعِ الدولي وفقَ مصالِحِها الإستراتيجية.
٢٠٠٠ ميغاوات إسألوا عنها الحكومة
في وزارةِ الخارجية معطياتٌ حول إعادةِ تشكّلِ العالم. الأحاديةُ القطبيةُ إلى أفولٍ وبروزُ تعدديةٍ قطبيةٍ على أنقاضِه. كنعاني المتحدثُ باسم الوزارة والذي رافقَ وزيرَ الخارجية عبد اللهيان إلى بيروت مؤخرًا يعرف توازناتنا اللبنانيّةِ الهشَّة. إسألوا الحكومةَ اللبنانيةَ عن السببِ الذي دفعها لترفضَ العرضَ الكهربائيَّ الإيرانيَّ قال. أنجزنا محطاتٍ في العراق بقوةِ ٥ آلاف ميغاوات. مستعدونَ فورًا لتزويدِ لبنان بمحطاتٍ تنتجُ ٢٠٠٠ ميغاوات بالشروطِ التي يضعها لبنان. أما مشروعُ الشرق الأوسط الجديد فَلم يُجهَضْ تمامًا بعد وما زال يراودُ الحلمَ الأميركيَّ في المنطقةِ بالرغمِ من تضاؤلِ قدرةِ الولاياتِ المتحدة على تحقيقه. من أجله زارتْ كونداليزا رايس المنطقةَ تسعَ مرّاتٍ على ما أفصَحَ كنعاني. من أجله شُنَّ عدوانُ ٢٠٠٦ على لبنان. ما زالَ مشروعُ برنارد لويس على الأجندة. تقسيمُ العالمِ العربي والشرقِ الأوسطِ إلى أوطانٍ قبليةٍ ومذهبيةٍ وعرقيةٍ ودينيةٍ وطائفية.
السيد بوريل نقل الرسالة
زارَ أمينُ عام حزب الله سماحة السيد حسن نصرالله إيران بعد عدوانِ تموز. كان كنعاني يومها مديرَ دائرةِ الشرق الأوسط في وزارةِ الخارجية. سُئلَ سماحةُ السيّد عن مدى صواريخِ المقاومةِ فأجابَ حوالي ١٥ كيلومترًا. اليومَ يؤكدُ كنعاني أنَّ صواريخَ المقاومةِ تطالُ كل نقطةٍ في الكيانِ المؤقَّت إضافةً إلى توازنِ رعبٍ غيرِ مسبوقٍ في تاريخِ الصراعِ العربي الإسرائيلي. أقوى رابعِ جيشٍ من حيثُ القوةِ الناريةِ والسلاحِ الجوي تردعُه ثلّةٌ من المقاومينَ في لبنان. عن مسألةِ محاولةِ الإتحادِ الأوروبي وضَعَ الحرسِ الثوري على لائحةِ الإرهاب أكدَّ كنعاني أن فقاعةَ الصابونِ لا تنتجُ سوى قنابلَ صوتيةٍ وأنَّ تهديدَ الجمهوريةِ الإسلاميةِ بوضعِ الجيوشِ الأوروبيةِ قاطبةً ضمنَ لائحةِ الإرهاب واعتبارِها منظماتٍ إرهابيةً كان كفيلًا بتنفيسِ النزقِ الأوروبي المُستَجِد. تمَّ تكليفُ السيد بوريل بنقلِ رسالةِ تطمينٍ وتهدئةٍ ورغبةٍ بعدم التصعيد مع إيران.
٨ بالمئة نساء في المجلس
في مجلسِ الشورى الإيراني كان حديثُ عضو لجنةِ الأمن القومي الدكتور عموي مباشرًا وأقلَّ دبلوماسية. قررتْ إيران العودةَ إلى النشاطِ النووي السلمي بعد توقفِ المفاوضات. اذا تمادى الاتحادُ الأوروبي وأصرَّ على التدابيرِ التي يهددُ بها سنعتبرُ ذلك خطوةً عدوانيةً وتداعياتُها ستكونُ خطيرةً على صعيدِ المنطقةِ وأبعد من المنطقة. استمعنا إلى حديثِ عموي فيما كان المجلسُ النيابيُّ يدرسُ بنودَ الموازنةِ بتغطيةٍ إعلاميةٍ من عشراتِ وسائلِ الإعلام. يوجدُ حاليًا في البرلمان 290 عضوًا، 14 منهم من غيرِ المسلمين ممثلينَ لأقلياتٍ دينيةٍ ما يقاربُ من (4.8 ٪) من المجلس. النساءُ يمثلنَ 8 ٪، بينما عالميًا نسبةُ النساء في المجالس تقارب 13٪.
عن سماحة السيد حسن نصرالله يؤكدُ عموي أنه محبوبٌ جدًا في إيران وأن العديدَ من أعضاءِ مجلسِ الشورى في إيران يتمنون لقاءَهُ وجهًا لوجه.
حاولنا إنقاذ مهسا
مهسا أميني يقولُ عموي: بعد وفاتها في مقرِّ الشرطةِ الايرانية تساءلَ الجميعُ كيف ماتتْ وعما اذا كانت قد تعرضتْ للتعذيبِ وهذا بالطبعِ أمرٌ لا يمكنُ القبولُ به إذا كان صحيحًا ولذلك شكَّلنا لجنةَ تقصّي حقائق متعددةَ الأطرافِ والاختصاصات واستدعينا رجالَ الشرطةِ وأرسَلنا وفدًا الى مركزِ الشرطة وشاهدنا الأفلامَ والصورَ وتابعنا التقاريرَ الطبيةَ وصدرَ تقريرُ اللجنةِ المختصةِ بعد ٢٠ يومًا من الحادثةِ وتأكدَ لنا انها لم تعنَّفْ ولم يُعتَدى عليها ولم تُضرَبْ وأن وفاتَها كانت بسبب مضاعفاتٍ صحيةٍ ناتجةٍ عن حالةٍ مرضيةٍ سابقةٍ كانت تعاني منها ولم تستطع فرقُ الإسعافٍ انقاذَها علمًا انها وصلتْ اليها بهذا الهدف والتقريرُ المتعلقُ بوفاة أميني تُلِيَ كاملًا في مجلسِ النواب.
انتظرنا ثلاثة أشهر
أضاف عموي انه بعد صدورِ التقرير بدأنا نشهدُ على أعمالِ شغبٍ وتخريبٍ وكان ذلك مؤشرًا بأن المطلوبَ ضربُ النظامِ في ايران على يد أعداءِ الجمهورية الاسلامية وهم كثرٌ أمثالُ فلولِ نظامِ الشاه ومجاهدي خَلقْ وغيرُهم ممن يريدونَ تقسيمَ إيران وكنا حريصينَ، على حد تعبير عموي ، على الاستجابةِ للرأيِ العام الايراني لذلك تمهَّلنا وتصرَّفنا بحكمةٍ ولذلك اخذتْ منا المواجهةُ فترةَ ثلاثةِ أشهرٍ حيث نجحت الجهاتُ الأمنيَّةُ الايرانيةُ في القاءِ القبضِ على محدثي الشغبِ علمًا أن هدفَنا كان تحييدُ الشعبِ والرأيِ العام لاننا حريصون عليه فبادرنا بالردِّ على الهواجسِ والتساؤلاتِ وبعدها انطلقنا للمواجهة ولو أردنا المواجهةَ من دونِ الأخذِ بعينِ الاعتبار شعبنا لكنا أنهينا هذه الظاهرة في أقل من ثلاثةِ أشهر.
وفيما كنا نهدّئ الأرض أمنيًا يتابع عموي لاحظنا الدبلوماسيةَ الاوروبيةَ تتحركُ بطريقةٍ مشبوهةٍ وخاصةً في المانيا باتجاهِ تعبئةِ الايرانيين في اوروبا حيث بدأَ بعضُ الذين هاجروا من مواطنينا الى اوروبا يتشكلونَ في صفوفِ أعداءِ ايران لأنهم شُحِنوا وعُبِّئوا . اوروبا تريدهم وقودًا في معركتها ضد ايران.
إعادةُ إحياءِ أعمالِ الشغب في ايران ستكونُ صعبةً للغاية يؤكدُ عموي ” لأننا سيطرنا على بعض مفاصل الشغب ومصدره وأؤكد أن القوات النظامية لديها خطة مواجهة ولها يد تطال العالم “. لم يمضِ على هذا الحديث أيامًا قليلة حتى ضُرِبَت أصفَهان. إسرائيل تضربُ من جديد. من أين خرجتْ المسيَّرات ولماذا خرجت؟
مشهدُ مَشهَد
استقلَّينا طائرةً تعملُ على الخطوطِ الداخليةِ للوصولِ إلى مشهَد حيث مقامُ الإمامِ علي الرِّضا. أوَّلُ خطوةٍ خطوتُها باتِّجاه مدخلِ المَقام أعادَتني إلى بَحثي عن وجود الله منذ اختياري للفلسفة اختصاصًا في سنتي الجامعية الأولى. كنتُ جادًّا في بحثي وقتذاك واستغرقني الأمرُ حوالي عشر سنوات قبل أن أستقرَّ قلبًا وعقلًا على حقيقةِ وجودِ الله. في مدينةِ مَشهَد اقترنَ وجودُ الله في نفسي بِحُضورِه. بين وجودِ الله وحضورِه فرق. صلاةُ المؤمنِ تجعلُ من وجوده حضورًا في حياة البشر. أن ترى داخلَ المقامِ عشراتَ آلافِ المؤمنين يفترشونَ الأرضَ ويصلّونَ بخشوعٍ تتيقّنُ أن حضورَ الله في صلاةِ الجماعةِ يجعلُ من وجوده معنى يتخطى الإيمانَ النَّظَري. صلّيتُ ودَعَيتُ عملًا بالنصيحةِ التي أُسدِيَت لي. زيارةُ المقامِ للمرةِ الأولى يجب أن يكون مقرونًا بأدعيةٍ ثلاثة. قُضِيَ الأمر إنما وسطَ بردٍ خارجَ المقامِ يقصُّ المِسمار.
قليل من الزعفران
لا عهدَ لي ولا خبرةَ بالزعفرانِ الإيراني. كان يطلُّ علي كل يوم على مائدة الغداء والعشاء في الأرزِّ المفلفل. تفاديًا للسمنةِ كنتُ أفتكُ بالقسمِ الملوَّنِ بالزعفرانِ فقط. لم تَسلَمْ أصابعُ الكبابِ ورِيَشُ اللحمةِ وقِطَعُ الدّجاجِ من نفسي الدنيئة.
أعادتني الزيارةُ إلى أسطورةِ أَهْلِ الكهفِ التي درستُها في السنة الجامعية الأولى اختصاص فلسفة. أرادَ منها أفلاطون أن نتخيّلَ مجموعةً من البشرِ لا يعرفونَ العالمَ الخارجي منذ الولادة. فتحوا عيونَهم وهم مقيَّدينَ بسلاسلَ غليظةٍ تمنعُهم من الاستدارة. عيونُهم شاخصةٌ إلى صفيحةٍ حجريةٍ أمامَهم حيث تتوالى صورٌ وأخيلةٌ يظنون أنها حقائق. يفلتُ واحِدٌ منهم فيخرجُ من الكهفِ ليرى العالمَ بشكلٍ مختلف. الحقائقُ تنقضُ الأوهام. يسارعُ الأسيرُ المحَرَّرُ عائدًا إلى رفاقِ الأسرِ ليخبرَهم بما رآه. يضطهدونه ويرمونَه باللعنات. تعوّدوا على الأوهامِ وتزعجُهم الحقائق. هذه الشهادةُ محاولةٌ للعودةِ إلى رفاقِ الأسرِ عسى لا تزعجُهم الحقائق….
[12:24 PM, 2/2/2023] Roni Alpha: قانونًا أن ترفضَ إرضاعَ طفلها فتطالبَ ببدلٍ ماديٍّ عن التضحيةِ التي تقومُ بها. تقاطعتْ هذه المعلوماتُ مع ما أخبرنا إياه مُضيفنا في طهران عن علاقةِ الاحترامِ بين الإمامِ الخميني وزوجتِه. جلسَ الإمامُ ينتَظِرُ العشاءَ ذاتَ مساءٍ فإذا بزوجته تتأخرُ عشرَ دقائق عن الحضور. اقتربَ منه أحدُ مساعديه ليعرضَ عليه تناولَ العشاءِ فرفضَ قائلًا لا أتناولُه إلا بحضورِ ” السيدة ” على ما كانَ يناديها إحترامًا.
بينَ البيتِِ والقصر
زرنا بيتَ الإمامِ الخميني.كَنَبةٌ مغطاةٌ بشرشفٍ أبيض. إسكملَةٌ على يسارِ الكنبةِ عليها مايكروفون. طبلِيَّتانِ مكسوّتانِ بقماشٍ مخمليٍ أزرق أمامَ الكنبة. على اليمينِ سريرٌ أشبَهُ بالسريرِ العسكريِّ لا يتَّسِعُ لتقلّبِ الجسمِ يسرَةً أو يُمنة . ستارةٌ حمراء على الحائطِ مرسومٌ عليها مربعاتٌ صغيرة. بيتٌ لا تتعدى مساحته ١٠٠ متر مربّع. بسيط. أثاثه بال…
[12:24 PM, 2/2/2023] Roni Alpha: عموي ، على الاستجابةِ للرأيِ العام الايراني لذلك تمهَّلنا وتصرَّفنا بحكمةٍ ولذلك اخذتْ منا المواجهةُ فترةَ ثلاثةِ أشهرٍ حيث نجحت الجهاتُ الأمنيَّةُ الايرانيةُ في القاءِ القبضِ على محدثي الشغبِ علمًا أن هدفَنا كان تحييدُ الشعبِ والرأيِ العام لاننا حريصون عليه فبادرنا بالردِّ على الهواجسِ والتساؤلاتِ وبعدها انطلقنا للمواجهة ولو أردنا المواجهةَ من دونِ الأخذِ بعينِ الاعتبار شعبنا لكنا أنهينا هذه الظاهرة في أقل من ثلاثةِ أشهر.
وفيما كنا نهدّئ الأرض أمنيًا يتابع عموي لاحظنا الدبلوماسيةَ الاوروبيةَ تتحركُ بطريقةٍ مشبوهةٍ وخاصةً في المانيا باتجاهِ تعبئةِ الايرانيين في اوروبا حيث بدأَ بعضُ الذين هاجروا من مواطنينا الى اوروبا يتشكلونَ في صفوفِ أعداءِ ايران لأنهم شُحِنوا وعُبِّئوا . اوروبا تريدهم وقودًا في معركتها ضد ايران.
إعادةُ إحياءِ أعمالِ الشغب في ايران ستكونُ صعبةً للغاية يؤكدُ عموي ” لأننا سيطرنا على بعض مفاصل الشغب ومصدره وأؤكد أن القوات النظامية لديها خطة مواجهة ولها يد تطال العالم “. لم يمضِ على هذا الحديث أيامًا قليلة حتى ضُرِبَت أصفَهان. إسرائيل تضربُ من جديد. من أين خرجتْ المسيَّرات ولماذا خرجت؟
مشهدُ مَشهَد
استقلَّينا طائرةً تعملُ على الخطوطِ الداخليةِ للوصولِ إلى مشهَد حيث مقامُ الإمامِ علي الرِّضا. أوَّلُ خطوةٍ خطوتُها باتِّجاه مدخلِ المَقام أعادَتني إلى بَحثي عن وجود الله منذ اختياري للفلسفة اختصاصًا في سنتي الجامعية الأولى. كنتُ جادًّا في بحثي وقتذاك واستغرقني الأمرُ حوالي عشر سنوات قبل أن أستقرَّ قلبًا وعقلًا على حقيقةِ وجودِ الله. في مدينةِ مَشهَد اقترنَ وجودُ الله في نفسي بِحُضورِه. بين وجودِ الله وحضورِه فرق. صلاةُ المؤمنِ تجعلُ من وجوده حضورًا في حياة البشر. أن ترى داخلَ المقامِ عشراتَ آلافِ المؤمنين يفترشونَ الأرضَ ويصلّونَ بخشوعٍ تتيقّنُ أن حضورَ الله في صلاةِ الجماعةِ يجعلُ من وجوده معنى يتخطى الإيمانَ النَّظَري. صلّيتُ ودَعَيتُ عملًا بالنصيحةِ التي أُسدِيَت لي. زيارةُ المقامِ للمرةِ الأولى يجب أن يكون مقرونًا بأدعيةٍ ثلاثة. قُضِيَ الأمر إنما وسطَ بردٍ خارجَ المقامِ يقصُّ المِسمار.
قليل من الزعفران
لا عهدَ لي ولا خبرةَ بالزعفرانِ الإيراني. كان يطلُّ علي كل يوم على مائدة الغداء والعشاء في الأرزِّ المفلفل. تفاديًا للسمنةِ كنتُ أفتكُ بالقسمِ الملوَّنِ بالزعفرانِ فقط. لم تَسلَمْ أصابعُ الكبابِ ورِيَشُ اللحمةِ وقِطَعُ الدّجاجِ من نفسي الدنيئة.
أعادتني الزيارةُ إلى أسطورةِ أَهْلِ الكهفِ التي درستُها في السنة الجامعية الأولى اختصاص فلسفة. أرادَ منها أفلاطون أن نتخيّلَ مجموعةً من البشرِ لا يعرفونَ العالمَ الخارجي منذ الولادة. فتحوا عيونَهم وهم مقيَّدينَ بسلاسلَ غليظةٍ تمنعُهم من الاستدارة. عيونُهم شاخصةٌ إلى صفيحةٍ حجريةٍ أمامَهم حيث تتوالى صورٌ وأخيلةٌ يظنون أنها حقائق. يفلتُ واحِدٌ منهم فيخرجُ من الكهفِ ليرى العالمَ بشكلٍ مختلف. الحقائقُ تنقضُ الأوهام. يسارعُ الأسيرُ المحَرَّرُ عائدًا إلى رفاقِ الأسرِ ليخبرَهم بما رآه. يضطهدونه ويرمونَه باللعنات. تعوّدوا على الأوهامِ وتزعجُهم الحقائق. هذه الشهادةُ محاولةٌ للعودةِ إلى رفاقِ الأسرِ عسى لا تزعجُهم الحقائق.