“مصدر دبلوماسي” –مارلين خليفة
أمضى مدير عام الامن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم يومين اثنين في دير ” راهبات سيدة الخدمة الصالحة” في بلدة جبّولة البقاعية في قضاء بعلبك، حيث استضافته الراهبات المكرّسات وعددهنّ 27 تخدمن هذا الدير بحسب شعار رهبانيتهن المستمد من كلام يسوع المسيح “من اراد أن يكون فيكم كبيرا فليكن لكم خادما وهو نفسه أتى ليخدم لا ليخدم”.
درع وكلمة ترحيبية للام جوسلين جمعة
في الدير الوسيع المفعم بالوداعة والمحبة والتواضع والخدمة كان اللقاء مؤثرا بين اللواء ابراهيم و100 طفل يتيم تراوح اعمارهم بين الثلاثة والعشرة اعوام، استقبلوه بنثر الورود وأغنية “نوّرت الدار”. لتستقبله بعدها الراهبات وفي مقدمتهن رئيسة الدير الام جوسلين جمعة وبعد صلاة قصيرة في كنيسة الدير، رحبت مديرة الدير الأم جوسلين جمعة باللواء عباس ابراهيم مقدمة له درعا تكريميا والقت كلمة باسم الاخوات المدبرات قائلة:” باسم اخواتي الراهبات، باسم مؤسسات رهبانيتنا، وطبعا باسمي الشخصي، ارحب بسعادتكم اصدق ترحيب معربة عن سعادتنا جميعا باستضافتكم في ديرنا الام في جبولة، أي في بيت الله والناس. اننا نقدّر مبادرتكم ولفتتكم الكريمة، إنكم السباقون في حضوركم الى ديرنا ورهبانيتنا، ليس فقط للزيارة، ولكن ايضا للاقامة معنا، ولو لوقت قصير، وكم نتمنى ان يكون طويلا”.
أضافت:”إن مبادرتكم هذه ستترك بصمة طيبة في تاريخ رهبانيتنا التي فتحت ابواب مؤسساتها لجميع الناس لاننا نؤمن برسالة هذا الوطن المعذب لبنان، وبتوجيهات امنا الكنسية التي تبشر في كل مكان بالاخوة الانسانية، ونؤمن لا بل نلتزم بتعاليم سيدنا يسوع المسيح الذي تركنا كل شيء وتبعناه، لكي ننشر محبته لجميع الناس وبخاصة لاخوته الصغار الذين يعانون من الفقر والضيق والقهر والظلم والذين يرغبون بالتربية والتعليم.
إن زيارتكم يا سعادة اللواء هي افضل تعبير عن تقديركم لعملنا ولرسالتنا، إننا نقدرها كثيرا وبقدر تقديرنا نحن نفرح بها نعم، اننا نفرح بها لاننا نرى فيها مناسبة لكي نقوى بسعادتكم.
شكرا على كل ما تقومون به من اجل وطننا لبنان.
شكرا على اهتماممكم بتذليل كل العقبات التي تعترض قيام دولة الحق والعدالة والامن.
شكرا على تحملكم كل الصعوبات والمخاطر من اجل اطلاق سجين او مخطوف ومن اجل اعادة التواصل بين السياسيين ومن اجل تأمين العلاقات الحسنة بين لبنان وسائر الدول من اجل المطالبة بإبقاء لبنان ساحة حوار وعيش اخوي ووطنا يليق بالانسان.
نعم، يا سعادة اللواء، على كل ذلك نشكركم وينسحب الشكر ايضا على كل مبادرة تقومون بها وتحملون مسؤوليتها من اجل كل المواطنين، ومن اجل تأمين الامن على كل الاراضي اللبنانية وبخاصة على ارض هذه المنطقة التي تحبونها والتي صمدنا على ارضها طوال الايام العصيبة التي مرت علينا وعلى الوطن الرسالة.
نعم، هنا صمدنا لأن مؤسسنا المثلث الرحمات المطران يوسف المعلوف، ارادنا أن نكون هنا شاهدات لعمل الرحمة وللخدمة، وللتواصل مع جميع الناس. لأننا نرى فيهم أخوة وأخوات ولأننا جميعا” “عيال الله ” وموضوع محبته، ولأننا مكرسات، كما أراد مؤسسنا لهذه القيم، فنحن نؤمن أن محبة الله تتجسد بمحبة أخينا الإنسان، كائناً من كان. ولذلك أعطانا مؤسسنا المثلث الرحمات اسم راهبات سيدة الخدمة الصالحة، أمنا مريم، وعلى هذا الاسم نحن حريصات وبه نحن ملتزمات، ولذلك تقوم رهبانيتنا بالخدمة في أكثر من مكان وفي أكثر من قطاع، ودوماً بتوجيهات أمنا الكنيسة ورعاتها، وبخاصة راعي أبرشية بعلبك للروم الكاثوليك، ودوماً أيضاً بخدمة الناس الذي نكون معهم مسيحيين كانوا أم مسلمين.
نعم يا سعادة اللواء، ان الخدمة تشرّفنا وتغنينا ونحن نعيش منها ونساعد، بواسطتها، أخوة وأخوات لنا، من كل الطوائف، لكي نؤمّن لهم عيشاً كريماً وبخاصة في هذه الظروف الصعبة… وطبعاً، في أحاديثنا المتبادلة طوال اقامتكم بيننا، ستطّلعون على أنواع الخدمة التي نقوم بها، وكم سنكون سعيدات بأن نسمع منكم توجيهات واقتراحات لكي تدومَ خدمتُنا متألقةً وتبقى منسجمةً مع ما تقومون به من خدمات ومبادرات تهدف لخير الإنسان، أي إنسان…
سعادة اللواء
إننا نشكركم على زيارتكم ونأمل أن تكون إقامتكم بيننا مريحة وطيبة، وأن تجدون فيها وقفة تبعدكم عن مشاغلكم الكثيرة وجهودكم المضنية والمتعبة لترتاحوا أولاً ثم لتعودوا بزخم أقوى لتواصلوا دوركم ورسالتكم من أجل شعبنا المقهور، ونحن من هذا الشعب الذي سننقل لسعادتكم باسمه، خلال أحاديثنا معكم، وكما رغبتم، ما نعانيه وما يعانيه، بالرغم من أننا نعلم علمَ اليقين أنكم مدركون لهذه المعاناة وتشاركون الجميع فيها وتسعون لوضع حدِ لها.
ومن أجل ذلك، ستكون صلاتنا اليوم، كما كانت سابقاً، وكما ستبقى، من أجل توفيقكم وحمايتكم من كل شر، ومن أجل عائلتكم ومن أجل جميع قادة الأمن العام وأفراده، لكي يبارك الله حياتكم وعملكم وجهودكم.
ولكي يكلّل كل مبادراتكم بالنجاح ليستعيد الوطن عافيته وأمنه وسلامه، وليطمئّن المواطن لغده ومستقبله ويثبت على أرض وطن “عمره من عمر الزمن”.
نشكركم يا سعادة اللواء وأهلاً وسهلاً بكم”.
نبذة عن المطران يوسف المعلوف وتأسيسه الدير
والقت الاخت باسكال خضرا كلمة شرحت فيها تاريخ تأسيس الدير وسيرة مؤسسه المطران يوسف المعلوف وقالت:”ذات يوم سمع المثلث الرحمات المطران يوسف المعلوف قول المسيح: “مهما فعلتم مع اخوتي هؤلاء الصغار فلي فعلتموه”. يومها كان لا يزال طفلاً في قريته زبّوغا في المتن الشمالي، وهناك تعلّم التقوى وعمل الرحمة والصلابة في الموقف والصفاء في الخدمة والعطاء، والالتزام بالقيم.
وعندما كبُر دخل الجمعية البولسية في حريصا حيث نذر النذور الرهبانية وسيم كاهناً. ونظراً لجهاده ولسيرته الطيبة ومحبته للرسالة، ارسلته الجمعية الى وادي النصارى في سوريا لخدمة الناس ومساعدتهم على العيش الكريم وعلى معرفة الله ومحبة شعبه. وهناك ازداد شغفاً بخدمة الطبقة الشعبية وطالب اصحاب النفوذ والحكم بالاهتمام بهذه الطبقة وتوعيتها على الايمان وعلى الاحترام المتبادل.
واستناداً الى ذلك والى صوابية رؤيته وايمانه برسالته اكتسب ثقة الجميع وعمل في الكنائس والمدارس والرعايا التي خدمها على تنشئة الأجيال الصاعدة على القيم الانسانية والروحية والعلمية، بحيث أصبح حديث الناس وحديث المراجع الروحية في لبنان وسوريا والفاتيكان.
وعندما شغر كرسي ابرشية بعلبك للروم الكاثوليك اتجهت الانظار الى الأب يوسف المعلوف ليكون هو الراعي والاسقف لهذه الابرشية التي كانت تعاني ازمات متعدّدة. وفي سنة 1937 عينه المثلث الرحمات البابا بيوس الحادي عشر مطراناً على هذه الابرشية. وعندما تسلّم مقاليد رعايتها بدأ يزور الرعايا ويستمع الى مطالب الناس وحاجاتهم، الى جانب قيامه بتنشيط الخدمة الأسقفية والسعي لتسديد الديون المتراكمة على الابرشية.
وذات يوم زار جبولة واطلع على أوضاع الفلاحين ولاحظ أن الأطفال يعملون في الأرض مع أهلهم من أجل كسب العيش، ولا يذهبون الى المدارس. عندها بدأ بتجهيز غرفتين هنا لفتح مدرسة لتعليم الأولاد… ومن أجل تسهيل هذه الرسالة وغيرها اتخذ قراره بتأسيس رهبنة تعمل بحسب روحانية العذراء مريم، العاملة والمصلية والخادمة والأمينة لرسالة ابنها يسوع، ولذلك أعطانا اسم راهبات سيدة الخدمة الصالحة، وأوصانا بأن نردّد دوماً ما قالته أمنا مريم: “أنا خادمة للرب”، وطبعاً لإخوتنا البشر.
لقد أرادنا مؤسسنا المطران معلوف، ملتزمات بهذه الروحانية وساعيات دوماً لخدمة المحتاج بتواضع وصمت، مثالنا في ذلك المسيح المخلص الذي قال، عندما كان يغسل ارجل تلاميذه: “أعطيتكم قدوة حتى كما صنعت أنا تصنعون أنتم، والطوبى لكم اذا فعلتم ذلك”.
وعلى هذا الأساس، كانت راهباتنا منذ تأسيس الرهبانية في سنة 1954، مساعدات لهذا الراعي الغيور في خدمة الأبرشية والمنطقة والكنيسة”.
اللواء ابراهيم يثني على تضحية الراهبات وتجسيدهن للعيش المشترك
من جهته، قال اللواء عباس ابراهيم:” أود أولا شكركن، فرضنا انفسنا على ضيافة هذا الدير وتمضية بضع ساعات في ارجائه العابقة بالصفاء الذهني والفكري والمفعمة بالتضحية تعبيرا عن المكانة التي لعملكنّ لدي.
أنا أقول لكنّ من اعماق قلبي : “نيّال المنطقة فيكم”. لو وجد أناس في كل منطقة يشتغلون بهذه الروحية بغض النظر عن انتمائهم الطائفي، لكنّا في مكان آخر. تحدثت الام الرئيسة بكلام يظهر كم تختزلن من الاخلاق والقيم والقدرة والنية على الاستمرار والتضحية. أنا أجيء الى هنا لأشدّ على أياديكنّ وأقول لكنّ أنني أقف الى جانبكنّ، في كل ما يمكننا القيام به، واعتبروا أنه يوجد لكم أخ في خدمتكن كما أنتنّ في خدمة هذه المنطقة”. أضاف اللواء ابراهيم:” بالفعل، إنني أشعر أنني بين اخوتي واهلي، فحيثما يوجد بيت لله فهو بيت لنا جميعا بغض النظر عن الانتماء الطائفي. نحن مسلمون وانتم مسيحيون لأنه نشأنا وعشنا كذلك وهذه الثقافة التي تلقيناها في صغرنا، وهذا لا يعني أن هذا صح أو خطأ فنحن جميعنا في الطريق الصحيح طالما أننا ننوي خدمة الانسان والله من خلال الانسان. أعود وأشكركنّ، واقول لكنّ أن هذا البلد لا يموت بالتأكيد، وقد مرّ بظروف شديدة الصعوبة وتخطاها، ربما تكون هذه الازمة من الاشد التي مرّت بلبنان، لكن طالما يوجد أناس يعملون مثلكن بهذه النية الصافية، ولديهن قدرة على التضحية فلبنان لن يموت، نحن نقول أن لبنان هو نموذج في العالم. وسبق وقلت للاخوات اللواتي قمن بزيارة لنا، أن قداسة البابا يوحنا بولس الثاني يصف لبنان بأنه رسالة، فنحن نموذج للعالم، وبقدر ما نتشبث بهويتنا وبثقافتنا، بقدر ما نقدم خدمة للبشرية.
إن لبنان، هذا البلد الصغير هو عنوان لحوار الحضارات والاديان بعكس كل ما يقال من أن العالم متجه نحو صدام الحضارات. نحن جميعنا في هذا البلد نقدّم عبرة بكيفية التعايش، وهذه بحدّ ذاتها ثروة يجب أن نعرف قيمتها. كان السيد موسى الصدر يقول: “إن التعايش الاسلامي المسيحي هو ثروة يجب التمسك بها” ونحن متمسكون بها للنفس الأخير. وإن وجودي بينكنّ اليوم هو للعبير عن مدى تشبثنا بالعيش المشترك. أنتنّ تعكسن حقيقة ما يجب أن يكون عليه الانسان في هذه الارض ومقدار التضحية التي عليه ان يبذلها، إن الرسالة التي تقمن بها هي من أنبل وأسمى الرسالات في هذا الكون. أنا أشد على أياديكنّ وأشجعكن وأقول لكنّ مرة ثانية أنني الى جانبكنّ. أما بالنسبة الى سؤالكنّ عمّ ينتظر لبنان، فأنا وسط كل هذا الظلام المحيط بنا أقول أن النفق يوشك على النهاية بإذن الله، وأننا سنخرج منه. ليس مهما كم بلغ سعر صرف الدولار مع كل تأثيره علينا، المهم أن تبقى لدينا النية المعقودة لعمل الخير. وطالما أننا متكاتفين ومتضامنين ولدينا هذه الروحية سنبقى أغنياء بهذه الروح ولو وصلنا الى الفقر، وسنبقى قادرين على الصمود والاستمرار لكي نوصل بلدنا الى شاطئ الامان ونحن مصرون على ذلك. نحن لن نترك لبنان، ولن نحمل حقيبة ونهاجر، هنا تربينا وتعلمنا وكبرنا، فهذا البلد هو أمانة لدى الجميع ويجب الحفاظ عليه مهما كانت التضحيات والصعوبات، فنحن مستمرون بهذا النهج وهو نهجكنّ. ما سمعته اليوم يؤكد أنه نهجكن. الانسان هو الاساس، وليس الاساس المسلم او المسيحي. حكت السيدة مريم كما تفضلتنّ عن خدمة البشر، وليس عن خدمة المسيحيين او اتباع السيد المسيح. والامام علي يقول:”الناس صنفان أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”، فجميعنا متساوون أمام الله ويجب أن نشتغل على هذا الاساس، وحين نكون في منطقة كما تتواجدن تتالف غالبية سكانها من المسلمين سنّة أو شيعة، تكنّ انتنّ تجسدن لبنان وهويته. إن صمودكنّ هنا هو أهم من صمودنا جميعا، أنتنّ تجسّدن هذا التعايش وهذا الصفاء وديمومة الحياة المشتركة مع إخوتكن في الاسلام. لقد وكرّستن حياتكن لخدمة الانسان هنا، واعتقد أن غالبية التلامذة هم من المسلمين وانتنّ لا تفرّقن البتة بين الأديان ولن تفرّقن يوما”.
الام جوسلين جمعة: زيارتكم من العناية الالهية
وردت الام جوسلين جمعة بأن هذه الزيارة “هي من العناية الالهية، نحن كنا بغاية الشوق لزيارتكم لكنني لم اصدق أن نداءنا للزيارة سيلبّى بهذه السرعة،وشعرنا بأنها مكافأة لنا من ربنا، إن لفتتكم المعنوية عظيمة جدا بالنسبة الينا. لقد شعرنا أنه يوجد مسؤول يرى ماذا نفعل، نحن لا نريد اعلاما ونعمل بالخفاء، لكن طبيعة الانسان البشرية ضعيفة تحب أن يشدّ احدهم على يده وأن يشجعه ويحثه على الاستمرار. إن لفتتكم تجاهنا تشبه مدّنا بأوكسيجين معنوي للاكمال بزخم اكبر وقد اشعرتنا حضرة اللواء بأننا لسنا لوحدنا”.
وروت الراهبات فصولا من حياتهنّ في الدير وبنائهن له بأيديهنّ مع المطران يوسف المعلوف.
الجولة في انحاء الدير وسهرة مع الاطفال
جال اللواء ابراهيم والوفد المرافق في ارجاء الدير والمتحف الخاص بمؤسسه المطران يوسف المعلوف وفي غرف الاطفال، وتعرّف من خلال شروح الراهبات على نمط حياة الاطفال اليومي، والتنظيم الدقيق الذي يعيشونه بدءا من طقوس النظافة الصباحية والتهيئة للذهاب الى المدرسة التابعة للدير وفيها 1050 تلميذا من قرى وبلدات الجوار وهي فقط للمرحلة المتوسطة، ثم عودتهم لتناول الغذاء الذي تعدّه الراهبات لهم ليكملوا نهارهم بالدراسة واللعب ثم ينامون في الساعة الثامنة والنصف، فيما يبقى الاكبر سنا لغاية الساعة التاسعة والنصف.
أمس، كسر الاطفال هذه القاعدة، حيث بقوا يغنّون ويرقصون ويقدّمون اللوحات الفنية المختلفة على شرف اللواء ابراهيم ومعه العميد منح صوايا والمسؤولة الاعلامية في مطرانية الروم الكاثوليك سينتيا الغريب. وبعد أن تلقوا هدايا العيد من “عمّو عباس” أو “بابا نويل” كما اطلقوا التسمية على اللواء ابراهيم، قدموا له لوحة تمثل شجرة عائلاتهم كأطفال يعيشون في الدير. ثمّ جال المدير العام للامن العام اللبناني في مصنع الالبان والاجبان، الذي تصنّع فيه الراهبات مختلف انواع الاجبان والالبان كذلك المونة البيتية وتبيعها في أماكن مختلفة من اجل تمويل رسالتهن السامية التي أوصاهم بها مؤسس “رهبانية الخدمة الصالحة” المثلث الرحمات المطران يوسف معلوف (1893-1978) المرسل البوليسي ورئيس اساقفة بعلبك وتوابعها للروم الملكيين الكاثوليك. لا تمّل الراهبات من ذكر اسم المطران معلوف، الذي تميز بالتقوى وأمضى سنوات اسقفيته في ظروف صعبة اقتضت الكثير من الصبر والتجرد والجرأة والتواضع، مطبقا قول الرسول بولس:”نحن مضايقون من كل جانب ولكننا لا ننحصر، حائرون، ولكن على غير يأس مضطهدون ولكن على غير انخذال مطروحون ولكن على غير تلاش(…)”. في هذا الجو المفعم بالروحانية، استمعت الراهبات الى رواية تحرير راهبات دير القديسة تقلا في معلولا من جبهة النصرة وداعش وذلك من خلال العميد صوايا، وطرحن الكثير من الاسئلة عليه وعلى اللواء ابراهيم معتبرين أن هذا الانجاز له وللامن العام اللبناني سيبقى راسخا في وجدان الراهبات الى أي رهبانية انتمين.
استقبال في المدرسة الاسقفية المجانية للروم الكاثوليك
وفي برنامج اليوم للزيارة، جال اللواء ابراهيم في ارجاء المدرسة الاسقفية المجانية للروم الكاثوليك في جبولة وهي بإدارة الدير، حيث زار الصفوف الابتدائية والمتوسطة، وأعدّت الهيئة التعليمية في كل صف على حدة رسالة أو لوحة فنية أو اغنية أو ترتيلة مختلفة. وتمّ تزيين طوابق المدرسة بشعارات الامن العام اللبناني والعلم اللبناني مع شروح عن الادوار التي يضطلع بها الامن العام اللبناني. وعبّر التلامذة عن همومهم ومنها ما قاله التلميذ علي في الصف المتوسط الاخير من أنه “بعد أن امضينا 14 عاما في ارجاء هذا الدير وفي هذه المدرسة”. سنتخرج هذه السنة الى المجهول، لأنه لا توجد مدارس ثانوية تستقبلنا بسبب الازمة الاقتصادية وطلب من اللواء ابراهيم باسم رفاقه معالجة هذا المجهول لانهم يحبون التعلم”.
اللواء ابراهيم: العلم هو اساس المستقبل
وطلب التلامذة من اللواء ابراهيم الذي وصفوه بـ”القدوة” كلاما يتزودون به في حياتهم ومما قاله:”إن المقاعد الدراسية الموجودون عليها اليوم هي اساس حياتكم ومستقبلكم، لقد سمعت من الاطفال الصغار أمورا توجع القلب وتجعلنا نشعر بأننا مقصرون تجاهكم مهما فعلنا، ولكن العزيمة قائمة، نحن كلنا استعداد لنكون بخدمتكم لأننا نرى فيكم مستقبل البلد، وصيتي لكم أن تركزوا على الكتاب الذي بين ايديكم لأنه يؤمّن مستقبلكم ويجعله مشرقا. بقدر ما تدرسون تحسنون وضع بلدكم وتحافظون عليه. انا باق هنا لآخر نفس، ما اريده منكم ان تدرسوا وتتعلموا، وأن تكونوا من الاوائل لكي ترفدوا بلدكم بالقوة والصمود والقدرة على الاستمرار، إن الوضع الذي نمرّ به اليوم هو استثنائي بكافة المعايير، وهو لن يستمر، نحن بيدنا اطالة هذه المرحلة او اختصارها. أنتم مستقبل البلد اتكالنا عليكم لانكم المستقبل (…). وأشار اللواء ابراهيم ردا على سؤال عن ما فعله لتحقيق اهدافه:” “أنا تعبت كثيرا لأقف معكم اليوم، انا جئت من الجيش اصلا، نمنا على الطرق وتعبنا، لكن أهم ما قمنا به هو أن أية مهمة تكلفنا بها قمنا بها باخلاص، ومن قلبنا وبمحبة، إذا لم تقوموا بما تكلفون به بمحبة لا يمكن ان تنجحوا. يجب ان تؤمنوا بالمهمة التي تقومون بها ومهمتكم الاساسية اليوم هي كيفية التعلم، إن سبب كل نجاح هو الاخلاص والعمل بمحبة، اشتغلوا بهذه الصفات وانا متأكد ان مستقبلكم سيكون مشعا”. وسئل اللواء ابراهيم عن النصائح التي يوجهها لهم فقال:” كونوا لبنانيين، والعلم الذي رأيناه اليوم مرفرفا بين ايدي الصغار يجب ان يبقى هو الوحيد في البلد، هذا ما اوجهه لكم، إن قوتنا بوحدتنا، وان يكون ايماننا بهذا العلم وإيماننا بوطن موحد وعادل لكل ابنائه، هذا الايمان هو الذي يبني لنا وطنا ويخرجنا من فكرة ممارسة عقلية المزرعة التي نعيش فيها راهنا”.
وقال اللواء ابراهيم لتلامذة في صفّ آخر:” يمكنكم أن تلفّوا الدنيا وأن تجولوا فيها، لكن المهم أن ترجعوا الى لبنان، سافروا ولكن لا تهاجروا، تكفينا هجرة، انتم جيل الشباب مستقبل لبنان، الاتكال عليكم، للاسف ان غالبية من سافروا لم يعودوا لان ظروف البلد صعبة وانتم تغيرونها بيدكم (…). إذا كنتم ناجحين يكون البلد على شاكلتكم، وان كنتم فاشلين سيستمر البلد بالانحدار والانهيار، انتم بعلمكم وبعملكم ستقررون مصير لبنان. لديكم اخوات راهبات كرّسن حياتهن لخدمتكم، توفرن لكم في الدير أكثر ما يمكن توفيره من رعاية، لا تعاملوكن على اساس الدين، ولو فكرن كذلك لكان 90 في المئة من التلاميذ غير موجودين في المدرسة، توفرن لكم العلم وهو الاهم لأن لا مستقبل لبلد او لشخص بلا علم. الابقى والاقوى هو القادر على الاستمرار في الحياة، والاقوى ليس بعضلاته بل بعقله وبمستوى العلم الذي يحصله. لبنان بحاجة اليكم، سافروا وارفدوا البلد بكل دعم مادي ومعنوي لكن لا تهاجروا. لا تعتقدوا أنه يوجد بلد في العالم اجمل من لبنان، ابدا، لبنان بلد مقدس، وهذا ليس شعرا، هذا ما ستشعرون به حين تكبرون، وسترون كم هذا البلد مقدس وهو رسالة للعالم كما قال البابا يوحنا بولس الثاني اذا اردنا عالما تسوده الاخلاق والسلام (…). ليكن علمكم واحد هو العلم اللبناني، ليكن ايمانكم كل على طريقته، لا احد ينافس على الديانة لكن يجب ان تتنافسوا على محبة لبنان والاخلاص له، ليس لهذا البلد قيمة من دونكم وقيمكتم في علمكم اوصيكم بالدرس، العللم كله يدير ظهره للبنان، نحن علينا ان نفتح قلوبنا للبنان ونشتغل ونكافح ونقاوم ليبقى عندنا بلد وهذا واجبنا (…) وقال اللواء ابراهيم ايضا بأن اللبنانيين الذين هاجروا وعملوا في الخارج بنوا اوطانا في بلدان عدة لكن محبتهم للبنان لم تكن كافية لكي يحمونه ويستمرون بالنهوض به، وهذا الامر يقع على عاتق جيل المستقبل الذي عليه أن يعطي الاولوية للبنان”.
وفي جلسة وداعية مع الراهبات اللواتي سردن كيفية بناء الدير بأيديهن وجبلهم للباطون مع المطران معلوف، قال اللواء ابراهيم:” إن هذا الاسلوب السياسي المتبع في العالم والقائم على الظلم والقهر والكذب يفجر العالم، ما تقومون به، وهذا الفكر الذي نؤمن به، هو جزء اساسي من مقاومة الفكر الهدام الذي صار منتشرا في العالم أجمع حيث لم تعد من قيمة للحق بل للمصلحة. نحن نرفض تحقيق مصالحنا على حساب مصالح الآخرين، الاخلاق هي الاهم، لأن استمرارية الحياة والقيم هي بالاخلاق والسلام لا يعم بلا اخلاق. ان وجودكم هنا هو نقيض السياسة المتبعة في العالم، سياسة التقسيم والتباعد ورفض الآخر ومحاولة التسلط عليه ستأخذنا الى هدم الكرة الارضية وليس البلد فحسب. إن وجودكن هنا، في هذه المنطقة ملهم، وانا اعرف محيطكن جيدا هو دليل ايمان بما اقوله، ايمان وممارسة. من السهل ان يكون الايمان في القلب، لكن ممارسته في واقع صعبة، فهذا أمر استثنائي. إن ما رأيته من عمل في هذا الدير ادخل البهجة الى قلبي (…) وهو يمنح الراحة، فرؤية هؤلاء الاولاد ببراءتهم وشخصيتهم القوية بالرغم من انكسارهم الاجتماعي أمر مهم جدا. ما تقومون به عمل مقدس بالفعل (…).
وبعد لقاء حاشد ضمّ مئات الطلاب من ارجاء المنطقة تميز بالاناشيد الوطنية والكلمات الترحيبية، غرس اللواء عباس ابراهيم شجرة أرز في الحديقة بمعاونة التلاميذ، لينتهي اللقاء بصور تذكارية جمعت المعلمين والمعلمات والراهبات والتلاميذ.