“البوصلة”
مارلين خليفة
@marlenekhalife
بعد أن جرّد القاضي غسان عويدات المحقق العدلي طارق البيطار من أية صلاحية للنظر في ملف تفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020، وعقب المعركة القضائية المستمرة وارتفاع منسوب التوتر في الشارع مدفوعا من نواب ومن أهالي شهداء مرفأ بيروت الذين يعارضون اخلاءات السبيل لمشتبه بهم رئيسيين في قضية المرفأ، وبعيدا من الجدل القانوني، من المهم التوقف عند الخلفيات السياسية والدولية لهذا الملف المتفجر.
في بداية هذا الشهر وصلت وفود قضائية اوروبية من فرنسا والمانيا ولكسمبورغ بحجة التحقيق في ملفات مصرفية، من دون تبليغ السلطات اللبنانية بأجندة هذا الوفد الذي تألف من 25 قاضيا، في وقت سرت أقاويل بأن الوفد سيتداول أيضا بشأن بدء تحقيق دولي في قضية مرفأ بيروت، وذلك في تعدّ صارخ على السيادة اللبنانية.
وفي 18 الجاري، التقى وفد قضائي فرنسي المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار وذلك خلال زيارة هدفها بحسب الصحف الاستفسار عن معلومات طلبها القضاء الفرنسي ولم يحصل على اجوبة بشأنها. وفي 22 الجاري، أي بعد 4 ايام من لقاء البيطار مع القضاة الفرنسيين تمّ التسريب عبر وسائل الاعلام بأن البيطار سيدعي على 7 أشخاص، بينهم رئيس الوزراء السابق حسان دياب، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، واللواء انطوان صليبا وثلاثة قضاة آخرين “بجرائم القتل والإيذاء والإحراق والتخريب معطوفة جميعها على القصد الاحتمالي”، في سابقة غير مألوفة ومع التصويب الاعلامي المكثف على اسماء دون اخرى وخصوصا مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم وهذا ما يعيد الى الذاكرة الحملة الشعواء التي شنّت ضده عبر السوشال ميديا وناشطين تابعين لجهات معروفة، علما بأن اسم اللواء ابراهيم كان زجّ عنوة من قبل أحد مستشاري عهد الرئيس السابق ميشال عون من أجل القيام بتوازن طائفي وخصوصا وأن معظم المتهمين كانوا مسيحيين. وبعدها مثل اللواء ابراهيم امام القاضي فادي صوان الذي استجوبه في كافة الاسئلة المطروحة تاركا اياه بلا أية شبهة.
في هذا السياق من المهم ان يعرف الرأي العام الذي يتم اغراقه بحملات بعيدة من الواقع كل واحدة منها تحمل هدفا سياسيا مختلفا بأن صلاحيات المديرية العامة للامن العام محصورة ومحددة بمرسوم تنظيمي صادر في العام 1959 وبقانون صادر عن مجلس النواب في العام 1996 (قانون تنظيم المديرية العامة للامن العام)، وهما يحددان صلاحيات عمل هذا الجهاز الامني على جميع الاراضي اللبنانية ومنها المرافئ والموانئ البحرية والبرية والجوية وبينها مرفأ بيروت، فالكشف عن المواد والبضاعة التي تصل الى المرفأ ليست من صلاحية جهاز الامن العام الذي تنحصر مهامه بالتدقيق في اوراق البواخر والطائرات والآليات على غرار اوراق كل من يدخل الى الاراضي اللبنانية. أما امن المرفأ فله قوانين تنظم عمله تبدأ من ادارة مرفأ بيروت مرورا بالجمارك ووزارة المال ووزارة الاشغال العامة والنقل وصولا الى كل الاجهزة الامنية المعنية.
وبالتالي فإن تعميم الملاحقات، بمعنى وضع الشخصيات في نفس الخانة، بغض النظر عن صلاحياتهم وما اتخذوه من تدابير وما كتبوه من تقارير استباقية محذرة، وزجهم في ” سلة ” مسؤولية واحدة في قضية مرفأ بيروت لا يخدم عدالة القضية، خصوصا وأن الامن العام اللبناني كان راسل في العام 2014 الرئاسات الثلاث في تقرير يشرح فيه وجود مواد خطرة جدا ولم يحرك احد ساكنا.
الحدث البارز الآخر، هو اطلاق سراح محمد زياد العوف المسؤول عن أمن مرفأ بيروت، وهو يحمل الجنسية الاميركية. وقد بدأ الرأي العام اللبناني يلاحظ منذ قرابة الاشهر الثلاثة اندفاعة غير مسبوقة في أدوات اعلامية وقانونية تأتمر بالأميركيين ولها صلات واسعة بالسفارة الاميركية في بيروت تدعو بإسم حقوق الانسان الى اطلاق من اسمتهم “معتقلين زورا” في ملف مرفأ بيروت، وركزت هذه الحملات على إسم مدير عام الجمارك بدري ضاهر دون سواه. ليتبين بعد قرارات اخلاء السبيل سواء التي لم تنفذ للبيطار ولغسان عويدات أن المقصود بكل هذه الحملات هو العوف، الذي استفاد من فترة سماح 24 ساعة يعطيها القانون لكل من بحقه حظر سفر ليطير مباشرة عبر مطار بيروت الى وطنه الثاني أي الولايات المتحدة الأميركية. إن خروج هذا الشاهد الملك في قضية المرفأ، هو الحدث الرئيسي الذي ينبغي أن يتوقف عنه المحللون والمتظاهرون والنواب المعتصمون وأهالي شهداء مرفأ بيروت، كيف لمسؤول أمن مرفأ بيروت أن يغادر لبنان بمعرفة السلطات القضائية وبثغرة قانونية مقصودة دون أن يتساءل أحد لماذا؟
بطبيعة الحال، إن المحقق العدلي البيطار كان وضع اسمه بين من سيطلق سراحهم باستثناء بدري ضاهر، وبعد أن عاد غسان عويدات عن تنحيه قرر اطلاق جميع السجناء ومن بينهم بدري ضاهر. هذا السياق للحوادث يظهر بوضوح أن ثمة صفقة حدثت بين فريقين، وأن الكلمة الفصل كانت لممثلي الولايات المتحدة الأميركية وأدواتها في لبنان الذين اطلقوا سراح مواطن أميركي وشاهد رئيسي و”هرّبوه” بثغرة قانونية خاتمين التحقيق بالشمع الاحمر فيما تركوا “حلفاءهم” من نواب وناشطين يتظاهرون لوحدهم وهم يعيشون حالة انكار رافضين التصديق بأن دولة كبرى كأميركا تترك أدواتها لمصيرهم حين تدعو مصلحتها ذلك. وبالتالي إن التفكير يجب ان ينصبّ على سبب اطلاق العوف، وما الذي يعرفه هذا الرجل؟ ولماذا تمّ تهريبه وتمّت حياكة مسرحية اطلاق السجناء المعتقلين ظلما منذ أشهر عبر ادوات أميركية باتت مفضوحة.
والسؤال الآخر، هل صفعت الولايات المتحدة الاميركية مرة جديدة فرنسا باغلاق الباب أمام أية تحقيقات اوروربية؟ ولماذا؟ ثم، أين هي صور الاقمار الاصطناعية ولماذا رفض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تسليمها للبنان؟ وأخيرا، ماذا كانت نتائج صور الاقمار الاصطناعية التي تسلمها وزير خارجية لبنان الدكتور عبد الله بو حبيب في العام 2021 من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ولماذا لا يسأل عنها أحد؟ للتذكير فإن روسيا سلمت لبنان صورا فضائية وصور اقمار صناعية اعدتها وكالة روسكوزموس للمساعدة في التحقيق.
بإختصار، كما أن الجميع كان يعلم ماذا يحوي المرفأ، فإن الجميع يدرك لماذا تمّ تهريب محمد زياد العوف، وكل مسرحيات التظاهرات والتضامن اللفظي مع أهالي شهداء المرفأ هي لتنفيس الجو، فالولايات المتحدة الاميركية ختمت التحقيق بانفجار مرفأ بيروت لأسباب غامضة، لكنها تذكر حتما بتصريح رئيس الولايات المتحدة الاميركية السابق دونالد ترامب الذي تمّ طمسه فورا وقال فيه بأن لبنان تعرّض لهجوم.