مقالات مختارة
منصة تارجيت
عز الدين نوري
جاء التصعيدُ العسكريّ التركيّ عبر القصفِ الجويّ والمدفعيّ على مناطق مختلفة من شمال سوريا، بعد مرحلةِ هدوءٍ في مستوى التهديداتِ، وبدءِ الحديثِ عن المسار التصالحيّ، ليكون انتقالاً من منابر السياسة إلى فوهات المدفعيّة، كما أنّه جاء في مرحلةٍ بغايةِ الحساسيّة لجهةِ التحضيرات للانتخابات المقررة في 18 حزيران 2023، ولا يُعتقد أبداً أنّ الرئيس التركيّ أردوغان المعروفُ بحرصه على الفوزِ بالانتخابات يقدِمُ على خطوةٍ من هذا القبيل ما لم يضمن أنّها تزيدُ في رصيده الانتخابيّ، وإلا أضحى ذلك انتحاراً سياسيّاً، وأما ربطُ الضرباتِ الجويّة على شمال سوريا بتفجيرِ “تقسيم”، فلا يتوافقُ مع المسارِ الطبيعيّ للتحقيقاتِ في مثل هذه الأحداث، لأنّ الحكومةَ التركيّة لم تعلن بعد رسميّاً انتهاءَ التحقيقاتِ في القضيةِ، كما أنّ التهديدَ بشنِّ عمليةٍ عسكريّةٍ في سوريا يسبقُ التفجيرَ، ولكن الرفضَ الدوليّ وبخاصة في إطار أستانه حال دون تنفيذها.
وبذلك فالتوصلُ إلى استنتاجٍ أنّ تفجيرَ “تقسيم” جاء في توقيتٍ مشبوهٍ ليُخرج القرارَ التركيّ من عنق الزجاجة، وتتخذ منه ذريعة شكليّة لتوجيهِ ضرباتٍ جويّة على مناطق في شمال وشرق سوريا، لا يحتاج كبيرَ عناءٍ. بل إنّ حكومةَ أنقرة ماضيةٌ في العمليةِ بصورةٍ موسّعةٍ تستهدفُ القرى والبلدات المأهولة والمرافق العامة والبنى التحتية وحقول البترول وخزاناته ومنشآت الغاز وصوامع الحبوبِ، وحتى مخيم الهولِ ومحيط السجن الذي يحتجز معتقلي داعش لتفجر قنبلة الإرهاب الموقوتة، وتتجاوز بذلك كلَّ أهدافها المعلنة رسميّاً، وهي بصدد التحضير للانتقالِ إلى عمليّةٍ بريّةٍ بانتظارِ التوافقِ على حجمِ العملية والمساحة الجغرافيّة المستهدفة.
بالمجمل فإنّ كلّ الضربات الجويّة والقصف المدفعيّ رغم حجم الدمار الكبير وعدد الضحايا الذي يزداد بمرورِ الوقت فهو لا يعدو عن كونه بالوناتِ اختبارٍ لموقفي موسكو وواشنطن وكذلك المنظومة الدوليّة، فإن لم ترتقِ مواقفها إلى الحزم بالمنعِ، فإنّ أنقرة ستمضي قدماً، بالعمليةِ العسكريّةِ وتنتقلُ إلى التوغل البريّ. وما يحدث حالياً غضّ نظرٍ متعمدٍ يسمحُ باستمرار العدوان دون أيّ تغييرٍ على خريطةِ الميدان والانتشارِ العسكريّ.
من نافل القول إنّ استمرار العدوانِ التركيّ على شمالِ سوريا واحتلاله مناطق فيه، يتعارضُ جوهريّاً مع ميثاق الأمم المتحدة وعلى نحو خاص المادة الثانية والتي تنصُّ على “فضِّ جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر”. وتستغل أنقرة غياب الجهد الدوليّ وتقاعس المنظومة الدوليّة للاستمرار بالعدوان.
كما تستغلُ أنقرة الظروفَ الدوليّة التي نشأت عقب الحرب الروسيّة في أوكرانيا والتي بدأت في 24/2/2022، ولم تنضم إلى العقوبات الغربيّة على روسيا، وباتت معبراً رئيسيّاً للحبوب والغاز، وهي بصدد فتح أجوائها أمام الطيران الروسيّ إلى سوريا، وتجري مفاوضات بين الطرفين في هذا السياق.
ويتزامن التصعيد التركيّ بصورةٍ لافتة مع تصعيدٍ روسيّ في محافظة إدلب واستمرار الغارات الجويّة على مواقع مختلفة بالمحافظة والذي أسفر عن عدد من الضحايا وآخرها قصف مخيم “مرام” الذي أودى بحياة 10 مدنيين، بينهم أربعة أطفال وامرأة، وإصابة 75 آخرين. هذا التزامن بين التصعيدِ التركيّ في شمال سوريا والروسيّ في إدلب، يشير في دلالاته إلى مسعى لعقدِ اتفاقٍ صيغته مناطق في إدلب مقابل تل رفعت، في إعادة لاتفاقات سابقة من قبيل: حلب مقابل الباب نهاية عام 2016، وعفرين مقابل الغوطة في آذار 2018.
العملية العسكريّة التركيّة كانت مقررة مسبقاً!
بصرفِ النظرِ عن تفجيرِ الاستقلال وبمنطقة تقسيم وحكاية التحقيقِ السريعِ التي أجرتها السلطات الأمنيّة التركيّة، والتي كانت محلَّ الشك والانتقاد، إلا أنّ مساراً آخر يكشف أنّ العملية العسكريّة التركيّة موضوعة ضمن الأجندة السياسيّة بغايةِ الاستثمار السياسيّ على أكثر من مستوى.
في مقال نشره الصحفيّ التركيّ المقرّب من الحكومةِ عبد القادر سيلفي، على موقع hürriyet ذكر أنّه تحدّث مع مسؤول تركيّ – لم يذكر اسمه ومنصبه – بشأن العملية الجويّة التركيّة “المخلب السيف” ضد مراكز في مناطق مختلفة من شمال سوريا والعراق. وأشار “سيلفي” إلى أنّه سأل عمّا إذا كان من المخطّط أن تتطور هذه العملية إلى أن تصبحَ عملاً عسكريّاً برياً، ليرد المسؤول التركيّ بالإيجاب قائلاً: “نعم، إلا أنّه في هذه الحالات لا يعطى وقت محدد للعملية”.
اللافت أكثر أنّ “سيلفي” ذكر أنَّ الرئيسَ التركيّ أردوغان أعطى موافقته على العمليّة عبر الحدود قبل مغادرته لحضور مؤتمر “قمة مجموعة العشرين” في جزيرة بالي الإندونيسيّة، وأعطى الأمر بالمباشرة بعد عودته.
وقع تفجير شارع الاستقلال يوم 13/11/2022 الساعة 4:20 بعد الظهر، وحاصرت قوات الشرطة مكان الانفجار وفرضت حظراً للتجوال. وفي اليوم نفسه غادر الرئيس التركيّ إلى إندونيسيا، وعقد مؤتمراً صحفياً في مطار أتاتورك قبيل مغادرته وفق ما نقله موقع الرئاسة التركيّة، وقال أردوغان رداً على سؤال حول علاقة الانفجار في شارع الاستقلال بالإرهاب: “ربما يكونُ من الخطأ أن نجزمَ بأنَّ انفجار شارع الاستقلال عملٌ إرهابيّ لكن التطوراتِ الأوليّة والمعلومات التي تلقيناها من الوالي تشير إلى ذلك”. وفي تناقضٍ للموقفِ أشار الرئيس التركيّ إلى أن السلطاتِ تعتقدُ أنَّ التفجيرَ “إرهابيّ”، وأنَّ التحقيقاتِ الأوليّة تشيرُ إلى وجودِ دورٍ لامرأةٍ في الانفجار، واستطرد قائلًا: “سنتخذ القرار النهائيّ في نهاية التحقيقاتِ المتعلقة بالانفجار”. وكشف الرئيس التركيّ عن سقوط 6 قتلى على الأقل و53 جريحاً في الانفجار، وتعهد في كلمةٍ متلفزةٍ بالكشف عن منفذي التفجيرِ، وقال إنهم “سينالون عقابهم”، وأضاف أنّ “العناصرَ التي تحاول النيل من الدولة التركيّة لن تحقق طموحها”. ومن الواضح أنّ الرئيس التركيّ أراد أن يدفع المؤسسةَ الأمنيّة إلى صدارة الحدث وينأى بنفسه عنها ظاهريّاً.
وفي هذا السياق أعلنت الهيئة العليا للإذاعة والتلفزيون RTÜK فرضَ حظرٍ على تناقل المعلومات المتعلقة بالانفجار وطلبت من وسائل الإعلام الامتثال لذلك. وقال رئيس مكتب الاتصالات في الرئاسة التركيّة فخر الدين التون: على الجميع تحمل المسؤوليّة وعدم تداول أخبار مضللة. وبذلك أرادت الحكومة أن تكون وحدها مصدر المعلومات في أولى ساعات التفجير.
إعادةِ ترتيبِ الموقف
الرئيس التركيّ كان يوم التفجير بصدد المغادرة إلى بالي بإندونيسيا، بعد التفجير مباشرة، وأدلى بتصريحٍ ينفتحُ على تأويلاتٍ، فلم يجزم بعملٍ إرهابيّ، وقال إنّ القرارً سيُتخذ بعد نهايةِ التحقيقاتِ، ونقل عن والي إسطنبول وجودَ دورٍ لامرأة… فيما يقول الصحفيّ عبد القادر سيلفي المقرب من الحكومة إنّ “قرارَ العمليةِ العسكريّة كان متخذاً قبل السفر”، بل يرجح أنّه قبل وقوع التفجير!
بيانُ السفارة الأمريكيّة في إربيل أشار إلى أنّ لديها تقارير موثوقة بوجودِ عمليةٍ عسكريّة تركيّة شمال سوريا والعراق في الأيام القليلة القادمة، ودعتِ المواطنين الأمريكيين لتجنبِ هذه المناطق. وفي وقتٍ لاحقٍ تنصلت الخارجية الأمريكيّة من بيان قنصليتها في إربيل ووصفته بالتهويل.
قالت صحيفة Yeni Safak، التركيّة إنّه تمّ تغيير توقيتِ العمليّة الجويّة التركيّة في شمال سوريا والعراق بفارق يوم واحد بسبب تسريب الجانب الأمريكيّ معلومات عنها.
وأضافتِ الصحيفة: أنّه وفقاً للمعلومات التي تلقتها فقد كان من المقرر أن تتم العملية مساء الأحد. ولكن تمَّ تقديم الموعدِ ليومٍ واحدٍ، لأنَّ الجانب الأمريكيّ الذي تمَّ اطلاعه بشكلٍ مسبقٍ على العملية سرّب معلومات عنها. وبما أنَّ جهودَ واهتمامَ القوات المسلحة التركيّة تركّزُ على مدى عدة أشهر على العملياتِ في شمال العراق، لم يتوقع أحد حدوث مثل هذه العملية واسعةِ النطاقِ في سوريا”.
الضربات الجويّة والقصف المدفعيّ الكثيف واسع النطاق بدأ يوم 19/11/2022 ليلاً، قبل إغلاق ملف التحقيقات بشأن التفجير، والسلطات التركيّة وجهت الاتهام لأطرافٍ كرديّة مباشرةً، وهو اتهامٌ سياسيّ، ولا يؤخذ به في مسار التحقيقِ، والذي يأخذ مساراً جنائيّاً وقانونيّاً ويستند إلى أدلة قطعيّة، والرواية الأمنيّة جاءت مفككة لدرجة كبيرة في كثير من جزئياتها جاءت على سبيل الاستدراك وإضافة قصاصات معلومات لمنع انهيار فرضية الاتهام السياسيّ الظنيّ. وأوردت ضمن الاعترافات المزمعة أسماء عدة مناطق في شمال سوريا، تطابق بنك الأهداف الذي لطالما قالت الحكومة أنّها ستستهدفها. وبذلك فالمفارقة كبيرة في مطابقة الاعترافات مع خطة سابقة لأنقرة.
في المسار الجنائيّ يتم البحث في ركنين أساسيين الماديّ والمعنويّ، ويُطرح السؤال مباشرةً: من المستفيد من التفجير؟ من هي الجهة التي يمكنها توظيفه لصالحها؟ وثمّة حقيقة تفرض نفسها بقوةٍ تتعلق بأسلوبِ التفجير واختيار مكانه، وكلّ الأطراف الكرديّة السوريّة التي وُجهت لها أنقرة لم تُعرف بتنفيذ هذا النمط من العمليات، وقد بادرت مباشرةً إلى نفي علاقتها بالتفجيرِ وأدانته وقدمتِ التعزية لعوائل الضحايا.
“المخلب – السيف” ــ تصعيد تركي وصمتٌ سوريٌّ
أعلنت وزارة الدفاع التركيّة يوم السبت 19/11/2022 البدء بالعمليّة الجوية وقالت: “حان وقت الحساب”، واستهدف الطيران التركيّ في الليلة الأولى مواقع ومرافق خدميّة وأودى بحياة 11 مواطناً، وما حدث في قرية “تقل بقل” يرتقي لتوصيف المجزرة، فقد تم استهداف محطة تحويل للكهرباء، وفقد مواطنان حياتهما، على الأثر حضر الأهالي إلى الموقع للقيام بأعمال إسعافية، لتغير طائرة تركيّة مجدداً على الموقع وتودي بحياة سبعة مواطنين بينهم ً حياته وجرح ستة آخرين، بينهم بينهم الصحفيّ عصام حسن عبدالله مراسل وكالة هاوار للأنباء والذي في تغطية إعلامية لموقع الاستهداف، وكذلك عامل في شركة الكهرباء، فيما ألحقت أضرارٌ بالغة بالمحطة أخرجتها عن الخدمة.
وفي اليوم الثالث للضربات الجويّة والقصف هدد الرئيس التركيّ بالانتقال إلى عملٍ عسكري بريّ وذلك في تصريحاتٍ صحفيّة نقلتها وكالة الأناضول التركيّة الرسمية، أثناء عودته الإثنين 21/11/2022، من زيارة قطر بعد المشاركة في افتتاح نهائيات كأس العالم لكرة القدم. وأكد الرئيس التركيّ أنّ عملية “المخلب – السيف” شمال سوريا والعراق لن تقتصر على الضربات الجوية. وأشار إلى تدمير 12 هدفًا في مدينة كوباني شمالي سوريا، مشدداً على عدم وجود قيود بهذا الصدد وأنّ استمرار العمليّة وارد. وقال: “لم نتكلم عبثاً عندما قلنا إنّنا سنأتي على حين غرة، واتخذنا هذه الخطوة عندما حان الوقت المخطط والمنتظر”. وهذا التصريح لافتاً جداً، فالرئيس التركيّ يقرُّ أنّ قرار العمل العسكريّ قد اُتخذ سابقاً قبل وقوع تفجير تقسيم.
وأضاف: “من غير الوارد أن تقتصر العملية على الضربات الجويّة وسنتخذ القرار والخطوة بشأن حجم القوات البريّة التي يجب أن تنضمَ للعملية”. وأردف: “جهاز الأمن التركيّ يقرر ويتخذ خطواته، ولا ننتظر الإذن من أحدٍ وعلى الولايات المتحدة أن تعرفنا جيداً بعد الآن”.
ونفى أردوغان إجراء أي محادثات مع الرئيسين الأمريكي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين بخصوص العملية. وقال إنّه: لم يتم إجراء أي محادثات مع الرئيسين الأمريكيّ والروسي بخصوص العملية. وأشار إلى إمكانية متابعة العملية العسكريّة بريّاً بعد الضربات الجويّة.
لكن صحيفة “يني شفق” ناقضت تصريح الرئيس التركيّ قال اليوم إنّه لم يتم إبلاغ الجانبين الأمريكيّ والروسيّ مسبقاً بالعملية. وقالت صحيفة Yeni Safak، التركيّة إنّه تمّ تغيير توقيتِ العمليّة الجويّة التركيّة في شمال سوريا والعراق بفارق يوم واحد بسبب تسريب الجانب الأمريكيّ معلومات عنها.
وأضافتِ الصحيفة: أنّه وفقاً للمعلومات التي تلقتها فقد كان من المقرر أن تتم العملية مساء الأحد. ولكن تمَّ تقديم الموعدِ ليومٍ واحدٍ، لأنَّ الجانب الأمريكيّ الذي تمَّ اطلاعه بشكلٍ مسبقٍ على العملية سرّب معلومات عنها. وبما أنَّ جهودَ واهتمامَ القوات المسلحة التركيّة تركّزُ على مدى عدة أشهر على العملياتِ في شمال العراق، لم يتوقع أحد حدوث مثل هذه العملية واسعةِ النطاقِ في سوريا”.
فيما أوضحت قناة CNN التركيّة أنّه لم يكن هناك تبادلٌ للمعلوماتِ مع الجانبين، وأنّه مثل العمليات الأخرى جرى إبلاغ قوات البلدين بالابتعاد عن الأماكن قبل ساعة أو ساعتين. ولفتت إلى أنّ الاستنتاج الأمريكيّ بشأن تنفيذ عمليةٍ تركيّةٍ محتملةٍ في شمال العراق وسوريا قبل أيام، جاء بجهدها الاستخباراتيّ ولم يكن بلاغاً تركيّاً. ونفت القناة التركيّة، استخدام المقاتلات الحربيّة للمجال الجويّ السوريّ الخاضعة لسيطرة روسيّة. وكانت مصادر قد ذكرت أنَّ المقاتلات أصابت أهدافها من داخل الحدود السوريّة، في إشارة إلى خرق المجال الجويّ السوريّ.
ونقلت وكالة رويترز قول أردوغان أنّ هيئة الأركان العامة التركيّة ووزارة الدفاع ستقرران معاً بشأن مشاركة قوات برية. من جهتها قالت وزارة الدفاع التركيّة إن طائرات تركيّة نفّذت ضربات جويّة على قواعد للمقاتلين الكرد في سوريا والعراق، الأحد 20 نوفمبر/تشرين الثاني، ودمّرت 89 هدفاً رداً على تفجير إسطنبول.
وتم تداول معلومات أنّ الضربات الجوية التركيّة استهدفت 45 موقعاً بعمق 140 كم شمال العراق، و44 موقعاً بعمق 20 كم في سوريا، وتجاوزت تلك المسافة لاحقاً لتستهدف مواقع قريبة من مدينة الحسكة على عمق 70 كم، ولذلك يُطرح السؤال ما هو عمق الأمن القوميّ التركيّ ضمن الأراضي السوريّة.
الحكومة السوريّة لم تبدِ مواقف سياسيّة إزاء القصف التركيّ، ولم تعلن رسميّاً عن حصيلة الجنود الذين فقدوا حياتهم نتيجة القصف الجويّ التركيّ في العديد من المواقع (الشهباء وكوباني والجزيرة)، كما لم تحظَ الأحداث المتسارعة بالتغطية الإعلاميّة الكافية، وهذا التعاطي السياسيّ والإعلاميّ منخفض السوية له دلالات واضحة، تصبُّ في منحى واحد، عبر عنه دولت باهجلي زعيم حزب الحركة القوميّة الذي أيّد التقاربَ بين أنقرة ودمشق والتعاون معاً لاستهدافِ الإدارةِ الذاتيّةِ.
وفي تقرر نشرته جريدة الخبار اللبنانية في 25/11/2022 بعنوان ” محاضر أستانا 18 الحلّ السوري بعيدٌ وتركيا لن تنسحب، تم تأكيدُ تقاطعِ مصالح تركي ــ روسي ــ إيراني ضدّ قسد”، وجاء في التقرير “يَظهر أنَّ مصلحة الدول الثلاث الضامنة لـ«مسار أستانه» تلتقي عند العداء للقواتِ الكرديّة في الشمال السوريّ”.
حرب ليست ندية بين طرفين
تؤكد البيانات الرسميّة لمختلف الحكوماتِ على ضبطِ النفس، في تجاهلٍ للحقيقة، إذ لا يمكن توصيفُ الأحداث في شمال وشرق سوريا بأنّها “حرب” بين طرفين على مستوى من النديةِ، بل هو تصعيدٌ عسكريّ تركيّ، تُستخدم فيه الطائرات الحربيّة والمسيّرة والضحايا من جانبٍ واحدٍ. ومعظم المواقع هي قرى وبلدات مأهولة بالسكان ومنشآت حيويّة ومرافق خدميّة.
تبرر أنقرة القصفَ بمجرد أنّها تستهدفُ مواقع عسكريّة، في مبالغة ومخالفة للحقيقةِ، إذ لا يبررُ القانون الدوليّ استهداف مواقع عسكريّة في بلدٍ آخر بصورة العدوان، والقوات العسكريّة شمال سوريا لم تدخل في حالةِ اشتباك مع الجيش التركيّ لتردَّ عليها القوات التركيّة.
اللافت أيضاً استهداف القصف التركيّ مواقع عسكريّة تابعة لقوات الحكومة السوريّة، ما أدى إلى مقتلِ وإصابة عشرات الجنود، والمفارقة أنّ الحكومة التركيّة تدعو إلى انتشار القواتِ الحكوميّةِ في المواقع التي وضعتها على قائمة أهدافها.
قصف متعمد لمحطات الكهرباء وحقول النفط ومنشآت الغاز
وفقاً لما حددته الفقرة الثانية للمادة (52) من البروتوكول الإضافيّ الأول لعام 1977، يقصد بالأعيان المدنيّة كافة الأعيان التي ليست أهدافاً عسكريّة، وذلك يشمل كل من المنازل والمدارس والجامعات والمستشفيات ودور العبادة والجسور والمزارع والمنشآت الهندسيّة والمصانع وموارد مياه الشرب ومنشآت الري ومحطات توليد الطاقة الكهربائيّة، وبصفة عامة كل ما يهدف لخدمة الأغراض المدنيّة. ويشكل الاعتداء على هذه المنشآت خطراً شديداً على السكان المدنيين. كما وذكرت هذه الأعيان على سبيل المثال لا الحصر، حتى لا يتم تضيق نطاق الحماية الخاصة بتلك المنشآت والأعيان. كما حظر نص المادة (52) كافة صور الاعتداء المتوقع ضد هذه الأعيان، سواء تمثل ذلك في المهاجمة أو التدمير أو النقل أو التعطيل لتلك الأعيان.
مع بدء العملية العسكريّة التركيّة ليلة السبت استهدف القصف التركيّ محطة تحويل الكهرباء في قرية تقل بقل في منطقة ديرك، أقصى شمال شرق سوريا، ما تسبب بتدميرها بشكلٍ كامل، وبفقدان عاملٍ فيها لحياته وإصابة اثنين آخرين بجروح، وبخروج المحطة عن الخدمة انقطع التيار الكهربائيّ، عن نحو 65 قرية، علماً أنّه لا يوجد أيّ مقرات أو قوات عسكريّة ضمن المحطة. واستهدف الطيران الحربيّ محطّة “السويديّة” للغاز ومحطّة محروقات في قرية “الطفلة” قرب محطة السويديّة وألحق بها أضراراً كبيرة.
تزامن القصف التركيّ مع اجتماع أستانه لما تسمى الدول الضامنة (روسيا، إيران، تركيا) وورد في بيانه الختاميّ إشارة إلى “الاستيلاءِ غير القانونيّ على النفط” وأنّه يجب أن يكون “ملكاً لسوريا”، ولعلَّ ما حدث كان تنفيذاً مباشراً لاتفاقٍ غير معلن بين أطراف أستانه، يتضمن وقف استفادة الإدارة الذاتيّة من عوائد النفط والغاز من الحقول العاملة ومنع استثمارها والتضييق على سبل المعيشةِ بقطع الكهرباء.
كان يوم الأربعاء استثنائياً في طبيعة المواقع المستهدفة، فقد تم التركيز على حقول النفط ومحطات وخزانات الغاز، وبدأ القصف منذ الصباح عبر القصف الجويّ، واستهدف القصف التُّركيّ في هذا اليوم /116/ قرية وبلدة في سائر مناطق شمال وشرق سوريّا.
واستثنائية القصف في يومه الثاني يكمن في تزامنه مع عقد اجتماع الجولة 19 لمنصة أستانه، وكانت الإشارةُ واضحةً في تضاعيفِ البيانِ الختاميّ الذي صدر عن الاجتماع إلى اتفاق حول استهداف الإدارة الذاتيّة، إذ تجاهل القصف التركيّ الجويّ والمدفعيّ ووقوع ضحايا من المدنيين وأسفر عن دمار في منازل الأهالي وتخريب في المرافق العامة ومنها محطات تحويل الكهرباء، وكذلك الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها الفصائل المسلحة في مجمل المناطق المحتلة وبخاصة عفرين، والاقتتال الفصائليّ في منطقتي عفرين والباب، والذي كان غطاءً مباشراً لدخول مسلحي “هيئة تحرير الشام/ النصرة” المصنفة على قوائم الإرهاب من قبل واشنطن وموسكو وحتى أنقرة.
ومن الحقول ومنشآت النفط والغاز التي تم استهدافها:
حقل عودة النفطيّ: صباح الأربعاء قصفت طائرة مسيّرة محيط. الذي أن تمَّ قصف محيطه يوم الثلاثاء ومواقع تابعة له، فيما عاود الطيران التركيّ قصف الحقل مع ساعات المساء.
محطة دجلة للنفط: في قرية كرهوك شرق ناحية جل آغا، واستهدفه الطيران الحربيّ التركيّ بأربع غارات صباح الأربعاء، ما أدى لإصابة ثلاثة مدنيّين.
منشأة السويدية للغاز: الكائنة في قرية السويدية بريف ديريك، وهي المنشأ ة الوحيدة لإنتاج الغاز، واستهدفها الطيران الحربي التركيّ صباح الأربعاء بستة صواريخ، ما أدّى لاندلاع حريقٍ كبيرٍ فيها، وإلحاق أضراراٍ كبيرةٍ فيها، وانقطاع التيار الكهربائيّ عن العديد من المدن والبلدات والقرى. كونها مصدر تغذية عنفات الكهرباء، إلى خروج عنفتين للغاز من أصل 3 عنفات، و5 عنفات للنفط من أصل 6 عن الخدمة، أما العنفتان المتبقيتان تعرضتا لأضرار كبيرة، وبالتالي انقطاع الكهرباء عن مراكز نواحي كوجرات، وديرك، وكركي لكي، وجل آغا، وتربه سبيه، وقامشلي، ومئات القرى التي تتبع لهذه المدن والنواحي. وأغار الطيران التركيّ على محطّة محروقات في قرية “الطفلة” قرب محطة السويديّة وألحق بها أضراراً كبيرة كما اُستهدفت محطّة محروقات في قرية “الطفلة” قرب المنشأة.
محطتا سعيدة وزاربة: في ريف ناحية تربه سبيه الشمالي، قصفته طائرات حربيّة تركيّة ظهر الأربعاء، وأصيب عمال مدنيون بجروح.
مواقع نفطيّة في ناحية تربه سبيه: منها محطةَ تجميع للنفط في قرية معشوق، وخزان في محطة كيل حسناك وقد قصفته طائرات حربيّة تركيّة بعد الظهر
واستهدف القصف التركيّ بقذائف الهاون بشكل مكثَّف آبار النَّفط ما بين قريتي “ديرنا قلنكا” و”غر/ تل حسناك”، وكذلك آبار قرية “معشوقه”.
مواقع خدمية ومرافق عامة:
محطةَ النفط بقرية آل قوس: في ناجية جل آغا وقد قصفته طائر مسيّرة بعد الظهر الأربعاء.
محطة الكهرباء شرق ناحية تربه سبيه: وتقع على الطريق الواصل إلى قرية مزكفت تم قصفها مساء الأربعاء بطائرة مسيرة تركيّة. ما أدّى لاشتعال النيران فيها وإلحاق أضرارٍ كبيرةٍ بالمحطة.
محيط مشفى جيان- كوفيد 19: ويقع على المحلق الشمالي في مدينة قامشلي، وتم استهداف محيطه بثلاث قذائف مساء الأربعاء. واستهدف مبنى مشفى كوفيد ــ 19 في مدينة كوباني في ثاني أيام التصعيد. وحوّلته إلى ركام، وأصيب الصحفيّ محمد جرادة بشظية برأسه وكان يقوم بإعداد تغطية إعلاميّة لمواقع القصف،
من المواقع المستهدفة أيضاً صوامع الحبوب في قرية ظهر العرب بناحية الدرباسية وفقد اثنان من حراس الصوامع حياتهما. وقد تعرضت مرتين للقصف، ويقدر حجم الخسائر في الصوامع بما لا يقل عن 150 آلاف دولار، وكان قد تم تخزين نحو ألف طن من الذرة الصفراء في الموقع.
يُذكر أنّ القصف التركيّ لم يبدأ ليلة السبت، في منطقة الشهباء وقرى عفرين غير المحتلة في ناجية شيراوا، والتي كانت ملاذ أهالي عفرين بعد احتلالها، إذ لطالما كانت المنطقة في مرمى الاستهداف التركيّ، وبلغ عدد القرى المستهدفة في شهر تشرين الثاني الماضي، 58 قرية، تم إمطارها بأكثر من 6310 قذيفة أسفرت عن ضحايا وإصابات وأضرارٍ بممتلكات الأهالي.
هروبٌ من مخيم الهول والتهديد الأمنيّ
من أكثر القضايا حساسيّةً وخطورةً، قضيةً السجونِ التي يُحتجز فيها الآلافُ من عناصر “داعش” وكذلك مخيم الهول حيث تقيمُ عدةِ آلاف من عوائل عناصر “داعش”، ولاجئون عراقيون، وفيما تناشدُ الإدارةُ الذاتيّة المجتمع الدوليّ وحكومات العالم لإيجاد حلٍّ لهذه المعضلة الأمنيّة عبر إعادة استعادة الدول والحكومات لرعاياها من النساء الأطفال وإيجاد صيغة لمحكمة دولية لمحاسبة عناصر “داعش”، تُبذل جهودٌ كبيرةٌ على المستوى الإعاشيّ وكذلك الأمنيّ لمنع هروبهم، وقد تسببت العملية العسكريّة الجويّة التركيّة بفوضى أمنيّة في مخيم الهول، ووقعت حالات هرب من المخيم.
ففي أول ليلة للقصف تم استهداف موقعٍ قريب من مخيم “روج” في منطقة ديريك. ويوم الأربعاء 23/11/2022، قصفت المسيرات التركيّة موقعاً لقواتِ حمايةِ مخيم الهول، ما أدّى لاستشهاد سبعة عناصر، واستغلت عوائلٌ بالمخيم الظرف للهروبِ، وفي اليوم نفسه تمَّ قصفُ محيط سجن جركين قرب مدينة قامشلي، والذي يحتجز فيه آلاف من عناصر “داعش”.
وقال الرئيس المشترك لمكتب شؤون العدل والإصلاح في شمال وشرق سوريا، خالد رمو، في بيان رسميّ: “منذ قرابة الشهر تشهد كافة مراكز الإصلاح والتأهيل في شمال وشرق سوريا استنفاراً أمنيّاً وعسكريّاً، بسبب ورود معلومات تفيد بأنّ هناك خلايا تابعة لتنظيم داعش الإرهابيّ تخطط للهجوم على هذه المراكز، بهدف إخراج جميع معتقلي داعش الموجودين لدينا في مراكزنا كما أنَّ نشاط هذه الخلايا في الفترة الأخيرة مرتبط بشكل مباشر بالتهديدات التركيّة التي تمارس بشكل ممنهج على جميع وسائل الإعلام الموالية لها وقد بدأت بالفعل بالقيام بالاستهدافات التي طالت نقاطاً عسكريّة ومراكز طبيّة وأحياء سكنيّة في مختلف مدن شمال وشرق سوريا وراح على إثرها قافلة من الشهداء ولم تكتفِ بذلك بل قامت اليوم باستهداف محيط مركز الإصلاح والتأهيل التابع لنا، مع العلم أن هذه المراكز مليئة ومكتظة بمعتقلي تنظيم داعش الإرهابيّ ونخص بالذكر الاستهداف الذي طال اليوم محيط مركز الإصلاح والتأهيل جركين ومركز الإصلاح والتأهيل أوركيش الخاص بالمعتقلين المدنيين والإرهابيّين”.
فقد تمكنت مجموعة أفراد من عوائل “داعش” من الهرب من المخيم، الجمعة 25/11/2022، مستغلةً حالةَ اضطرابٍ فيه تزامنت مع تحليقٍ مكثفٍ للمسيّراتِ التركيّة فوق المنطقة، وهو أمرٌ شجّع بعض العوائل للاستمرار في الاستعصاءِ. إلا أنّه تم إلقاء القبضِ على الهاربين بعد فترة قصيرة.
ومن الواضحِ أنّ القصفَ التركيّ يستهدفُ خلقَ بيئةٍ من الفوضى والاضطراب تساعدُ على هروبِ المعتقلين أو عوائلهم في المخيمات، ويُنظر إلى كلّ محاولةٍ لتهريبِ معتقلي “داعش” أو عوائلهم، على أنّها مسعى لإحيائه ليتمكنَ من الانتقالِ من طورِ الكمونِ (الخلايا النائمة) إلى الظهور (السيطرة الجغرافيّة)، عبر إخراج آلاف المعتقلين من السجن. وهذا وجه الخطورة.
تفيد اعترافاتٌ نشرتها وكالة هاوار لهاربين من مخيم الهول أنّ التنسيقَ جرى مع مهرّب، وأنّه أخبرهم عبر الهاتف الجوال، أنّ ساعات الهربِ ستكون متوافقة مع قصفِ الطيران التركيّ المسير. ووفق الخطة فالوجهةُ إلى مدينة رأس العين الخاضعة للاحتلالِ التركيّ، ومنها إلى محافظة إدلب حيث يوجد لديهم أقرباء هناك وتم التنسيق معهم. وتسيطر على محافظة إدلب هيئة تحرير الشام/ النصرة سابقاً.
وإذا كانت مهمةُ حمايةِ السجونِ والمخيماتِ ممكنةً في الأيام العادية، فإنّ ذلك يصعب جداً مع قصفِ مواقع قريبة منها، واستهداف عناصر حمايتها في إطارِ العملية العسكرية التركيّة. وقد أكدت الإدارة الذاتيّة على هذه المسألة وناشدتِ المجتمعَ الدوليّ مراراً للتدخلِ ومنع استهدافِ هذه المواقع نظراً لتداعياته الخطرة، كما تتناسب المسؤوليّة عنها مع حجم خطورتها ولذلك لا تنحصرُ مسؤولية حماية هذه المراكز بالإدارة الذاتيّة والشعب السوريّ فقط، بل تخصُّ التحالفَ الدوليّ والمنظومة الدوليّة وفقاً لمقتضيات القانون الدوليّ وميثاق الأمم المتحدة الذي يؤكد على الأمن والسلام.
وبالاستناد الى ما سبق وتصورات المنطقة الآمنة وغاياتها في عمق العقل التركي فمن المهم التوقف لدى تعريف “المنطقة الآمنة” التي يتحدث عنها مسؤولو الحكومة التركية ورئيسها أردوغان، والوقائع تثبت الفوضى الأمنيّة والاقتتال الفصائليّ ووقع الانتهاكات بصورة يوميّة وعمليات الاختطاف والإخفاء القسريّ شملت النساء أيضاً، ولكل فصيل سجونه السريّة الخاصة.
تركيا ليست شريكاً موثوقاً في محاربة “داعش” وتثبتُ الوقائع أنّ المناطقَ الخاضعة لسيطرة الجيش التركيّ قد أضحت ملاذات آمنة لقادةِ التنظيمِ على أرفع مستوياتهم، فقد قُتل متزعم “داعش” المدعو “أبو بكر البغداديّ” في 27/10/2019 في قرية باريشا التابعة لمنطقة حارم بريف إدلب الشمالي، وفي اليوم التالي تمّت تصفية المدعو أبو الحسن المهاجر المتحدث باسم التنظيم في منطقة جرابلس الخاضعة لسيطرة الجيش التركيّ، كما قتل المدعو “عبدالله قرداش” وهو المتزعم الثاني للتنظيم بعمليةٍ للتحالف الدوليّ في 3/2/2022 في بلدة أطمة في محافظة إدلب أيضاً القريبة من الحدود التركيّة. وفي 12/7/2022 نفذ التحالف الدوليّ عملية في قرية خالطان بمنطقة عفرين التي تحتلها تركيا، تمت فيها تصفية المدعو “ماهر العكال” الذي كان يشغل منصب ما يسمى “أمير بلاد الشام”، وكان برفقته قريبه “منهل العكال” وهو أيضاً قياديٌّ في التنظيم. فيما تؤكد التقارير الإعلاميّة وجود الكثير من عناصر من “داعش” في صفوف الفصائل التابعة لها، بعضهم يشغل مواقع قياديّة.
تفجير إسطنبول ذريعة واتهام ملفق بطبيعة سياسية
بالمجمل لا تقدم الرواية الرسميّة التركيّة المفككة فيما يتصل بتفجير شارع الاستقلال بمنطقة تقسيم، أيّ أدلة قطعيّة على علاقتها مناطق شمال سوريا، والاتهام لم يتجاوز المستوى السياسيّ، مقابل توفر الأدلة على أن منفذة التفجير من عائلة “جهاديّة” مرتبطة بتنظيم “داعش” وانتقلت إلى تركيا انطلاقاً من مناطق احتلتها تركيا. وبالتالي تفتقر أنقرة إلى أدنى مبرر لشنّ العدوانِ على مناطق شمال سوريا، بذريعة تهديد أمنها القوميّ.
كما تنطوي الرواية التركيّة على اجتزاء للأحداث، بالمقابل تؤكد كلّ المعطيات وأسلوب الاستثمار السياسيّ للتفجير، وأنّه يُراد به إحراج الدول الكبرى وتجاوز عقدةِ الرفضِ لعملية عسكريّة أعلنت أنقرة عنها في تشرين الأول 2021، وجدد الرئيس التركيّ التهديد بها في 23/5/2022، وأعاد التهديدَ في مناسباتٍ عديدة.
وبالنظر إلى طبيعة المواقع التي يستهدفها الجيش التركيّ والتي اشتملت على مرافق عامة ومنشآت حيوية ومستشفيات ومدارس وبني تحتيّة ومناطق مأهولة بالسكان واستمرار ملاحقة السيارات على الطرق العامة وسقوط ضحايا من المدنيين، وصولاً إلى مخيم عوائل “داعش” وسجون احتجاز عناصرهم، كلّ ذلك يؤكدُ الدوافعَ الانتقاميّة لدى الحكومة التركيّة التي لا تتصل بأيّ صلة بتفجيرِ إسطنبول.