“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة
بعدما كانت الولايات المتحدة الاميركية شريكا رئيسا مع المملكة العربية السعودية في الملف اللبناني، فإن سفيرتها دوروثي شيا غابت عن الاحتفال الذي نظّمه سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد البخاري في قصر الاونيسكو يوم السبت الفائت بمناسبة مرور 33 عاما على ابرام وثيقة الطائف التي وضعت حدّا للحرب اللبنانية في العام 1989. ويعدّ هذا الغياب لافتا، نظرا الى الاهمية التي تعلقها الولايات المتحدة الاميركية على دور السعودية في مساعدة لبنان والدليل زيارة السفيرة شيا ونظيرتها الفرنسية آن غريو الى السعودية في العام الفائت لمحاولة حثّ المملكة على تلطيف موقفها من بعض القضايا الخلافية. فإلام يعود هذا الغياب المزدوج للأميركيين والفرنسيين؟ وهل له علاقة بموقف بلادهما من اتفاق الطائف؟
يشير مدير برامج شمال افريقيا والمكتب الاقليمي في معهد الولايات المتحدة الاميركية للسلام الدكتور إيلي ابو عون الى انه لا يعتقد بأن غياب السفيرتين له علاقة بموقف بلديهما من اتفاق الطائف. يقول أبو عون لموقع “مصدر دبلوماسي”:” ربما تكون الثابتة الوحيدة في السياسة الاميركية اليوم هي أنه من غير المناسب القيام بأمر ما يربك الوضع اللبناني اكثر، ومن المحسوم أن الولايات المتحدة الأميركية تعتبر اتفاق الطائف عامل استقرار لا فائدة من استبداله في المرحلة الحالية. إلا أن العلاقة بين الادارة الاميركية والقيادة السعودية تمرّ بأسوأ مرحلة في الاعوام الخمسين الماضية، ما ينعكس على حضور الفعاليات المتبادلة. إن تفاصيل الخلافات بين الطرفين ظهرت الى العلن في الأشهر الأخيرة بشكل غير مسبوق، واعتقد أن هذا يؤثر على العلاقة بين السفراء بما فيه حضور بعض النشاطات من دون أن يكون لذلك علاقة بموقف محدد من الطائف نفسه كإتفاق”.
بموضوع الطائف، يقول الدكتور أبو عون:” لا اعتقد أن الأميركيين يتمسكون بالطائف لمضامينه، بل كأداة من ادوات الاستقرار كي لا يتم فتح باب مغلق في ظرف إقليمي ودولي حرج معالمه غير واضحة. لذا لا رغبة في واشنطن ان يفتح بازار المطالب الإقليمية والدولية لتعديلات دستورية تحفظ مصالح تلك الدول والمكونات التي ترعاها في لبنان. ليس للأميركيين حاليا خطة بدعم أية مبادرة تغيّر بموازين القوى في لبنان، وهم يعرفون بأن أقوى طرف لبناني اليوم هو “حزب الله”، وثمة رأي رائج مفاده أن أي نقاش دستوري يتناول شكل نظام الحكم في لبنان سيعزز موقع “حزب الله” أكثر، لذا لا يدعم الأميركيون فكرة تعديلات دستورية، لكنهم بطبيعة الحال ليسوا ضدّ حصول تسوية سياسية في لبنان، وهذا ما أبلغوه للعديد من الاطراف، فبالنسبة اليهم كلّما ساد الهدوء والاستقرار في لبنان، كلما هو أفضل لهم لأن الفوضى والفراغ الأمني والازمات الاقتصادية الحادة تؤدي الى خطر بأن يأخذ “حزب الله” مساحة اكبر في البلد فيضطرون هم للتدخل بشكل أو بآخر، وبالتالي من وجهة نظر الاميركيين، الافضل المحافظة على الحد الادنى من الاستقرار في لبنان من دون فتح ابواب جديدة”.
بالنسبة الى الهواجس السعودية المستجدة وخلفياتها، يقول الدكتور إيلي ابو عون:” اعتقد أن السعودية لاحظت بتمعّن أن موقف الاميركيين من ايران وحزب الله يتميز بالليونة، وفي الوقت عينه، هنالك موضوع النظام السوري، فقد توصلت السعودية -على مضض- الى نتيجة بعدم جدوى محاربته ، وثمة مؤشرات لديها بنوايا السوريين الاستمرار بالتحكم ببعض القرارات في لبنان، سواء مباشرة عبر حلفائهم او عبر “حزب الله”، فهذه المعادلة كلها، وضعف فرنسا، والاريحية التي يعيشها حزب الله والنظام السوري وانكفاء الولايات المتحدة الأميركية كلها عوامل تدفع السعودية الى التوجس اكثر فأكثر والخوف على المكتسب الوحيد في لبنان وهو اتفاق الطائف”.
لا يدخل أبو عون في تفاصيل الموقف الفرنسي لكنه يؤكد صحة أن “السعوديين اتصلوا فعليا بالفرنسيين حين علموا بأن فرنسا تعدّ لمبادرة حوارية، وطلبوا منها ضمانات ألا تتضمن مخرجات الحوار تغييرا في اتفاق الطائف، ويبدو ان جواب فرنسا كان إيجابيا، وأن أي حوار عتيد سيكون فقط لإنتاج تسوية سياسية تخرج لبنان من حال المراوحة الموجود فيها”. لكن أبو عون يؤكد ان مبادرة السفارة السويسرية ومنظمة الحوار الانساني لا علاقة لها بأي حوار كانت فرنسا تعدّ له أو تفكّر به. وهل صحيح بأن فرنسا طرحت فكرة المثالثة؟ يقول الدكتور أبو عون:
“يفتش [الرئيس الفرنسي إيمانويل] ماكرون عن ملف خارجي ينجح فيه، وإذا تمكن من ان يضع لبنان على سكة التعافي الاقتصادي يمكن استخدام هذه الورقة على انه نجح في أحد ملفات السياسة الخارجية ولكن لا اعتقد أن الفرنسيين يريدون قصدا أن يصلوا الى موضوع المثالثة. لكن، ينبغي التنبه الى انه في حال جمعت فرنسا الاطراف اللبنانيين وفرض الايرانيون موضوع المثالثة، فليس باستطاعة فرنسا فعل أي شيء، سيكون “حزب الله” مفاوضا من موقع قوة، وإذا تبيّن خلال الحوار أن المثالثة هي الحلّ، فلن يرفضها الفرنسيون او يدافعوا عن المسيحيين لكن ليس الفرنسيون هم من يقومون بكل هذه الامور للتوصل الى المثالثة”.
يختم الدكتور إيلي ابو عون:” إن الدافع للفرنسيين هو النجاح بالملف اللبناني، ولا اعتقد أن تغيير الطائف هو اولوية “حزب الله”، فهذا الحزب يسيطر على مفاصل الدولة برمّتها، فلم سيطالب بالثلث الآن ولديه قدرة وضع الفيتو على القرارات الاستراتيجية؟ أعتقد بأن “حزب الله ” يترك “المثالثة” كنوع من “فزّيعة” يستخدمها بين الفينة والاخرى. وبالتالي، أعتقد أنه توجد فسحة لحوار سياسي في لبنان من دون تغيير الطائف وتجنب الوصول الى نظام مثالثة”.