“مصدر دبلوماسي”
لينا أيوب
لو قلت منذ بضعة سنين ان الإنسان سوف يتنبأ بالزلازل لكنت ستعتبر مجنونا ولكن اليوم يحاول العلماء استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالزلازل والكوارث الطبيعية غير المتوقعة والتي تقتل مئات الآلاف من البشر. وإذا تمكن العلماء من تحذير الجمهور قبل أسابيع أو أشهر من حدوث زلزال، فإن عمليات الإخلاء والاستعدادات الأخرى يمكن أن تنقذ أرواحا لا تحصى.
هل يمكن التنبؤ بحدوث الزلازل؟
تطرح التساؤلات يوما بعد يوم عن امكانية العلماء التنبؤ بالزلازل وموضع انطلاقها وموعد حدوثها ودرجة قوتها ومقدار خطورتها وعواقبها البشرية والمادية. ولكن قبل الحديث عن إمكانية التنبؤ بالزلازل، يجب فهم أسباب وطريقة حدوث الزلزال.
كيف يحدث الزلزال؟
يرتبط الأمر بالقشرة الأرضية المكوّنة من قطع تتداخل فيما بينها تسمى الصفائح التكتونية. تتحرك هذه الصفائح ببطء شديد بمعدل من 1 إلى 20 سنتمترًا كل عام. ويحدث الزلزال عندما تتداخل هذه الصفائح ببعضها بشكل عنيف مما يؤدي إلى احتكاكات وتصدعات وتحطمات صخرية. تتغير شدة الزلزال بحسب حجم التصدع أو الاحتكاك الناتج من هذا التداخل.
ما هي أسباب حدوث الزلزال؟
تعود كل حالة تصدع واحتكاك بين الصفائح التكتونية إلى عوامل متنوعة تتعلق بمدى ليونة وجفاف الصخور داخل القشرة الأرضية وقدرتها بالتالي على تحمل الصدمات. علمًا بأن التصدعات الصخرية لا تتحرك باتجاه واحد، بل تتشعب بشكل عشوائي وبحسب طبيعة القطع الصخرية ودرجة حرارتها. بالإضافة إلى أثر جاذبية الأرض الذي يختلف من قطعة لأخرى وحركة طبقات الأرض، ولا سيما طبقة الوشاح الفاصلة بين نواة الأرض والقشرة الأرضية الخارجية. وبالتالي فإنّ تحركات الصفائح التكتونية غير واضحة بشكل كامل.
هذا الامر معقد تصعب دراسته وتوقع حدوثه بالرغم من جهود الباحثين في دراسة الإشارات التي من الممكن التنبؤ من خلالها بقرب حدوث زلزال. ونذكر على سبيل المثال الزيادات في تركيزات بعض الغازات مثل غازات الرادون، وذلك لخروجها بسبب شقوق وتصدعات في القشرة الأرضية. إضافة إلى إشارات أخرى مرتبطة بالنشاط الكهرومغناطيسي والجيوكيميائي والسلوك الحيواني في اللحظات التي تسبق حدوث زلزال أو هزة أرضية. وبالإعتماد على هذه المعايير والإشارات، يسعى الباحثون الى تطوير أنظمة التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالزلازل.
دور الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالزلازل
أثبتت تقنيات الذكاء الاصطناعي على مدار السنوات القليلة الماضية أنها أداة قوية في فهم وتحليل ومعالجة أي نوع من أنواع البيانات. ومنها المعلومات المتعلقة بالانبعاثات الزلزالية والانزلاقات الأرضية والمعطيات التاريخية لحدوث الزلازل السابقة وما بعدها والمعطيات الطبيعية والاصطناعية الحديثة. وبذلك تصبح أنظمة التعلم الآلي قادرة على تحليل هذا الكم الهائل من البيانات المرتبطة بالأحداث التاريخية والآنية ومعالجتها لإظهار نتائج مذهلة في تطبيقات معالجة اللغة الطبيعية. مما يؤدي إلى تقديم معلومات توقعية حول سلوك الاحتكاك في المستقبل. مما يطور قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالزلازل من خلال قراءة الإشارات والإنبعاثات الصوتية وحركة قشرة الأرض ومراقبة الضغط الذي يحصل على الفوالق بالتصوير الراداري وغيرها من البيانات ومعالجتها.
منهج أنظمة التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالزلازل
يعتمد منهج عمل نظام الذكاء الاصطناعي على معالجة اللغة الطبيعية، مثل ترجمة اللغة والتعبئة التلقائية للنص على الهواتف الذكية. وقد أثبتت تقنيات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي في الزلازل المختبرية قدرتها على التوقع بأي تحرك في كوكبنا الحي الديناميكي في المستقبل بدقة عالية. تسهم تقنية الذكاء الاصطناعي المطبقة على الإشارات الصوتية في تطوير سلسلة من الجهود السابقة من خلال التنبؤ بجميع جوانب الوضع المستقبلي للنظام الفيزيائي لأي احتكاك أو ضغط أرضي.
وقد حقق العلماء الجيوفيزيائيون والباحثون المخبريون تقدماً مطرداً في تطبيق تقنيات التعلم الآلي المختلفة لمواجهة تحديات التوقع سواء بالزلازل المختبري أو الحقيقي.
في حال أي احتكاك أو تحرك في باطن الأرض، تصدر إشارات صوتية على هيئة بيانات مخبرية عن الفيزياء الأساسية المستقبلية للدورة الزلزالية بأكملها وما بعدها. وهذا بحد ذاته يشكل سابقة في هذا المجال.
وقد طبق العماء المختصون نموذج محوّل التعلم العميق deep-learning transformer model على سلسلة من الانبعاثات الصوتية المختبرية للتنبؤ بحالات احتكاك الصفائح الصخرية بشكل مرادف لنموذج ترجمة اللغة. على سبيل المثال، يستخدم تطبيق Google Translation لائحة أكواد أو شيفرات لترجمة أي جملة إلى لغات مختلفة. ويبدو الأمر مثل كتابة بريد إلكتروني باللغة الإنجليزية للسماح للذكاء الاصطناعي بترجمته إلى اليابانية، والتوقع بكلماتك وملء نهاية الجمل تلقائيًا. بالمجمل، يعالج الذكاء الاصطناعي البيانات المتعلقة بما يحدث الآن للتنبؤ بما سيحدث لاحقًا.
التعلم الآلي والتنبؤ بوقت وقوع الزلازل
يستخدم العلماء عددًا كبيرًا من تقنيات التعلم الآلي للتنبؤ بأوقات الصدع في الزلازل المختبرية وبيانات انزلاقات الأرض البطيئة التاريخية. وذلك بالاعتماد على تطبيق التعلم الآلي على البيانات من تجارب مختبرية قد أثبتت أن الانبعاث تحتوي على معلومات حول حالة الزلزال الحالية وموقعه في دورة الانزلاق.
في الواقع، إنّ الخصائص الإحصائية للإشارات الزلزالية المستمرة المنبعثة من الصدع والتي يتم تحديدها من خلال تقنيات التعلم الآلي تمكّن الباحثين من التوقع بالإنزلاقات والإحتكاكات والتحركات الآنية. مما يسهم في تحديد توقيت حدوث الزلزال المختبري التالي.
في بادئ الأمر، كان الأمر يعتمد على إدخال بيانات الموجات أو الانبعاثات الصوتية في النموذج للتنبؤ بالحالة الحالية للصدع. وبذلك، يتضمن التنبؤ درجة معينة من الشك في تقدير العد التنازلي للزلزال التالي. ما يعني أن هذا لم يكن تنبؤًا مستقبليًا، بل وصفًا لوضع الأرض الحالي.
أما الآن، فيعتمد الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالزلازل على البيانات السابقة. وهذا يتجاوز وصف الحالة الأرضية الآنية، بل إنّ نموذج التعلم الآلي يتعلم من الموجات الصوتية في سبيل التوقع بالصدع أو الإنزلاق التالي. مما يعني أن النموذج لا يقتصر على الفيزياء، بل يتنبأ بالسلوك الفعلي للفيزياء.
محاكاة للزلازل في خوارزميات الذكاء الاصطناعي
تأهلت مجموعة من الباحثين من مركز علوم الحوسبة في معهد الزلازل التابع لمركز الهندسة المدنية وتكنولوجيا المعلومات بجامعة طوكيو ومركز مشاريع الذكاء المتقدم في جامعة طوكيو لنهائيات جائزة غوردون بيل للإنجاز المتميز في الحوسبة عالية الأداء. وذلك لإنجازاتهم في مجال محاكاة الفيزياء الزلزالية، من حيث إنشاء نماذج للحد من الكوارث والاستجابة لها.
من الصعب تشغيل محاكاة زلزالية حقيقية على مستويات مختلفة بسبب مجموعة مختلفة من الظواهر الفيزيائية. وقد قادت هذه المشكلة المعقدة فريق الباحثين إلى تصميم استراتيجيات جديدة تتضمن الذكاء الاصطناعي لمحاكاة الزلازل في المراكز المدنية بدقة عالية.
في مجال علوم الكمبيوتر، هناك فجوة كبيرة بين الذكاء الاصطناعي والمحاكاة القائمة على الفيزياء. ويعتقد الباحثون أنه من خلال سد هذه الفجوة، هناك مجال لتحسين أداء المحاكاة. لذا، أصبح العمل يقوم على الذكاء الاصطناعي ودرجات مختلفة من الدقة الرياضية لإنشاء محاكاة تمثيلية جديدة بكفاءة غير مسبوقة.
علمًا أن المحاكاة الفيزيائية تتطلب دقة عددية عالية للحصول على نتائج تتفق تمامًا مع الواقع المرصود. مما يستغرق الكثير من الوقت في الحوسبة ويستهلك الكثير من الطاقة. ما يجعل هذا النهج الجديد فريدًا هو كيف تتعلم تقنيات الذكاء الاصطناعي أين تكون الدقة أكثر فائدة، وأين يمكن تقليلها دون التضحية بالدقة بصورة عامة. ومع هذا المزج بين أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة والمحاكاة الفيزيائية التقليدية، من الممكن التوصل إلى فهم أفضل للتنبؤ والاستعداد للزلازل.
نتائج مدهشة والرهان على الذكاء الاصطناعي
وفي المجال نفسه، أجرى جونسون والمعاون كريس مالون علماء الجيوفيزياء في جامعة ولاية بنسلفانيا تجارب معملية باستخدام جهاز محاكاة للزلازل. يولد جهاز المحاكاة زلازل بشكل عشوائي ويولد بيانات لخوارزميات التعلم الآلي مفتوحة. وقد حقق النظام بعض النتائج المدهشة حيث وجد الباحثون أن خوارزميات الكمبيوتر تلتقط إشارات موثوقة في البيانات الصوتية الناتجة عن الاحتكاكات والتحركات. وتستمر هذه الضوضاء في الظهور بمرور الوقت مع لوحات تكتونية محاكية في المختبر. تكشف الخوارزميات أن هذه الضوضاء تتغير بطريقة معيّنة، مع اقتراب نظام البناء الاصطناعي من الزلازل المحاكاة. مما يعني أنه يمكن للباحثين عرض هذه الإشارة الصوتية في أي وقت ووضع حدود صارمة للوقت الذي يمكن أن يحدث فيه الزلزال.
على سبيل المثال، إذا حدث زلزال اصطناعي في غضون 20 ثانية، فيمكن للباحثين تحليل الإشارة للتنبؤ بالحدث بدقة في ثانية واحدة. هذه الخوارزمية لا تخبرنا فقط متى يمكن أن يحدث حدث في إطار زمني دقيق للغاية، بل تخبرنا في الواقع عن فيزياء النظم التي لم نلاحظها. حيث يعتقد أن الخبراء أن قدرة الأنظمة التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالزلازل قبل أشهر قد تتطور أكثر للتنبؤ قبل سنوات.
شركات التعلم الآلي في الاستجابة للزلازل:
خلال السنوات القليلة الماضية، نشأت العديد من شركات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي التي يتركز عملها على تقديم المشورة حول كيفية التخطيط للزلازل والاستجابة لها. وذلك من خلال وضع تنبؤات دقيقة بالعواقب والخسائر بناءً على إدخال ثلاث فئات رئيسية من البيانات.
تتضمن الفئة الأولى بيانات عن المنازل والمباني، متضمنة مواد البناء وتاريخه. بالإضافة إلى مدى احتمال انهيار المباني عند حدوث هزة أرضية أو زلزال. أما الفئة الثانية، فهي بيانات عن البيئة الطبيعية وعواملها ، مثل التربة والارتفاع والرطوبة العامة. وتركز الفئة الثالثة على بيانات فورية في الوقت الفعلي، مثل درجة الزلزال والكثافة السكانية في منطقة الزلزال والطقس في وقت وقوع الزلزال.
تستخدم تقنيات التعلم الآلي هذه المعلومات للتنبؤ بما سيحدث في حالة حدوث زلزال في منطقة معينة. كما تستخدم تقنيات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي بيانات الزلازل السابقة الواقعة على مر التاريخ في المنطقة. وتكمن أهمية عمل الذكاء الاصطناعي في قدرته على دمج البيانات الزلزالية وضبط التنبؤات في الوقت الفعلي عند حدوث زلزال.
ويبقى الأمر في انتظار الجهود المكثفة للكشف عن نقاب قدرة أنظمة التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي الفعلية على التنبؤ بالزلازل وعواقبها البشرية والمادية. وذلك عبر إنشاء نماذج متعلقة بالتنبؤ بالمخاطر الطبيعية وتقييم الخسائر مما يسمح بإجراء تقييم دقيق للخسائر المحتملة، وبالتالي في إدارة مخاطر الزلازل والكوارث الطبيعية الأخرة غير المتوقعة. وهنا يكمن دور الحكومات، ولا سيما حكومات الشرق الأوسط، في دعم البحث العلمي في مجال تطوير قدرات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالزلازل وتمويله وتوفير الوسائل الحديثة المطلوبة لذلك.
المصادر:
- AI predicts physics of future fault slip in laboratory earthquakes. Los Alamos National Laboratory. 07 October 2022.Retreived from: https://discover.lanl.gov/news/1007-earthquakes/ . Accessed 8 Feb. 2023.
- Tokyo, University of. Computer Scientists Use Artificial Intelligence to Boost an Earthquake Physics Simulator. 19 November 2018. Retrieved from: https://phys.org/news/2018-11-scientists-artificial-intelligence-boost-earthquake.html . Accessed 8 Feb. 2023.
- Palca, Joe. “Betting On Artificial Intelligence To Guide Earthquake Response.” NPR, 20 Apr. 2018. NPR, https://www.npr.org/2018/04/20/595564470/betting-on-artificial-intelligence-to-guide-earthquake-response. Accessed 8 Feb. 2023.
- الحافظ, شادي عبد. لماذا يصعب على العلماء التنبؤ بحدوث الزلازل بدقة؟. https://www.aljazeera.net/science/2023/2/7/%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%8a%d8%b5%d8%b9%d8%a8-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d8%a3%d9%86-%d9%8a%d8%aa%d9%86%d8%a8%d8%a4%d9%88%d8%a7-%d8%a8%d8%af%d9%82%d8%a9. Accessed 8 Feb. 2023.