مقالات مختارة
مجلة الامن العام
مارلين خليفة
انطلق العام 2022 بالمبادرة الكويتية وهي خليجية عموما اذ انبثقت من مقترحات مجلس التعاون الخليجي، وقد أذنت هذه المبادرة بعودة سفراء الخليج الى سفاراتهم بعد مقاطعتهم للبنان بسبب الازمة الحادة التي تسببت بها تصريحات وزير الاعلام اللبناني السابق جورج قرداحي، ويبدو بأن هذه المبادرة التي نالت موافقة مجلس التعاون الخليجي ستكون نجمة سنة 2023 ببنودها الـ12 التي تعتبر ممرا الزاميا لعودة المملكة العربية السعودية وشقيقاتها للاهتمام بالملف اللبناني. ولعله من المفيد التذكير ببنود هذه المبادرة وابرزها: قيام الحكومة اللبنانية بتنفيذ اصلاحات شاملة، الالتزام بتنفيذ اتفاق الطائف، شمول الاصلاحات جميع القطاعات ولا سيما الطاقة ومكافحة الفساد ومراقبة الحدود، تنفيذ قرارات مجلس الامن الدولي 1559 و1701 و1680 والقرارات العربية والدولية ذات الصلة، ضمان الا يكون لبنان منطلقا لاي اعمال ارهابية تزعزع الاستقرار والامن في المنطقة ومصدرا لترويج تجارة المخدرات والتأكيد على اهمية تعزيز دور الجيش اللبناني في الحفاظ على امن واستقرار لبنان، انشاء آلية مساعدات في اطار يضمن الشفافية التامة ويظهر العزم على ايجاد الآليات المناسبة للتخفيف من معاناة الشعب اللبناني، ضرورة حصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعية، وقف العدوان اللفظي والعملي ضد الدول العربية وتحديدا الخليجية والالتزام بسياسة النأي بالنفس.
وفي آذار عاد الحديث عن المبادرة الكويتية مع زيارة الامين العام للامم المتحدة احمد ابو الغيط الى لبنان، ونالت بيانا يؤيد مضمونها من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
كان وزير الخارجية الكويتي الدكتور احمد ناصر المحمد الصباح نقل هذه المبادرة الى رئيس الجمهورية السابق ميشال عون الذي اعرب عن ترحيبه بها. في الوقت عينه كان بدأ في كانون الثاني من السنة المنصرمة حراك فاتيكاني عبر زيارة لأمين سر دولة الفاتيكان لشؤون العلاقات بين الدول المنسينيور بول ريتشارد غلاغير ناقلا رسائل تحث على الحوار من قداسة البابا فرنسيس.
بالاضافة الى المبادرة الكويتية، صدر في 22 ايلول الفائت بيانا مشتركا للولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية لمناقشة موضوع لبنان على هامش الجمعية العامة للامم المتحدة واعربت هذه الدول عن دعمها المتواصل لسيادة لبنان وامنه واستقراره. وذكر البيان اهمية انتخاب رئيس قادر على توحيد الشعب اللبناني والعمل مع الجهات الفاعلة الاقليمية والدولية لتخطي الازمة الحالية التي تعيشها البلاد. ودعا الى تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الاصلاحات الهيكلية والاقتصادية الضرورية بصورة ملحة لمواجهة الازمتين السياسية والاقتصادية، وبخاصة الاصلاحات الضرورية للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وقال البيان:” نحن مستعدون للعمل بشكل مشترك مع لبنان لدعم تنفيذ هذه الاجراءات الاصلاحية الاساسية والحاسمة لازدهار البلاد واستقرارها وامنها في المستقبل، ونقرّ بالدور الذي يلعبه الجيش اللبناني وقوات الامن الداخلي بصفتها المدافع الشرعي عن سيادة البلاد واستقرارها الداخلي، وهو دور تواصل لعبه بحمايتها للشعب اللبناني خلال هذه الازمة غير المسبوقة. ونؤكد على ضرورة ان تقوم الحكومة اللبنانية بتنفيذ احكام قرارات مجلس الأمن الدولي رقم 1559 و1680 و1701 و2650 والقرارات الدولية الاخرى ذات الصلة، بما في ذلك القرارات الصادرة عن جامعة الدول العربية وان تلتزم باتفاق الطائف الذي يمكّن الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلم المدني في لبنان”.
النفط
منذ الشهر الاول من السنة الفائتة كان ملف النفط ساخنا. وجّه لبنان رسالة الى الامم المتحدة تعترض على رسالة اسرائيلية وذلك بناء على توجيهات رئيس الجمهورية تمثل اعلانا رسميا صريحا بنقل التفاوض بشأن الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية من الخط 23 الى الخط 29 مع الاحتفاظ بحق تعديل المرسوم الرقم 6433 في حال المماطلة وعدم التوصل الى حل عادل. وفي شباط الفائت بدأت زيارات الوسيط الاميركي في التفاوض غير المباشر لترسيم الحدود البحرية آموس هوكستين تتوالى الى بيروت وهو قال:” علينا ان نصل الى مرحلة يقرر فيها الطرفان انهما يريدان قرارا (…) لقد قلصنا الثغرات ويمكننا التوصل الى اتفاق”.
في 12 شباط اعلن رئيس الجمهورية ميشال عون للمرة الاولى منذ بدء التفاوض غير المباشر مع اسرائيل في تشرين الاول 2020 موقفا غير مسبوق وهو اعتماد الخط 23 خطا للتفاوض غير المباشر عوضا عن الخط 29، ويومها قال عون في حديث صحافي:” هنالك اطار تفاوضي وضع سابقا وتولاه الرئيس بري ونعمل من ضمنه. خطنا النقطة 23 وهي حدودنا البحرية، ليس تنازلا بل حقنا الحقيقي والفعلي، ان تعديل المرسوم 6433 لم يعد واردا في ضوء المعطيات الجديدة”. في 18 شباط بدأ “حزب الله” الضغط عبر ارسال مسيرّات. اذ اطلقت المقاومة الاسلامية في 18 شباط الطائرة المسيّرة “حسان” داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة وجالت في المنطقة المستهدفة لمدة 40 دقيقة في مهمة استطلاعية امتدت على طول 70 كيلومترا شمال فلسطين المحتلة ولم تتمكن اسرائيل من اسقاطها، فعادت ادراجها سالمة، واعقب ذلك تحليق للطيران الاسرائيلي على علو منخفض فوق بيروت. عاد هوكستين في حزيران وطلب منه رئيس الجمهورية العودة باجابات سريعة على المطالب اللبنانية.
وفي حزيران اشار رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى ان اتفاق الإطار يبقى الاساس والآلية الاصلح في التفاوض غير المباشر استنادا الى النصوص الواردة فيه والتي تدعو الى استمرارية اللقاءات وصولا الى النتائج المرجوة والتي تفضي الى ترسيم الحدود دون المساس بحق لبنان بالحفر سيما ان البلوك رقم ( 9) الذي سبق ولزّم وما يجري الآن هو مخالف للاتفاق من جهة ويحرم لبنان من حقوقه في وقت يسمح للكيان الاسرائيلي بالاستخراج والاعتداء الامر الذي يعرّض السلام في المنطقة ويفاقم من خطورة الاوضاع .
وشدد الرئيس بري على انه بموازة حرص لبنان على استخراج ثرواته هو ايضا يحرص على الحفاظ على الاستقرار .
وعاد هوكستين في ايلول معلنا انه “متفائل في الوصول الى اتفاق” حول ترسيم الحدود وان “هناك تقدماً في هذا المجال”.
في ايلول، بلغ التفاوض بين لبنان واسرائيل عبر الوسيط الاميركي آموس هوكستين امتاره الاخيره تمهيدا لتوقيع اتفاق عمل الاميركيون على بلورة تفاصيله بالارقام بين اسرائيل وفرنسا وقطر. وبالفعل حصل لبنان على الخط 23 اي 860 كلم كاملة بالاضافة الى حقل قانا، وقد وافق لبنان الرسمي على مبدأ ان تستوفي اسرائيل ما تعتبره حقوقا لها من الخط المتعرج لحقل قانا المتلاقي مع البلوك رقم 8. وفي 26 تشرين الاول الفائت وقّعت حكومتا لبنان واسرائيل اتفاقا نهائيا لترسيم الحدود البحرية بينهما عبر الوسيط الاميركي آموس هوكستين.
الانتخابات النيابية
منذ شباط الفائت بدأت الدول وفي مقدمتها مجموعة الدعم الدولية تحث على اجراء الانتخابات النيابية في موعدها وضمان تنظيم تصويت المغتربين في الوقت المناسب.
في ايار انطلقت عملية الاقتراع للانتخابات النيابية للبنانيين المقيمين في الدول الغربية واوروبا ثم الانتخابات العامة في لبنان التي جرت في 15 ايار دون اية اهتزازات امنية وباشراف دولي واوروبي تحديدا. لعل الخلاصة الرئيسية للنتائج قدمها سفير الولايات المتحدة الاميركية السابق في لبنان ديفيد هي وكانت كالآتي:” الواقع الذي ظهر يوم الاحد هو أنه في حين عانى حلفاء “حزب الله” المسيحيون من انتكاسات الا انّ الممارسات الديمقراطية والبنية السياسية الطائفية في لبنان تميلان إلى احداث حالة من الشلل”.
لم يشذ المساعد السابق لوزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى ديفيد شينكر في عهد الرئيس دونالد ترامب عن هذه الخلاصة الذي توصل اليها مواطنه هيل فقال في معرض تحليله للانتخابات النيابية في اطار حلقة حوارية نظمها “معهد واشنطن”. “انا شخصيا لست متفائلا بهذه الانتخابات ولا اعتقد انّ على الادارة الاميركية ان تراهن عليها. هنالك نظام معطّل في لبنان والانتخابات وفق قوانين انتخابية كهذه لن تصلحه بصورة واضحة”.
استجرار الكهرباء
في نيسان عاد الحديث بقوة عن استجرار الكهرباء من الاردن والغاز من مصر واعلن وزير الطاقة والمياه وليد فياض بعد لقائه مسؤول ملف الطاقة آموس هوكستين الذي زار لبنان مجددا في نيسان ان البنك الدولي طلب المزيد من الدراسة لمعرفة الجدوى السياسية.
صندوق سعودي فرنسي
في نيسان وقّع وزير اوروبا والشؤون الخارجية والوكالة الفرنسية للتنمية ومركز الملك سلمان للاغاثة والاعمال الانسانية في بيروت اتفاقا يرمي الى دعم “السكان المستضعفين في لبنان”، ويوفر هذا الاتفاق دعما ماليا بقيمة تناهز 30 مليون يورو لتنفيذ سلسلة من المشاريع في المجالين الانساني والانمائي. يمثل هذا الاتفاق، وفقا للمبادئ التوجيهية التي اعتمدها رئيس الجمهورية الفرنسية ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء الامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز في 4 كانون الاول في جدة، مرحلة هامة في تنفيذ الالتزام الذي قطعه وزير اوروبا والشؤون الخارجية ونظيره السعودي في باريس في 28 شباط في سبيل تقديم فرنسا والمملكة العربية السعودية الدعم المالي الطارئ لمشاريع مخصصة للسكان المستضعفين في لبنان.
تعديل مهام قوات اليونيفيل
في 31 آب الفائت جدد مجلس الامن الدولي لقوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان لكنه ادخل تعديلا جوهريا تعديل في سياق التمديد السنوي.
إذ ذكر مجلس الامن الدولي في البند 16 من القرار 2650 (2022) بأن “اليونيفيل” لا تحتاج الى اذن مسبق او اذن من اي شخص للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، وانه يسمح لها باجراء عملياتها بشكل مستقل ويدعو الاطراف الى ضمان حرية حركة “اليونيفيل” بما في ذلك السماح بتسيير الدوريات المعلنة وغير المعلن عنها.
حوار سويسرا المعطّل ومؤتمر الطائف
في تشرين الاول كانت سويسرا على وشك استضافة حوار على مستوى الصف الثاني لسياسيين وممثلي احزاب لبنانية ونشطاء لكن تم تعطيله بعد أن اشتمّ منه محاولته ادخال تعديلات دستورية. بعد ذلك نظم السفير السعودي في لبنان وليد البخاري منتدى حواريا في قصر الاونيسكو احياء لمرور 33 عاما على اقرار اتفاق الطائف. حملت الدعوة السعودية في هذا التوقيت بالذات مغاز عميقة اهمها تجديد اعادة التوافق حول نهائية الكيان اللبناني وطبيعة الهوية اللبنانية وهي عربية بامتياز وضرورة القيام بالاصلاحات التي نادى بها هذا الاتفاق منذ 33 عاما مستبقا كلّ المنابر الدولية.
في كانون الاول استقبل ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء الامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي. وفي 14 كانون الاول وقعت حادثة في بلدة العاقبية في جنوب لبنان قتل فيها الجندي الايرلندي في قوات اليونيفيل شون روني، بعد ان انحرفت آليته عن المسلك الرئيسي للاوتوستراد الى احياء سكنية داخلية في البلدة فهاجمه شبان وتعرض لاطلاق نيران فقتل وجرح 3 من الجنود الايرلنديين. هذا الحادث الذي حصل في خارج اطار عمل بقعة “اليونيفيل” في جنوب الليطاني ترك الكثير من التساؤلات وخصوصا بعد ان نال القرار 2650 نصيبه من التساؤلات في آب الفائت. ولا يزال الحادث موضع تحقيقات معمقة من السلطات الامنية اللبنانية وقوات “اليونيفيل” ولجنة تحقيق ايرلندية جاءت خصيصا الى لبنان.